4. حياة السلف بين القول والعمل
حكمــــــة
العمل بالعلم وتبليغه: قال أبو عثمان الحيري رحمه الله: ذهابُ الإسلام من أربعة: لا يعملونَ بما يَعلَمون، ويعملونَ بما لا يَعلَمون، ولا يَتَعلَّمون مالا يَعْلَمون، ويَمنَعون النَّاس من العلم. قال الذهبي رحمه الله: هذه نعوتُ رؤوس العرب والتُّرك، وخلق من جهلة العامة، فلو عملوا بيسير ما عرفوا، لأفلحوا، ولو وقفوا عن العمل بالبدع لوُفِّقوا ولو فَتَّشوا عن دينهم وسألوا أهل الذِّكر- لا أهل الحِيَلِ والمكر- لسَعِدوا، بل يُعرِضون عن التعلُّم تيهًا وكَسَلاَ، فواحدة من هذه الخِلال مُردِيَة، فكيف بها إذا اجتمعت؟! فما ظنُّك إذا انضم إليها كِبْر، وفجورٌ، وإجرامٌ وتَجَهْرُمٌ على الله! نسأل الله العافية. [السير (تهذيبه) 2 / 723].
حكمــــــة
العمل بالعلم وتبليغه:قال الذهبي رحمه الله: من طلب العلمَ للعمل كسره العلمُ، وبكى على نفسه، ومن طلب العلم للمدارس والإفتاء والفخر والرياء، تحامق، واختال، وازدرى بالناس وأهلكه العُجْبُ، ومقتَتْهُ الأنفس " قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا " [الشمس: 9، 10]؛ أي: دسَّسَها بالفُجور والمعصية. قُلِبتْ فيه السينُ ألفًا. [السير (تهذيبه) 3/1401].
حكمــــــة
عن عبد الله بن سلام قال لمن حضر تشحط عثمان رضى الله عنه في الموت حين ضربه أبو رومان الأضحى: ماذا كان قول عثمان وهو يتشحط؟ قالوا: سمعناه يقول: اللهم اجمع أمة محمد، اللهم اجمع أمة محمد، اللهم أجمع أمة محمد، ثلاثا، قال: والذي نفسي بيده لو دعا الله على تلك الحال أن لا يجتمعوا أبدا ما اجتمعوا إلى يوم القيامة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/314].
حكمــــــة
عن زيد بن أسلم قال: كنت مع أبي حازم رحمه الله في الصائفة فأرسل عبد الرحمن بن خالد إلى أبي حازم أن ائتنا حتى نسائلك وتحدثنا. فقال أبو حازم: معاذ الله، أدركت أهل العلم لا يحملون الدين إلى أهل الدنيا، فلن أكون بأول من فعل ذلك، فإن كان لك حاجة فأبلغنا. فتصدى له عبد الرحمن وسأل منه وقال له: لقد ازددت علينا بهذا كرامة. [الحلية (تهذيبه) 1 / 525].
حكمــــــة
عن عيسى بن يونس قال: بعث عيسى بن موسى بألف درهم إلى الأعمش رحمه الله وصحيفة ليكتب له فيها حديثًا، فأخذ الأعمش الألف درهم وكتب في الصحيفة بسم الله الرحمن الرحيم " قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ " حتى ختمها، وطوى الصحيفة وبعث بها إليه، فلما نظر فيها بعث إليه يا ابن الفاعلة ظننت أني لا أحسن كتاب الله؟ فكتب إليه الأعمش: أفظننت أني أبيع الحديث؟ ولم يكتب له وحبس المال لنفسه. [الحلية (تهذيبه) 2 / 138].
حكمــــــة
عن أبي عثمان الرازي قال: جاء رجل من أصحاب المعتضد إلى إبراهيم الحربي رحمه الله بعشرة آلاف درهم من عند المعتضد، يسأله عن أمر أمير المؤمنين تفرقة ذلك، فرده فانصرف الرسول، ثم عاد فقال له: إن أمير المؤمنين يسألك أن تفرقه في جيرانك: فقال: عافاك الله، هذا مال لم نشغل أنفسنا بجمعه، فلا نشغلها بتفرقته، قل لأمير المؤمنين: إن تركتنا وإلا تحولنا من جوارك. [المنتظم 12 / 383].
حكمــــــة
عن إبراهيم قال: سمعت الفضيل بن عياض رحمه الله يقول: لأن يدنو الرجل من جيفة منتنة، خير له من أن يدنو إلى هؤلاء – يعني السلطان – وسمعته يقول: رجل لا يخالط هؤلاء، ولا يزيد على المكتوبة، أفضل عندنا من رجل يقوم الليل، ويصوم النهار ويحج، ويعتمر ويجاهد في سبيل الله ويخالطهم. [الحلية (تهذيبه) 3 / 17].
حكمــــــة
علو الهمة: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلمّ، فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم؟ قال: فتركت ذلك، وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحديث، فإن كان ليَبلُغني الحديث عن الرجل، فآتي بابه وهو قائل، فأتوسَّد التراب، فيخرج فيراني فيقول: يابن عمّ رسول الله، ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحقّ أن آتيك فأسألك عن الحديث فعاش ذلك الفتى الأنصاري حتى رآني، وقد اجتمع الناس حولي يسألوني فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني (أخرجه الطبراني). [صفة الصفوة 1/369].
حكمــــــة
علو الهمة:عن أبي الزناد قال: اجتمع في الحجر مصعب وعروة وعبد الله بنو الزبير، وعبد الله بن عمر، فقالوا: تمنوا، فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا، فأتمنى الخلافة، وقال عروة: أما أنا، فأتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أما أنا، فأتمنى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين، قال عبد الله بن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة، قال: فنالوا ما تمنوا، ولعل ابن عمر غفر له. [صفة الصفوة 1/267].
حكمــــــة
علو الهمة: عن فرقد إمام مسجد البصرة قال: دخلوا على سفيان الثوري رحمه الله في مرضه الذي مات فيه، فحدثه رجل بحديث فأعجبه، وضرب يده إلى تحت فراشه فأخرج ألواحًا له فكتب ذلك الحديث، فقالوا له: على هذه الحال منك؟ فقال: إنه حسن، إن بقيت فقد سمعت حسنًا، وإن مت فقد كتبت حسنًا. [الحلية (تهذيبه) 2 / 404].
حكمــــــة
علو الهمة: عن أبي محمد بن أخت الشافعي. قال: قلت أمي: ربما قدمنا في ليلة واحدة ثلاثين مرة أو أقل أو أكثر المصباح إلى بين يدي الشافعي رحمه الله، وكان يستلقي ويتفكر، ثم ينادي يا جارية هلمي المصباح، فتقدمه ويكتب ما يكتب، ثم يقول: ارفعيه. فقلت لأبي محمد: ما أراد برد المصباح؟ قال: الظلمة أجلى للقلب. [الحلية (تهذيبه) 3 / 124].
حكمــــــة
علو الهمة: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم رحمه الله: كنا بمصرَ سبْعَة أشهر، لم نأكل فيها مرقة، كُلُّ نهارِنا مقسّم لمجالس الشُّيُوخ، وبالليل: النَّسْخُ والمقابلة. قال: فأتينا روما أنا ورفيق لي شيخا، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتْنا، فاشتريناه، فلما صرنا إلى البيت، حضر وقتُ مجلسٍ، فلم يُمْكِنَّا إصلاحُه، ومضَيْنا إلى المجلس، فلم نَزَلْ حتى أتى عليه ثلاثة أيام، وكاد أن يتغير، فأكلناه نِيْئًا، لم يكن لنا فراغ أن نُعْطِيَه من يشويه. ثم قال: لا يستَطاعُ العِلمُ براحةِ الجَسَد. [السير (تهذيبه) 3/1079].
حكمــــــة
علو الهمة: قال أبو جعفر الطَّبريِّ رحمه الله لأصحابه: هل تَنشَطُون لتاريخ العالم من آدمَ إلى وقتِنا؟ قالوا: كم قدرُه؟ فذكر نحو ثلاثينَ ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى الأعمارُ قبل تمامه! فقال: إنَّا لله! ماتت الهِمَمُ. فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة ولمَّا أن أراد أن يمليَ التفسير قال لهم نحوًا من ذلك، ثم أملاه على نحوٍ من قدر التاريخ. [السير (تهذيبه) 3/1151].
حكمــــــة
علو الهمة: قال ابن كثير رحمه الله: ذكر ابن خلكان في " الوفيات " أن سبب انتقال الطحاوي رحمه الله إلى مذهب أبي حنيفة ورجوعه عن مذهب خاله المزني، أن خاله قال له يوما: والله لا يجيء منك شيءٌ. فغضب واشتغل على أبي جعفر بن أبي عمران الحنفيّ، حتى برع وفاق أهل زمانه، وصنف كتبا كثيرة منها " أحكام القرآن "، و " اختلاف العلماء "، و " معاني الآثار " و " التاريخ الكبير ". [البداية والنهاية 11/248].