فوائد من كتاب النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
حكمــــــة
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَإِنِّي لأوصيكما وَأعلم أَنِّي لن أُغني عنكما من الله شَيْئا إِن الحكم إِلَّا لله عَلَيْهِ توكلت وَعَلِيهِ فَليَتَوَكَّل المتوكلون وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل، كملت الْوَصِيَّة الْمُبَارَكَة وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وصل الله على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد.
وَصِيَّة لُقْمَان لِابْنِهِ
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
فَإِن فقدتما وصيتي هَذِه ونسيتما مَعْنَاهَا فعليكما بِمَا ذكر الله تَعَالَى فِي وَصِيَّة لُقْمَان لِابْنِهِ فَإِن فِيهَا جماع الْخَيْر وَهِي {يَا بني أقِم الصَّلَاة وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وانه عَن الْمُنكر واصبر على مَا أَصَابَك إِن ذَلِك من عزم الْأُمُور وَلَا تصعر خدك للنَّاس وَلَا تمش فِي الأَرْض مرحا إِن الله لَا يحب كل مختال فخور واقصد فِي مشيك واغضض من صَوْتك إِن أنكر الْأَصْوَات لصوت الْحمير} لُقْمَان 17 - 19.
الإقلال من المزاح
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وأقلا ممازحة الإخوان وملابستهم والمتابعة فِي الاسترسال مَعَهم فَإِن الْأَعْدَاء أَكثر مِمَّن هَذِه صفته وَقل من يعاديك مِمَّن لَا يعرفك وَلَا تعرفه فَهَذَا الَّذِي يجب أَن تمتثلاه وتلتزماه وَلَا تتركاه لعرض وَلَا لوجه طمع فَرُبمَا عرض وَجه أَمر يروق فيستزل عَن الْحَقَائِق بِغَيْر تَحْقِيق وَآخره يظْهر من سوء الْعَاقِبَة مَا يُوجب النَّدَم حَيْثُ لَا ينفع ويتمنى لَهُ التلافي فَلَا يُمكن.
لَا تطلب الْإِمَارَة
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَلَا يطْلب أَحَدكُمَا ولَايَة فَإِن طلبَهَا شين وَتركهَا لمن دعِي إِلَيْهَا زين فَمن امتحن بهَا مِنْكُمَا فلتكن حَاله فِي نَفسه أرفع من أَن تحدث فِيهِ بأوا أَو يُبْدِي بهَا زهوا وليعلم أَن الْولَايَة لَا تزيده رفْعَة وَلكنهَا فتْنَة ومحنة وَأَنه معرض لأحد أَمريْن إِمَّا أَن يعْزل فَيَعُود إِلَى حَالَته أَو يسيء اسْتِدَامَة ولَايَته فيقبح ذكره ويثقل وزره وَإِن اسْتَوَت عِنْده ولَايَته وعزله كَانَ جَدِيرًا أَن يستديم الْعَمَل فَيبلغ الأمل أَو يعْزل لإحسانه فَلَا يحط ذَلِك من مَكَانَهُ.
خير الْأُمُور الْوسط
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَأسلم الطَّبَقَات الطَّبَقَة المتوسطة لَا تهتضم من دعة وَلَا ترمق من رفْعَة وَمن عيب الدرجَة الْعليا أَن صَاحبهَا لَا يَرْجُو الْمَزِيد وَلكنه يخَاف النَّقْص والدرجة الْوُسْطَى يَرْجُو الازدياد وَبَينهَا وَبَين المخاوف حجاب فاجعلا بَين أيديكما دَرَجَة يشْتَغل بهَا الحسود عنكما ويرجوها الصّديق لَكمَا.
مصاحبة السُّلْطَان فِي الْمَعْرُوف
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
فَإِن امتحن أَحَدكُمَا بِصُحْبَتِهِ أَو دَعَتْهُ إِلَى ذَلِك ضَرُورَة فليتقلل من المَال وَالْحَال وَلَا يغتب عِنْده أحدا وَلَا يُطَالب عِنْده بشرا وَلَا يعْص لَهُ فِي الْمَعْرُوف أمرا وَلَا يستنزلة إِلَى مَعْصِيّة الله تَعَالَى فَإِنَّهُ يَطْلُبهُ بِمِثْلِهَا وَيصير عِنْده من أَهلهَا وَإِن حظي عِنْده بِمِثْلِهَا فِي الظَّاهِر فَإِن نَفسه تمقته فِي الْبَاطِن.
من أَتَى السُّلْطَان افْتتن
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
واجتنبا صُحْبَة السُّلْطَان مَا استطعتما وتحريا الْبعد مِنْهُ مَا أمكنكما فَإِن الْبعد مِنْهُ أفضل من الْعِزّ بِالْقربِ مِنْهُ فَإِن صَاحب السُّلْطَان خَائِف لَا يَأْمَن وخائن لَا يُؤمن ومسيء إِن أحسن يخَاف مِنْهُ وَيخَاف بِسَبَبِهِ ويتهمه النَّاس من أَجله إِن قرب فتن وَإِن أبعد أَحْزَن يحسدك الصّديق على رِضَاهُ إِذا رَضِي ويتبرأ مِنْك ولدك ووالداك إِذا سخط وَيكثر لائموك إِذا منع ويقل شاكروك إِذا شبع فَهَذِهِ حَال السَّلامَة مَعَه وَلَا سَبِيل إِلَى السَّلامَة مِمَّن يَأْتِي بعده.
لَا يصلك إِلَّا مَا قدر لَك
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَمن احْتَاجَ مِنْكُمَا فليجمل فِي الطّلب فَإِنَّهُ لَا يفوتهُ مَا قدر لَهُ وَلَا يدْرك مَا لم يقدر لَهُ وَقد ذكر الله تَعَالَى مَا وعظ بِهِ العَبْد الصَّالح ابْنه فِي مثل هَذَا فَقَالَ { يَا يَبْنِي إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل فتكن فِي صَخْرَة أَو فِي السَّمَوَات أَو فِي الأَرْض يَأْتِ بهَا الله إِن الله لطيف خَبِير } لُقْمَان 16.
آفَات الدُّنْيَا
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَمن رزق مِنْكُمَا مَالا فَلَا يَجْعَل فِي الْأُصُول إِلَّا أَقَله فَإِن شغبها طَوِيل وصاحبها ذليل وَهِي لَيست بِمَال على الْحَقِيقَة إِن تغلب على الْجِهَة عَدو حَال بَينه وَبَينهَا وَإِن احْتَاجَ إِلَى الِانْتِقَال عَنْهَا تَركهَا أَو ترك أَكْثَرهَا.
كل ذِي نعْمَة مَحْسُود
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
فالسلطان يتَمَنَّى أَن يزل زلَّة يتسبب بهَا إِلَى أَخذ مَا عظم فِي نَفسه من مَاله وَالْفَاسِق مرصد لخيانته واغتياله والصالح ذام لَهُ على استكثاره مِنْهُ واحتفاله يخَاف عَلَيْهِ صديقه وحميمه ويبغضه من أَجله أَخُوهُ شقيقه إِن مَنعه لم يعْدم لائما وَإِن بذله لم يجد رَاضِيا.
الزّهْد فِي الدُّنْيَا
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وإياكما والاستكثار من الدُّنْيَا وحطامها وعليكما بالتوسط فِيهَا والكفاف الصَّالح الوافر مِنْهَا فَإِن الْجمع لَهَا والاستكثار مِنْهَا مَعَ مَا فِيهِ من الشّغل بهَا والشغب بِالنّظرِ فِيهَا يصرف وُجُوه الْحَسَد إِلَى صَاحبهَا والطمع إِلَى جَامعهَا والحنق على الْمُنْفَرد بهَا.
الاعتزال فِي الْفِتْنَة
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَإِن رايتما أحدا قد خَالف من ولي عَلَيْهِ أَو قَامَ على من أسْند أمره إِلَيْهِ فَلَا ترضيا فعله وانقبضا مِنْهُ وأغلقا على أنفسكما الْأَبْوَاب واقطعا بَيْنكُمَا وَبَينه الْأَسْبَاب حَتَّى تنجلي الْفِتْنَة وتنقضي المحنة.
ترك مُنَافَسَة السُّلْطَان
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وابدآ بعد سد هَذِه الْأَبْوَاب عنكما بترك مُنَافَسَة من نافسكما ومطالبة من طالبكما فَإِنَّهُ قد يبْدَأ بِهَذِهِ الْمعَانِي من يعْتَقد أَنه لَا يتَوَصَّل مِنْهَا إِلَى مَحْظُور وَلَا يتشبث مِنْهَا بمكروه ثمَّ يُفْضِي الْأَمر إِلَى مَا لَا يُريدهُ وَلَا يعتمده من مُخَالفَة الرئيس الَّذِي يقهر من ناوأه ويغلب من غالبه وعاداه.
الصَّبْر على السُّلْطَان الجائر
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
فَإِن رَبكُمَا أَمر مِمَّن ولي عَلَيْكُمَا أَو وصلت مِنْهُ أذية إلَيْكُمَا فاصبرا وانقبضا وتحيلا لصرف ذَلِك عنكما بالاستنزال وَالِاحْتِمَال والإجمال وَإِلَّا فاخرجا عَن بَلَده إِلَى أَن تصلح لَكمَا جِهَته وتعود إِلَى الْإِحْسَان إلَيْكُمَا نِيَّته وإياكما وَكَثْرَة التظلم مِنْهُ والتعرض لذكره بقبيح يُؤثر عَنهُ فَإِن ذَلِك لَا يزِيدهُ إِلَّا حنقا وبغضة فيكما ورضا بإضراره بكما.
عدم الْخُرُوج على السُّلْطَان الْعَادِل
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وإياكما والتعريض للْخلاف لَهُم وَالْقِيَام عَلَيْهِم فَإِن هَذَا فِيهِ العطب العاجل والخزي الآجل وَلَو ظفرتما فِي خلافكما ونفذتما فِيمَا حاولتما لَكَانَ ذَلِك سَبَب هلاككما لما تكسبانه من المآثم وتحدثان على النَّاس من الْحَوَادِث والعظائم ثمَّ من سعيتما لَهُ ووثقتما بِهِ لَا يقدم شَيْئا على إهلاككما والراحة مِنْكُمَا فَإِنَّهُ لَا يَأْمَن أَن تحدثا عَلَيْهِ مَا أحدثتما لَهُ وتنهضان بِغَيْرِهِ كَمَا نهضتما بِهِ.
التحذير من إهانة النعم
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
والحذر الحذر من أَن تهينا نعْمَة رَبكُمَا فتترككما مذمومين وتزول عنكما ممقوتين رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يَا عَائِشَة أحسني جوَار نعم الله تَعَالَى فَإِنَّهَا قل مَا زَالَت عَن قوم فَعَادَت إِلَيْهِم.
الِاسْتِعَانَة بِالدُّعَاءِ
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
واستعينا بِالدُّعَاءِ والجآ إِلَيْهِ فِي البأساء وَالضَّرَّاء فَإِن الدُّعَاء سفينة لَا تعطب وحزب لَا يغلب وجند لَا يهرب وإياكما أَن تستحيلا عَن هَذَا الْمَذْهَب أَو تعتقدا غَيره أَو تتعلقا بسواه فتهلكا وتخسرا الدّين وَالدُّنْيَا وَرُبمَا دعوتما فِي شَيْء فنالكما مَعَ الدُّعَاء معزة أَو وصلت إلَيْكُمَا معرة فازدادا حرصا على الدُّعَاء ورغبة فِي الْإِخْلَاص والتضرع والبكاء فَإِن مَا نالكما من الْمضرَّة بِمَا سلف من ذنوبكما واكتسبتماه من سيىء أعمالكما وَمَعَ ذَلِك فَالَّذِي ألهمكما إِلَى الدُّعَاء ووفقكما لَا بُد أَن يحسن الْعَاقِبَة لَكمَا وَقد نجاكما بدعائكما عَن الْكثير وَصرف بِهِ عنكما من الْبلَاء الْكَبِير.
التَّوَكُّل على الله
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَلَا تستعظما من حوادث الْأَيَّام شَيْئا فَكل أَمر ينقرض حقير وكل كَبِير لَا يَدُوم صَغِير وكل أَمر يَنْقَضِي قصير وانتظرا الْفرج فَإِن انْتِظَار الْفرج عبَادَة وعلقا رجاءكما بربكما وتوكلا عَلَيْهِ فَإِن التَّوَكُّل عَلَيْهِ سَعَادَة.
الصَّبْر على أَذَى النَّاس
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَلَا يجب أَن تعتقدا معاداة أحد واعتمدا التَّحَرُّز من كل أحد فَمن قصدكما بمطالبة أَو تكَرر عَلَيْكُمَا بأذية فَلَا تقارضاه جهدكما والتزما الصَّبْر لَهُ مَا استطعتما فَمَا الْتزم أحد الصَّبْر والحلم إِلَّا عز وَنصر وَمن بغي عَلَيْهِ لينصرنه الله وَقد اسْتعْملت هَذَا بِفضل الله مرَارًا فحمدت الْعَاقِبَة واغتبطت بالكف عَن المقارضة.
إكرام الإخوان
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
ثمَّ إخوانكما عاملاهم بالإخلاص وَالْإِكْرَام وَقَضَاء الْحُقُوق والتجافي عَن الذُّنُوب والكتمان للأسرار
وإياكما أَن تحدثا أنفسكما أَن تنتظرا مقارضة مِمَّن أحسنتما إِلَيْهِ وأنعمتما عَلَيْهِ فَإِن انْتِظَار المقارضة تمسح الصنيعة وتعيد الْأَفْعَال الرفيعة وضيعة وتقلب الشُّكْر ذما وَالْحَمْد مقتا.
صلَة أصدقاء الْأَب
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
ثمَّ من علمتما من إخْوَانِي وَأهل مودتي فَإِنَّهُ يتَعَيَّن عَلَيْكُمَا مراعتهم وتعظيمهم وبرهم وإكرامهم ومواصلتهم فقد رُوِيَ عَن عبد الله بن عمر أَنه حدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن أبر الْبر أَن يصل الرجل أهل ود أَبِيه.
الْوَصِيَّة بالجار
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
ثمَّ الْجَار عَلَيْكُمَا بحفظه والكف عَن أَذَاهُ والستر لعورته والإهداء إِلَيْهِ وَالصَّبْر على مَا كَانَ مِنْهُ فقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا يُؤمن من لَا يَأْمَن جَاره بوائقه وَرُوِيَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ مَا زَالَ جِبْرِيل يوصيني بالجار حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيورثه.
صلَة الرَّحِم
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
ثمَّ عَلَيْكُم بمواصلة بني أعمامكما وَأهل بيتكما وَالْإِكْرَام لَهُم والمواصلة لكبيرهم وصغيرهم والمشاركة لَهُم بِالْمَالِ وَالْحَال والمثابرة على مهاداتهم والمتابعة لزيارتهم والتعاهد لأمورهم وَالْبر لكبيرهم والإشفاق على صَغِيرهمْ والحرص على نَمَاء مَال غنيهم وَالْحِفْظ لعيبهم وَالْقِيَام بحوائجهم دون اقْتِضَاء لمجازاة وَلَا انْتِظَار مقارضة فَإِن ذَلِك مِمَّا تسودان بِهِ فِي عشيرتكما وتعظمان بِهِ عِنْد أهل بيتكما وصلا رحمكما وَإِن ضعف سَببهَا وقربا مَا بعد مِنْهَا واجتهدا فِي الْقيام بِحَقِّهَا وإياكما والتضييع لَهَا فقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من أحب النسأ فِي الْأَجَل وَالسعَة فِي الرزق فَليصل رَحمَه
وَهَذَا مِمَّا يشرف بِهِ ملتزمه ويعظم عِنْد النَّاس معظمه وَمَا علمت أهل بَيت تقاطعوا وتدابروا إِلَّا هَلَكُوا وانقرضوا وَلَاعلمت أهل بَيت تواصلوا وتعاطفوا إِلَّا نموا وكثروا وبورك لَهُم فِيمَا حاولوا
.
فِي الِاتِّفَاق بركَة
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
واعلما أَنِّي قد رَأَيْت جمَاعَة لم تكن لَهُم أَحْوَال وَلَا أقدار أَقَامَ أَحْوَالهم وَرفع أقدارهم اتِّفَاقهم وتعاضدهم وَقد رَأَيْت جمَاعَة كَانَت أقدارهم سامية وأحوالهم نامية محق أَحْوَالهم وَوضع أقدارهم اخْتلَافهمْ فاحذرا أَن تَكُونَا مِنْهُم.
لَا تقَابل الْإِسَاءَة بالإساءة
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَإِن أَحَدكُمَا زل وَترك الْأَخْذ بوصيتي فِي بر أَخِيه ومراعاته فليتلاف الآخر ذَلِك بتمسكه بوصيتي وَالصَّبْر لِأَخِيهِ والرفق بِهِ وَترك المقارضة لَهُ على جفوته والمتابعة لَهُ على سوء مُعَامَلَته فَإِنَّهُ يحمد عَاقِبَة صبره ويفوز بِالْفَضْلِ فِي أمره وَلَا يكون مَا يَأْتِيهِ أَخُوهُ كَبِير تَأْثِير فِي حَاله.
لَا تُبْطِلُوا صَدقَاتكُمْ بالمن والأذى
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَمن أسدى مِنْكُمَا إِلَى أَخِيه مَعْرُوفا أَو مكارمة أَو مُوَاصلَة فَلَا ينْتَظر مقارضة عَلَيْهَا وَلَا يذكر مَا أَتَى مِنْهَا فَإِن ذَلِك مِمَّا يُوجب الضغائن ويسبب التباغض ويقبح الْمَعْرُوف ويحقر الْكَبِير وَيدل على المقت والضعة ودناءة الهمة.
لَا تقاطعوا وَلَا تدابروا وَلَا تَحَاسَدُوا
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وإياكما والتنافس والتقاطع والتدابر والتحاسد وَطَاعَة النِّسَاء فِي ذَلِك فَإِنَّهُ مِمَّا يفْسد دينكما ودنياكما وَيَضَع من قدركما ويحط من مَكَانكُمَا ويحقر أمركما عِنْد عدوكما ويصغر شأنكما عِنْد صديقكما.
إِيثَار الْأُخوة على الدُّنْيَا
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَلَا يُؤثر أَحَدكُمَا على أَخِيه شَيْئا من عرض الدُّنْيَا فيبخل بأَخيه من أَجله ويعرض عَنهُ بِسَبَبِهِ أَو ينافسه فِيهِ وَمن وسع عَلَيْهِ مِنْكُمَا فِي دُنْيَاهُ فليشارك بهَا أَخَاهُ وَلَا ينْفَرد بهَا دونه وليحرص على تثمير مَال أَخِيه كَمَا يحرص على تثمير مَاله.
المناصحة بِالْحُسْنَى
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَإِن أنكر مِنْهُ فِي الْمَلأ أمرا يُريدهُ أَو ظهر إِلَيْهِ خطأ فِيمَا يَقْصِدهُ فَلَا يظْهر إِنْكَاره عَلَيْهِ وَلَا يجْهر فِي الْمَلأ بخطيئته وليبين لَهُ ذَلِك على انْفِرَاد مِنْهُمَا ورفق من قَوْلهمَا فَإِن رَجَعَ إِلَى الْحق وَإِلَّا فليتبعه على رَأْيه فَإِن الَّذِي يدْخل عَلَيْكُمَا من الْفساد باختلافكما أعظم مِمَّا يحذر من الْخَطَأ مَعَ اتفاقكما مَا لم يكن الْخَطَأ فِي أَمر الدّين فَإِن كَانَ فِي أَمر الدّين فَليتبعْ الْحق حَيْثُ كَانَ وليثابر على نصح أَخِيه وتسديده مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يحل يَده عَن تَعْظِيمه وتوقيره.
النَّهْي عَن الكهانة والتنجيم
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وإياكما وَالْقَضَاء بالنجوم والتكهن فَإِن ذَلِك لمن صدقه مخرج عَن الدّين ومدخل لَهُ فِي جملَة المارقين
وَأما تَعْدِيل الْكَوَاكِب وتبيين أشخاصها وَمَعْرِفَة أَوْقَات طُلُوعهَا وغروبها وَتَعْيِين منازلها وبروجها وأوقات نزُول الشَّمْس وَالْقَمَر بهَا وترتيب درجاتها للاهتداء بِهِ وتعرف السَّاعَات وأوقات الصَّلَوَات بالظلال وَبهَا فَإِنَّهُ حسن مدرك ذَلِك كُله بطرِيق الْحساب مَفْهُوم قَالَ الله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي جعل لكم النُّجُوم لتهتدوا بهَا فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر} الْأَنْعَام 97 وَقَالَ عز من قَائِل {هُوَ الَّذِي جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نورا وَقدره منَازِل لِتَعْلَمُوا عدد السنين والحساب مَا خلق الله ذَلِك إِلَّا بِالْحَقِّ يفصل الْآيَات لقوم يعلمُونَ} يُونُس 5.
النَّرْد وَالشطْرَنْج ملهاة للْوَقْت
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وإياكما وَالشطْرَنْج والنرد فَإِنَّهُ شغل البطالين ومحاولة المترفين يفْسد الْعُمر ويشغل عَن الْفَرْض وَيجب أَن يكون عمركما أعز عَلَيْكُمَا وَأفضل عندكما من أَن تقطعاه بِمثل هَذِه السخافات الَّتِي لَا تجدي وتفسداه بِهَذِهِ الحماقات الَّتِي تضر وتردي.
الْعدْل فِي الحكم
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
فَإِن بلغ أَحَدكُمَا أَن يسترعيه الله أمة بِحكم أَو فَتْوَى فليمتثل الْعدْل جهده ويجتنب الْجور وغدره فَإِن الجائر مضاد لله فِي حكمه كَاذِب عَلَيْهِ فِي خَبره مغير بِشَرِيعَتِهِ مُخَالف لَهُ فِي خليقته قَالَ الله تَعَالَى {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} الْمَائِدَة 47.
التحذير من الرِّبَا
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وإياكما والربا فَإِن الله تَعَالَى قد نهى عَنهُ وتوعد بمحاربة من لم يتب مِنْهُ فَقَالَ عز من قَائِل { يأيها الَّذين ءامنوا اتَّقوا الله وذروا مَا بقى من الربوا إِن كُنْتُم مُؤمنين فَإِن لم تَفعلُوا فأذنوا بِحَرب من الله وَرَسُوله} الْبَقَرَة 278، 279 وَقَالَ تَعَالَى {يمحق الله الربوا ويربى الصَّدقَات} الْبَقَرَة 276.
اجْتِنَاب الْخمر
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وإياكما وَشرب الْخمر فَإِنَّهَا أم الْكَبَائِر والمجرئة على المآثم وَقد حرمهَا الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز فَقَالَ عز من قَائِل {إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} الْمَائِدَة 91 وحسبكما بِشَيْء يذهب الْعقل وَيفْسد اللب وَقد تَركهَا قوم فِي الْجَاهِلِيَّة تكرما فإياكما ومقاربتها والتدنس برجسها وَقد وصفهَا الله تَعَالَى بذلك وقرنها بالأنصاب والأزلام فَقَالَ عز من قَائِل{ إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلم رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون} الْمَائِدَة 90 فَبين تَعَالَى أَنَّهَا من عمل الشَّيْطَان ووصفها بالرجس وَقرن الْفَلاح باجتنابها فَهَل يستجيز عَاقل يصدق البارىء فِي خَبره تبَارك اسْمه وَيعلم أَنه أَرَادَ الْخَيْر لنا مِنْهَا حذرنا عَنهُ مِمَّا أَن يقربهَا أَو يتدنس بهَا.
النَّهْي عَن الْمُشَاركَة فِي سفك الدِّمَاء الْمُحرمَة
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وإياكما والعون على سفك دم بِكَلِمَة أَو الْمُشَاركَة فِيهِ بِلَفْظَة فَلَا يزَال الْإِنْسَان فِي فسحة من دينه مَا لم يغمس يَده أَو لِسَانه فِي دم امرىء مُسلم قَالَ الله تَعَالَى {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا وَغَضب الله عَلَيْهِ ولعنه وَأعد لَهُ عذَابا عَظِيما} الْبَقَرَة 93.
الْتِزَام الصدْق وَاجْتنَاب الْكَذِب
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وعليكما بِالصّدقِ فَإِنَّهُ زين وإياكما وَالْكذب فَإِنَّهُ شين وَمن شهر بِالصّدقِ فَهُوَ نَاطِق مَحْمُود وَمن عرف بِالْكَذِبِ فَهُوَ سَاكِت مهجور مَذْمُوم وَأَقل عقوبات الْكذَّاب أَلا يقبل صدقه وَلَا يتَحَقَّق حَقه وَمَا وصف الله تَعَالَى أحدا بِالْكَذِبِ إِلَّا ذاما لَهُ وَلَا وصف الله تَعَالَى أحدا بِالصّدقِ إِلَّا مادحا لَهُ ومرفعا بِهِ.
قِرَاءَة كتب الْمنطق تكون بعد التَّمَكُّن فِي الدّين
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
رَأَيْت بِبَغْدَاد وَغَيرهَا من يَدعِي مِنْهُم هَذَا الشَّأْن مستحقرا مستهجنا مستضعفا لَا يناظره إِلَّا المبتدىء وَكَفاك بِعلم صَاحبه فِي الدُّنْيَا مرموق مهجور وَفِي الْآخِرَة مدحور مثبور وَأما من يتعاطى ذَلِك من أهل بلدنا فَلَيْسَ عِنْده مِنْهُ إِلَّا اسْمه وَلَا وصل إِلَيْهِ إِلَّا ذكره.
قِرَاءَة كتب الْمنطق تكون بعد التَّمَكُّن فِي الدّين
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
لَو كنت أعلم أنكما تبلغان منزلَة الميز والمعرفة وَالْقُوَّة على النّظر والمقدرة لحضضتكما على قِرَاءَته وأمرتكما بمطالعته لتحققا ضعفه وَضعف المعتقد لَهُ وركاكة المغتر بِهِ وَأَنه من أقبح المخاريق والتمويهات ووجوه الْحِيَل والخزعبلات الَّتِي يغتر بهَا من لَا يعرفهَا ويستعظمها من لَا يميزها.
قِرَاءَة كتب الْمنطق تكون بعد التَّمَكُّن فِي الدّين
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وأحذركما من قرَاءَتهَا مَا لم تقرآ من كَلَام الْعلمَاء مَا تقويان بِهِ على فهم فَسَاده وَضعف شبهه وَقلة تَحْقِيقه مَخَافَة أَن يسْبق إِلَى قلب أَحَدكُمَا مَا لَا يكون عِنْده من الْعلم مَا يقوى بِهِ على رده وَلذَلِك أنكر جمَاعَة الْعلمَاء الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين قِرَاءَة كَلَامهم لمن لم يكن من أهل الْمنزلَة والمعرفة بِهِ خوفًا عَلَيْهِم مِمَّا خوفتكما مِنْهُ.
التفقه فِي الدّين
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَمن قصر عَن ذَلِك فليقرأ بعد تحفظ الْقُرْآن وَرِوَايَة الحَدِيث الْمسَائِل على مَذْهَب مَالك رَحمَه الله فَهِيَ إِذا انْفَرَدت أَنْفَع من سَائِر مَا يقْرَأ مُفردا فِي بَاب التفقه وَإِنَّمَا خصصنا مَذْهَب مَالك رَحمَه الله لِأَنَّهُ إِمَام فِي الحَدِيث وَإِمَام فِي الرَّأْي وَلَيْسَ لأحد من الْعلمَاء مِمَّن انبسط مذْهبه وَكَثُرت فِي الْمسَائِل أجوبته دَرَجَة الْإِمَامَة فِي الْمَعْنيين وَإِنَّمَا يُشَارِكهُ فِي كَثْرَة الْمسَائِل وفروعها وَالْكَلَام على مَعَانِيهَا وأصولها أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَلَيْسَ لأَحَدهمَا إِمَامَة فِي الحَدِيث وَلَا دَرَجَة متوسطة.
أفضل الْعُلُوم علم الشَّرِيعَة
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَأفضل الْعُلُوم علم الشَّرِيعَة وَأفضل ذَلِك لمن وفْق أَن يجود قِرَاءَة الْقُرْآن ويحفظ حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيعرف صَحِيحه من سقيمه ثمَّ يقْرَأ أصُول الْفِقْه فيتفقه فِي الْكتاب وَالسّنة ثمَّ يقْرَأ كَلَام الْفُقَهَاء وَمَا نقل من الْمسَائِل عَن الْعلمَاء ويدرب فِي طرق النّظر وَتَصْحِيح الْأَدِلَّة والحجج فَهَذِهِ الْغَايَة القصوى والدرجة الْعليا.
رفْعَة أهل الْعلم
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَالْعلم ولَايَة لَا يعْزل عَنْهَا صَاحبهَا وَلَا يعرى من جمَالهَا لَابسهَا وكل ذِي ولَايَة وَإِن جلت وَحُرْمَة وَإِن عظمت إِذا خرج عَن ولَايَته أَو زَالَ عَن بلدته أصبح من جاهه عَارِيا وَمن حَاله عاطلا غير صَاحب الْعلم فَإِن جاهه يَصْحَبهُ حَيْثُ سَار ويتقدمه إِلَى جَمِيع الْآفَاق والأقطار وَيبقى بعده فِي سَائِر الْأَعْصَار.
رفْعَة أهل الْعلم
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وانظرا أَي حَالَة من أَحْوَال طَبَقَات النَّاس تختاران ومنزلة أَي صنف مِنْهُم تؤثران هَل تريان أحدا أرفع حَالا من الْعلمَاء وَأفضل منزلَة من الْفُقَهَاء يحْتَاج إِلَيْهِم الرئيس والمرؤوس ويقتدي بهم الوضيع والنفيس يرجع إِلَى أَقْوَالهم فِي أُمُور الدُّنْيَا وأحكامها وَصِحَّة عقودها وبيعاتها وَغير ذَلِك من تصرفاتها وإليهم يلجأ فِي أُمُور الدّين وَمَا يلْزم من صَلَاة وَزَكَاة وَصِيَام وحلال وَحرَام ثمَّ مَعَ ذَلِك السَّلامَة من التَّبعَات والحظوة عِنْد جَمِيع الطَّبَقَات.
فَضَائِل الْعلم
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَالْعلم سَبِيل لَا يُفْضِي بِصَاحِبِهِ إِلَّا إِلَى السَّعَادَة وَلَا يقصر بِهِ عَن دَرَجَة الرّفْعَة والكرامة قَلِيله ينفع وَكَثِيره يعلي وَيرْفَع كنز يزكو على كل حَال وَيكثر مَعَ الْإِنْفَاق وَلَا يغصبه غَاصِب وَلَا يخَاف عَلَيْهِ سَارِق وَلَا محَارب، فاجتهدا فِي طلبه واستعذبا التَّعَب فِي حفظه والسهر فِي درسه وَالنّصب الطَّوِيل فِي جمعه وواظبا على تَقْيِيده وَرِوَايَته ثمَّ انتقلا إِلَى فهمه ودرايته.
طلب الْعلم
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
كم من عَامل يبعده عمله من ربه وَيكْتب مَا يتَقرَّب بِهِ من أكبر ذَنبه قَالَ الله تَعَالَى {قل هَل ننبئكم بالأخسرين أعملا الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الحيوة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا } الْكَهْف 103 - 104 وَقَالَ تَعَالَى {قل هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ إِنَّمَا يتَذَكَّر أولُوا الألبب} الزمر 9 وَقَالَ تعالي {إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده العلماء} فاطر 28 وَقَالَ تَعَالَى {يرفع الله الَّذين ءامنوا مِنْكُم وَالَّذين أُوتُوا الْعلم درجت} المجادلة 11.
طلب الْعلم
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
اعلما أنكما إِنَّمَا تصلان إِلَى أَدَاء هَذِه الْفَرَائِض والإتيان بِمَا يلزمكما مِنْهَا مَعَ توفيق الله لَكمَا بِالْعلمِ الَّذِي هُوَ أصل الْخَيْر وَبِه يتَوَصَّل إِلَى الْبر فعليكما بِطَلَبِهِ فَإِنَّهُ غنى لطالبه وَعز لحامله وَهُوَ مَعَ هَذَا السَّبَب الْأَعْظَم إِلَى الْآخِرَة بِهِ تجتنب الشُّبُهَات وَتَصِح القربات.
الْجِهَاد فِي سَبِيل الله
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
ثمَّ الْجِهَاد فِي سَبِيل الله إِن كَانَت بكما قدرَة عَلَيْهِ أَو عون من يَسْتَطِيع إِن ضعفتما عَنهُ
فَهَذِهِ عمد فَرَائض الْإِسْلَام وأركان الْإِيمَان حَافِظًا عَلَيْهَا وسابقا إِلَيْهَا تحوزا الْخَيْر الْعَظِيم وتفوزا بِالْأَجْرِ الجسيم وَلَا تضيعا حُقُوق الله فِيهَا وأوامره بهَا فتهلكا مَعَ الخاسرين وتندما مَعَ المفرطين
.
صَوْم رَمَضَان
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
ثمَّ صِيَام رَمَضَان فَإِنَّهُ عبَادَة السِّرّ وَطَاعَة الرب وَيجب أَن يُزَاد فِيهِ من حفظ اللِّسَان وَالِاجْتِهَاد فِي صَالح الْعَمَل والتحفظ من الْخَطَأ والزلل ويراعى فِي ذَلِك لياليه وأيامه وَيتبع صِيَامه قِيَامه وَقد سنّ فِيهِ الِاعْتِكَاف.
أَدَاء الزَّكَاة
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
ثمَّ أَدَاء زَكَاة المَال لَا تُؤخر عَن وَقتهَا وَلَا يبخل بكثيرها وَلَا يغْفل عَن يسيرها ولتخرج من أطيب جنس وبأوفى وزن فَإِن الله تَعَالَى أكْرم الكرماء وأحق من اختير لَهُ ولتعط بِطيب نفس وتيقن أَنَّهَا بركَة فِي المَال وتطهير لَهُ وتدفع إِلَى مستقحها دون مُحَابَاة وَلَا مُتَابعَة هوى وَلَا هوادة.
إقَام الصَّلَاة
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وإقام الصَّلَاة فَإِنَّهَا عَمُود الدّين وعماد الشَّرِيعَة وآكد فَرَائض الْملَّة فِي مُرَاعَاة طَهَارَتهَا ومراقبة أَوْقَاتهَا وإتمام قرَاءَتهَا وإكمال ركوعها وسجودها واستدامة الْخُشُوع فِيهَا والإقبال عَلَيْهَا وَغير ذَلِك من أَحْكَامهَا وآدابها فِي الْجَمَاعَات والمساجد فَإِن ذَلِك شعار الْمُؤمنِينَ وَسنَن الصَّالِحين وسبيل الْمُتَّقِينَ.
محبَّة الصَّحَابَة
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وأشربا قُلُوبكُمَا محبَّة أَصْحَابه أَجْمَعِينَ وتفضيل الْأَئِمَّة مِنْهُم الطاهرين أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم ونفعنا بمحبتهم وألزما أنفسكما حسن التَّأْوِيل لما شجر بَينهم واعتقاد الْجَمِيل فِيمَا نقل عَنْهُم فقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا تسبوا أَصْحَابِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أنْفق أحدكُم مثل أحد ذَهَبا مَا بلغ مد أحدكُم وَلَا نصيفه فَمن لَا يبلغ نصيف مده مثل أحد ذَهَبا فَكيف يوازن فَضله أَو يدْرك شأوه وَلَيْسَ مِنْهُم رَضِي الله عَنْهُم إِلَّا من أنْفق الْكثير.
طَاعَة الرَّسُول ومحبته
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
وَقد نصح لنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رحِيما وَعَلَيْهِم مشفقا وَلَهُم ناصحا فاعملا بوصيته واقبلا من نصحه وأثبتا فِي أنفسكما الْمحبَّة لَهُ وَالرِّضَا بِمَا جَاءَ بِهِ والاقتداء بسنته والانقياد لَهُ وَالطَّاعَة لحكمه والحرص على معرفَة سنته وسلوك سَبيله فَإِن محبته تقود إِلَى الْخَيْر وتنجي من الهلكة وَالشَّر.
أَقسَام الْوَصِيَّة
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
تنقسم وصيتي لَكمَا قسمَيْنِ:
فقسم فِيمَا يلْزم من أَمر الشَّرِيعَة أبين لَكمَا مِنْهُ مَا يجب مَعْرفَته وَيكون فِيهِ تَنْبِيه على مَا بعده
وَقسم فِيمَا يجب أَن تَكُونَا عَلَيْهِ فِي أَمر دنياكما وتجريان عَلَيْهِ بَيْنكُمَا.
رَجَاء الْجنَّة لمن آمن بِهَذَا الدّين
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
إِن متما على هَذَا الدّين الَّذِي اصطفاه الله وَاخْتَارَهُ وَحرم مَا سواهُ فأرجو أَن نَلْتَقِي حَيْثُ لَا نَخَاف فرقة وَلَا نتوقع إِزَالَة وَيعلم الله تَعَالَى شوقي إِلَى ذَلِك وحرصي عَلَيْهِ كَمَا يعلم إشفاقي من أَن تزل بأحدكما قدم أَو تعدل بِهِ فتْنَة فَيحل عَلَيْهِ من سخط الله تَعَالَى مَا يحله دَار الْبَوَار وَيُوجب لَهُ الخلود فِي النَّار فَلَا يلتقي مَعَ الْمُؤمنِينَ من سلفه وَلَا يَنْفَعهُ الصالحون من آبَائِهِ يَوْم لَا يُغني {وَالِد عَن وَلَده وَلَا مَوْلُود هُوَ جَازَ عَن وَالِده شَيْئا إِن وعد الله حق فَلَا تغرنكم الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور}.
أول الْوَصَايَا الْإِيمَان بِاللَّه
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
أؤكد عَلَيْكُمَا فِي ذَلِك وصيتي وأكررها حرصا على تعلقكما وتمسككما بِهَذَا الدّين الَّذِي تفضل الله تَعَالَى علينا بِهِ فَلَا يستزلكما عَنهُ شَيْء من أُمُور الدُّنْيَا وابذلا دونه أرواحكما فَكيف بدنياكما فَإِنَّهُ لَا ينفع خير بعده الخلود فِي النَّار وَلَا يضر ضير بعده الخلود فِي الْجنَّة {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين} آل عمرَان 85.
أول الْوَصَايَا الْإِيمَان بِاللَّه
النصيحة الولدية - الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
أول مَا أوصيكما بِهِ مَا أوصى بِهِ إِبْرَاهِيم بنيه وَيَعْقُوب {يَا بني إِن الله اصْطفى لكم الدّين فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} الْبَقَرَة 132 وأنهاكما عَمَّا نهى عَنهُ لُقْمَان ابْنه وَهُوَ يعظه {يَا بني لَا تشرك بِاللَّه إِن الشّرك لظلم عَظِيم} لُقْمَان 13.