فوائد من اغاثة اللهفان
حكمــــــة
معنى قوله تعالى (والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا.....) أقسم سبحانه وتعالى بالدهر الذي هو زمن الأعمال الرابحة والخاسرة، على أن كل واحد في خسر، إلا من كمّل قوته العلمية بالإيمان بالله، وقوته العملية بالعمل بطاعته، فهذا كمال في نفسه، ثم كمّل غيره بوصيته له بذلك، وأمره إياه به، وبملاك ذلك وهو الصبر، فكمّل نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح، وكمّل غيره بتعليمه إياه ووصيته له بالصبر عليه
حكمــــــة
ما المراد بالتعذيب في قوله تعالى (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهم كافرون)؟ قال الحسن البصري: يعذبهم بأخذ الزكاة منها والإنفاق في الجهاد واختاره ابن جرير. وقالت طائفة: تعذيبهم بها أنهم يتعرضون بكفرهم لغنيمة أموالهم، وسبي أولادهم، فإن هذا حكم الكافر، وهم في الباطن كذلك. والصواب – والله أعلم – أن يقال تعذيبهم بها هو الأمر المشاهد من تعذيب طلاّب الدنيا ومحبيها ومؤثريها على الآخرة، بالحرص على تحصيلها والتعب العظيم في جمعها، ومقاساة أنواع المشاق في ذلك، فلا تجد أتعب مَنْ الدنيا أكبر همِّه، وهو حريص بجهده على تحصيلها
حكمــــــة
18- ما السر في قول الله عقب أمر الله المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم (الله نور السماوات والأرض)؟
----------------
سر هذا الخبر: أن الجزاء من جنس العمل، فمن غض بصره عما حرم الله عليه عوضه الله تعالى من جنسه ما هو خير منه، فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه، فرأى به ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضه عن محارم الله
حكمــــــة
لا يدخل المصلي عليه حتى يتطهر، وكذلك جعل الدخول إلى جنته موقوفاً على الطيب والطهارة، فلا يدخلها إلا طيب طاهر، فهما طاهرتان: طهارة الأبدان، وطهارة القلب، ولهذا شرع للمتوضىء أن يقول عقيب وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.، فطهارة القلب بالتوبة، وطهارة البدن بالماء
حكمــــــة
ما السر في قول (غفرانك) بعد الخروج من الخلاء؟
----------------
وفي هذا من السر – والله أعلم – أن النجو يثقل البدن ويؤذيه باحتباسه، والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسها فيه، فهما مؤذيان مضران بالبدن والقلب، فحمد الله عند خروجه على خلاصه من هذا المؤذي لبدنه، وخفة البدن وراحته، وسأل الله أن يخلصه من المؤذي الآخر ويريح قلبه منه ويخففه
حكمــــــة
القلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضار المؤذي. ومن علامته صحته: أن يرتحل عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة ويحل فيها حتى يبقى كأنه من أهلها وأبنائها. ومن علامة صحة القلب: أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى الله ويخبت إليه ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه. ومن علامة صحة القلب: أن لا يفتر عن ذكر ربه، ولا يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره إلا بمن يدله عليه ويذكره به. ومن علامات صحته: أنه إذا فاته ورده وجد لفواته ألماً أعظم من تألم الحريص بفوات ماله. ومن علامات صحته: أن يكون همه واحداً، وأن يكون في الله. ومن علامات صحته: أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا. ومن علامات صحته: أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعاً من أشد الناس شحاً بماله.
حكمــــــة
قال عمر: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا. وقال الحسن: لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه: ماذا أردتِ تعملين؟ وما أردتِ تأكلين؟ وقال ميمون بن مهران: إن التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان عاص ومن شريك شحيح. وقال الحسن: المؤمن قوّام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا. وقال مالك بن دينار: رحم الله عبداً قال لنفسه: ألستِ صاحبة كذا؟ ألستِ صاحبة كذا؟ ثم زمها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله فكان لها قائد. وقال الحسن: رحم الله عبداً وقف عند همهِ، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر
حكمــــــة
ما الذي يعين على محاسبة النفس ومراقبتها؟
----------------
يعينه على هذه المراقبة والمحاسبة: معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غداً إذا صار الحساب إلى غيره، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غداً. ويعينه أيضاً: معرفته أن ربح هذه التجارة سكنى الفردوس، والنظر إلى وجه الرب سبحانه، وخسارتها: دخول النار والحجاب عن الرب تعالى، فإذا تيقن هذا هان عليه الحساب اليوم
حكمــــــة
الحكمة من أمر الله تعالى بالاستعاذة قبل القراءة؟
----------------
في ذلك وجوه: منها: أن القرآن شفاء لما في الصدور يُذهب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والإرادات الفاسدة، فهو دواء لما أثره فيها الشيطان، فأمر أن يطرد مادة الداء. ومنها: أن الملائكة تدنو من قارئ القرآن وتستمع لقراءته، والشيطان ضد الملك وعدوه، فأمر القارئ أن يطلب من الله تعالى مباعدة عدوه عنه. ومنها: أن الشيطان يُجلب على القارئ بخيله ورجْله حتى يشغله عن المقصود بالقرآن، وهو تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد به المتكلم به سبحانه، فيحرص على أن يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن. ومنها: أن الشيطان أحرص ما يكون على الإنسان عندما يهمّ بالخير أو يدخل فيه، فهو يشتد عليه حينئذ ليقطعه عنه، وكلما كان الفعل أنفع للعبد وأحب إلى الله تعالى كان اعتراض الشيطان له أكثر
حكمــــــة
كيد الشيطان للإنسان: من ذلك قوله تعالى (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) قيل: (يعدكم الفقر) يخوفكم به، يقول: إن أنفقتم أموالكم افتقرتم (ويأمر بالفحشاء) قالوا: هي البخل في هذا الموضع خاصة، ويُذكر عن مقاتل والكلبي: كل فحشاء في القرآن فهي الزنا إلا في هذا الموضع فإنها البخل. والصواب: أن الفحشاء على بابها: وهي كل فاحشة، فهي صفة لموصوف محذوف، فحذف موصوفها إرادة للعموم: أي الفعلة الفحشاء ومن جملتها: البخل.
حكمــــــة
من كيد عدو الله: أنه يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه، فلا يجاهدونهم ولا يأمرونهم بالمعروف، ولا ينهونهم عن المنكر، وهذا من أعظم كيده بأهل الإيمان، وقد أخبرنا الله سبحانه عنه بهذا فقال (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) والمعنى عند جميع المفسرين: يخوفكم بأوليائه. قال قتادة: يعظمهم في صدوركم. وأول كيده ومكره: أنه كاد الأبوين بالأيمان الكاذبة، أنه ناصح لهما، وأنه إنما يريد خلودهما في الجنة.
حكمــــــة
من مكايد الشيطان: أنه يأمرك أن تلقى المساكين وذوي الحاجات بوجه عبوس ولا تريهم بشراً ولا طلاقة، فيطمعوا فيك، ويتجرأوا عليك، وتسقط هيبتك من قلوبهم، فيحرمك صالح أدعيتهم، وميل قلوبهم إليك. فيأمرك بسوء الخلق ومنع البشر والطلاقة مع هؤلاء، وبحسن الخلق والبشر مع أولئك، ليفتح لك باب الشر ويغلق عنك باب الخبر.
حكمــــــة
الفتنة نوعان: فتنة الشبهات، وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات. من ضعف البصيرة وقلة العلم، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد وحصول الهوى. و فتنة الشبهات تُدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر، ولهذا جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، فقال: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ).
حكمــــــة
كان من تمام رحمة أرحم الراحمين: تسليط أنواع البلاء على العبد، فابتلاؤه له وامتحانه ومنعه من كثير من أغراضه وشهواته من رحمته به، ولكن العبد لجهله وظلمه يتهم ربه بابتلائه. ومن رحمته سبحانه بعباده: ابتلاؤهم بالأوامر والنواهي رحمة وحمية، لا حاجة منهم إليهم بما أمرهم به، فهو الغني الحميد، ولا بخل منه عليهم بما نهاهم عنه فهو الجواد الكريم. ومن رحمته: أن نقص عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا إليها، ويرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره. ومن رحمته بهم: أن حذرهم نفسه، لئلا يغتروا به، فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به، كما قال تعالى: (ويحذركم الله نفسه). قال غير واحد من السلف حذرهم من نفسه لئلا يغتروا به
حكمــــــة
إبليس امتنع من السجود لآدم فراراً أن يخضع له ويذل، فطلب إعزاز نفسه، فصيره الله أذل الأذلين. وكذلك عباد الأصنام أنفوا أن يتبعوا رسولاً من البشر، وأن يعبدوا إلهاً واحداً، ورضوا أن يعبدوا آلهة من الأحجار. وكذلك كل من امتنع أن يَذِلَّ لله أو يبذل ماله في مرضاته أو يتعب نفسه وبدنه في طاعته، لا بد أن يذل لمن لا يسوى، ويبذل له ماله، ويتعب نفسه وبدنه في طاعته عقوبة له.
حكمــــــة
1- بعض الفوائد من قصة البقرة؟ منها: أن الإخبار بها من أعلام نبوته . ومنها: الدلالة على نبوة موسى وأنه رسول رب العالمين. ومنها: الدلالة على صحة ما اتفقت عليه الرسل من أولهم إلى خاتمهم: من معاد الأبدان وقيام الموتى من قبورهم. ومنها: إقامة أنواع الآيات والبراهين والحجج على عباده بالطرق المتنوعات، زيادة في هداية المهتدين وإعذاراً وإنذاراً للظالم. ومنها: أنه لا ينبغي مقابلة أمر الله تعالى بالتعنت وكثرة الأسئلة بل يبادر بالامتثال. ومنها: أنه لا يجوز مقابلة أمر الله الذي لا يعلم المأمور وجه الحكمة فيه بالإنكار