فوائد من كتاب السمو
حكمــــــة
البراء بن مالك سميت روحه الى الواحد القيوم فاضطجع على ظهره ووضع رجله اليمني على اليسرى، ورفع عقيرته بالنشيد، فقال له أنس: أتنشد وتغني أنت من أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام؟ فقال له أسكت، فوالله الذي لا إله إلا هو، لقد قتلت من الكفار مائة مبازرة، ووالله الذي لا إله إلا هو لأموتن شهيداً! لماذا يقسم؟ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال فيه وقد رآه بذ الهيئة، رث الثياب: (رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك).. فأقسم على الله يوم (تستر) أن يقتل شهيداً فقتل شهيداً!.
حكمــــــة
العباد أيضاً يشاركون مع المجاهدين في سمو الهمة، فأما أحدهم وهو عباد بن عبد الله بن الزبير، فيقول: اللهم إني أسالك الميتة الحسنة، قالوا: ما هي؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فقبض الله روحه وهو ساجد في آخر سجدة من صلاة المغرب، وقس على ذلك قوله صلي الله عليه وسلم في حديث حسن لعمر وقد رآه لبس ثوباً أبيض، فقال له: (ألبس جديداً وعش حميداً، ومت شهيداً)، فرزقه الله سمواً في الدنيا: عدلاً في الرعية، رحمة بالأمة، زهداً في نفسه، ثم توفاه شهيداً في المحراب، وعلى ذلك سار السلف.
حكمــــــة
في ليلة من ليالي أهل السمو العلمي كان إسحاق بن منصور (تلميذ أحمد بن حنبل) في خراسان، فرجع بعد ما روى الحديث سبع سنوات وكتبه في قراطيس، فأمطرت السماء في الليل، فوضع الكتب والدفاتر تحت بطنه واحتضنها والبرد يصب على ظهره، والمطر البارد يغطي جسده، والريح تسف على وجهه، وهو يحتضن دفاتره لئلا تمسح بالماء بعد رحلة سبع سنوات، عاش طويلاً ومات، فرآه أحد الصالحين في الجنة، قال: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بليلة المطر يوم انحنيت على الدفاتر وحضنت أوراقي .
حكمــــــة
يقول عمر بن عبد العزيز وروحه تسافر في مجمع من الناس وقد حدثته بالخلافة وهو زاهد عابد، قال: قام فينا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في المدينة على المنبر ونحن جلوس أمامه، وقد تولي الخلافة، فقال: من أولي مني بالخلافة، قال: فحللت حبوتي لأرد عليه وأقول: أولي منك المهاجرون والأنصار!، فتذكرت قوله سبحانه وتعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً) (القصص: الآية83)، فجلست مكاني!!.
حكمــــــة
من سمو البخاري صاحب الصحيح رحمه الله يقول: رأيت في منامي الرسول صلي الله عليه وسلم وكأنه يرفع خطوة واضع رجلي أو قدمي مكان قدمه، فسألت أهل العلم وأنا شاب، قالوا: أنت تحفظ سنة الرسول عليه الصلاة والسلام! ويقول: ما اغتبت مسلماً منذ احتلمت!، فقل لي بالله يا من أكثر من الغيبة والوشاية والنميمة واستحلال الأعراض: كيف نقارن بينك وبين البخاري؟.
حكمــــــة
يقول حاتم الطائى في أخلاقياته الشريفة التي ذكره بها صلي الله عليه وسلم: أنا من صفاتي أني ما أسابق، حتى بغلتي أعلمها الإيثار، بغلتي لا أقدمها تشرب الماء من الحوض قبل أصحابي، بغلتي أو حماري أو جوادي أعلمه الأذب لئلا يشرب قبل حمار الناس وقبل جوادهم، فقل لي عن نفسي ونفسك ونحن في دائرة افسلام ودائرة السنة، هل آثرنا جيراننا، هل آثرنا الفقراء والمساكين؟ ثم يقول في أدب آخر: إذا مشيت مع قوم وأنت على ناقة، ومعك زميل يمشي على الأرض، فاركبه،أو أنزل معه، لا تركب وهو يمشي !
حكمــــــة
صنعوا للربيع بن خيثم العالم الزاهد طعاماً خبيصاً ـ والخبيص من أجود الأكل ـ وكان الربيع جائعاً، فلما قدمواله الجفنة، إذا بمسكين يطرق الباب!، قال فصنع له أهله خبيصاً مرة ثانية، ولما قدموه ليأكل إذا بمسكين يطرق الباب قال: أدخلوه فأكل، وكان المسكين الثاني اعمي، فقال له أهله: والله ما يعلم هل هو خبيص أو لا...، قال: لكن الله سبحانه يعلم!. فقالوا له: كيف ذلك؟ قال: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)(الحشر: 9)، ثم قال ()لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)(آل عمران: 92).
حكمــــــة
إن طريق السمو(مشقة) ؛ فأول السمو عندنا يبدأ بصلاة الفجر، ومن لا يحضر صلاة الفجر فليس من أهل السمو ولا المعالي ولا السعادة، ولو زفت له الدنيا، وصفقت له البنود، وهتفت له الجنود، وارتفعت عليه العلام.أبداً.. أبداً!! لأن انطلاقتتنا الكبري من صلاة الفجر، من تكبيرة الإحرام النبي صلي الله عليه وسلم من حديث جندب بن عبد الله البجلي في مسلم: (من صلي الفجر فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم من ذمته بشئ، فإنه من طلبه أدركه كبة على وجهه في النار).، ومن المحراب ننطلق إلي المعالي، ومن لا يصلي الفجر والفروض الأخري جماعة ـ بلا عذر شرعي ـ فلا تظنه من أهل السعادة والسمو.
حكمــــــة
سافر جابر بن عبد الله شهراً كاملاً على جمل إلى (العريش) في مصر، فلما وصل هناك طرق على عبد الله بن أنيس الباب، فخرج إليه عبد الله فسأله عن حديث الحوض فأخبره وطلب منه الدخول فأبي جابر وقال: رحلتي إلى الله، والله لا أجلس أبداً، فمشي شهراً وعاد شهراً، غدوة شهر ورواحة شهر!.. وللفت النظر فقط: فعبد الله بن أنيس هو الذي قتل خالد بن سفيان المشرك، فأعطاه صلي الله عليه وسلم عصاه وقال له: (توكأ بها في الجنة)، والمتوكئون بالعصا في الجنة قليل، فدخلت عصاه معه بره، وسوف يبعث في العرصات وعصاه معه، وسوف يحضر الزحام عند الصحف والميزان والصراط وعصاه معه، وسيدخل الجنة وهو يتوكأ بها.
حكمــــــة
طلب(شريك) العلم أربعين سنة، قال: طلبت العلم والله ما كان زادي في اليوم إلا كسرة خبز!.. وحضر في مجلس فيه وزير عباسي قد غاص في الركايا وفي الطنافس، فحدث بحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال الوزير: (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ)(المؤمنون: 24)، فقال له شريك ـ وكان سريع البديهة ـ: من اين تسمع بهذا وأنت تأكل الخبيص وتجلس على الطنافس، وتغنيك الجواري؟!. وعرض به أحد خلفاء بني العباس حين قال له: أنت تحب عليا، فأجابه: احبه حتى الدماغ، فقال له: أواه من يوم عليك أظنك زنديق !، فقال شريك: الزنديق له ثلاث علامات، قال: ما هي؟ قال: يترك صلاة الجماعة، ويشرب النبيذ، ويسمع الجواري!، قال: كانك تعرض بي وتلمح!، قال: ما ألمح لكن أقصدك!!.