فوائد من كتاب أحصاه الله ونسوه لعبد الملك القاسم
حكمــــــة
في اللسان آفتان عظيمتان: إن خلص من أحدهما لم يخلص من الأخرى، آفة الكلام وآفة السكوت.وقد يكون كل منهما أعظم من الأخرى في وقتها، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، عاص لله، مراء مداهن إذا لم يخف على نفسه والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص لله، وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته، فهم بين هذين النوعين، وأهل الوسط وهم أهل الصراط المستقيم، كفوا ألسنتهم عن الباطل وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعه في الآخرة، فلا ترى أحدهم يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة، فضلا عن أن تضره في آخرته، وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها.ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به (الجواب الكافي).
حكمــــــة
كثرة آفات اللسان: من الخطأ والكذب والغيبة والنميمة والنفاق والفحش والمراء وتزكية النفس والخواص في الباطل والخصومة والفضول والتحريف والزيادة والنقصان، وإيذاء الخلق وهتك العورات، فهذه آفات وهي سياقة إلى اللسان لا تثقل عليه ولها حلاوة في القلب وعليها بواعث من الطبع ومن الشيطان، والخائض فيها قلما يقدر أن يمسك اللسان فيطلقه بما يحب ويكفه عما لا يحب.ففي الخواص خطر وفي الصمت سلامة فذلك عظمت فضيلته، هذا مع ما فيه من جمع الهمم ودوام الوقار والفراغ للفكر والذكر والعبادة والسلامة من تبعات القول في الدنيا ومن حسابه في الآخرة (الإحياء).
حكمــــــة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية موضحًا حال الكثيرين: ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى الرجل ليشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالاً، ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول (الجواب الكافي).
حكمــــــة
من آفات اللسان: الآفة الثانية: الخوض في الباطل، وهو الكلام في المعاصي، كذكر مجالس الخمر، ومقامات الفساق، وقريب من ذلك الجدال والمراء، وهو كثرة الملاحاة للشخص لبيان غلطه وإفحامه، والباعث على ذلك الترفع فينبغي للإنسان أن ينكر المنكر من القول، ويبين الصواب فإن قبل منه وإلا ترك المماراة، هذا إذا كان معلقا بالدين، فإما إن كان في أمور الدنيا فلا وجه للمجادلة فيه.
حكمــــــة
من آفات اللسان: الآفة السابعة: إفشاء السر وإخلاف الوعد والكذب في القول واليمين، وكل ذلك منهي عنه، إلا ما رخص فيه من الكذب لزوجته وفي الحرب فإن ذلك يباح وضابطه: أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو فهي مباح إن كان ذلك المقصود مباحا، وإن كان المقصود واجبا فهو واجب، فينبغي أن يتحرز عن الكذب مهما أمكن.
حكمــــــة
حذر الله جل وعلا من آفات اللسان وأخبر أنها من الأعمال التي تحصى على ابن آدم ويحاسب عليها. قال تعالى: " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ". [ق: 18]. وقال جل وعلا: " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا " [الإسراء: 36].
حكمــــــة
سأل معاذ بن جبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمل الذي يدخله الجنة ويباعده من النار، أخبره النبي صلى الله عليه وسلم برأسه وعموده وذروة سنامه، ثم قال: " ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ " قال: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: " كف عليك هذا " فقال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: " ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم " رواه الترمذي.
حكمــــــة
سئل الحسن يوما: كيف أصبحت يا أبا سعيد؟ قال: والله ما من انكسرت به سفينة في لجج البحر بأعظم مني مصيبة، قيل: ولم ذاك؟ قال: لأني من ذنوبي على يقين، ومن طاعني وقبول عملي على وجل، لا أدري ِأقبلت مني أم ضرب بها وجهي. فقيل له: وأنت تقول ذلك يا أبا سعيد؟ فقال: ولم لا أقول ذلك، ما الذي يؤمنني من أن يكون الله سبحانه وتعالى قد نظر إليَّ وأنا على بعض هناتي نظرة مقتني بها، فأغلق عني باب التوبة، وحال بيني وبين المغفرة، فأنا أعمل في غير معتمل(الحسن البصري لابن الجوزي).
حكمــــــة
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خمس لهن أحب إليَّ من الدهم الموقوفة، لا تتكلم فيما لا يعنيك فإنه فضل ولا آمن عليك الوزر، ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعا فإنه ربَّ متكلم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه فعنت، ولا تمار حليما ولا سفيها فإن الحليم يقلبك والسفيه يؤذيك، واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به، واعفه بما تحب أن يعفيك منه، وعامل أخاك بما تحب أن يعاملك به، واعمل عمل رجل يعلم أنه مجازى بالإحسان مأخوذ بالاجترام(الإحياء).
حكمــــــة
قال عطاء بن رباح: إن من كان قبلكم كانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله، أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو أن تنطق في معيشتك التي لا بد منها، أتنكرون أن عليكم حافظين كراما كاتبين، عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، أما يستحي أحدكم لو نشرت صحيفته التي أملى صدر نهاره، وليس فيها شيء من أمر آخرته (السير).
حكمــــــة
إن العبد لا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يحل بذروته ولا يحل بذروته حتى يكون الفقر أحب إليه من الغنى، والتواضع أحب إليه من الشرف، وحتى يكون حامده وذامه عنده سواء، وإن الرجل ليخرج من بيته ومعه دينه فيرجع وما معه من شيء، ويأتي الرجل ولا يملك له ولا لنفسه ضرا ولا نفعا، فيقسم له بالله إنك لذيت ولذيت، فيرجع وماجني من حاجته بشيء ويسخط الله عليه (الفوائد).
حكمــــــة
قال يحيى بن معاذ: القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلم فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه، حلو وحامض، وعذب وأجاج، وغير ذلك، ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه، أي كما تطعم بلسانك طعم ما في القدور من الطعام فتدرك العلم بحقيقته، كذلك تطعم ما في قلب الرجل من لسانه فتذوق ما في قلبه من لسانه كما تذوق ما في تلك القدور بلسانك (الجواب الكافي).
حكمــــــة
لكي يسلم المتحدث من الزلل في حديثه والنقص في مقاله فإن عليه أن يراعي شروطا أربعة: الشرط الأول: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه، إما في اجتلاب نفع، أو دفع ضرر. الشرط الثاني: أن يأتي به في موضعه، ويتوخى به إصابة فرصته. الشرط الثالث: أن يقتصر منه على قدر حاجته. الشرط الرابع: أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به (أدب الدنيا والدين).
حكمــــــة
قال جل وعلا: " وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ " [الحجرات: 12]. قال ثعلب في تفسير هذه الآية: أي لا يتناول بعضكم بعضا بظهر الغيب بما يسوءه.وفي الآية إشارة إلى أن عرض الإنسان كلحمه، وكما أنه يحرم أكل لحمه، يحرم الاستطالة في عرضه، وفي هذا من التنفير عن الغيبة والتوبيخ لها والتوبيخ لفاعلها والتشنيع عليه ما لا يخفى، فإن لحم الإنسان مما تنفر عن أكله الطباع الإنسانية وتستكرهه الجبلة الإنسانية، فضلا عن كونه محرما شرعا (فتح القدير).
حكمــــــة
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " ذكرك أخاك بما يكره " قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " رواه مسلم. وبهذا يبين صلى الله عليه وسلم الفرق بين الغيبة والبهتان وأن الكذب عليه بهتًا له، فالكذب على الشخص حرام كله سواء كان الرجل مسلمًا أو كافرًا، برًّا أو فاجرًا، لكن الافتراء على المؤمن أشد. بل الكذب كله حرام (الفتاوى).
حكمــــــة
قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم النحر بمنى في حجة الوداع: " إن دماءكم وأموالكم، وأعراضكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت " متفق عليه. وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم: " كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه " رواه مسلم. والغيبة: تتناول العرض وقد جمع الله بينه وبين المال والدم (الإحياء).