2. من رسالة الإمام مالك لهارون الرشيد
لا تسافر ما استطعت إلا في يوم الخميس؛ فإنه بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستحب أن يسافر يوم الخميس؛ لا يسافر إلا فيه .
إذا أصابك كرب فقل: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث»؛ فإنه بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك عند الكرب .
احترس ممن يقرب إليك بالنميمة، ويبلغ الكلام عن الناس؛ بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ملعون من لعن أباه، ملعون من لعن أمه، ملعون من غير تخوم الأرض، ملعون كل صقار» وهو النمام .
لا تجر ثيابك؛ فإن الله لا يحب ذلك، وبلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «من جر ثيابه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» .
أطع الله في معصية الناس، ولا تطع الناس في معصية الله؛ بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» .
إذا أصابك حزن أو سقم أو ذلة أو لأواء – يعني الجوع – فقل: الله ربي لا أشرك به شيئًا: ثلاث مراتٍ، بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بذلك من أصابه شيء من ذلك .
اصبر على ما أصابك من فجائع الدنيا وأحزانها؛ لقول الله تعالى : " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ " [الزمر : 10]، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد .
لا تمارين أحدًا وإن كنت محقًا؛ بلغني أن قول الله عز وجل : " فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ " [البقرة : 197] أنه المراء .
إذا هممت بأمرٍ الدنيا ففكر في عاقبته، بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إذا هممت بأمر الدنيا ففكر في عاقبته، فإن كان رشدًا فامضه، وإن كان غيًا فانته عنه».
إياك والتجريد خاليًا؛ فإنه ينبغي لك أن تستحيي من الله إذا خلوت؛ فإنه بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لا أحب أن يلي لي شيئًا من لا يستحيي من الله في الخلاء»؛ وإياك أن تدخل الحمام والماء إلا بإزار، ولا يدخل معك أحد الحمام إلا بإزار وأنت تقدر على ذلك , فإن لم تقدر فغض طرفك عن كل أحدٍ كان مكشوفًا؛ بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يدخل الحمام إلا بإزار» .
أفش السلام، وإن استطعت أن لا يسبقك أحد إليه فافعل، تعط بذلك فضلاً عن الناس، وبلغني عن ابن مسعود أنه قال : السلام اسم من أسماء الله، وضعه فيكم فأفشوه فيكم؛ فإن الرجل إذا سلم كتب له عشر حسناتٍ .
أدب ولدك، ومن وليت أمره على خلقك وأدبك، حتى يتأدبوا على ما أنت عليه؛ فيكونوا لك عونًا على طاعة الله؛ بلغني عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : كل مؤدب يحب أن يؤخذ بأدبه، وإن أدب الله هو القرآن .
إذا استشارك أحد فإن شئت تكلمت، وإن شئت سكت، واجتهد رأيك؛ فإنه بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :«المستشار بالخيار إن شاء تكلم وإن شاء سكت» .
لا تفش على أحدٍ سرًا أفشاه إليك، فإنما هي أمانة استودعكها، وائتمنك عليها إلا أن يكون إفشاؤه خيرًا له في دنياه وآخرته، فأفقشها عليه وانصحه فيها، بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «من حق المسلم على المسلم إذا استنصحه أن ينصحه» .
إذا تعلمت علمًا من طاعة الله فلير عليك أثره، ولير فيك سمته، وتعلم للذي تعلمه، وتعلم له السكينة والحلم والوقار بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «العلماء ورثة الأنبياء» .
رد جواب الكتاب إلى كل أحدٍ كتب إليك؛ فإنما هو كرد السلام؛ قال عز وجل : " وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا " [النساء: 86] . وقال ابن عباس رضي الله عنه : أرى رجع الكتاب علي حقًا كما أرى رجع السلام .
الزم الحياء فإنه خلق الإسلام، وفيه قال صلى الله عليه وسلم : «لكل شيء خلق، وخلق الإسلام الحياء» .
إذا سافرت فقل : «اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال، والحور بعد الكور»؛ بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك إذا سافر .
إياك وظلم الضعيف، ومن لا يستعين عليك إلا بالله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم؛ فإنها تصعد فوق الغمام، فيقول الله لها : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين» .
إذا ودعت مسافرًا فقل : «زودك الله التقوى، وغفر لك ذنبك، ويسر لك الخير حيثما كنت، أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك»؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر أصحابه بها .
إذا حضرت السلطان فاشفع بخير، وإياك والكلام عنده إلا بما يرضي الله لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما يظن أنها تبلغ ما بلغت يكتب له بها سخطه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما يظن أنها تبلغ ما بلغت، يكتب له بها رضوانه إلى يوم القيامة» .
أرد ما أردت به الله ما استطعت، بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «صدقة السر تطفئ غضب الرب» .
اتق كثرة التزكية لنفسك، أو ترضى بها من أحدٍ يقولها لك في وجهك؛ بلغني أن رجلاً امتدح رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «ويحك قطعت عنقه، ولو سمعها ما أفلح أبدا» .
إياك ومدح الناس والثناء عليهم في وجوههم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أحثوا التراب في وجوه المداحين» .
طهر ثيابك ونقها من معاصي الله تعالى؛ فإنه بلغني أن قوله تعالى : " وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ " [المدثر : 4] يأمره أن لا يلبسها على عذرةٍ .
اكره لكل أحدٍ ما تكرهه لنفسك؛ بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بايع جريرًا البجلي على الإسلام والنصيحة لكل مسلم .
إياك والحسد والشره؛ فهما خلقان مرديان لصاحبهما في الدنيا والآخرة، وقال صلى الله عليه وسلم فيهما : «لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً وسلطه على إنفاقه في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها» .
اقتد في أمورك برأي ذوي الإنصاف من أهل التقوى؛ بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «خياركم شبانكم المتشبهون بشيوخكم، وشراركم شيوخكم المتشبهون بشبانكم» .
عليك بمعالي الأخلاق وكريمها، واتق رذائلها وما سفسف منها؛ بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها» .
إذا رأيت من فضلت عليه في دينك ودنياك، فأكثر حمد الله عليه؛ فإن ذلك من الشكر؛ بلغني عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : «ما أنعم الله على عبدٍ بنعمةٍ فقال: الحمد لله، إلا كان ذلك أعظم من تلك النعمة وإن عظمت» .
لا تركب المثرة الحمراء، ولا تلبس المعصفر؛ فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، إذا غضبت وأنت قائم فاقعد، وإن كنت قاعدًا فاضطجع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع» .
لا تتطيرن من شيء تراه أو تسمعه، وإذا كان من ذلك شيء فقل: اللهم لا يأتي بالخير إلا أنت ولا يدفع السوء إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ فقد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك لمن رأى من ذلك شيئًا .
لا تتوضأ بشيء مما تأكل من الطعام إلا من لحم الجزور ولا تدلك به في الحمام؛ فإن ذلك من الجفاء .
لا تتخلقن بالخلوق إلا أن يكون في أثر النورة ليذهب ريحها؛ فقد بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «بينما رجل في بردتين له متخلق يتبختر فيهما إذا ساخت به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة» .
لا تحلف بالطلاق ولا بالعتاق؛ فإنها من أيمان الفساق، بلغني عن عمر رضي الله عنه أنه قال : أربع جائزة إذا تكلم بهن: الطلاق والعتاق والنكاح والنذر، وأربعة يمسون والله عليهم ساخط، ويصبحون والله عليهم غضبان : المتشبهون من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، ومن أتى بهيمة، أو عمل عمل قوم لوطٍ .
لا تتطيبن بشيء من الطيب يظهر لونه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «طيب الرجال ما بطن لونه وظهر ريحه، وطيب النساء ما ظهر لونه وبطن ريحه» .
الزم الرأي الحسن، والهدي الحسن، والاقتصاد؛ بلغني عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : الرأي الحسن جزء من خمسةٍ وعشرين جزءًا من النبوة .
إن استطعت أن لا تدع العمامة والبرد في العيدين والجمعة فافعل؛ لما علمت من أمر النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يلبس العمامة والبرد في العيدين والجمعة .
إذا صافحك أحد فلا تنزعن يدك عن يده، حتى يكون هو الذي ينزع يده عند يدك، بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصافح أحدًا فنزع يده حتى يكون هو الذي ينزع يده.
إذا أقبل عليك رجل بوجهه يحدثك، فلا تصرف وجهك عنه، حتى يكون هو الذي يصرف وجهه عنك، وإذا جلست إلي جنب رجل، أو جلس إلي جنبك رجل، فلا تقومن من بين يديه، ولا تجاوزن ركبتك ركبته، بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم تتجاوز ركبته ركبة جليسٍ له .
إذا أحسست من أمير ظلامة أو تغطرسًا فقل : «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أعز من خلقه جميعًا، الله أكبر مما أخاف وأحذر، وأعوذ بالله الممسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه من شر فلانٍ، اللهم كن لي جارًا من فلان وجنوده، أن يفرط على أحد منهم أو أن يطغي، جل جلالك وعز جارك، ولا إله غيرك». تقول ذلك ثلاث مراتٍ , بلغني عن ابن عباس أنه قال ذلك وأمرنا به .
إذا كتبت إلى أحد من غير أهل الإسلام، فلا تكتبن : «سلام الله عليك»؛ ولكن اكتب: «السلام على من اتبع الهدى»؛ بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب ذلك إلى مسيلمة .
إذا عطست في الخلاء فاذكر اسم الله خفيًا، لا تدهن في مدهن ذهب ولا فضةٍ، ولا تستجمر في مجامر الذهب والفضة؛ بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشرب في إناء الذهب والفضة .
لا تنم على الحرير والديباج؛ فإنه لبسة النساء، بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لبس الحرير والديباج إلا للنساء .
إذا رأيت أمرًا في أهلك وخاصتك مما ينبغي تغييره، فلا تحابين منهم أحدًا، وقم فيه بالذي يحق عليك؛ بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» .
إذا هممت بأمرٍ من طاعة الله عز وجل فلا تحبسه إن استطعت فواقًا حتى تمضيه؛ فإنك لا تأمن الأحداث، وإذا هممت بأمرٍ غير ذلك فإن استعطت أن لا تمضيه فواقًا فافعل، لعل الله تعالى يحدث لك تركه .
لا تستحي إذا دعيت لأمر ليس بحق أن تقول : لا؛ فإن الله تعالى يقول : " وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ " [الأحزاب : 53] .
إذا سمعت المؤذن يؤذن فقل كما يقول؛ إلا أنك تقول إذا قال: حي على الصلاة، حي على الفلاح: لا حول ولا قوة إلا بالله، بلغني ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
لا تخلون بامرأةٍ ليست لك بمحرم، بلغني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن قال : ما خلا رجل بامرأةٍ ليست له بمحرمٍ إلا كان ثالثهما الشيطان .
إذا قال الإمام : آمين، فقل : آمين؛ فإنه ينبغي إذا فرغ من أم القرآن أن يقول : آمين، ويقوله من خلفه؛ بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إذا أمن الإمام فأمنوا؛ فإن الملائكة تؤمن لتأمين الإمام فمن وافق منكم تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» .