فوائد من كتاب مفتاح دار السعادة
حكمــــــة
إن الله سبحانه لما اهبط آدم أبا البشر من الجنة لما له في ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن معرفتها والالسن عن صفتها فكان إهباطه منها عين كماله ليعود اليها على احسن احواله فأراد سبحانه ان يذيقه وولده من نصب الدنيا وغمومها وهمومها وأوصا بها ما يعظم به عندهم مقدار دخولهم اليها في الدار الاخرة فإن الضد يظهر حسنه الضد ولو تربوا في دار النعيم لم يعرفوا قدرها.
حكمــــــة
متابعة هدى الله التي هي تصديق خبره من غير اعتراض شبهة تقدح في تصديقه وامتثال امره من غير اعتراض شهوة تمنع امتثاله وعلى هذين الاصلين مدار الايمان وهما تصديق الخبر وطاعة الامر ويتبعهما امران آخران وهما نفي شبهات الباطل الواردة عليه المانعة من كمال التصديق وان لا يخمش بها وجه تصديقه ودفع شهوات الغي الواردة عليه المانعة من كمال الامتثال فهنا اربعة امور احدها تصديق الخبر الثاني بذل الاجتهاد في رد الشبهات التي توحيها شياطين الجن والانس في معارضته الثالث طاعة الامر والرابع مجاهدة النفس في دفع الشهوات التي تحول بين العبد وبين كمال الطاعة.
حكمــــــة
إن الله سبحانه أراد ان يتخذ منهم انبياء ورسلا وأولياء وشهداء يحبهم ويحبونه فخلى بينهم وبين اعدائه وامتحنهم بهم فلما آثروه وبذلوا نفوسهم واموالهم في مرضاته ومحابه نالوا من محبته روضوانه والقرب منه ما لم يكن لينال بدون ذلك اصلا فدرجة الرسالة والنبوة والشهادة والحب فيه والبغض فيه وموالاة اوليائه ومعاداة اعدائه عنده من افضل الدرجات ولم يكن ينال هذا الا على الوجه الذي قدره وقضاه من إهباطه إلى الارض وجعل معيشته ومعيشة اولاده فيها.
حكمــــــة
قال تعالى " فاما ياتينكم مني هدى " هو خطاب لمن اهبطه من الجنة بقوله اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ثم قال فاما يأتينكم مني هدى وكلا الخطابين لابوي الثقلين وهو دليل على ان الجن مامورون منهيون داخلون تحت شرائع الانبياء وهذا مما لا خلاف فيه بين الامة وان نبينا بعث اليهم كما بعث الى الانس كما لا خلاف بينها ان مسيئهم مستحق للعقاب وانما اختلف علماء الاسلام في المسلم منهم هل يدخل الجنة فالجمهور على ان محسنهم في الجنة كما ان مسيئهم في النار.
حكمــــــة
إن الله سبحانه له الاسماء الحسنى فمن اسمائه الغفور الرحيم العفو الحليم الخافض الرافع المعز المذل المحيي المميت الوارث الصبور ولا بد من ظهور آثار هذه الاسماء فاقتضت حكمته سبحانه ان ينزل آدم وذريته دارا يظهر عليهم فيها اثر اسمائه النى فيغفر فيها لمن يشاء ويرحم من يشاء ويخفض من يشاء ويرفع من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء وينتقم ممن يشاء ويعطى ويمنع ويبسط الى غير ذلك من ظهور اثر اسمائه وصفاته.
حكمــــــة
إن الله سبحانه أنزلهم الى دار يكون إيمانهم فيها بالغيب والايمان بالغيب هو الايمان النافع وأما الايمان بالشهادة فكل احد يؤمن يوم القيامة يوم لا ينفع نفسا إلا ايمانها في الدنيا فلو خلقوا في دار النعيم لم ينالوا درجة الايمان بالغيب واللذة والكرامة الحاصلة بذلك لا تحصل بدونه بل كان الحاصل لهم في دار النعيم لذة وكرامة غير هذه.
حكمــــــة
إن الله سبحانه خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الارض والارض فيها الطيب والخبيث والسهل والحزن والكريم واللئيم فعلم سبحانه ان في ظهره من لا يصلح لمساكنته في داره فأنزله الى دار استخرج فيها الطيب والخبيث من صلبه ثم ميزهم سبحانه بدارين فجعل الطيبين اهل جواره ومساكنته في داره وجعل الخبيث اهل دار الشقاء دار الخبثاء قال الله تعالى " ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم اولئك هم الخاسرون ".
حكمــــــة
إن الله سبحانه لما قال للملائكة " إني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " اجابهم بقوله " إني اعلم ما لا تعلمون " ثم اظهر سبحانه علمه لعباده ولملائكته بما جعله في الارض من خواص خلقه ورسله وأنبيائه وأوليائه ومن يتقرب اليه ويبذل نفسه في محبته ومرضاته مع مجاهدة شهوته وهواه فيترك محبوباته تقربا الي ويترك شهواته ابتغاء مرضاتي ويبذل دمه ونفسه في محبتي وأخصه بعلم لا تعلمونه يسبح بحمدي آناء الليل وأطراف النهار ويعبدني مع معارضات الهوى والشهوة والنفس والعدو.
حكمــــــة
إن الله سبحانه لما كان يحب الصابرين ويحب المحسنين ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ويحب التوابين ويحب المتطهرين ويحب الشاكرين وكانت محبته اعلى انواع الكرامات اقتضت حكمته ان أسكن آدم وبنيه دارا يأتون فيها بهذه الصفات التي ينالون بها أعلى الكرامات من محبته فكان إنزالهم الى الارض من اعظم النعم عليهم " والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ".
حكمــــــة
إن الله سبحانه لما خلق خلقه اطوارا وأصنافا وسبق في حكمه تفضيله آدم وبنيه على كثير من مخلوقاته جعل عبوديته افضل درجاتهم اعنى العبودية الاختيارية التي يأتون بها طوعا واختيارا لا كرها واضطرارا وقد ثبت ان الله سبحانه ارسل جبريل الى النبي يخيره بين ان يكون ملكا نبيا او عبدا نبيا فنظر الى جبريل كالمستشير له فاشار اليه ان تواضع فقال بل ان اكون عبدا نبيا فذكره سبحانه باسم عبوديته في أشرف مقاماته في مقام الاسراء ومقام الدعوة ومقام التحدي فقال في مقام الاسراء " سبحان الذي اسرى بعبده ليلا " ولم يقل برسوله ولا نبيه إشارة الى انه قام هذا المقام الاعظم بكمال عبوديته لربه.
حكمــــــة
قال في مقام الدعوة " وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا " وقال في مقام التحدي " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله " وفي الصحيحين في حديث الشفاعة وتراجع الانبياء فيها وقول المسيح اذهبوا الى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فدل ذلك على انه نال ذلك المقام الاعظم بكمال عبوديته لله وكمال مغفرة الله له وإذا كانت العبودية عند الله بهذه المنزلة اقتضت حكمته ان اسكن آدم وذريته دارا ينالون فيها هذه الدرجة بكمال طاعتهم لله وتقربهم اليه بمحابه وترك مألوفاتهم من اجله فكان ذلك من تمام نعمته عليهم وإحسانه اليهم.
حكمــــــة
إن الله سبحانه أراد ان يعرف عباده الذين انعم عليهم تمام نعمته عليهم وقدرها ليكونوا اعظم محبةوأكثر شكرا واعظم التذاذا بما اعطاهم من النعيم فأراهم سبحانه فعله بأعدائه وما اعد لهم من العذاب وانواع الالام واشهدهم تخليصهم من ذلك وتخصيصهم بأعلى انواع النعيم ليزداد سرورهم وتكمل غبطتهم ويعظم فرحهم وتتم لذتهم وكان ذلك من إتمام الانعام عليهم ومحبتهم ولم يكن بد في ذلك من إنزالهم الى الارض وامتحانهم واختبارهم وتوفيق من شاء منهم رحمة منه وفضلا وخذلان من شاء منهم حكمة منه وعدلا وهو العليم الحكيم لا ريب ان المؤمن إذا رأى عدوه ومحبوبه الذي هو أحب الاشياء اليه في أنواع العذاب والالام وهو يتقلب في انواع النعيم واللذة ازداد بذلك سرورا وعظمت لذته وكملت نعمته.
حكمــــــة
إن الله سبحانه اقتضت حكمته خلق آدم وذريته من تركيب مستلزم لداعي الشهوة والفتنة وداعي العقل والعلم فإنه سبحانه خلق فيه العقل والشهوة ونصبهما داعيين بمقتضياتهما ليتم مراده ويظهر لعباده عزته في حكمته وجبروته ورحمته وبره ولطفه في سلطانه وملكه فاقتضت حكمته ورحمته ان أذاق أباهم وبيل مخالفته وعرفه ما يجنى عواقب إجابة الشهوة والهوى ليكون اعظم حذرا فيها واشد هروبا وهذا كحال رجل سائر على طريق قد كمنت الاعداء في جنباته وخلفه وأمامه وهو لا يشعر فإذا اصيب منها مرة بمصيبة استعد في سيره وأخذ اهبة عدوه وأعد له ما يدفعه ولولا انه ذاق ألم اغارة عدوه عليه وتبييته له لما سمحت نفسه بالاستعداد والحذر واخذ العدة.
حكمــــــة
من تمام نعمة الله على آدم وذريته ان اراهم ما فعل العدو بهم فاستعدوا له واخذوا اهبته فإن قيل كان من الممكن ان لا يسلط عليهم العدو قيل قد تقدم انه سبحانه خلق آدم وذريته على بنية وتركيب مستلزم لمخالطتهم لعدوهم وابتلائهم به ولو شاء لخلقهم كالملائكة الذين هم عقول بلا شهوات فلم يكن لعدوهم طريق اليهم ولكن لو خلقوا هكذا لكانوا خلقا آخر غير بني آدم فإن بنى آدم قد ركبوا على العقل والشهوة.
حكمــــــة
لما كانت محبة الله وحده هي غاية كمال العبد وسعادته التي لا كمال له ولا سعادة بدونها اصلا وكانت المحبة الصادقة إنما تتحقق بغيثار المحبوب على غيره من محبوبات النفوس واحتمال اعظم المشاق في طاعته ومرضاته فبهذا تتحقق المحبة ويعلم ثبوتها في القلب اقتضت حكمته سبحانه اخراجهم الى هذه الدار المحفوفة بالشهوات ومحاب النفوس التي بإيثار الحق عليها والاعراض عنها يتحقق حبهم له وإيثارهم إياه على غيره ولذلك يتحمل المشاق الشديدة وركوب الاخطار واحتمال الملامة والصبر على دواعي الغي والضلال ومجاهدتها يقوى سلطان المحبة وتثبت شجرتها في القلب وتطعم ثمرتها على الجوارح.
حكمــــــة
إن المحبة الثابتة اللازمة على كثرة الموانع والعوارض والصوارف هي المحبة الحقيقية النافعة واما المحبة المشروطة بالعافية والنعيم واللذة وحصول مراد المحب من محبوبه فليست محبة صادقة ولا ثبات لها عند المعارضات والموانع فإن المعلق على الشرط عدم عند عدمه ومن ودك لأمر ولي عند انقضائه وفرق بين من يعبد الله على السراء والرخاء والعافية فقط وبين من يعبده على السراء والضراء والشدة والرخاء والعافية والبلاء.
حكمــــــة
إن الله سبحانه له الحمد المطلق الكامل الذي لا نهاية بعده وكان ظهور الاسباب التي يحمد عليها من مقتضى كونه محمودا وهي من لوازم حمده تعالى وهي نوعان فضل وعدل إذ هو سبحانه المحمود على هذا وعلى هذا فلا بد من ظهور أسباب العدل واقتضائها لمسمياتها ليترتب عليها كمال الحمد الذي هو أهله فكما انه سبحانه محمود على إحسانه وبره وفضله وثوابه فهو محمود على عدله وانتقامه وعقابه إذ يصدر ذلك كله عن عزته وحكمته ولهذا نبه سبحانه على هذا كثيرا كما في سورة الشعراء حيث يذكر في آخر كل قصة من قصص الرسل وأممهم " إن في ذلك لاية وما كان اكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم "
حكمــــــة
إن الله سبحانه اقتضت حكمته وحمده ان فاوت بين عباده اعظم تفاوت وابينه ليشكره منهم من ظهرت عليه نعمته وفضله ويعرف انه قد حبى بالانعام وخص دون غيره بالاكرام ولو تساووا جميعهم في النعمة والعافية لم يعرف صاحب النعمة قدرها ولم يبذل شكرها إذ لا يرى احدا إلا في مثل حاله ومن أقوى أسباب الشكر وأعظمها استخرجا له من العبد ان يرى غيره في ضد حاله الذي هو عليها من لاكمال والفلاح.
حكمــــــة
إن الله سبحانه كما ان افعاله وخلقه من لوازم كمال اسمائه الحسنى وصفاته العلى فكذلك امره وشرعه وما يترتب عليه من الثواب والعقاب قال تعالى " ايحسب الانسان ان يترك سدى " أ ي مهملا معطلا لا يؤمر ولا ينهى ولا يثاب ولا يعاقب وهذا يدل على ان هذا مناف لكمال حكمته وان ربوبيته وعزته وحكمته تأبى ذلك ولهذا اخرج الكلام مخرج الانكار على من زعم ذلك وهو يدل على ان حسنه مستقر في الفطر والعقول وقبح تركه سدا معطلا ايضا مستقر في الفطر فكيف ينسب الى الرب ما قبحه مستقر في فطركم وعقولكم.
حكمــــــة
إن الله سبحانه يحب من عباده امورا يتوقف حصولها منهم على حصول الاسباب المقتضية لها ولا تحصل الا في دار الابتلاء والامتحان فإنه سبحانه يحب الصابرين ويحب الشاكرين ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ويحب التوابين ويحب المتطهرين ولا ريب ان حصول هذه المحبوبات بدون اسبابها ممتنع كامتناع حصول الملزوم بدون لازمه والله سبحانه أفرح بتوبة عبده حين يتوب اليه من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في ارض دوية مهلكة إذا وجدها كما ثبت في الصحيح.
حكمــــــة
إن الله سبحانه جعل الجنة دار جزاء وثواب وقسم منازلها بين اهلها على قدر اعمالهم وعلى هذا خلقها سبحانه لما له في ذلك من الحكمة التي اقتضتها اسماؤه وصفاته فان الجنة درجات بعضها فوق بعض وبين الدرجتين كما بين السماء والارض كما في الصحيح عن النبي انه قال ان الجنة مائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والارض وحكمة الرب سبحانه مقتضية لعمارة هذه الدرجات كلها وإنما تعمر ويقع التفاوت فيها بحسب الاعمال كما قال غير واحد من السلف ينجون من النار بعفو الله ومغفرته ويدخلون الجنة بفضله ونعمته ومغفرته ويتقاسمون المنازل بأعمالهم.
حكمــــــة
إن الله سبحانه خلق آدم وذريته ليستخلفهم في الارض كما اخبر سبحانه في كتابه بقوله " اني جاعل في الارض خليفة " وقوله " وهو الذي جعلكم خلائف الارض " وقال " ويستخلفكم في الارض " فأراد سبحانه ان ينقله وذريته من هذا الاستخلاف الى توريثه جنة الخلد وعلم سبحانه بسابق علمه انه لضعفه وقصور نظره قد يختار العاجل الخسيس على الاجل النفيس فإن النفس مولعة بحب العاجلة وإيثارها على الاخرة وهذا من لوازم كونه خلق من عجل وكونه خلق عجولا فعلم سبحانه ما في طبيعته من الضعف والخور فاقتضت حكمته ان ادخله الجنة ليعرف النعيم الذي اعد له عيانا فيكون اليه اشوق وعليه احرص وله اشد طلبا.
حكمــــــة
ان الله سبحانه وتعالى سبق في حكمه وحكمته ان الغايات المطلوبة لا تنال الا باسبابها التي جعلها الله اسبابا مفضية اليها وإذا كانت الغايات التي هي دون ذلك لاتنال الا باسبابها مع ضعفها وانقطاعها كتحصيل المأكول والمشروب والملبوس والولد والمال والجاه في الدنيا فكيف يتوهم حصول اعلى الغايات واشرف المقامات بلا سبب يفضى اليه ولم يكن تحصيل تلك الاسباب الا في دار المجاهدة والحرث فكان اسكان آدم وذريته هذه الدار التي ينالون فيها الاسباب الموصلة الى أعلى المقامات من إتمام انعامه عليهم وسرها.
حكمــــــة
ان الله سبحانه جعل الرسالة والنبوة والخلة والتكليم والولاية والعبودية من اشرف مقامات خلقه ونهايات كمالهم فأنزلهم دارا اخرج منهم الانبياء وبعث فيها الرسل واتخذ منهم من اتخذ خليلا وكلم موسى تكليما واتخذ منهم اولياء وشهداء وعبيدا وخاصة يحبهم ويحبونه وكان إنزالهم الى الارض من تمام الانعام والاحسان.
حكمــــــة
إن الله تعرف الى خلقه بافعاله واسمائه وصفاته وما احدثه في اوليائه واعدائه من كرامته وانعامه على الاولياء واهانته واشقائه للاعداء ومن اجابته دعواتهم وقضائه حوائجهم وتفريج كرباتهم وكشف بلائهم وتصريفهم تحت أقداره كيف يشاء وتقليبهم في أنواع الخير والشر فكان في ذلك اعظم دليل لهم على انه ربهم ومليكهم وانه الله الذي لا إله الا هو وأنه العليم الحكيم السميع البصير وأنه الاله الحق وكل ما سواه باطل فتظاهرت ادلة ربوبيته وتوحيده في الارض وتنوعت وقامت من كل جانب فعرفه الموفقون من عباده وأقروا بتوحيده إيمانا واذعانا وجحده المخذولون على خليقته واشركوا به ظلما وكفرانا.
حكمــــــة
إن الله سبحانه ما اخرج آدم منها الا وهو يريد ان يعيده اليها اكمل اعادة كما قيل على لسان القدر يا آدم لا تجزع من قولي لك اخرج منها فلك خلقتها فإني انا الغني عنها وعن كل شيء وانا الجواد الكريم وانا لا اتمتع فيها فإني اطعم ولا اطعم وانا الغني الحميد ولكن انزل الى دار البذر فإذا بذرت فاستوى الزرع على سوقه وصار حصيدا فحينئذ فتعال فاستوفه احوج ما انت اليه الحبة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة فإني اعلم بمصلحتك منك وانا العلي الحكيم.
حكمــــــة
في الصحيح من حديث ابن عباس قال قال رسول الله لما اصيب اخوانكم باحد جعل الله ارواحهم في اجواف طير خضر ترد انهار الجنة وتأكل من ثمارها وتاوى الى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ عنا اخواننا انا في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا يتكلوا عند الحرب فقال الله أنا ابلغهم عنكم فانزل الله عز وجل ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله الاية.
حكمــــــة
قال عبد الله بن عباس رضى الله عنهما: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ان لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الاخرة ثم قرأ فإما ياتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى والاية نفت مسمى الضلال والشقاء عن متبع الهدى مطلقا فاقتضت الاية انه لا يضل في الدنيا ولا يشقى ولا يضل في الاخرة ولا يشقى فيها.
حكمــــــة
إن المراتب اربعة هدى وشقاوة في الدنيا وهدى وشقاوة في الاخرة لكن ذكر ابن عباس رضى الله عنهما في كل دار اظهر مرتبتيها فذكر الضلال في الدنيا إذ هو اظهر لنا وأقرب من ذكر الضلال في الاخرة وايضا فضلال الدنيا اضل ضلال في الاخرة وشقاء الاخرة مستلزم للضلال فيها فنبه بكل مرتبة على الأخرى فنبه بنفي ضلال الدنيا على نفي ضلال الاخرة فإن العبد يموت على ما عاش عليه ويبعث على ما مات عليه قال الله تعالى في الاية الأخرى ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى قال رب لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى.
حكمــــــة
قال تعالى " ومن كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى وأضل سبيلا " فأخبر ان من كان في هذه الدار ضالا فهو في الاخرة اضل واما نفي شقاء الدنيا فقد يقال انه لما انتفى عنه الضلال فيها وحصل له الهدى والهدى فيه من برد اليقين وطمأنينة القلب وذاق طعم الايمان فوجد حلاوته وفرحة القلب به وسروره والتنعيم به ومصير القلب حيا بالايمان مستنيرا به قويا به قد نال به غذاؤه ورواءه وشفاءه وحياته ونوره وقوته ولذته ونعيمه ما هو من اجل انواع النعيم واطيب الطيبات واعظم اللذات.
حكمــــــة
قال الله تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون فهذا خبر اصدق الصادقين ومخبره عند اهله عين اليقين بل هو حق اليقين ولا بد لكل من عمل صالحا ان يحييه الله حياة طيبة بحسب إيمانه وعمله ولكن يغلط الجفاة الاجلاف في مسمى الحياة حيث يظنونها التنعم في أنواع المآكل والمشارب والملابس والمناكح او لذة الرياسة والمال وقهر الاعداء والتفنن بأنواع الشهوات ولا ريب ان هذه لذة مشتركة بين البهائم بل قد يكون حظ كثير من البهائم منها أكثر من حظ الانسان.
حكمــــــة
من تأمل قول النبي لما نهاهم عن الوصال فقالوا انك تواصل فقال اني لست كهيئتكم إني اظل عند ربي يطعمني ويسقيني علم ان هذا طعام الارواح وشرابها وما يفيض عليها من أنواع البهجة واللذة والسرور والنعيم الذي رسول الله في الذروة العليا منه وغيره إذا تعلق بغباره رأى ملك الدنيا ونعيمها بالنسبة اليه هباء منثورا بل باطلا وغرورا.
حكمــــــة
إن هذان الامران اعني الشبهات والشهوات اصل فساد العبد وشقائه في معاشه ومعاده كما ان الاصلين الاولين وهما تصديق الخبر وطاعة الامر اصل سعادته وفلاحه في معاشه ومعاده وذلك ان العبد له قوتان قوة الادراك والنظر وما يتبعها من العلم والمعرفة والكلام وقوة الارادة والحب وما يتبعه من النية والعزم والعمل فالشبهة تؤثر فسادا في القوة العلمية النظرية ما لم يداوها بدفعها والشهوة تؤثر فسادا في القوة الارادية العملية ما لم يداوها باخراجها.
حكمــــــة
إن القلب السليم الذي ينجو من عذاب الله هو القلب الذي قد سلم من هذا وهذا فهو القلب الذي قد سلم لربه وسلم لامره ولم تبق فيه منازعة لامره ولا معارضة لخبره فهو سليم مما سوى الله وأمره لا يريد الا الله ولا يفعل إلا ما أمره الله فالله وحده غايته وامره وشرعه وسيلته وطريقته لا تعترضه شبهة تحول بينه وبين تصديق خبره لكن لا تمر عليه إلا وهي مجتازة تعلم انه لا قرار لها فيه ولا شهوة تحول بينه وبين متابعة رضاه.
حكمــــــة
قال تعالى " اتل ما اوحى اليك من الكتاب واقم الصلاة " وقال " إنما امرت ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت ان اكون من المسلمين وان اتلوا القرآن " فحقيقة التلاوة في هذه المواضع هي التلاوة المطلقة التامة وهي تلاوة اللفظ والمعنى فتلاوة اللفظ جزء مسمى التلاوة المطلقة وحقيقة اللفظ إنما هي الاتباع وطريقة والمقصود التلاوة الحقيقية وهي تلاوة المعنى واتباعه تصديقا بخبره وائتمارا بأمره وانتهاء بنهيه وائماما به حيث ما قادك انقدت.
حكمــــــة
قال تعالى " ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى " والمعنى ومن اعرض عن كتابي ولم يتبعه فإن القرآن يسمى ذكرا قال تعالى " وهذا ذكر مبارك انزلناه "، وقوله تعالى " ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى " فسرها غير واحد من السلف بعذاب القبر وجعلوا هذه الاية احد الادلة الدالة على عذاب القبر القبر ولهذا قال " ونحشره يوم القيامة اعمى قال رب لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى " أي تترك في العذاب كماتركت العمل بآياتنا.
حكمــــــة
قال سبحانه " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون انهم مهتدون " فأخبر سبحانه ان من ابتلاه بقرينه من الشياطين وضلاله به إنما كان بسبب اعراضه وعشوه عن ذكره الذي انزله على رسوله فكان عقوبة هذا الاعراض ان قيض له شيطانا يقارنه فيصده عن سبيل ربه وطريق فلاحه وهو يحسب انه مهتد حتى إذا وافى ربه يوم القيامة مع قرينه وعاين هلاكه وافلاسه قال يا ليت بيني وبينك بعدالمشرقين فبئس القرين وكل من اعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلا بد ان يقول هذا يوم القيامة.
حكمــــــة
ان الله سبحانه وتعالى لما اقتضت حكمته ورحمته إخراج آدم وذريته من الجنة اعاضهم افضل منها وهو ما اعطاهم من عهده الذي جعله سببا موصلا لهم اليه وطريقا واضحا بين الدلالة عليه من تمسك به فاز واهتدى ومن اعرض عنه شقى وغوى ولما كان هذا العهد الكريم والصراط المستقيم والنبأ العظيم لا يوصل اليه ابدا إلا من باب العلم والارادة فالارادة باب الوصول اليه والعلم مفتاح ذلك الباب المتوقف فتحه عليه.
حكمــــــة
إن كمال كل انسان إنما يتم بهذين النوعين همة ترقيه وعلم يبصره ويهديه فإن مراتب السعادة والفلاح إنما تفوت العبد من هاتين الجهتين او من احداهما اما ان لا يكون له علم بها فلا يتحرك في طلبها او يكون عالما بها ولا تنهض همته اليها فلا يزال في حضيض طبعه محبوسا وقلبه عن كماله الذي خلق له مصدودا منكوسا قد أسام نفسه مع الانعام راعيا مع الهمل واستطاب لقيعات الراحة والبطالة واستلان فراش العجز والكسل لا كمن رفع له علم فشمر اليه وبورك له في تفرده في طريق طلبه فلزمه واستقام عليه قد ابت غلبات شوقه الا لهجرة الى الله ورسوله ومقتت نفسه الرفقاء الا ابن سبيل يرافقه في سبيله.
حكمــــــة
لما كان كمال الارادة بحسب كمال مرادها وشرف العلم تابع لشرف معلومه كانت نهاية سعادة العبد الذي لا سعادة له بدونها ولا حياة له إلا بها ان تكون إرادته متعلقة بالمراد الذي لا يبلى ولا يفوت وعزمات همته مسافرة الى حضرة الحي الذي لا يموت ولا سبيل له إلى هذا المطلب الاسني والحظ الاوفى الا بالعلم الموروث عن عبده ورسوله وخليله وحبيبه الذي بعثه لذلك داعيا وأقامه على هذا الطريق هاديا وجعله واسطة بينه وبين الانام وداعيا لهم بإذنه الى دار السلام وأبى سبحانه ان يفتح لاحد منهم الاعلى يديه او يقبل من احد منهم سعيا الا ان يكون مبتدأ منه ومنتهيا اليه.
حكمــــــة
قال الله تعالى " شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " استشهد سبحانه باولى العلم على اجل مشهود عليه وهوتوحيده فقال شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط وهذا يدل على فضل العلم واهله من وجوه احدها استشهادهم دون غيرهم من البشر والثاني اقتران شهادتهم بشهادته والثالث اقترانها بشهادة ملائكته والرابع ان في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم فان الله لا يستشهد من خلقه الا العدول.
حكمــــــة
ان الله سبحانه سلى نبيه بايمان اهل العلم به وامره ان لا يعبأ بالجاهلين شيئا فقال تعالى وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا قل آمنوا به اولا تؤمنوا إن الذين اوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا وهذا شرف عظيم لهل العلم وتحته ان اهله العالمون قد عرفوه وآمنوا به وصدقوا فسواء آمن به غيرهم اولا.
حكمــــــة
ان الله سبحانه مدح اهل العلم واثنى عليهم وشرفهم بان جعل كتابه آيات بينات في صدورهم وهذه خاصة ومنقبة لهم دون غيرهم فقال تعالى " بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم ما يجحد بآياتنا إلا الظالمون " وسواء كان المعنى ان القرآن مستقر في صدور الذين اوتوا العلم ثابت فيها محفوظ وهو في نفسه آيات بينات فيكون اخبر عنه بخبرين احدهما انه آيات بينات الثاني انه محفوظ مستقر ثابت في صدور الذين اوتوا العلم او كان المعنى أنه آيات بينات في صدورهم أي كونه آيات بينات معلوم لهم ثابت في صدورهم والقولان متلازمان ليسا بمختلفين وعلى التقديرين فهو مدح لهم وثناء عليهم في ضمنه الاستشهاد بهم فتأمله.
حكمــــــة
ان الله سبحانه في كتابه برفع الدرجات في اربعة مواضع احدها هذا والثاني قوله إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم والثالث قوله تعالى ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات اولئك لهم الدرجات العلى والرابع قوله تعالى وفضل الله المجاهدين على القاعدين اجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة فهذه اربعة مواضع في ثلاثة منها الرفعة بالدرجات لاهل الايمان الذي هو العلم النافع والعمل الصالح والرابع الرفعة بالجهاد فعادت رفعة الدرجات كلها إلى العلم والجهاد اللذين بهما قوام الدين.
حكمــــــة
ان الله سبحانه اخبر انهم اهل خشيته بل خصهم من بين الناس بذلك فقال تعالى " إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور " وهذا حصر لخشيته في أولى العلم وقال تعالى جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشى ربه وقد اخبر ان اهل خشيته هم العلماء فدل على ان هذا الجزاء المذكور للعلماء بمجموع النصين وقال ابن مسعود رضى الله عنه كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا.
حكمــــــة
ان الله سبحانه ذكر مناظرة إبراهيم لابيه وقومه وغلبته لهم بالحجة وأخبر عن تفضيله بذلك ورفعه درجته بعلم الحجة فقال تعالى عقيب مناظرته لابيه وقومه في سورة الانعام وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم قال زيد بن أسلم رضى الله عنه نرفع درجات من نشاء بعلم الحجة.
حكمــــــة
ان الله سبحانه أخبر انه خلق الخلق ووضع بيته الحرام والشهر الحرام والهدى والقلائد ليعلم عباده أنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير فقال تعالى الله الذي خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا ان الله على كل شيء قدير وان الله قد احاط بكل شيء علما فدل على ان علم العباد بربهم وصفاته وعبادته وحده هو الغاية المطلوبة من الخلق والامر.
حكمــــــة
ان الله سبحانه ذم اهل الجهل في مواضع كثيرة من كتابه فقال تعالى " ولكن اكثرهم يجهلون " وقال " ولكن اكثرهم لا يعلمون " وقال تعالى " ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلا " فلم يقتصر سبحانه على تشبيه الجهال بالانعام حتى جعلهم اضل سبيلا منهم وقال ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون اخبر ان الجهال شر الدواب عنده على اختلاف اصنافها من الحمير والسباع والكلاب والحشرات وسائر الدواب.
حكمــــــة
ان الله سبحانه أخبر عن عقوبته لاعدائه انه منعهم علم كتابه ومعرفته وفقهه فقال تعالى وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي آذانهم وقرا وأمر نبيه بالاعراض عنهم فقال وأعرض عن الجاهلين واثنى على عباده بالاعراض عنهم ومتاركتهم كما في قوله وإذا سمعوا اللغو اعرضوا عنه وقالوا لنا اعمالنا ولكم اعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين وقال تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما وكل هذا يدل على قبح الجهل عنده وبغضه للجهل وأهله وهو كذلك عند الناس فإن كل احد يتبرا منه وإن كان فيه.
حكمــــــة
ان العلم حياة ونور والجهل موت وظلمة والشر كله سببه عدم الحياة والنور والخير كله سببه النور والحياة فإن النور يكشف عن حقائق الاشياء ويبين مراتبها والحياة هي المصححة لصفات الكمال الموجبة لتسديد الاقوال والاعمال فكلما تصرف من الحياة فهو خير كله كالحياء الذي سببه كمال حياة القلب وتصوره حقيقة القبح ونفرته منه وضده الوقاحة والفحش وسببه موت القلب وعدم نفرته من القبيح وكالحياء الذي هو المطر الذي به حياة كل شيء قال تعالى " او من كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " كان ميتا بالجهل قلبه فأحياه بالعلم وجعل له من الايمان نورا يمشى به في الناس.
حكمــــــة
قال بعض السلف يكاد المؤمن ينطق بالحكمة وان لم يسمع فيها بالاثر فإذا سمع فيها بالاثر كان نورا على نور وقد جمع الله سبحانه بين ذكر هذين النورين وهما الكتاب والايمان في غير موضع من كتابه كقوله " ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا " وقوله تعالى " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " ففضل الله الايمان ورحمته القرآن وقوله تعالى او من كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.
حكمــــــة
ان الله سبحانه جعل صيد الكلب الجاهل ميتة يحرم اكلها وأباح صيد الكلب المعلم وهذا ايضا من شرف العلم انه لا يباح إلا صيد الكلب العالم واما الكلب الجاهل فلا يحل اكل صيده فدل على شرف العلم وفضله قال الله تعالى يسألونك ماذا أحل لهم قل احل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما امسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله ان الله سريع الحساب ولولا مزية العلم والتعليم وشرفهما كان صيد الكلب المعلم والجاهل سواء.
حكمــــــة
قوله تعالى " والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " قال الشافعي رضى الله عنه لو فكر الناس كلهم في هذه السورة لكفتهم ان المراتب اربعة وباستكمالها يحصل للشخص غاية كماله احداها معرفة الحق الثانية عمله به الثالثة تعليمه من لا يحسنه الرابعة صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه فذكر تعالى المراتب الاربعة في هذه السورة.
حكمــــــة
اقسم سبحانه في بالعصر ان كل احد في خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهم الذين عرفوا الحق وصدقوا به فهذه مرتبة وعملوا الصالحات وهم الذين عملوا بما علموه من الحق فهذه مرتبة اخرى وتواصوا بالحق وصى به بعضهم بعضا تعليما وارشادا فهذه مرتبة ثالثة وتواصوا بالصبر صبروا على الحق ووصى بعضهم بعضا بالصبر عليه والثبات فهذه مرتبة رابعة وهذانهاية الكمال.
حكمــــــة
ان اول سورة انزلها الله في كتابه سورة القلم فذكر فيها ما من به على الانسان من تعليمه ما لم يعلم فذكر فيها فضله بتعليمه وتفضيله الإنسان بما علمه اياه وذلك يدل على شرف التعليم والعلم فقال تعالى " اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم " فافتتح السورة بالامر بالقراءة الناشئة عن العلم وذكر خلقه خصوصا وعموما فقال " الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم " وخص الانسان من بين المخلوقات لما اودعه من عجائبه وآياته الدالة على ربوبيته وقدرته وعلمه وحكمته وكمال رحمته وانه لا إله غيره ولا رب سواه.
حكمــــــة
قال تعالى " علم الإنسان ما لم يعلم " فاشتملت هذه الكلمات على انه معطى الموجودات كلها بجميع اقسامها فان الوجود له مراتب اربعة احداها مرتبتها الخارجية المدلول عليها بقوله خلق المرتبة الثانية الذهنية المدلول عليها بقوله " علم الانسان ما لم يعلم " المرتبة الثالثة والرابعة اللفظية والخطية فالخطية مصرح بها في قوله الذي علم بالقلم واللفظية من لوازم التعليم بالقلم فإن الكتابة فرع النطق والنطق فرع التصور فاشتملت هذه الكلمات على مراتب الوجود كلها وانه سبحانه هو معطيها بخلقه وتعليمه فهو الخالق المعلم.
حكمــــــة
سمى الحجة العلمية سلطانا قال ابن عباس رضى الله عنه كل سلطان في القرآن فهو حجة وهذا كقوله تعالى " قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السموات وما في الارض ان عندكم من سلطان بهذا اتقولون على الله مالا تعلمون " يعني ما عندكم من حجة بما قلتم ان هو الا قول على الله بلا علم وقال تعالى " ان هي الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان " يعني ما أنزل بها حجة ولا برهانا بل هي من تلقاء انفسكم وآبائكم.
حكمــــــة
ان الله سبحانه سمى علم الحجة سلطانا لانها توجب تسلط صاحبها واقتداره فله بها سلطان على الجاهلين بل سلطان العلم اعظم من سلطان اليد ولهذا ينقاد الناس للحجة مالا ينقادون لليد فان الحجة تنقاد لها القلوب واما اليد فإنما ينقاد لها البدن فالحجة تأسر القلب وتقوده وتذل المخالف وان اظهر العناد والمكابرة فقلبه خاضع لها ذليل مقهور تحت سلطانها بل سلطان الجاه ان لم يكن معه علم يساس به فهو بمنزلة سلطان السباع والاسود ونحوها قدرة بلا علم ولا رحمة بخلاف سلطان الحجة فإنه قدرة بعلم ورحمة وحكمة.
حكمــــــة
قال تعالى " أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها او آذان يسمعون بها فانها لاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " فقد وصف اهل الشقاء كما ترى بعدم العلم وشبههم بالانعام تارة وتارة بالحمار الذي يحمل الاسفار وتارة جعلهم اضل من الانعام وتارة جعلهم شر الدواب عنده وتارة جعلهم امواتا غير احياء وتارة اخبر انهم في ظلمات الجهل والضلال وتارة اخبر ان على قلوبهم اكنة وفي آذانهم وقرا وعلى ابصارهم غشاوة وهذا كله يدل على قبح الجهل وذم اهله وبغضه لهم.
حكمــــــة
في الصحيحين من حديث معاوية رضى الله عنه قال سمعت رسول الله يقول من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وهذا يدل على ان من لم يفقهه في دينه لم يرد به خيرا كما ان من اراد به خير افقهه في دينه ومن فقهه في دينه فقد اراد به خيرا إذا اريد بالفقه العلم المستلزم للعمل واما ان اريد به مجرد العلم فلا يدل على ان من فقه في الدين فقد اريد به خيرا فإن الفقه حينئذ يكون شرطا لارادة الخير وعلى الاول يكون موجبا.
حكمــــــة
في الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضى الله عنه ان رسول الله قال لعلي رضى الله عنه لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم وهذا يدل على فضل العلم والتعليم وشرف منزلة اهله بحيث إذا اهتدى رجل واحد بالعالم كان ذلك خيرا له من حمر النعم وهي خيارها واشرفها عند أهلها فما الظن بمن يهتدي به كل يوم طوائف من الناس.
حكمــــــة
قال تعالى " ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيامة ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم الا ساء ما يزرون " وقال تعالى " وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم " وهذا يدل على ان من دعا الامة إلى غير سنة رسول الله فهو عدوه حقا لانه قطع وصول اجر من اهتدى بسنته اليه وهذا من اعظم معاداته نعوذ بالله من الخذلان.
حكمــــــة
روى مسلم في صحيحيه من حديث ابي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من دعا الى هدى كان له من الاجر مثل اجور من تبعه لا ينقص ذلك من اجورهم شيئا ومن دعا الى ضلالة كان عليه من الاثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " اخبر ان المتسبب الى الهدى بدعوته له مثل اجر من اهتدى به والمتسبب الى الضلالة بدعوته عليه مثل إثم من ضل به لان هذا بذل قدرته في هداية الناس وهذا بذل قدرته في ضلالتهم.
حكمــــــة
في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها فاخبر انه لا ينبغي لاحد ان يحسد احدا يعني حسد غبطة ويتمنىمثل حاله من غير ان يتمنى زوال نعمة الله عنه إلا في واحدةمن هاتين الخصلتين وهي الاحسان الى الناس بعلمه او بماله وما عدا هذين فلا ينبغي غبطته ولا تمنى مثل حاله لقلة منفعة الناس به.
حكمــــــة
فضل علماء الدين على العباد كفضل ما بين القمر والكواكب فإن قيل كيف وقع تشبيه العالم بالقمر دون الشمس وهي اعظم نورا قيل فيه فائدتان احداهما ان نور القمر لما كان مستفادا من غيره كان تشبيه العالم الذي نوره مستفاد من شمس الرسالة بالقمر اولى من تشبيهه بالشمس الثانية ان الشمس لا يختلف حالها في نورها ولا يلحقها محاق ولا تفاوت في الاضاءة واما القمر فإنه يقل نوره ويكثر ويمتليء وينقص كما ان العلماء في العلم على مراتبهم من كثرته وقلته فيفضل كل منهم في علمه بحسب كثرته وقلته وظهوره وخفائه كما يكون القمر كذلك فعالم كالبدر ليلة تمه وآخر دونه بليلة وثانية وثالثة وما بعدها إلى آخر مراتبه وهم درجات عند الله.
حكمــــــة
إن الانبياء خير خلق الله فورثتهم خير الخلق بعدهم ولما كان كل موروث ينتقل ميراثه الى ورثته اذهم الذين يقومون مقامه من بعده ولم يكن بعد الرسل من يقوم مقامهم في تبليغ ما ارسلوا به الا العلماء كانوا احق الناس بميراثهم وفي هذا تنبيه على انهم اقرب الناس اليهم فإن الميراث إنا يكون لاقرب الناس الى الموروث وهذا كما انه ثابت في ميراث الدينار والدرهم فكذلك هو في ميراث النبوة والله يختص برحمته من يشاء وفيه ايضا ارشاد وامر للأمة بطاعتهم واحترامهم وتعزيزهم وتوفيرهم وإجلالهم.
حكمــــــة
قال على رضى عنه: محبة العلماء دين يدان به وقال فيما يروى عن ربه عز وجل من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وورثة الانبياء سادات اولياء لله عز وجل وفيه تنبيه للعلماء على سلوك هدى الانبياء وطريقتهم في التبليغ من الصبر والاحتمال ومقابلة إساءة الناس اليهم بالاحسان والرفق بهم واستجلابهم الى الله باحسن الطرق وبذل ما يمكن من النصيحة لهم.
حكمــــــة
قال تعالى " ولقد آتينا داوود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين وورث سليمان داوود " وإنما سيق هذا لبيان فضل سليمان وما خصه الله به من كرامته وميراثه ما كان لابيه من اعلى المواهب وهو العلم والنبوة ان هذا لهو الفضل المبين وكذلك قول زكريا عليه الصلاة والسلام " وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا " فهذا ميراث العلم والنبوة والدعوة الى الله.
حكمــــــة
يذكر عن ابي هريرة رضى الله عنه انه مر بالسوق فوجدهم في تجاراتهم وبيوعاتهم فقال انتم ههنا فيما انتم فيه وميراث رسول الله يقسم في مسجده فقاموا سراعا الى المسجد فلم يجدوا فيه الا القرآن والذكر ومجالس العلم فقالوا اين ما قلت يا أبا هريرة فقال هذا ميراث محمد يقسم بين ورثته وليس بمواريثكم ودنياكم او كما قال.
حكمــــــة
إن العلماء هم الذين يسوسون العباد والبلاد والممالك فموتهم فساد لنظام العالم ولهذا لا يزال الله يغرس في هذا الدين منهم خالفا عن سالف يحفظ بهم دينه وكتابه وعباده وتأمل إذا كان في الوجود رجل قد فاق العالم في الغنى والكرم وحاجتهم الى ما عنده شديدة وهو محسن اليهم بكل ممكن ثم مات وانقطعت عنهم تلك المادة فموت العالم اعظم مصيبة من موت مثل هذا بكثير ومثل هذا يموت بموته أمم وخلائق.
حكمــــــة
عن ابي هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله يقول: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم. قال الترمذي هذا حديث حسن ولما كانت الدنيا حقيرة عند الله لاتساوي لديه جناح بعوضة كانت وما فيها في غاية البعد منه وهذا هو حقيقة اللعنة وهو سبحانه إنما خلقها مزرعة للآخرة ومعبرا اليها يتزود منها عبادة اليه فلم يكن يقرب منها إلا ما كان متضمنا لاقامة ذكره ومفضيا الى محابه وهوالعلم الذي به يعرف الله ويعبد ويذكر ويثنى عليه ويمجد ولهذا خلقها وخلق اهلها كما قال تعالى " وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ".
حكمــــــة
خلق الله السموات والارض وما بينهما ليعرف باسمائه وصفاته وليعبد فهذا المطلوب وما كان طريقا اليه من العلم والتعلم فهو المستثنى من اللعنة واللعنة واقعة على ما عداه إذ هو بعيد عن الله وعن محابه وعن دينه وهذا هو متعلق العقاب في الاخرة فإنه كما كان متعلق اللعنة التي تضمن الذم والبغض فهو متعلق العقاب والله سبحانه إنما يحب من عباده ذكره وعبادته ومعرفته ومحبته ولوازم ذلك وما افضى اليه وما عداه فهو مبغوض له مذموم عنده.
حكمــــــة
قال معاذ رضى الله عنه: عليكم بطلب العلم فإن تعلمه لله خشية ومدارسته عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد ولهذا قرن سبحانه بين الكتاب المنزل والحديد الناصر كما قال تعالى لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب واميزان ليقوم الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوي عزيز فذكر الكتاب والحديد إذ بهما قوام الدين.
حكمــــــة
مراتب العلم: اولها وثانيها سماعه وعقله فإذا سمعه وعاه بقلبه أي عقله واستقر في قلبه كما يستقر الشيء الذي يوعى في وعائه ولا يخرج منه وكذلك عقله هو بمنزلة عقل البعير والدابة ونحوها حتى لا تشرد وتذهب ولهذا كان الوعي والعقل قدرا زائدا على مجرد إدراك المعلوم المرتبة الثالثة تعامده وحفظه حتى لاينساه فيذهب المرتبة الرابعة تبليغه وبثه في الامة ليحصل به ثمرته ومقصوده وهو بثه في الامة فهو بمنزلة الكنز المدفون في الارض الذي لا ينفق منه وهو معرض لذهابه فإن العلم ما لم ينفق منه ويعلم فإنه يوشك ان يذهب فإذا انفق منه نما وزكا على الانفاق.
حكمــــــة
في الصحيحين من حديث عبد الله ابن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وقال ليبلغ الشاهد منكم الغائب " فأمر بالتبلغ عنه لما في ذلك من حصول الهدى بالتبلغ وله اجر من بلغ عنه واجر من قبل ذلك البلاغ وكلما كثر التبلغ عنه تضاعف له الثواب فله من الاجر بعدد كل مبلغ وكل مهتد بذلك البلاغ سوى ماله من اجر عمله المختص به فكل من هدى واهتدى بتبليغه فله اجره لانه هو الداعي اليه.
حكمــــــة
روى مسلم في صحيحه من حديث ابي مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فاقدمهم إسلاما او سنا وذكر الحديث فقدم في الامامة تفضيله العلم على تقدم الاسلام والهجرة ولما كان العلم بالقرآن افضل من العلم بالسنة لشرف معلومه على معلوم السنة قدم العلم به ثم قدم العلم بالسنة على تقدم الهجرة وفيه من زيادة العمل ماهو متميز به لكن إنما راعى التقديم بالعلم ثم بالعمل وراعى التقديم بالعلم بالافضل على غيره وهذا يدل على شرف العلم وفضله وإن اهله هم اهل التقدم الى المراتب الدينية.
حكمــــــة
فى صحيح البخاري من حديث عثمان بن عفان رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال خيركم من تعلم القرآن وعلمه وتعلم القرآن وتعليمه يتناول تعلم حروفه وتعليمها وتعلم معانيه وتعليمها وهو اشرف قسمي علمه وتعليمه فإن المعنى هو المقصود واللفظ وسيلة اليه فنعلم المعنى وتعليمه تعلم الغاية وتعليمها وتعلم اللفظ المجرد وتعليمه تعلم الوسائل وتعليمها وبينهما كما بين الغايات والوسائل.
حكمــــــة
قال نعيم ابن حماد سمعت عبد الله بن المبارك رضى الله عنه يقول وقد عابه قوم في كثرة طلبه للحديث فقالوا له الى متى تسمع قال إلى الممات وقال الحسين بن منصور الخصاص قلت لاحمد بن حنبل رضى الله عنه الى متى يكتب الرجل الحديث قال الى الموت وقال عبد الله بن محمد البغوي سمعت احمد بن حنبل رضى الله عنه يقول إنما اطلب العلم الى ان ادخل القبر.
حكمــــــة
قال حميد بن محمد بن يزيد البصري جاء ابن بسطام الحافظ يسألني عن الحديث فقلت له ما اشد حرصك على الحديث فقال او ما احب ان اكون في قطار آل رسول الله وقيل لبعض العلماء متى يحسن بالمرء ان يتعلم قال ما حسنت به الحياة وسئل الحسن عن الرجل له ثمانون سنة ايحسن ان يطلب العلم قال إن كان يحسن به ان يعيش.
حكمــــــة
ان الانسان إنما يميز على غيره من الحيوانات بفضيلة العلم والبيان وإلا فغيره من الدواب والسباع أكثر أكلا منه واقوى بطشا وأكثر جماعا واولادا واطول اعمارا وإنما ميز على الدواب والحيوانات بعلمه وبيانه فإذا عدم العلم بقى معه القدر المشترك بينه وبين سائر الدواب وهي الحيوانية المحضة فلا يبقى فيه فضل عليهم بل قد يبقى شرا منهم كما قال تعالى في هذا الصنف من الناس " إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون " فهؤلاء هم الجهال ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم أي ليس عندهم محل قابل للخير ولو كان محلهم قابلا للخير لاسمعهم أي لافهمهم.
حكمــــــة
ان النصوص النبوية قد تواترت بان افضل الاعمال إيمان بالله فهو رأس الامر والاعمال بعده على مراتبها ومنازلها والايمان له ركنان احدهما معرفة ما جاء به الرسول والعلم به والثاني تصديقه بالقول والعمل والتصديق بدون العلم والمعرفة محال فإنه فرع العلم بالشيء المصدق به فإذا العلم من الايمان بمنزلة الروح من الجسد ولاتقوم شجرة الايمان الا على ساق العلم والمعرفة فالعلم إذا اجل المطالب واسمى المواهب.
حكمــــــة
ان صفات الكمال كلها ترجع إلى العلم والقدرة والارادة والارادة فرع العلم فإنها تستلزم الشعور بالمراد فهي مفتقرة إلى العلم في ذاتها وحقيقتها والقدرة لا تؤثر إلا بواسطة الارادة والعلم لايفتقر في تعلقه بالمعلوم إلى واحدة منهما وأما القدرة وإلارادة فكل منها يفتقر في تعلقه بالمراد والمقدور إلى العلم وذلك يدل على فضيلته وشرف منزلته.
حكمــــــة
إن فضل العلم على المال يعلم من وجوه احدها ان العلم ميراث الانبياء والمال ميراث الملوك والاغنياء والثاني ان العلم يحرس صاحبه وصاحب المال يحرس ماله والثالث ان المال تذهبه النفقات والعلم يزكوا على النفقة الرابع ان صاحب المال إذا مات فارقه ماله والعلم يدخل معه قبره الخامس ان العلم حاكم على المال والمال لا يحكم على العلم السادس ان المال يحصل للمؤمن والكافر والبر والفاجر والعلم النافع لا يحصل الا للمؤمن ز السابع ان العالم يحتاج اليه الملوك فمن دونهم وصاحب المال إنما يحتاج اليه اهل العدم والفاقة....
حكمــــــة
قال ابو الدرداء اذا نام العبد عرج بروحه الى تحت العرش فان كان طاهرا اذن لها بالسجود وان لم يكن طاهرا لم يؤذن لها بالسجود فهذه والله أعلم هي العلة التي امر الجنب لاجلها ان يتوضأ إذا أراد النوم وهذا الصعود إنما كان لتجرد الروح عن البدن بالنوم فإذا تجردت بسبب آخر حصل لها من الترقي والصعود بحسب ذلك التجرد وقد يقوى الحب بالمحب حتى لا يشاهد منه بين الناس الا جسمه وروحه في موضع آخر عند محبوبه.
حكمــــــة
قال تعالى " ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين " قال الحسن هو المؤمن اجاب الله في دعوته ودعا الناس الى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحا في إجابته فهذا حبيب الله هذا ولي الله فمقام الدعوة الى الله افضل مقامات العبد قال تعالى " وانه لما قام عبدالله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا " وقال تعالى " ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ".
حكمــــــة
قال السرى اليقين السكون عند جولان الموارد في صدرك ليتقنك ان حركتك فيها لاتنفعك ولا ترد عنك مقضيا قلت هذا إذا لم تكن الحركة مأمورا بها فإذا كانت مأمورا بها فاليقين في بذل الجهد فيها واستفراغ الوسع وقيل إذا استكمل العبد حقيقة اليقين صار البلاء عنده نعمة والمحنة منحة فالعلم اول درجات اليقين ولهذا قيل العلم يستعملك واليقين يحملك فاليقين افضل مواهب الرب لعبده ولا تثبت قدم الرضاء الا على درجة اليقين قال تعالى " اما اصاب من مصيبة الا باذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه ".
حكمــــــة
ان الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته الجامعة لمحبته وإيثار مرضاته المستلزمة لمعرفته ونصب للعباد علما لا كمال لهم الا به وهو ان تكون حركاتهم كلها موافقة على وفق مرضاته ومحبته ولذلك ارسل رسله وانزل كتبه وشرع شرائعه فكمال العبد الذي لا كمال له الا به ان تكون حركاته موافقه لما يحبه الله منه ويرضاه له ولهذا جعل اتباع رسوله دليلا على محبته قال تعالى " قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ".
حكمــــــة
إن المحب الصادق يرى خيانة منه لمحبوبه ان يتحرك بحركة اختيارية في غير مرضاته وإذا فعل فعلا مما ابيح له بموجب طبيعته وشهوته تاب منه كما يتوب من الذنب ولا يزال هذا الأمر يقوى عنده حتى تنقلب مباحاته كلها طاعات فيحتسب نومه وفطره وراحته كما يحتسب قومته وصومه واجتهاده وهو دائما بين سراء يشكر الله عليها وضراء يصبر عليها فهو سائر إلى الله دائما في نومه ويقظنه قال بعض العلماء الاكياس عاداتهم عبادات الحمقي والحمقى عباداتهم عادات.