12. فوائد من كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي
قالت الحكماء: لا صديق لمن أراد صديقا لا عيب فيه. وقيل لأنوشروان: هل من أحد لا عيب فيه ؟ قال: من لا موت له، وإذا كان الدهر لا يوجده ما طلب، ولا ينيله ما أحب، وكان الوحيد في الناس مرفوضا قصيا، والمنقطع عنهم وحشيا، لزمه مساعدة زمانه في القضاء، ومياسرة إخوانه في الصفح والاغضاء.
حكى ابن عون أن غلاما هاشميا عربد على قوم فأراد عمه أن يسيء به فقال: يا عم إني قد أسأت وليس معي عقلي فلا تسئ بي ومعك عقلك.
قال لقمان لابنه: يا بني كذب من قال إن الشر بالشر يطفأ، فإن كان صادقا فليوقد نارين ولينظر هل تطفئ إحداهما الاخرى، وإنما يطفئ الخير الشر كما يطفئ الماء النار.
قال عبد الله بن العباس: العاقل الكريم صديق كل أحد الا من ضره، والجاهل اللئيم عدو كل أحد الا من نفعه. وقال: شر ما في الكريم أن يمنعك خيره، وخير ما في اللئيم أن يكف عنك شره.
وصى بعض الحكماء ابنه فقال: يا بني إذا سلم الناس منك فلا عليك أن لا تسلم منهم فإنه قل ما اجتمعت هاتان النعمتان.
قال لقمان لابنه: يا بني لا تترك صديقك الاول فلا يطمئن إليك الثاني، يا بني اتخذ ألف صديق والالف قليل ولا تتخذ عدوا واحدا والواحد كثير.
قيل للمهلب بن أبي صفرة: ما تقول في العفو والعقوبة ؟ قال: هما بمنزلة الجود والبخل فتمسك بأيهما شئت.
حكي عن خالد بن صفوان أنه مر به صديقان له فعرج عليه أحدهما وطواه الاخر، فقيل له في ذلك فقال: نعم عرج علينا هذا بفضله، وطوانا ذاك بثقته بنا.
قال مسلم بن قتيبة لرجل اعتذر إليه: لا يدعونك أمر قد تخلصت منه إلى الدخول في أمر لعلك لا تخلص منه.
حكى ابن عون أن عمر بن عبيد الله اشترى للحسن البصري إزارا بستة دراهم ونصف فأعطى التاجر سبعة دراهم، فقال: ثمنه ستة دراهم ونصف. فقال: إني اشتريته لرجل لا يقاسم أخاه درهما.
حكي أن فتى من بني هاشم تخطى رقاب الناس عند ابن أبي دؤاد فقال: يا بني إن الاداب ميراث الاشراف ولست أرى عندك من سلفك إرثا.
المسامحة في الاموال تتنوع ثلاثة أنواع: مسامحة إسقاط لعدم، ومسامحة تخفيف لعجز، ومسامحة إنكار لعسرة. وهي مع اختلاف أسبابها تفضل مأثور وتآلف مشكور. وإذا كان الكريم قد يجود بما تحويه يده، وينفذ فيه تصرفه، كان أولى أن يجود بما خرج عن يده فطاب نفسا بفراقه. وقد تصل المسامحة في الحقوق إلى من لا يقبل البر ويأبى الصلة فيكون أحسن موقعا وأزكى محلا.
قال محمود الوراق رحمه الله: المرء بعد الموت أحدوثة يفنى وتبقى منه آثاره فأحسن الحالات حال امرئ تطيب بعد الموت أخباره فهذه حال المياسرة.
قال عمر بن عبد العزيز: ما طاوعني الناس على شيء أردته من الحق حتى بسطت لهم طرفا من الدنيا.
امتدح رجل الزهري فأعطاه قميصه، فقال له رجل: أتعطي على كلام الشيطان ؟ فقال: من ابتغى الخير اتقى الشر.
اعلم أنك ما حييت ملحوظ المحاسن محفوظ المساوئ. ثم من بعد ذلك حديث منتشر لا يراقبك صديق، ولا يحامي عنك شقيق، فكن أحسن حديث ينشر يكن سعيك في الناس مشكورا، وأجرك عند الله مذخورا .
قال خالد بن صفوان لإياس بن معاوية: أراك لا تبالي ما لبست ؟ فقال: ألبس ثوبا أقي به نفسي أحب إلي من ثوب أقيه بنفسي. فكما أنه لا يكون شديد الكلف بها فكذلك لا يكون شديد الاطراح لها.
حكي أن المؤبذ سمع ضحك الخدام في مجلس أنوشروان فقال: أما تمنع هؤلاء الغلمان ؟ فقال أنوشروان: إنما بهم يهابنا أعداؤنا.
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: النوم ثلاثة: نوم خرق وهي الصبحة، ونوم خلق وهي القائلة، ونوم حمق وهو العشي.
حكي أن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز دخل على أبيه فوجده نائما فقال: يا أبت أتنام والناس بالباب ؟ فقال: يا بني نفسي مطيتي وأكره أن أتعبها فلا تقوم بي.
اجعل نصح نفسك غنيمة عقلك، ولا تداهنها بإخفاء عيبك وإظهار عذرك، فيصر عدوك أحظى منك في زجر نفسه بإنكارك ومجاهرتك من نفسك التي هي أخص بك لإغرائك لها بأعذارك ومساءتك. فحسبك سوءا رجل ينفع عدوه ويضر نفسه.