4. من وصايا الآباء للأبناء
وصية مسلم بن قتيبة لابنه
عن الأصمعي والعتبي قالا:
قال مسلم بن بن قتيبة لابنه:
لا تطلبن حاجتك إلى واحد من ثلاثة:
- لا تطلبها إلى الكذاب؛ فإنه يقربها وهي بعيدة، ويبعدها وهي قريبة.
- ولاتطلبها إلى الأحمق؛ فإنه يريد أن ينفعك وهو يضرك.
- ولا تطلبها إلى رجل له عند قوم مَأْكلة؛ فإنه يجعل حاجته وِقَاءً لحاجتك.
وصية أبي قيس ابن معد يكرب
قال أبو قَيْس ابن مَعْدِ يكرِب، وكان له أَحَدَ عَشَرَ ذَكَرًا:
يَا بَنِيَّ ! اطْلُبُوْا هَذَا الْمَالَ أَجْمَلَ الطَّلَبِ، وَاصْرِفُوْهُ فِي أَحْسَنِ مَذْهَبٍ، صِلُوْا بِهِ الأَرْحَامَ، وَاصْطَّنِعُوْا بِهِ الأَقْوَامَ، وَاجْعَلُوْهُ جُنَّةً لأَعْرَاضِكُمْ، تَحْسُنْ فِي النَّاسِ قَالَتُكُم؛ فَإِنَّ جَمْعَهُ كَمَالُ الأَدَبِ، وَبَذْلُهُ كَمَالُ الْمُرُوْءَةِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُسَوِّدُ غَيْرَ السَّيِّدِ، وَيُقَوِّي غَيْرَ الأَيِّدِ [الأَيِّد: القوي]، وَحَتَّى إِنَّهُ لَيَكُوْنُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ نَبِيْهَاً، وَفِي أَعْيُنِهِمْ مَهِيْبَاً. وَمَنْ جَمَعَ مَالاً فَلَمْ يَصُنْ عِرْضًا، وَلَمْ يُعْطِ سَائِلاً؛ بَحَثَ النَّاسُ عَنْ أَصْلِهِ، فَإِنْ كَانَ مَدْخُوْلاً هَتَكُوْهُ، وَإِنْ كَانَ صَحِيْحَاً نَسَبُوْهُ: إِمَّا إلى عرْضِ دَنِيَّةٍ، وإِمَّا إلى لَوْص لئيم حَتَّى يهجنوه [يقال: أَلاَصَه على كذا: إذا أداره على الشيء الذي يرومه منه].
وصية الأشعث بن قيس لبنيه
قال الأشعث بن قيس (رضي الله عنه) لبنيه:
يا بَنِيَّ ! لا تَذلوا فى أعراضكم، وانخدعوا فى أموالكم، ولتَخِفَّ بطونكمٍ من أموال الناس، وظهوركم من دمائهم؛ فإن لكل امرئ تَبِعَةً.
وإياكم وما يُعتذر منه أو يُستحَى؛ فإنما يُعتذر مِن ذنب، ويستحى مِن عيب.
وأصلحوا المال لجفوة السلطان، وتغير الزمان.
وكفوا عند الحاجة عن المسألة؛ فإنه كفى بالرد منعًا.
وأجملوا فى الطلب، حتى يوافق الرزق قدرًا.
وامنعوا النساء مِن غير الأَكْفَاء، فإنكم أهل بيت يتأسى بكم الكريم، ويتشرف بكم اللئيم.
وكونوا فى عوام الناس مالم يضطرب الحَبْل، فإذا اضطرب الحبل فالحقوا بعشائركم.
وصية عبيد الله بن أبي المهاجر لبنيه
عن إبراهيم بن شيبان قال:
سمعت إسماعيل بن عبيد الله يقول: لما حضرت أبي الوفاةُ جمع بنيه، وقال:
يا بَنِيَّ ! عليكم بتقوى الله. وعليكم بالقرآن فتعاهدوه. وعليكم بالصدق، حتى لو قَتَلَ أحدُكم قتيلاً ثم سُئل عنه أَقَرَّ به، والله ! ما كذبت كذْبةً منذ قرأت القرآن.
يا بَنيَّ ! وعليكم بسلامة الصدور لعامة المسلمين، فو الله ! لقد رأيتنى وأنا لا أخرج مِن بابي وما ألقى مسلمًا ًإلا والذى في نفسه له كالذى في نفسي لنفسي، أفترون أني لا أحب لنفسي إلا خيرًا؟.
وصية زيد بن أسلم لابنه
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (رحمه الله) قال: كان أبي يقول:
أي بني ! كيف تعجبك نفسك وأنت لا تشاء أن ترى مِن عباد الله مَن هو خير منك إلا رأيته؟!
يا بني! لا تَرَ أنك خيرًا مِن أحد يقول: " لا إله إلا الله " حتى تدخلَ الجنة ويدخلَ النار، فإذا دخلت الجنة ودخل النار؛ تبين لك أنك خير منه.
وصية عتبة بن أبي سفيان لابنه
عن العتبي قال:
قال الوليد بن عتبة بن أبي سفيان: كنت أساير أبي ورجل يقع في رجل، فالتفت إليَّ أبي، فقال:
يا بني ! نَزِّه سمعك عن استماع الخَنَا كما تُنَزِّه لسانك عن الكلام به؛ فإن المستمع شريك القائل.
ولقد نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك، ولو رُدَّتْ كلمةُ جاهل في فيه؛ لسَعِدَ رادُّها كما شقي قائُلها.
وصية أبي الأخفش الكناني لابنه
قال أبو الأخفش الكناني لابن له:
أبُنَيَّ لا تَكُ مَا حَيِيْتَ مُمَارِيًا... وَدَعِ السَّفَاهَةَ إِنَّهَا لاَ تَنْفَعُ
لاَ تَحْمِلَنَّ ضَغِيْنَةً لِقَرَابَةٍ... إِنَّ الضَّغِيْنَةَ لِلْقَرَابَةِ تَقْطَعُ
لاَ تَحْسَبَنَّ الْحِلْمَ مِنْكَ مَذَلَّةً.. إِنَّ الْحَلِيْمَ هُوَ الأَعَزُّ الأَمْنَعُ.
وصية الحارث بن عباس السُّلَمي لابنه، وهى وصية نفيسة غاية
قال الحارث بن عباس بن مرداس السُّلمي يوصي ابنه:
احفظ بُنَيَّ وصيةً أوصيكها... إن كنت تؤمن بالكتاب المُنْزَلِ
أكرم خليل أبيك حيث لقيته... ولقد عَقَقْتَ أباك إن لم تفعلِ
والجارَ أكرمْ جارَ بيتك ما دنا... حتى يبين ثَواءكم في المنزلِ
والضيفَ إنَّ له عليك وسيلةً... لايَتْرُكَنَّكَ ضُحْكَةً للنُّزَّلِ
ورفيقَ رَحْلِكِ لا تُجَهِّل إنما... جهل الرفيق على الرفيق النَّيْطَلِ
واشْغَبْ بخَصْمِكَ إنَّ خصمك مِشْغَبٌ... وإذا علوت على الخصوم فَأَجْمِلِ
واستوصِ خيرًا بالعشيرة كلها... ما حَمَّلوك من المثاقل فاحْمِلِ
يَصِلوا جناحك يا بني وإنما... يعلو الشواهقَ ذو الجناح الأَجْدَلِ
إن امرأ لا يستعد رجاله... لرجال آخرَ غيرِه كالأعزلِ
وإذا أتتك عصابة في شبهة... يتحاكمون إليك يومًا فاعْدِلِ
واصْدُقْ إذا حَدَّثْتَ يومًا معشرًا... وإذا عَيِيتَ بِأَصْلِ عِلْمٍ فاسألِ
وذرِ المَجَاهل إنها مشئومة... وإن امرؤ أهدى النصيحة فاقْبَلِ.
وصية مسعر بن كدام لابنه في ترك المراء والمزاح
عن جعفر بن عون وابن عيينة قالا: سمعنا مسعر بن كدام يقول لابنه كدام:
إِنِّي نَحَلْتُكَ يَا كِدَامُ نَصِيْحَةً... فَاسْمَعْ مَقَالَ أَبٍ عَلَيْكَ شَفِيْقِ
أَمَّا الْمُزَاحُ مَعَ الْمُرَاءِ فَذَرْهُمَا... خُلُقَانِ لاَ أَرْضَاهُمَا لِصَدِيْقِ
إِنِّي بَلَوْتُهُمَا فَلَمْ أَحْمَدْهُمَا... لِمُجَاوِرٍ جَارًا وَلاَ لِشَقِيْقِ
وَالْجَهْلُ يُزْرِي بِالْفَتَى فِي قَوْمِهِ... وَعُرُوْقُهُ فِي النَّاسِ أَيُّ عُرُوْقِ.
من وصايا المهلب لبنيه
قال المهلب لبنيه:
يا بني ! تباذلوا تحابوا؛ فإن بني الأم يختلفون، فكيف بنو العلات؟!
وإن البِرَّ ينسأ في الأجل، ويزيد في العدد.
وإن القطيعة تُورث القلة، وتُعْقِب النار بعد الذِّلَّة.
واتقوا زلة اللسان؛ فإن الرجل تزل رجله فينتعش، ويزل لسانه فيهلِك.
وعليكم في الحرب بالمكيدة؛ فإنها أبلغ من النجدة، فإن القتال إذا وقع وقع القضاء، فإن ظَفَرَ فقد سَعِد، وإن ظُفِرَ به لم يقولوا: فَرَّط.
وصية أعرابي لابنه لما أرد الزواج
قال الفراء: سمعت الكلابي يقول: قال بعضهم لولده:
يا بني ! لا تتخذها حَنَّانة، ولا أَنَّانة، ولا مَنَّانة، ولا عُشْبَة الدار، ولا كُبَّة القفا.
- الحَنَّانة: التي لها ولد مِنْ سواه، فهي تَحِنُّ عليهم.
- والأنَّانة: التي مات عنها زوجها، فهي إذا رأت الزوج الثاني أَنَّتْ، وقالت: (رحم الله فلانًا)، لزوجها الأول.
- والمنَّانة: التي لها مال، فهي تَمُنُّ على زوجها كلما أهوى إلى شيء من مالها.
- وقوله: عُشْبَة الدار يريد: الهَجينة.
- وقوله: كُبَّة القفا هي التي يأتي زوجُها أو ابنُها القومَ، فإذا انصرف من عندهم قال رجلٌ مِن جُبَنَاء القوم: قد واللهِ كان بيني وبين امرأةِ هذا الْمُوَلِّى أو أُمِّه أَمْرٌ.
وصية أعرابي لابنه
حكى الأصمعي (رحمه الله) أن أعرابيًّا قال لابنه:
يا بني ! العقل بلا أدب كالشجر العاقر. ومع الأدب دِعَامة أَيَّدَ اللهُ بها الألبابَ، وحلية زَيَّنَ الله بها عواطل الأحساب.
فالعاقل لا يستغني - وإن صَحَّتْ غريزتُهُ - عن الأدبِ الْمُخْرِجِ زهرته كما لا تستغني الأرض - وإن عَذُبَتْ تُرْبَتُهَا عن الماء المخرج ثمرتها.
وصية حكيم لابنه
قال بعض الحكماء لابنه:
يا بني ! عليك بالترحيب والبشر، وإياك والتقطيب والكبر؛ فإن الأحرار أحب إليهم أن يُلْقَوْا بما يحبون ويُحرموا، من أن يلقوا بما يكرهون ويعطوا. وورد في " رسائل الجاحظ " بلفظ: قال بعض الحكماء: غاية الأحرار أن يلقوا بما يحبون ويحرموا أحب إليهم من أن يلقوا ما يكرهون ويعطوا.
من وصايا يحيى بن خالد لابنه جعفر
قال له أيضًا: لا ترد على أحد جوابًا حتى تفهم كلامه ؛ فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره، ويؤكد الجهل عليك. ولكن افهم عنه، فإذا فهمت فأجبه. ولا تتعجل بالجواب قبل الاستفهام. ولا تستح أن تفهم إذا لم تفهم؛ فإن الجواب قبل الفهم حمق. وإذا جهلت قبل أن تسأل فاسأل؛ فيبدو لك، واستفهامك أحمد بك، وخير لك من السكوت على العِي.