8. فوائد من كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي
حكى الاصمعي رحمه الله تعالى أن أعرابيا قال لابنه: يا بني العقل بلا أدب كالشجر العاقر، ومع الادب دعامة أيد الله بها الالباب، وحلية زين الله بها عواطل الاحساب، فالعاقل لا يستغني وإن صحت غريزته، عن الادب المخرج زهرته، كما لا تستغني الارض وإن عذبت تربتها عن الماء المخرج ثمرتها.
قال بعض البلغاء: الفضل بالعقل والادب، لا بالاصل والحسب؛ لأن من ساء أدبه ضاع نسبه، ومن قل عقله ضل أصله.
قال بعض الادباء: ذك قلبك بالادب كما تذكى النار بالحطب، واتخذ الادب غنما، والحرص عليه حظا، يرتجيك راغب، ويخاف صولتك راهب، ويؤمل نفعك، ويرجى عدلك.
قال الجاحظ في كتاب البيان: يجب أن يكون في التهمة لنفسه معتدلا، وفي حسن الظن بها مقتصدا، فإنه إن تجاوز مقدار الحق في التهمة ظلمها فأودعها ذلة المظلومين، وإن تجاوز بها الحق في مقدار حسن الظن أودعها تهاون الامنين، ولكل ذلك مقدار من الشغل، ولكل شغل مقدار من الوهن، ولكل وهن مقدار من الجهل.
قال عون بن عبد الله: إذا عصتك نفسك فيما كرهت فلا تطعها فيما أحبت، ولا يغرنك ثناء من جهل أمرك.
قال أزدشير بن بابك: ما الكبر الا فضل حمق لم يدر صاحبه أين يذهب به فيصرفه إلى الكبر. وما أشبه ما قال بالحق.
حكي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير نظر إلى المهلب بن أبي صفرة وعليه حلة يسحبها ويمشي الخيلاء فقال: يا أبا عبد الله، ما هذه المشية التي يبغضها الله ورسوله ؟ فقال المهلب: أما تعرفني ؟ فقال: بل أعرفك، أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وحشوك فيما بين ذلك بول وعذرة.
قال بزرجمهر: النعمة التي لا يحسد صاحبها عليها التواضع، والبلاء الذي لا يرحم صاحبه منه العجب.
حكي أن قوما مشوا خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: أبعدوا عني خفق نعالكم فإنها مفسدة لقلوب نوكى الرجال. ومشوا خلف ابن مسعود فقال ارجعوا فإنها زلة للتابع وفتنة للمتبوع.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه نادى الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم فيقبض لي القبضة من التمر والزبيب فأظل اليوم وأي يوم. فقال له عبد الرحمن بن عوف والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن قصرت بنفسك. فقال عمر رضي الله عنه: ويحك يا ابن عوف إني خلوت فحدثتني نفسي، فقالت أنت أمير المؤمنين فمن ذا أفضل منك فأردت أن أعرفها نفسها.
للإعجاب أسباب: فمن أقوى أسبابه كثرة مديح المتقربين وإطراء المتملقين الذين جعلوا النفاق عادة ومكسبا، والتملق خديعة وملعبا، فإذا وجدوه مقبولا في العقول الضعيفة أغروا أربابها باعتقاد كذبهم، وجعلوا ذلك ذريعة إلى الاستهزاء بهم.
حكى الاصمعي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان إذا مدح قال: اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرا مما يحسبون واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون.
قيل لبعض الحكماء: أتحب أن تهدى إليك عيوبك ؟ قال: نعم، من ناصح. ومما يقارب معنى هذا القول ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لابن عباس رضي الله عنهما: من ترى أن نوليه حمص ؟ فقال: رجلا صحيحا منك، صحيحا لك. قال: تكون أنت ذلك الرجل. قال: لا تنتفع بي مع سوء ظني بك وسوء ظنك بي.
قال بعض الحكماء: من برئ من ثلاث نال ثلاثا: من برئ من السرف نال العز. ومن برئ من البخل نال الشرف. ومن برئ من الكبر نال الكرامة.
قال بعض البلغاء: الناس في الولاية رجلان: رجل يجل العمل بفضله ومروءته، ورجل يجل بالعمل لنقصه ودناءته. فمن جل عن عمله ازداد به تواضعا وبشرا، ومن جل عنه عمله ازداد به تجبرا وتكبرا.
قال بعض البلغاء: الحسن الخلق من نفسه في راحة، والناس منه في سلامة. والسيئ الخلق الناس منه في بلاء، وهو من نفسه في عناء .
قال بعض الحكماء: من سعة الاخلاق كنوز الارزاق. وسبب ذلك ما ذكرنا من كثرة الاصفياء المسعدين، وقلة الاعداء المجحفين.
قال سعيد بن عروة: لان يكون لي نصف وجه ونصف لسان على ما فيهما من قبح المنظر وعجز المخبر أحب إلي من أن أكون ذا وجهين وذا لسانين وذا قولين مختلفين.
كتب قتيبة بن مسلم إلى الحجاج أن أهل الشام قد التاثوا عليه فكتب إليه أن اقطع عنهم الارزاق، ففعل فساءت حالهم فاجتمعوا إليه فقالوا: أقلنا. فكتب إلى الحجاج فيهم فكتب إليه: إن كنت آنست منهم رشدا فأجر عليهم ما كنت تجري. واعلم أن الفقر جند الله الاكبر يذل به كل جبار عنيد يتكبر.
قال بعض البلغاء العلماء: يا عجبا كيف لا تستحيي من كثرة ما لا تستحيي وتبقى من طول ما لا تبقى.
اعلم أن الحياء في الانسان قد يكون من ثلاثة أوجه: أحدها: حياؤه من الله تعالى. والثاني: حياؤه من الناس. والثالث: حياؤه من نفسه.
دعا قوم رجلا كان يألف عشرتهم، فلم يجبهم، وقال: إني دخلت البارحة في الاربعين وأنا أستحي من سني.
قال علي بن أبي طالب - رضى الله عنه -: أول عوض الحليم عن حلمه أن الناس أنصاره. وحد الحلم ضبط النفس عن هيجان الغضب.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه لرجل أسمعه كلاما: يا هذا لا تغرقن في سبنا، ودع للصلح موضعا، فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله عز وجل فيه.
اغتاظت عائشة رضي الله عنها على خادم لها ثم رجعت إلى نفسها فقالت: لله در التقوى ما تركت لذي غيظ شفاء.
قسم معاوية رضي الله عنه قطافا فأعطى شيخا من أهل دمشق قطيفة فلم تعجبه، فحلف أن يضرب بها رأس معاوية. فأتاه فأخبره فقال له معاوية: أوف بنذرك وليرفق الشيخ بالشيخ.
قيل للإسكندر: إن فلانا وفلانا ينقصانك ويثلبانك فلو عاقبتهما. فقال: هما بعد العقوبة أعذر في تنقصي وثلبي. فكان هذا تفضلا منه وتألفا.
حكي عن الاحنف بن قيس أنه قال: ما عاداني أحد قط الا أخذت في أمره بإحدى ثلاث خصال: إن كان أعلى مني عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان نظيري تفضلت عليه.
حكي أن رجلا قال لضرار بن القعقاع: والله لو قلت واحدة لسمعت عشرا. فقال له ضرار: والله لو قلت عشرا لم تسمع واحدة.
حكي أن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال لعامر بن مرة الزهري: من أحمق الناس ؟ قال: من ظن أنه أعقل الناس. قال: صدقت، فمن أعقل الناس ؟ قال من لم يتجاوز الصمت في عقوبة الجهال.
قال الحكماء: ثلاثة لا يعرفون الا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الجواد الا في العسرة، والشجاع الا في الحرب، والحليم الا في الغضب.