فوائد من كتاب ساعات الليل غنائم مفقودة
قال النبى صلى الله عليه وسلم : «عليكم بقيام الليل فإنَّه تكفير للخطايا والذنوب، ودأب الصالحين قبلكم، ومطردة للداء عن الجسد» [رواه الترمذي والحاكم].
ثمرات قيام الليل : دعوة تستجاب وذنب يُغفر ومسألة تقضى وزيادة في الإيمان والتلذذ بالخشوع للرحمن وتحصيل للسكينة ونيل الطمأنينة واكتساب الحسنات ورفعة الدرجات والظفر بالنظارة والحلاوة والمهابة وطرد الأدواء من الجسد.
عن عمرو بن عبسة رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الليلة فكن». [رواه الترمذي وحسنه].
عن أبي أمامة الباهلي رضى الله عنه قال: قيل: يا رسول الله ! أيُّ الدعاء أسمع ؟ قال : «جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات». [رواه الترمذي وحسنه].
عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السَّماء الدنيا، حين يبقى ثلثل الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له». [رواه البخاري ومسلم].
عن عثمان بن أبي العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد: هل من داع فيستجاب له، هل من سائل فيعطى، هل من مكروب فيفرج عنه، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله تعالى له، إلا زانية تسعى بفرجها، أو عشارًا». [رواه الترمذي وحسنه].
يا صاحب الذنب : قد جاءتك فرصة الغفران.. تعرض كل ليلة.. بل هي أمامك كل حين ولكنها في الثلث الأخير أقرب إلى الظفر والنيل , فعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها». [رواه مسلم].
يا صاحب النعمة : أقبل على ربك بالليل وأدِّ حق الشكر له؛ فإن قيام الليل أنسب أوقات الشكر، وهل الشكر إلا حفظ النعمة وزيادتها؟! تأمَّل في رسول الله لمَّا قام حتى تفطَّرت قدماه، فقلنا : يا رسول الله مالك ؟ أما غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخَّر ؟ قال : «أفلا أكون عبدًا شكورًا». [رواه البخاري]. ففي هذا الحديث دلالة قوية على أنَّ قيام الليل من أعظم وسائل الشكر على النعم.
يا طالب الحور : قم في ظلمة السحر.. وأحي ليلك بالقرآن والذكر.. والتبتل والاستغفار فإن ذاك هو مهر الحور العين في الجنة. فإن الجزاء عند الله من جنس العمل.. فما يجزي به الله المتهجدين في الليل كثرة الأزواج من الحور العين في الجنة؛ فإن المتهجد قد ترك لذة النوم بالليل، ولذة التمتع بالأزواج، ترك لحافه وفراشه طلبًا لما عند الله عزَّ وجلَّ، فعوَّضه الله خيرًا لما تركه، وكان الجزاء الحور العين، ويا نعم الجزاء , يقول النبى صلى الله عليه وسلم : «ولو أنَّ امرأة من نساء أهل الجنة اطَّلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحًا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها»( صحيح البخاري).
كان بعض السلف يحيي الليل صلاة فتكاسل عن ذلك فأتاه آتٍ في منامه فقال له: قد كنت يا فلان تدأب في الخطبة، ما الذي قصر بك عن ذلك؟ قال: وما ذاك؟ قال: كنت تقوم من الليل؛ أوما علمت أن المتهجد إذا قام إلى التهجد قالت الملائكة: قد قام الخاطب إلى خطيبته!! .
ما يعينك على القيام : أقلل من الطعام؛ فإن كثرة الطعام مجلبة للنوم، ولا يخف قيام الليل إلاَّ على من قلَّ طعامه، ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم حدود الشبع وآدابه فقال: «ما ملأ آدمي وعاءً شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه». [رواه أحمد والترمذي، وهو في صحيح الجامع برقم: 5550].
قال عون بن عبد الله : «كان قيِّم لبني إسرائيل يقوم عليهم إذا أفطروا فيقول: لا تأكلوا كثيرًا؛ فإن أكلتم كثيرًا نمتم كثيرًا، وإن نمتم كثيرًا صلَّيتم قليلاً».
قال عبد الواحد بن زيد : «من قوي على بطنه قوي على دينه، ومن قوي على بطنه قوي على الأخلاق الصالحة، ومن لم يعرف مضرته في دينه من قبل بطنه فذاك رجل من العابدين أعمى».
ما يعينك على القيام : الاستعانة بالقيلولة : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجَّه إلى الاستعانة بها ومخالفة الشياطين بها، فقال : «قيلوا فإن الشياطين لا تقيل». [رواه الطبراني وهو في السلسلة الصحيحة برقم: 2647]. ومرَّ الحسن بقوم في السوق فرأى صخبهم ولغطهم، فقال : أما يقيل هؤلاء؟ قالوا : لا، قال : «إني لأرى ليلهم ليل سوء».
قال إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة : «القائلة من عمل أهل الخير، وهي مجمة للفؤاد، مقواة على قيام الليل».
ما يعينك على القيام : الاقتصاد في الكد نهارًا : والمقصود به عدم إتعاب النفس من لا ضرورة منه، ولا مصلحة راجحة، كفضول الأعمال والأقوال والخلطة ونحوها، أما ما يستعديه الكسب والحياة من الضروريات ولا غنى للمرأ عن الكد لأجله فيقتصد فيه بحسب ما تتحقق به المصالح.
ما يعينك على القيام : اجتناب المعاصي وتركها : فالمعصية تقعس عن الطاعة، وتوجب التشاغل عن العبادات، وتحرم المؤمن التوفيق إلى النوافل والفضائل، ولذلك تواتر عن السلف القول بأن المعاصي تحرم العبد من القيام.
قال رجل للحسن البصري : يا أبا سعيد : إني أبيت معافى، وأحب قيام الليل، وأعد طهوري؛ فما بالي لا أقوم ؟ فقال : «ذنوبك قيدتك».
قال الثوري : حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته. قيل : وما هو ؟ قال : رأيت رجلاً يبكي، فقلت في نفسي : «هذا مراء».
قال رجل لإبراهيم بن أدهم : إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟ فقال : لا تعصه بالنهار، وهو يقيمك بين يديه بالليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف».
ما يعينك على القيام : سلامة القلب من الأحقاد على المسلمين ومن البدع وفضول هموم الدنيا؛ فإن ذلك يشغل القلب ويضغط عليه فلا يكاد يهتم بشيء سواه.
ما يعينك على القيام : خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل؛ فإنَّه إذا تفكر أهوال الآخرة ودركات جهنم طار نومه وعظم حذره.
ما يعينك على القيام : أن يقف المسلم على فضائل القيام وثمراته فإنها تهيج الشوق وتعلي الهمة وتحيي في النفس طمعًا في رضوان الله وثوابه، وقد تقدم ذكر أهمها.
ما يعينك على القيام : وهو أشرف البواعث : حب الله وقوة الإيمان؛ لأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج به ربه ومطلع عليه، مع مشاهدة ما يخطر بقلبه، وأن تلك الخطرات من الله تعالى خطاب معه، فإذا أحب الله تعالى أحب لا محالة الخلوة به وتلذذ بالمناجاة؛ فتحمله لذة المناجاة للحبيب على طول القيام.