6. فوائد من كتاب بهجة المجالس
قال الهيثم بن عدىّ : كنت يوماً بكناسة الكوفة إذ أنا برجل قد وقف على نخّاس الدّواب ، فقال له : اطلب لي حماراً ليس بالصغير المحتقر ، ولا بالكبير المشتهر ، إن خلا الطريق تدفق ، وإن كثر الزحام ترفق ، لا يصادم في السّوارى ، ولا يدخل تحت البواري ، إن أقللت علفه صبر ، وإن أكثرت له شكر ، وإن ركبته هام ، وإن ركبه غيري نام. فقال له النخاس : اصبر يا عبد اللّه ، فإذا مسخ القاضي حماراً ، أصبت حاجتك إن شاء اللّه تعالى.
خطب أبو القطوف إلى قوم وليةً لهم ، فأجابوه ، وقالوا لها من الضياع والمال كذا وكذا ، فما مالك أنت ؟ قال : إن كنتم صادقين فإن مالها يكفيني وإياها ما عشنا ، فما سؤالكم عن مالى .
قال ابن عباس : المزاح بما يحسن مباح ، وقد مزح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يقل إلاّ حقا. قال الخليل بن أحمد : الناس في سجن ما لم يمازحوا.
كان محمد بن سيرين يداعب ويضحك حتى يسيل لعابه ، فإذا أردته على شئ من دينه كانت الثريا أقرب إليك من ذلك.
كان يقال : لكل شئ بدء ، وبدء العداوة المزاح. كان يقال : لو كان المزاح فحلاً ، ما ألقح إلا الشر
قال سعيد بن العاص : لا تمازح الشريف فيحقد ، ولا الدنيء فيجترئ عليك. قال ميمون بن مهران : إذا كان المزاح أمام الكلام فآخره الشتم واللطام.
قال جعفر بن محمد : إياكم والمزاح ، فإنه يذهب بماء الوجه. قال إبراهيم ال نخعي : لا يكون المزاح إلا في سخف أو بطر.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من كثر ضحكه استخف به وذهب بهاؤه. قال غيره من الحكماء : إياك والمشي في غير أرب ، والضحك من غير سبب.
قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه :من كانت له عند الناس ثلاثة وجبت له عليهم ثلاث : من إذا حدثهم صدقهم ،وإذا ائتمنوه لم يخنهم ،وإذا وعدهم وفى لهم ، وجب له عليهم أن تحبه قلوبهم ، وتنطق بالثناء عليهم ألسنتهم ،وتظهر له معونتهم.
قيل للقمان الحكيم : ألست عبد بن فلان ؟ قال : بلى. قيل : فما بلغ بك ما نرى ?قال :تقوى الله ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانه وترك ما لا يعنينى.
قال نافع : طاف ابن عمر سبعاً ،وصلى ركعتين ،فقال له رجل من قريش : ما أسرع ما طفت وصليت يا أبا عبد الرحمن وخرجت فقال أبن عمر :أنتم أكثر منا طوافاً وصياماً ،نحن نلتزم صدق الحديث ،وأداء الأمانة ، وإنجاز الوعد.
قال الحسن البصري :لا تستقيم أمانة رجل حتى يستقيم لسانه ، و لا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه.
كان يقال :كفى بالمرء خيانه أن يكون أمينا للخونة . قال بعض الحكماء : من عرف بالصدق جاز كذبه ، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه.
قال بعضهم : ما أراني أوجر في ترك الكذب. قيل له : ولم ؟ قال : لأني أدعه اتقاء. قالوا : الصدق عز ، والكذب خضوع.
قال لقمان لابنه : يا بني! احذر الكذب فإنه شهى كلحم العصفور ، من أكل شيئا منه لم يصبر عنه. عوتب بعض الأعراب على الكذب ، فقال للذي عاتبه : واللّه لو غرغرت به لهاتك ما صبرت عنه.
قال الأصمعي : قيل لكذّاب : ما يحملك على الكذب ؟ فقال : أما إنك لو تغرغرت به مرة ما نسيت حلاوته. قيل لكذاب : هل صدقت قط ؟ قال : أكره أن أقول لا فأصدق.
لما استخلف أبو بكر عمر ، قال لمعيقيب الدّوسى : ما يقول النّاس في استخلافي عمر ؟ قال : كرهه قومٌ ، ورضيه آخرون. قال : فالذين كرهوه أكثر أم الذين رضوه ؟ قال : بل الذين كرهوه. قال : إن الحقّ يبدو كريها وله تكون العاقبة ، والعاقبة للتقوى.
قالوا : من قصد إلى الحقّ اتسمت له المذاهب حجة ، ومن تعداه ضاق به أمره ، وما هلك امرؤٌ عرف قدره.
قالوا : الحكمة تدعو إلى الحقّ ، والجهل يدعو إلى السّفه ، كما أنّ الحجة تدعو إلى المذهب الصّحيح ، والشبهة تدعو إلى المذهب الفاسد.
قال عبد اللّه بن مسعود : تكلّموا بالحق تعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله. قال بعض الحكماء : من جهلك بالحق والباطل ، أن تريد إقامة الباطل بإبطال الحق.
قال الأعرابي ، وقد ذكر عنده الإصلاح والإفساد ، فقال : لاتمنعن كثيراً من حقّ ، ولا تضعنّ قليلاً في الباطل ، فما حرّك حقّ وباطلّ إلا كان لهما شهود.
قال بعض الحكماء : لها يعيد الرجل عاقلا ، حتى يستكمل ثلاثاً : إعطاء الحق من نفسه في حال الرّضا والغضب ، وأن يرضى للناس ما يرضى لنفسه ، وألاّ ترى له زلّة عند ضجره .
كتب عمر بن الخطاب إلى معاوية : أن الزم الحقّ ، ينزلك الحقّ في منازل أهل الحقّ ، يوم لا يقضى إلا بالحقّ .
أول كتاب كتبه علىّ بن أبي طالب في خلافته : أمّا بعد ، فإنّما هلك من كان قبلكم ، أنّهم منعوا الحق حتى اشترى ، وبسطوا الباطل حتى اقتدى.
قال ابن مسعود : من كان على الحقّ ، فهو جماعةٌ وإن كان وحده. قال غيره : الحقّ ثقيل ، وطلابه قليل.
قال أنو شروان : إذا اشتبهت الأمور فالحق بين التقصير والإفراط. قال غيره : الحق كثير ، والقائلون به يسير. قال غيره : الأحمق يغضب من الحق ، والعاقل يغضب من الباطل وكان يقال : من هلك في دولة الباطل ، أكثر ممن حيى بالباطل.
قال مالك ابن أنس : إذا ظهر الباطل على الحقّ ظهر الفساد في الأرض. وقال : إن لزوم الحق نجاة ، وإن قليل الباطل وكثيره هلكة.
قال سعد بن أبي وقاص لسلمان : أوصني. قال : أخلص الحقّ يخلّصك. وأظنّ هذا من قول القائل : أعزّ الحق يذلّ لك الباطل.
كان يقال : من لم يعمل من الحق إلاّ بما وافق هواه ، ولم يترك من الباطل إلا ما خف عليه لم يؤجر فيما أصاب ، ولم يفلت من إثم الباطل.
قال جعفر بن محمد : ما ناصح اللّه عبدٌ مسلم في نفسه فأخذ الحق لها ، وأعطى الحق منها ، إلا أعطي خصلتان : رزق من اللّه يقنع به ، ورضى من اللّه عنه.
كان بعض الصالحين يقول : اللهم إني أشكو إليك ظهور البغي والفساد في الأرض ، وما يحول بين الحق وأهله من الطمع.
قالوا : الوقار من اللّه ، فمن رزقه اللّه الوقار فقد وسمه بسيماء الخير. قالوا : من تكلّم بالحكمة لا حظته العيون بالوقار.
قال الحسن : أربع من كنّ فيه كان كاملا ، ومن تعلّق بواحدة منهن كان من صالحي قومه : دين يرشده ، عقل يسدّده ، وحسب يصونه ، وحياء يقوده.
قالت عائشة رضى اللّه عنها : رحم اللّه نساء الأمصار ، لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن. وقالت أيضاً : رأس مكارم الأخلاق الحياء.
قال كعب الأحبار : إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل ، الصائم بالنهار ، الظامئ بالهواجر.
مكتوب في الحكمة ، الرفيق خير قائد ، وحسن الخلق خير رفيق ، والوحدة خير من جليس السوء ، والجليس الصالح حير من الوحدة. كان يقال : من ساء خلقه قلّ صديقه.
قال أبو الدراء : إنا لنكثر في وجوه أقوام ، وإن قلوبنا لتلعنهم. قال سفيان بن عيينة : من حسن خلقه ساء خلق خادمه. كان يقال : حسن الخلق يكسب حسن الذكر.
خطب ثلاثة إخوة من العرب إلى عمّهم ثلاث بنات له ، فقال : مرحباً بكم ، لا أذم عهدكم ، ولا أستطيع ردّكم ، خبّروني عن مكارم الأخلاق. فقال الأكبر : الصّون العرض ، والجزاء بالقرض. قال الأوسط : النهوض بالثقل ، والأخذ بالفضل. قال الأصغر : الوفاء بالعهد ، والإنجاز للوعد. قال : أحسنتم في الجواب ، ووفقتم إلى الصواب.
قال الحسن : مكارم الأخلاق للمؤمن : قوة في لين ، وحزم في دين ، وإيمانٌ في يقين ، وحرصٌ على العالم ، واقتصاد في النفقة ، وبذلٌ في السّعة ، وقناعة في الفاقة ، ورحمةٌ للمجهود ، وإعطاءٌ في حقّ ، وبرّ في استقامة.
قالت عائشة رضي اللّه عنها : خلال المكارم عشر ، تكون في الرّجل ولا تكون في أبيه ولا في ابنه وقد تكون في العبد ولا تكون في سيّده ، يقسمها اللّه لمن أحبّ : صدق الحديث ، ومداراة النّاس ، وصلة الرحم ، وحفظ الأمانة ، والتذمّم للجار ،وإعطاء السّئل ،والمكافأة بالصنّائع ، وقرى الضّيف ،والوفاء بالعهد ،ورأسهنّ كلهنّ الحياء.
قيل لبزر جمهر :أي شئ أنت به أسرّ ؟ قال :قدرتي على مكافأة من أحسن إلى. سئل عبد الله بن عمر عن السّؤدد ،فقال :الحلم والجود.
قال مصقلة بن هبيرة الشّبياني :سمعت صعصعة بن صوحان ،وقد سأله ابن عباس ما السؤدد فيكم ؟ قال :إطعام الطعام ،ولين الكلام ،وبذل النّوال ،وكفّ المرء نفسه عن السؤال ،والتودّد للصّغير والكبير ،وأن يكون النّاس عندك في الحق شرعا.
كان يقال :خير أيام المرء ما أغاث فيه المضطر ،واكتسب فيه الأجر ،وارتهن فيه الشكر ،واسترقّ فيه الحّر.
قال الأحنف بن قيس يوماً لقومه :إنّما أنا رجل منكم ليس لي فضل عليكم ،ولكني أبسط لكم وجهي ،وأبذل لكم مالي ،وأفضى حقوقكم ،وأحفظ حرمتكم ،فمن فعل مثل فعلي فهو مثلي، ومن زاد علىّ فهو خير مني ،ومن زدت عليه فأنا خير منه.قيل له :يا أبا محمد!ما يدعوك إلى هذا الكلام ؟ قال :أحضّنهم على مكارم الأخلاق.
قال عبد الله بن عمر :نحن معشر قريش نعدّ الحلم والجود السؤدد ،ونعدّ العفاف وإصلاح المال المروءة.
قال أبو عمرو بن العلاء :كان أهل الجاهلية لا يسوّدون إلاّ من كانت فيه ست خصال وتمامها في الإسلام سابة :السّخاء والنجدة ،والصّبر والحلم ،البيان والحسب.وفي الإسلام زيادة العفاف.
ذكر لعبد الله بن عمر أبو بكر وعمر وعثمان وعلىّ ومعاوية.فقال :كان معاوية أسود منهم ،وكانوا خيراً منه.
كان سالم بن نوفل سيد بني كنانة في زمانه ، فوثب رجل على ابنه وابن أخيه فجرحهما ، فأتى به سالم ، فقال له : ما أمنك من انتقامي ؟ قال : فلم سوّدناك إذاً ؟ إلا لتكظم الغيظ وتحلم عن الجاهل ، وتحتمل المكروه.
قال الأصمعي : كان يقال : لا يجتمع عشرة إلاّ وفيهم مقاتل أو أكثر ، ويجتمع ألف ليس فيهم حليم. كان يقال : ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة حليم من سفيه ، وبر من فاجر ، وشريف من دنئ.
قال الأحنف بن قيس : ما نازعني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث خصال ، إن كان فوقي عرفت له قدره ، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه ، وإن كان مثلي تفضلت عليه .
سبّ الشعبيّ رجل ،فقال له :إن كنت كاذباً يغفر الله لك ،وإن كنت صادقاً يغفر الله لي. قال الشعبيّ :الغضب غول الحلم.
قال خالد بن صفوان :شهدت عمرو بن عبيد ورجل يشتمه ،فقال :آجرك الله على ما ذكرت من صواب ،وغفر لك على ما ذكرت من خطأ ، قال :فما حسدت أحداً حسدي عمرو بن عبيد على هاتين الكلمتين.
قيل للملهب :ما السّؤدد ؟ قال : أن يركب الرجل في منزله وحده ،ويرجع إلى منزله في جماعة. قيل لبعض العرب :ما علامة السيّد قيكم ؟ قال : هو الذّي إذا أقبل هبناه ،وإذا أدبر عبناه ،ويروى اغتبناه.
قال الحسن بن سهل يوماً : الشّرف في السّرف ،فقيل له : لا خير في السّرف ،فقال : لا سرف في الخير ، فردّ اللّفظة واستوفى المعنى.
قال إسماعيل بن جعفر بن سليمان الهاشمي : عجبت لمن لا يكتب العلم كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة. قال معاوية :إني لأرفع نفسي أن يكون ذنب أرجح من حلمي.
قال الشّعبي :زين العلم حلم أهله. قال رجاء بن أبي سلمة :الحلم أرفع من العقل ،لأن الله تسمّى به.
قال معاوية لعمرو بن العاص :من أبلغ الناس ؟ قال :من ترك الفضول ،واقتصر على الإيجاز. قال :فمن أصبر الناس ؟ قال :من بذل دنياه في صلاح دينه قال :فمن أشجع الناس ؟ قال :من ردّ جهله بحلمه.
كان الأحنف إذا عجبوا من حلمه ،قال :إني لأجد ما تجدون ،ولكنّي صبور. وقال أيضاً :وجدت الحلم أنصر لي من الرجال.
قال عمر بن عبد العزيز :ما قرن شئ إلى شئ أحسن من حلم إلى علم ،ومن عفو إلى قدرة. سئل الأحنف عن الحلم ،فقال :هو الذلّ والصبّر.
كان عبد الله بن عمر إذا سافر سافر معه بسيفه ،فقيل له في ذلك ،فقال :إن جاءنا سفيهٌ ردّ عنا سفهه ،لأنا لا ندري ما نقابل به السّفهاء.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : البخل جلباب المسكنة ، وربما دخل السخي بسخائه الجنة. قال : ومن البخل ترك حقّ قد وجب لخوف شيء لم يقع.
قال جعفر بن محمد : قال الله عز وجل : أنا جواد كريمٌ ، لا يجاورني في جنتي لئيم. قيل للأحنف : ما الجود ؟ قال : بذل القرى ، وكف الأذى. قيل : فما البخل ؟ قال طلب اليسير ومنع الحقير. وقد روى هذا من كلام أكثم بن صيفي والله أعلم.
سئل الخليل بن أحمد عن الجود ، فقال. بذل الموجود. قال بعض الحكماء : من أيقن بالخلف جاد بالعطية.
قال أحمد بن أبي دواد : من نال دنيا فلم يرفع وليا ،ولا وضع عدوا فليس بكريم. كان زياد بن أبيه يقول :من منع ماله سبل الحمد أورثه من لا يحمده.
قال شعيب بن حرب :ليس السخى من أخذ المال من غير حله فبذره ، وإنما السخىّ من عرض عليه ذلك المال فتركه ، أوجمع من حق ووضع في حق.
قال إبراهيم بن أبي عبلة : سمعت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز ،يقول : أف للبخل والله لو كان طريقاً ما سلكته ، ولو كان ثوبا طريفا ما لبسته.
قال معاوية بن أبي سفيان لأبي مسلم الخولاني : إنكم معشر العباد فيكم النكاح والحدة والسماح. قال : أما النكاح فإنا لا نعدل عن أهلينا ، وأما الحدة فإن قلوبنا ملئت خيراً فلا موضع فيها للشر ، وأما السماح فبحسن الظن منا بالخلف من الله تعالى.
قال سفيان بن عيينة : ما استقصى كريمٌ قط ، ألم تسمع إلى قوله الله تعالى : " عرف بعضه وأعرض عن بعض " .
قال أسماء بن خارجة : لو لم يدخل على البخلاء في بخلهم إلا سوء ظنهم بربهم في الخلف لكان ذلك عظيماً.
قال أردشير : احذروا صولة الكريم إذا جاع ، واللئيم إذا شبع ، واعلموا أن الكرام أصبر نفوساً ، واللئام أصبر أجساماً.
سئل الحسن بن علي رضى الله عنهما عن البخل ،فقال :هو أن يرى الرجل ما ينفقه تلفاً ،وما أمسكه شرفا.
قال طاووس :البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه ،والشّح أن يشح بما في أيدي الناس ،ويحب أن يكون له ما في أيديهم بالحلّ والحرام ولا يقنع .
سئل عبد الله بن عمر ، عن المروءة والكرم والنجدة. فقال : أما المروءة : فحفظ الرجل نفسه ، وإحرازه دينه ، وحسن قيامه بصنعته ، وحسن المنازعة ، وإفشاء السلام ، وأما الكرم : فالتبرع بالمعروف ، والإعطاء قبل السؤال ، والإطعام في المحل. وأما النجدة : فالذب عن الجار ، والصبر في المواطن ، والإقدام على الكريهة.
في رواية أن معاوية قال في مجلسه يوماً لمن حضره : من يخبرني عن المروءة والجود والنجدة ؟ فقال عبد اللّه بن هاشم بن عتبة ، وكان بعده عفوه عنه يحضر مجلسه : قال : يا أمير المؤمنين! أما المروءة فالصلاح في الدين ، والإصلاح في المال ، والمحاماة عن الجار. وأما النجدة فالجرأة على الإقدام ، والصبر عند ازورار الأقدام.
سئل الأحنف عن المروءة ، فقال : التفقه في الدين ، وبرّ الوالدين ، والصبر على النوائب. ويروى عن الأحنف أيضاً أنه قال : لا مروءة لكذوب ، ولا أخ لملول ، ولا سؤدد لسيئ الخلق
قال طلحة بن عبيد اللّه : جلوس الرجل ببابه من المروءة ، وليس من المروءة حمل الكيس في الكم .
سئل ابن شهاب الزّهري عن المروءة ، فقال : اجتناب الريب ، وإصلاح المال ، والقيام بحوائج الأهل. وقال الزهري أيضاً : الفصاحة من المروءة.
سئل إباس بن معاوية عن المروءة ، فقال : أما حيث تعرف فالتقوى ، وأما حيث لا تعرف فاللّباس. كان يقال : صن عقلك بالحلم ، ومروءتك بالعفاف ، وبجدتك بترك الحياء ، وجهدك بالإجمال في الطب.
قال إبراهيم النخعى : ليس من المروءة كثرة الالتفات في الطريق. قال غيره : من كما المروءة أن تصون عرضك ، وتكرم إخوانك ، وتقيل في منزلك.
قال ربيعة بن عبد الرحمن : للسفر مروءة ، وللحضر مروءة. فالمروءة في السفر : بذل الزاد ، وقلة الخلاف على الأصحاب ، وكثرة المزاح في غير مساخط اللّه. المروءة في الحضر : إدمان الاختلاف إلى المساجد ، وتلاوة القرآن ، وكثرة الإخوان في اللّه عزّ وجلّ.
في رواية عن ربيعة أنه قال : المروءة ست خصال : ثلاث في الحضر ، وثلاث في السفر ، فأما التي في السفر : فبذل الزاد ، وحسن الخلق ، ومداعبة الرفيق. وأما التي في الحضر ، فتلاوة القرآن ، ولزوم المساجد ، وعفاف الفرج.
قيل لبعض الحكماء : من يجب لذى المروءة إخفاء نفسه وإظهارها ؟ قال : على قدر ما يرى من نفاق المروءة وكسادها.
قال سفيان بن عيينة وقد سئل عن المروءة ماهي ؟ فقال : الأنصاف من نفسك ، والتفضل على غيرك ، ألم تسمع قول اللّه تعالى " إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان " لاتتمّ المروءة إلاّ بهما ، العدل هو الإنصاف ، والإحسان التفضل.
روى عن الفضيل بن عياض رحمة الله ، أنه سئل عن الرجل الكامل التام المروءة فقال : الكامل من برّ والديه ، ووصل رحمه ، وأكرم إخوانه ، وحسن خلقه ، وأحرز دينه ، وأصلح ماله ، وأنفق من فضله ، وحسن لسانه ، ولزم بيته.
ذكرت الفتوة عند سفيان رحمه اللّه ، فقال : ليست بالفسق ولا الفجور ،ولكن الفتوة كما قال جعفر بن محمد : طعام موضوع ، وحجابٌ مرفوع ، ونائل مبذول ، وبشر مقبول ، وعفاف معروف ، وأذى مكفوف.
كان يقال : لا يزال الناس بخير ما تباينوا ، فإذا تساووا هلكوا . قال بعض الحكماء : رأس المداراة ترك المماراة.
قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه :الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم . قال على بن أبي طالب رضي اللّه عنه : خالط المؤمن بقلبك ، وخالط الفاجر بخلقك.
كان يقال : يمتحن الرجل في ثلاثة أشياء : عند هواه إذا هوى ، وعند غضبه إذا غضب ، وعند طمعه إذا طمع.
قال أبو عمرو بن العلاء : إذا أردت أن تعرف مالك عند صديقك فاعرف ما كان لصديقه قبلك عنده. قال سفيان الثورى : إذا أردت أن تعرف مالك عند صديقك فأغضبه ، فإن أنصفك في غضبه وإلا فاجتنبه.
قال معاذ بن جبل : إذا أحببت أخاً في اللّه ، فلا تماره ولا تشاره ولا تسل عنه أحداً ، فلربما أخبرك بما ليس فيه ، فحال بينك وبينه.
قال عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه : إنّ مما يصفى لك ودّ أخيك أن تبدأه بالسلام إذا لقيته ، وأن تدعوه بأحبّ الأسماء إليه ، وأن توسّع له في المجلس.
كان يقال : من رضى من الناس بالمسامحة طال استمتاعه بهم. قال أكثم بن صيفي : من تشدّد فرّق ، ومن تراخى تألف ، والسرور في التغافل.
قال علي رضى اللّه عنه : شرط الصحبة إقاله العثرة ، ومسامحة العشرة ، والمواساة في العسرة. قيل للعتّابي : إنك تلقى الناس كلهم بالبشر! قال : دفع ضغينةٍ بأيسر مؤونة ،واكتساب إخوان بأيسر مبذول.
قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه الطمع فقرٌ واليأس غنيٌ ، والعزلة راحةٌ من جليس السوء ، وقرين الصدق خير من الوحدة.
قال أبو الدردّاء : نعم صومعة الرجل المؤمن بيته ، يصون دينه وعرضه ، وأياكم والأسواق ، فإنها تلغي وتلهي.
قال مكحول :إن كان في الجماعة فضل ، فإن في العزلة سلامه. قال عمر بن الخطاب : خالطوا الناس في معايشكم ، وزايلوهم بأعمالكم.
قال أبو الدّرداء : كان الناس ورقاً لا شوك فيه ، وهم اليوم شوك لا ورق فيه . يقال : إن فيما أنزل اللّه في الإنجيل على عيسى عليه السلام. كن وسطاً وامشي جانباً.
قال بعض العلماء العزلة عن الناس توقي العرض ، وتبقي الجلالة ، وترفع مؤونة المكافأة في الحقوق اللازمة ، وتستر الفاقة.
قال ابن المقفع : وحشة الانفراد أبقى على المرء من أنس التلاقي. قال الفضيل بن عياض لسفيان الثوري : دلّني على رجل أجلس إليه ، قال : تلك ضالّة لا توجد.
قال سفيان وما وجدت من يغفر لي ذنباً ، ولا يستر لي عيباً ، فرأيت في الهرب من الناس السّلامة. قال أكثم ابن صيفي : الانقباض عن الناس مكسبه للعداوة ، وإفراط الأنس مكسبة لقرناء السوء .