فوائد من كتاب التوكل على الله لأسماء بنت راشد الرويشد
حكمــــــة
إن التوكل على الله هو تفويض الأمور إلى الله عز وجل، والثقة بحسن اختيار الله فيما أمر به، والاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار الدينية والدنيوية؛ من حصول الرزق، وحصول النصر، وشفاء المرضى، وتفريج الكرب، وغير ذلك من منافع الدنيا، والاعتماد على الله في حصول المنافع الأخروية؛ كالإيمان، والهداية، والعمل الصالح، والعلم النافع، وغيرها.
حكمــــــة
إن التوكل فريضة قلبية وعبادة لا تنبغي إلا لله خالصة، وهي أفضل العبادات وأعلى مقامات التوحيد، ولا تقوم على كمالها إلا في خواص المؤمنين؛ كأمثال السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، كما سيأتي بيانه، وقد جعل الله التوكل شرطًا وعلامة للإيمان، فقال عز وجل: " وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " [المائدة: 23]؛ فبالتوكل يتحقق الإيمان في القلب، وقد قيل: «من لا تَوكُّلَ له لا إيمان له»، وقال عز وجل: " وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " [آل عمران: 122].
حكمــــــة
إن التوكل ليس قولاً باللسان أو عملاً بالجوارح فحسب، بل هو إيمانٌ ويقينٌ في القلب، ولذلك جعل القرآن التوكل صفة أساسية في المؤمنين، فقال عز وجل: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " [الأنفال: 2].
حكمــــــة
مما يدل على أهمية التوكل في حياة المسلم أن الله يصرف الشيطان عن المتوكلين؛ فقد قال الله تعالى في سورة النحل عن الشيطان: " إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " [النحل: 99]، وأن به تنال جنة رب العالمين: " وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " [العنكبوت: 58-59] معنى هذا أن من أبرز الصفات التي أهلتهم للجنة الصبر والتوكل.
حكمــــــة
لمكانة هذه الفضيلة (التوكل) وجلالها نرى الله جل جلاله يأمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة في القرآن، فقال له: " وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ " [الفرقان: 58]، " فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا " [النساء: 81]، " فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ " [آل عمران: 159].
حكمــــــة
لكي يتم المعنى الحقيقي للتوكل لا بد من الأخذ بالأسباب التي تعين على تحقيق المراد، والله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة لله، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، وقد قال الله تعالى مخاطبًا المؤمنين: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ " [النساء: 71]، وقال لنبيه " وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ " [آل عمران: 159].والتوكل حال النبي صلى الله عليه وسلم، والكسب سنته، فمن عمل على حاله فلا يتركن سنته. وقيل: «عدم الأخذ بالأسباب طعن في التشريع، والاعتقاد في الأسباب طعن في التوحيد».
حكمــــــة
فالعبد الذي يترك الأمر إلى ربه ويرضى بمشيئة الله لا يفزعه المستقبل وما يخبئه له من مفاجآت، ويعوض الخوف بالسكينة والطمأنينة إلى عدل الله ورحمته. قال تعالى: " اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " [التغابن: 13].وقال تعالى: " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " [الطلاق: 3] أي كافيه ما أهمَّه وأحزنه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا يضره شيء، وهذه الآية تفتح باب الأمل والرجاء في قضاء الحوائج، فمن اعتمد على الله ووثق به فإن الله كافيه " إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ " [الطلاق: 3] أي نافذ أمره.فالتوكل على الله هو زاد روحي للتغلب على الخوف والقلب، وهو الذي يعطي المؤمن بسمة أمل أمام أحلك الساعات.
حكمــــــة
أنواع التوكل من حيث متعلَّقها: التوكل على الأحياء الحاضرين فيما أقدرهم الله عليه، كالتوكل على الطبيب في الشفاء، وعلى ذي المال في الرزق، وعلى ذي السلطان في دفع الأذى، وهذا ونحوه نوع شرك أصغر يقدح في صحة التوحيد. قال شارح كتاب التوحيد: «التوكل على الله عبادة يجب إخلاصها لله فصرفها لغيره شرك ينافي التوحيد».
حكمــــــة
مما ينافي التوكل تعليق النجاح والرزق وحصول المراد عمومًا بالأسباب فقط من دون الله؛ كمن يظن أن رزقه في هذا العمل فقط، وهذا ينافي كمال التوحيد؛ لأن المسبب هو الله وحده؛ كادعاء النجاح بالعلم وادعاء الشفاء بعلاج الطبيب، كقولهم: شفيت من الطبيب الفلاني، والصحيح: من الله، ثم من علاج الطبيب، وكمن يستقر في قلبه أن رزقه الذي حصل له إنما هو بحذقه ونشاطه وقدرته، أو أن فلانًا هو الذي رزقه وأعطاه، أو اعتماده كلية على فلان بأن يسهل أموره وينجز حاجته.
حكمــــــة
أمور تنافي التوكل: التطير والتشاؤم: كما يفعله بعض الناس عند خروجه من بيته أو عزمه على السفر فيتشاءم من رؤية شخص أو من سماع كلمة، أو يتشاءم من رقم معين أو يوم معين أو ثوب أو بيت، فهذا كله ينافي التوحيد، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الطَِّيَرَةُ شِرْكٌ»، ولكن يعزم الإنسان ويذهب ذلك من قلبه ويتوكل على الله، ومن ذلك أيضًا التشاؤم من الأحلام المخيفة والتعلق بها.
حكمــــــة
ثمرات التوكل: زيادة الهداية والوقاية من كل شر والكفاية من كل حاجة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « إذا خرج الرجلُ من بيتِه فقال: بسمِ اللهِ، توكَّلتُ على اللهِ، لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ، فيقالُ له: حسبُكَ، قد هُدِيتَ وكُفيتَ ووُقِيتَ. فيتنحَّى له الشيطانُ، فيقول له شيطانٌ آخرُ: كيف لك برجلٍ قد هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ؟ " صحيح الجامع ".
حكمــــــة
إن أفضل التوكل: التوكل في الواجب؛ أي واجب الله؛ بأن يستعين في طاعته ويعتمد عليه ويتبرأ من حوله وقوته في ذلك مع السعي والأخذ بالأسباب، وواجب النفس في حسن اختيار الله له والاعتماد عليه في إصلاح أمره، مع التماس السُّبل في إصلاحها ومنفعتها.وواجب الخلق أن يتوكل على الله في إصلاح أموره، وذلك بأن يصلح ما بينه وبين ربه، فيصلح الله ما بينه وبين الخلق، كما أنه يعتمد على الله ويستعين به في إصلاح الخلق، ولا يعتمد على علمه وفضله وعلى مقدرته عليهم، بل يعلم بأن القلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء.
حكمــــــة
الأسباب التي تثير في القلب قوة التوكل: معرفة الرب بأسمائه وصفاته: وأن كل شيء لا يكون إلا بمشيئته وقدرته، فهو القادر الذي لا يعجزه شيء، العزيز الذي لا يغلب ولا يمتنع عليه شيء، العليم الذي أحاط علمه بكل شيء؛ بالمصالح الظاهرة والباطنة والعوائق الخفية والظاهرة. وإنَّ عزْمَ العبد على الفعل بعد التفكير والمشاورة وإعداد العدة لا يكفي للنجاح إلا بمعونة الله وتوفيقه؛ لأن الموانع والعوائق دون النجاح كثيرة لا يحيط بها إلا الله، فلا بد للمؤمن من التوكل على الله، والاعتماد على حوله وقوته في تيسير الأمور، والاستمرار على الفعل، والله جل جلاله يحب المتوكلين على حوله وقوته مع العمل بالأسباب.
حكمــــــة
الأسباب التي تثير في القلب قوة التوكل: إثبات الأسباب والأخذ بها؛ لأن التوكل من أقوى الأسباب في حصول المأمول، وإنما يظهر تأثير التوكل في كسب العبد وسعيه، كالدعاء الذي جعله الله سببًا في حصول المدعوَّ به. والله عز وجل يقول: " فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ " [الجمعة: 10]، فلا يجوز الاعتماد على الأسباب؛ فإن من الناس من يتكل على الخلق في قضاء حاجته، ويتعلق قلبه بهم فيكون جزاؤه أن يكله الله إليهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَلَّقَ بشيء وُكِلَ إليه»، وغير الله عاجز في كل شيء وعن كل شيء، حتى في استجلاب المصالح لنفسه؛ فلا يعتمد على مال ولا جاه ولا عقل ولا أي مخلوق.
حكمــــــة
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «أَحَبُّ الناس إلى الناس من استغنى عن الناس، وأبغضُ الناس إلى الناس من احتاج إلى الناس وسألهم، وأحب الناس إلى الله عز وجل من سأله واستغنى به عن غيره، وأبغضُ الناس إليه تعالى من استغنى عنه وسأل غيره».ولذلك فإن معيار قوة العبد ونجاحه هو قدرته على الاستغناء بالله عن المخلوقين، فإذا توكل العبد على الله ووثق به وفوَّض أمره إليه واجه أعتى الناس، ليس لأنه قوي، ولكن لأنه اعتمد على الله، وانحلَّت جميع مشكلاته؛ لا لأنه بذل السبب ولكن لأنه اتكل على ربه.
حكمــــــة
الأسباب التي تثير في القلب قوة التوكل: إخلاص القلب في توحيد الله بلا شريك: فإنه لا يستقيم توكل العبد حتى يصح له توحيده، وعلى قدر تجريد التوحيد تكون صحة التوكل، فإن العبد متى التفت إلى غير الله أخذ ذلك الالتفات شعبة من شعب قلبه. قال صلى اله عليه وسلم: «لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا» " صحيح ابن ماجه "، أي لو حصل منكم صحة التوحيد، الذي تقتضي تفويض الأمر إلى الله والثقة به في كل شؤونكم لرزقكم مثل هذه الطيور، ولكن الناس يعتمدون على قوتهم وحذرهم.
حكمــــــة
الأسباب التي تثير في القلب قوة التوكل: اعتماد القلب على الله واستناده إليه وسكونه إليه، فلا يبقى اضطراب ولا شك من اختلاف الأسباب أو ضعفها أو تخاذلها، وهذه هي علامة صحة التوكل، فبعد أن أخذ بالأسباب واعتمد على ربه ثم لم يحصل له ما أراد فلا يصبح في قلبه حرج ولا بُغض على ما اتخذ سببًا أو طلب منه العون؛ لعلمه أنه ما تعسَّر إلا بتقدير الله، ولو تيسر فبتيسير الله، فلا يُبالي بإقبال الأسباب أو إدبارها، قال صلى الله عليه وسلم: «يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير» " صحيح مسلم " يعني أنهم متوكلون على الله.
حكمــــــة
الأسباب التي تثير في القلب قوة التوكل: حُسن الظن بالله عز وجل: الذي هو الثقة بالله تعالى، كما قال الحسن: «إن من توكُّل العبد أن يكون الله هو ثقته»... بل إن الثقة واليقين عماد التوكل وأصله؛ فالواثق بربه يعتقد أن الله تعالى إذا حكم فلا مردَّ له ولا معقب لحكمه، فمن قسم الله له نصيبًا من رزق أو طاعة أو مال أو علم أو غيره فلا بد له من حصوله، ومن لم يقسم له ذلك فلا سبيل إليه ألبتة، كما لا سبيل له إلى الطيران إلى السماء، وأمنَ من فوات نصيبه الذي قسمه الله له، وأمِن أيضًا من نقصان ما كتب الله له، فيظفر بروح الرضا وسروره.
حكمــــــة
لكي يكون التوكل شعار المؤمن في حياته أرشد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى أدعية يدعو بها في الصباح وفي المساء وفي تقلباته في حياته، مملوءة بروح التوكل وتوجيه القلب إلى الله في كل حال، ومنها دعاؤه: «اللهم لك أسلمت، وبك أمنت وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون» [متفق عليه].
حكمــــــة
أدعية يدعو بها في الصباح وفي المساء وفي تقلباته في حياته، مملوءة بروح التوكل وتوجيه القلب إلى الله في كل حال ومنها: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، قالها إبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: " إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ".
حكمــــــة
أدعية يدعو بها في الصباح وفي المساء وفي تقلباته في حياته، مملوءة بروح التوكل وتوجيه القلب إلى الله في كل حال ومنها: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا فلان، إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، فإنك إن مت من ليلتك مت على الفطرة، وإن أصبحت أصبت خيرًا» [متفق عليه].