3. من وصايا الآباء للأبناء
لما أراد أسماء بن خارجة الفزاري أن يُهدي ابنته إلى زوجها، قال لها:
يا بنية! كان النساء أحق بأدبكِ مني، ولا بد لي من تأديبك.
يا بنية ! كوني لزوجك أمة يكن لك عبدًا، ولا تدني منه فيملك، ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه. وكوني كما قلتُ لأمك:
خذي العفو منى تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضبُ
فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهبُ .
قال مالك بن ضيغم: لما احتُضِر أبي قلنا له: ألا تُوصي؟ قال:
بلى: أوصيكم بما أوصى به إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132].
وأوصيكم بصلة الرحم، وحسن الجوار، وفعل ما استطعتم من المعروف، وادفنوني مع المساكين .
وعن أبي بكر المدني قال: قال سعيد بن العاصي:
يا بني ! إن المكارم لو كانت سهلة يسيرة لسابقكم إليها اللئام، ولكنها كريهة مرة لا يصبر عليها إلا مَن عرف فضلها، ورجا ثوابها .
قال سعيد بن العاصي لابنه:
اقتصد فى مزاحك؛ فإن الإفراط فيه يذهب البهاء، ويُجَرِّئ عليك السفهاء، وإن التقصير فيه يَفُضُّ عنك المؤانسين، ويُوحش منك المصاحبين .
وصى عبد الله بن الأهتم ابنه فقال:
يا بني! لا تطلب الحوائج من غير أهلها، ولا تطلبها فى غير حينها، ولا تطلب ما لست له مُسْتَحِقًّا ؛ فإنك إن فعلت ذلك كنت بالحرمان حَقِيقًا .
قال أبو الأسود الدؤلي (رحمه الله) لابنه:
يا بني! إن كنتَ في قوم فلا تتكلم بكلام مَنْ هو فوقك فَيَمْقُتُوك، ولا بكلام مَن هو دونك فَيَزْدَرُوك .
عن سفيان بن عيينة (رحمه الله) قال: قال علقمة بن لَبِيد العُطَارِدي لابنه:
يا بني ! إذا نزغتك إلى صحبة الرجال حاجة، فاصحب مَنْ إن صحبته زانك، وإن خدمته صانك، وإن أصابتك خصاصة مانك ، وإن قُلْتَ صَدَّقَ قولَك، وإن صُلت شد صولك، وإن مددت يدك بفضل مدها، وإن رأى منك حسنة عَدَّها، وإن رأى منك سيئة سدها، وإن سألته أعطاك، وإن سكتَّ عنه ابتداك، وإن نزلت بك إحداى الملمات آساك، مَنْ لايأتيك منه البوائق ، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق، وإن حاول حويلاً آمرك ، وإن تنازعتما مُنْفِسًا آثرك .
قال الإمام سفيان بن عيينة (رحمه الله) : لما بلغت خمس عشرة سنة، قال لي أبي:
يا بني! قد انقطعت عنك شرائع الصبا، فاختلط بالخير تكن من أهله، ولا تزايله فتبين منه. ولا يغرنك مَن مدحك بما تعلم أنت خلافه من نفسك؛ فإنه ما مِن أحد يقول في أحد من الخير ما لم يعلم منه إذا رضي، إلا قال فيه مِن الشر على قدر ما مدحه إذا سخط. واستأنس بالوحدة مِن جلساء السوء، تسلم من غِبِّ عواقبهم.
ولا تنقل أحسن ظني بك إلى أسوإِ ظني بمن هو دونك.
واعلم أنه لن يسعد بالعلماء إلا مَن أطاعهم، فأطعهم تسعد، واخدمهم تقتبس من علمهم
قال سفيان بن عيينة :
فجعلتُ وصية أبي هذه قِبلةً أميل إليها، ولا أميل عنها، ولا أعدل عنها .
قال خالد بن صفوان لابنه :
كن أحسن ما تكون في الظاهر حالاً، أقل ما تكون في الباطن مآلاً. ودع من أعمال السر ما لا يصلح لك في العلانية.
يا بنى ! أوصيك باثنتين لن تزال بخير ما تمسكت بهما: درهمك لمعاشك، ودينك لمعادك .
يا بَني ! لا يحملنكم جمال النساء عن صَرَاحَة النسب ؛ فإن المناكح الكريمة مَدْرَجَةٌ للشرف .
قال أكثم بن صيفي لبنيه:
يا بني ! ذللوا أخلاقكم للمطالب، وقوموها على المحامد، وعلموها المكارم.
ولا تقيموا على خلق تذمونه مِن غيركم، وصلوا من رغب إليكم، وتخلقوا بالجود يلبسكم المحبة، ولا تعتقدوا البخل فتتعجلوا الفقر .
يا بُنَيَّ! لا تُجَادِلَنَّ العلماءَ فَتَهُوْنَ عليهم فَيَرْفِضُوكَ، ولا تُمَارِيَنَّ السُّفَهَاءَ فَيَجْهَلُوا عَلَيْكَ وَيَشْتُمُوكَ؛ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِالْعُلَمَاءِ مِنْ صَبَرَ وَرَأَى رَأيَهُمْ، وَيَنْجُو مِنَ السُّفَهَاءِ مَنْ صَمَتَ وَسَكَتَ عَنْهُمْ. وَلاَ تَحْسَبَنَّ أَنَّكَ إِذَا مَارَيْتَ الْفَقِيهَ إِلاَّ زِدْتَهُ غَيْظًا دَائِبًا عَلَيْك.
وَلاَ تَحْمَيَنَّ مِنْ قَلِيلٍ تَسْمَعُهُ؛ فَيُوقِعَكَ فِي كَثِيرٍ تَكْرَهُهُ.
وَلاَ تَفْضَحْ نَفْسَكَ لِتُشْفِيَ غَيْظَكَ.
فَإِنْ جَهِلَ عَلَيْكَ جَاهِلٌ فَلْيَنْفَعَنَّ إِيَّاكَ حِلْمُكَ.
وَإِنَّكَ إِذَا لَمْ تُحْسِنْ حَتَّى يُحْسَنَ إِلَيْكَ، فَمَا أَجْرُكَ؟ وَمَا فَضْلُكَ عَلَى غَيْرِكَ؟ فَإِذَا أردتَ الأجْرَ والفضيلةَ فَأَحْسِنْ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَانْفَعْ مَنْ لَمْ يَنْفَعْكَ، فَانْتَظِرْ ثَوَابَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ؛ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ الْكَامِلَةَ الَّتِي لاَ يُرِيدُ صَاحِبُهَا عَلَيْهَا ثَوَابًا فِي الدُّنْيَا .
قال وهب بن منبه (رحمه الله) لابنه:
يا بُنَيَّ ! عليك بالحكمة فإنَّ الخيرَ في الحكمةِ كُلَّهُ وَتُشَرِّفُ الصَّغِيرَ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْعَبْدَ عَلَى الْحُرِّ وَتَزِيدُ السَّيِّدَ سُؤْدُدًا وَتُجْلِسُ الْفَقِيرَ مَجَالِسَ الْمُلُوكِ .
عن عمر بن حفص قال: حدثني عبد العزيز بن عمر قال: قال لي أبي:
يا بني ! إذا سمعت كلمة من امرىء مسلم فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملاً من الخير .
عن عبد الله بن طاوس قال : قال لي أبي:
يا بني! صاحب العقلاء تنسب إليهم وإن لم تكن منهم. ولا تصاحب الجهال فتنسب إليهم وإن لم تكن منهم . واعلم أن لكل شيء غاية، وغاية المرء حسن الخلق .
كان عروة بن الزبير (رحمه الله) يجمع بنيه، فيقول:
يا بَنِيَّ ! إن أزهد الناس في عالم أهله، فهلموا فاطلبوا العلم؛ فإن تكونوا صغار قوم لا يُحتاج إليكم، فعسى أن تكونوا كبار قوم آخرين لا يُستغنى عنكم.
واسَوْءَتا ! ماذا أقبح من شيخ جاهل ؟! .
يا بَنِيَّ! لا يُهْدِيَنَّ أحدكم إلى ربه ما يستحي أن يُهديه إلى حريمه؛ فإن الله أكرم الكرماء، وأحق من اختير له.
يا بني! إذا رأيتم خَلَّةً رائعة من شر من رجل فاحذروه، وإن كان عند الناس رَجُلَ صدق؛ فإن لها عنده أخوات.
وإذا رأيتم خلة رائعة من خير من رجل فلا تقطعوا إنَاتَكم منه، وإن كان عند الناس رَجُلَ سوءٍ؛ فإن لها عنده أخوات ..
يا بني! الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم .
يا بَنِيَّ ! تعلموا العلم، فإن استغنيتم كان لكم كمالاً، وإن افتقرتم كان لكم مالاً .
قال عبد الملك بن مروان لبنيه:
يا بَنِيَّ ! تعلموا العلم ؛ فإن كنتم سَادةً فُقْتُم، وإن كنتم وسطًا سُدْتُم، وإن كنتم سُوقة عِشْتُم .
قال عبد الملك بن مروان لبنيه:
كفوا الأذى، وابذلوا المعروف، واعفوا إذا قدرتم، ولا تبخلوا إذا سُئلتم، ولا تُلحفوا إذا سَألتم؛ فإنه مَن ضَيَّق ضُيِّق عليه، ومَن أعطى أخلف الله عليه .
قال عبد الله بن الحسن (رحمه الله) لابنه محمد:
يا بنى ! احذر الجاهل وإن كان لك ناصحًا كما تحذر العاقل إذا كان لك عدوًا .
ويوشك الجاهل أن تورطك مشورته في بعض اغترارك، فَيَسْبِق إليك مكر العاقل.
وإياك ومعاداة الرجال؛ فإنها لا تعدمك مكر حليَم .
يا بني ! إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه، فإن للجود معادنَ، وللمعادن أصولاً، وللأصول فروعًا، وللفروع ثمرًا، ولا يطيب ثمر إلا بأصول، ولا أصل ثابت إلا معدن طيب .
يا بني ! إن زرت فزر الأخيار، ولا تزر الفجار؛ فإنهم صخرة لا يتفجر ماؤها، وشجرة لا يخضر ورقها، وأرض لا يظهر عشبها .
يا بني! كن لكتاب الله تاليًا، وللسلام فاشيًا، وبالمعروف آمرًا، وعن المنكر ناهيًا، ولمن قطعك واصلاً، ولمن سكت عنك مبتدئًا، ولمن سألك معطيًا.
وإياك والنميمةَ؛ فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال.
وإياك والتعرض لعيوب الناس؛ فمنزلة المتعرض لعيوب الناس بمنزلة الهدف.
يا بني ! إياك أن تُزري بالرجال فيزرَى بك، وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك.
يا بني ! قل الحق لك أو عليك؛ تستشان من بين أقرانك.
عن بعض أصحاب جعفر بن محمد الصادق (رحمه الله) قال:
دخلت على جعفر وموسى بين يديه، وهو يوصيه بهذه الوصية، فكان مما حفظت منها أن قال: يا بُنيَّ ! اقبل وصيتي، واحفظ مقالتي، فإنك إن حفظتها تعش سعيدًا، وتمت حميدًا.
يا بني! من رضي بما قُسم له استغنى، ومن مد عينه إلى ما في يد غيره مات فقيرًا.
ومَن لم يرضَ بما قسمه الله له اتهم الله في قضائه.
ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه.
يا بني! مَن كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومَن سَلَّ سيف البغي قُتل به، ومن احتفر لأخيه بئرًا سقط فيها. ومن داخل السفهاء حقر، ومن خالط العلماء وقر، ومن دخل مداخل السوء اتهم .
وقال محمد الباقر لابنه جعفر (رحمهم الله) أيضًا :
يابني ! إن الله خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة :
- خبأ رضاه في طاعته، فلا تَحْقِرَنَّ شيئًا من الطاعة؛ فلعل رضاه فيه.
- وخبأ سخطه في معصيته؛ فلا تحقرن شيئًا من المعاصي؛ فلعل سخطه فيه.
- وخبأ أولياءه في خلقه، فلا تحقرن أحدًا من خلقه؛ فلعله فى ذلك .
عن سفيانَ الثوريِّ، عن جعفر بن محمد قال: قال لي أبي:
يا بُنيَّ ! إن سب أبي بكرٍ وعمرَ من الكبائر، فلا تُصَلِّ خلف من يقع فيهما .
عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (رحمه الله) قال: أوصاني أبي، فقال:
لا تصحبن خمسة، ولا تحادثهم، ولا ترافقهم في طريق .
قلت: جُعِلتُ فداك يا أبت ! مَن هؤلاء الخمسة ؟
قال: لا تصحبن فاسقًا ؛ فإنه بائعك بأكلة فما دونها .
قلت: يا أبت ! وما دونها ؟!
قال: يطمع فيها ثم لا ينالها .
قلت: يا أبت ! ومَن الثاني ؟
قال: لا تصحبن البخيل؛ فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه .
قلت: يا أبت ! ومن الثالث ؟
قال: لا تصحبن كذابًا ؛ فإنه بمنزلة السراب، يبعد منك القريب، ويقرب منك البعيد .
قلت: يا أبت ! ومَن الرابع ؟
قال: لا تصحبن أحمقَ؛ فإنه يريد أن ينفعك فيضرك .
قلت: يا أبت ! ومَن الخامس؟
قال: لا تصحبن قاطع رحم؛ فإني وجدته ملعونًا في كتاب الله في ثلاثة مواضعَ .
قال كعب الأحبار (رحمه الله) لابنه:
يا بني ! إن سرك أن يغبطك الصافون المسبحون، فحافظ على صلاة الضحى؛ فإنها صلاة الأوابين، وهم المسبحون
لما احتضر عدي بن الخيار (رضي الله عنه) - وهو من مسلمة الفتح، وكان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعظمونه - قال لابنه عبيد الله :
يا بني ! أذكرك الله أن لا تعمل بعدي عملاً يمعر وجهي، فإن عمل الأبناء يعرض على الآباء .
لما حضرت عقبةَ الوفاةُ، قال لولده:
يا بَنِيَّ ! إني أنهاكم عن ثلاث، فاحتفظوا بها:
- لا تقبلوا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا من ثقة.
- ولا تدينوا ولو لبستم العباء.
- ولا تكتبوا شعرًا فتشغلوا به قلوبكم عن القرآن .