فوائد من كتاب الرقائق الجزء الخامس
قال قتادة رحمه الله تعالى: إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم فأما دائكم فالذنوب وأما دواؤكم فالاستغفار.
قال بكر عبد الله المزني: أنتم تكثرون من الذنوب فاستكثروا من الاستغفار، فإن الرجل إذا وجد في صحيفته بين كل سطرين استغفار سرّه مكان ذلك.
قال ابن رَجَبٍ: اعلم أن سُؤالَ الله عَزَّ وجَلَّ دُونَ خَلْقِهِ هو اِلْمُتَعَيِنُ، لأن السؤال فيه إظهار الذُلِّ من السائل والمَسْكَنَةِ والحَاجَةِ والافْتِقَارِ، وفيه الاعتراف بِقُدْرَةِ المَسْؤولِ على رَفْعِ هذا الضُّرِّ ونَيْلِ المطلوب، وجَلْبِ المَنَافِعِ ودَرْءِ المَضَارِ، ولا يَصْلُحُ الذُلُّ والافْتِقَارُ إلا لله وحده لأنه حقيقة العبادة
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "أصل الخشوع لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء، لأنها تابعة له "
قال حذيفة رضي الله عنه: "أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة ورب مصل لا خير فيه ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيهم خاشعا"
قال بعض السلف: الصلاة كجارية تهدى إلى ملك من الملوك، فما الظن بمن يهدى إليه جارية شلاء أو عوراء ... فكيف بصلاة العبد والتي يتقرب بها إلى الله.
قال الحسن رحمه الله: إياك أن ينظر الله إليك وتنظر إلى غيره .. وتسأل الله الجنة وتعوذ به من النار .. وقلبك ساه لا تدري ما تقول بلسانك.
قال أبو الدرداء: استعيذوا بالله من خشوع النفاق. قالوا: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع.
قال الحسن البصري: بلغنا أن الباكي من خشيه الله لا تقطر من دموعه قطره حتى تعتق رقبته من النار وقال أيضاً: لو أن باكيا بكى في ملأ من خشية الله لرحموا جميعا وليس شيء من الأعمال إلا له وزن إلا البكاء من خشية الله فإنه لا يقوم الله بالدمعة منه شيء
قال كعب الأحبار: لأن أبكى من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلى من أن أتصدق بوزني ذهبا.
قال الحسن البصري: "ما كان ليونس صلاة في بطن الحوت, ولكن قدم عملاً صالحًا في حال الرخاء فذكره الله في حال البلاء, وإن العمل الصالح ليرفع صاحبه فإذا عثر وجد متكأً".
قال ابن رجب رحمه الله يقول: إن المؤمن إذا استبطأ الفرج ويئس منه ولا سيما بعد كثرة الدعاء وتضرعه ولم يظهر له أثر الإجابة، رجع إلى نفسه باللائمة يقول لها إنما أتيت من قبلك، ولو كان فيك خيرا لأُجبت، وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات، فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه، واعترافه له بأنه ليس بأهل لإجابة دعائه، فلذلك يسرع إليه حين إذ إجابة الدعاء، وتفريج الكرب، فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله، وعلى قدر الكسر يكون الجبر.
قال ابن القيم - رحمه الله -: التوحيد مَفْزَعُ أعدائه وأوليائه؛ فأما أعداؤه فينجيهم من كُرب الدنيا وشدائدها: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت / 65] ، وأما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: إذا جمع الداعي مع الدعاء حضور القلب وصادف وقتاً من أوقات الإجابة الستة وهي:-الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبة، وعند صعود الإمام المنبر يوم الجمعة حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد عصر يوم الجمعة أيضاً) وصادف خشوعاً في القلب وانكساراً بين يدي الرب وذلاً وتضرعاً ورِِقة واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله وبدأ بحمد الله والثناء عليه وثنى بالصلاة على عبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ثم دخل على الله وألحّ عليه في المسألة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده وقدم بين يدي دعائه صدقة؛ فإن هذا الدعاء لا يكاد يُرد أبداً ..
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أنا لا أحمل همَّ الإجابة ولكن أحمل همَّ الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن معه الإجابة.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود، حصلت به النكاية في العدو. ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير.
قال وهب ابن منبه مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر وعنه قال العمل الصالح يبلغ الدعاء ثم تلا قوله تعالى إليه (يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)
قال الليث رأى موسى عليه الصلاة والسلام رجلا رافعا يديه وهو يسأل الله مجتهدا فقال موسى عليه السلام أي رب عبدك دعاك حتى رحمته وأنت أرحم الراحمين فما صنعت في حاجته فقال يا موسى لو رفع يديه حتى ينقطع ما نظرت في حاجته حتى ينظر في حقي
قال بعض السلف لا تستبطيء الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي نحن ندعو الإله في كل كرب ... ثم ننساه عند كشف الكروب كيف نرجو إجابة لدعاء ... قد سددنا طريقها بالذنوب
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء عليه أن يستعجل العبد، ويستبطئ الإجابة، فيستحسر، ويدع الدعاء.
قال بعض العلماء: كان بين الدعاء والإجابة أربعون سنة. (فعلى المؤمن أن يدعو الله، وأن يلح على الله في الدعاء، ولا يعجل في الإجابة، وينتظر الفرج من الله، واللائق بالعبد أن يلازم الدعاء ويستمر فيه، ولا ييأس ولا يستعجل، لأنه لا يدري أين المصلحة، فقد تكون المصلحة في تأخير إجابة الدعاء، وقد تكون المصلحة في ادخار الأجر له في الآخرة، وقد تكون المصلحة في دفع بلاءٍ عنه بقدر دعائه، فعلى العبد أن لا يسأم من الدعاء، ولا يكل من ذلك، وأيضاً يجب عليه ألا يتعجل بل يكل الأمر لله تعالى فهو أرحم بالعبد من نفسه، فيترك الأمر لله عز وجل العالم بخفايا الأمور، العالم بحقائقها سبحانه، فهو عالم الغيب والشهادة،
سُئِلَ إبراهيم بن أدهم -رحمه الله-: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ فقال: لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء: عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول ولم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن ولم تعملوا به، وأكلتم نِعَم الله ولم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار ولم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان ولم تحاربوه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات ولم تعتبروا بها، وانتبهتم من نومكم فاشتغلتم بعيوب الناس وتركتم عيوبكم.
قال ابن ناصر الدين الدمشقي: فإنه ليس لأحد مفر عن أمر الله وقضائه، ولا محيد له عن حكمه النافذ وابتلائه، إنَّا لله ملكه وعبيده، يتصرف فينا كما يشاؤه وما يريده.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فقضاؤه لعبده المؤمن عطاء وإن كان في صورة المنع، ونعمة وإن كان في صورة محنة، وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية. ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل، وكان ملائمًا لطبعه. ولو رزق من المعرفة حَظًّا وافرًا لعدَّ المنع نعمة، والبلاء رحمة، وتلذذ بالبلاء أكثر من لذته بالعافية، وتلذذ بالفقر أكثر من لذته بالغنى، وكان في حال القلة أعظم شكرًا من حال الكثرة.
قال سفيان بن عيينه: ما يكره العبد خير له مما يحب؛ لأن ما يكرهه يهيجه للدعاء، وما يحبه يلهيه.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: انتظار روح الفرج يعني راحته، ونسيمه، ولذته؛ فإن انتظاره، ومطالعته، وترقبه يخفف حمل المشقة ولاسيما عند قوة الرجاء، أو القطع بالفرج؛ فإنه يجد في حشو البلاء من روح الفرج ونسيمه وراحته _ ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج معجل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والعبد هو فقير دائمًا إلى الله من كل وجه؛ من جهة أنه معبوده، وأنه مستعانه، فلا يأتي بالنعم إلا هو، ولا يَصْلُح حال العبد إلا بعبادته. وهو مذنب _ أيضًا _ لا بد له من الذنوب فهو دائمًا فقير مذنب؛ فيحتاج دائمًا إلى الغفور الرحيم؛ الغفور الذي يغفر ذنوبه، والرحيم الذي يرحمه فينعم عليه، ويحسن إليه؛ فهو دائمًا بين إنعام ربه وذنوب نفسه.
كذب رجل على مطرف ابن عبد الله بن الشخير فقال له إن كنت كاذبا فعجل الله حتفك فمات الرجل مكانه
قال البغوي: إن للدعاء آدابا وشرائط، وهي أسباب الإجابة، فمن استكملها كان من أهل الإجابة، ومن أخَلَّ بها فهو من أهل الاعتداء في الدعاء فلا يستحق الإجابة
قال الفَخْرُ الرَّازِي في تفسيره على الآية الكريمة: بَيَّنَ الله تعالى أن الذين يَدْعُونَ الله فريقان، أحدهما: يكون دُعَاؤهُمُ مَقْصُوراً على طَلَبِ الدُّنْيَا، والثاني: الذين يَجْمَعُونَ في الدُّعَاءِ بين طَلَبِ الدُّنْيَا وطَلَبِ الآخِرَةِ، وقد كان في التَّقْسِيمِ قِسْمٌ ثالث، وهو من يكون دُعَاؤهُ مَقْصُوراً على طَلَبِ الآخِرَةِ، واختلفوا في هذا القسم هل مَشْرُوعٌ أمْ لاَ؟ والأكثرون على أنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ 0
قال ابن رجب الحنبلي: الدُّعَاءُ سَبَبٌ مُقْتَضٍٍ للإجابة مع استكمال شرائطه وانتفاء موانعه، وقد تَتَخَلَّف إجابته لانتفاء بعض شروطه أو وجود بعض موانعه، ومن أعظم شرائطه حضور القلب
من وصايا الشيخ عبد العزيز بن باز قال: الأفضل للإمام في دُعَاءِ القُنُوتِ تحري الكلمات الجامعة وعدم التَّطْوِيلِ على النَّاس، ويقرأ: اللهم اهدنا فيمن هديت الذي ورد في حديث الحسن في القنوت ويزيد معه ما يتيسر من الدَّعَوَاتِ الطَّيِبَةِ كما زاد عُمر، ولا يَتَكَلَّفُ ولا يُطَوِّلُ عَلَى النَّاسِ ولا يَشُقَ عليهم
قال ابن قُدَامَة اَلْمَقْدِسِيُّ: في اِتْبَاعِ السُّنَّةِ بَرَكَةُ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ، وَرِضَى الرَّبِّ سبحانه، وَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ، وَرَاحَةُ القَلْبِ، ودَعَةُ البَدَنِ، وتَرْغِيمُ الشَّيْطَانِ، وسُلُوكُ الصِّراطُ المُسْتَقِيمِ
قال قَتَادَة : إنَّ الله إنَّمَا يُتَقَرَّبُ إليه بطاعته، فما كان من دُعَائِكُمُ الله فَلْيَكُنْ في سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَحُسْنِ سَمْتٍ وَهُدَيً وَحُسْنِ دَعَةٍ 0
عن الحسن قال: لقد كان المسلمون يَجْتَهِدُونَ في الدُّعَاءِ وما يُسْمَعُ لهم صَوْتٌ، إنْ كان إلا هَمْسًا بينهم وبين ربِّهِمُ، وذلك أن الله تعالى يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وذلك أن الله تعالى ذَكَرَ عَبْداً صَالِحاً فَرَضِيَّ له قَوْلُهُ، فقال: {إذْ نَادَىَ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًا} مريم
قيل للحسن البصري: إنَّهم يَضُجُونُ في القنوت، فقال: أخطأوا السُّنَّة، كان عُمر يَقْنُتُ ويُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يقول تعالى: لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل حملته إياه تصدع وخشع من ثقله ومن خشية الله، فأمر الله عز وجل الناس إذا أنزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع فالعَجَبُ كل العَجَبِ من مُصَلٍّ عظمة غفلته أثناء قراءة الإمام للقرآن الكريم، ومن فَلْتَتِهِ ويَقَظَتِهِ عندما يشرع الإمام في الدُّعَاء، فهل كلام البشر أشَّدُ أثراَ في نفسه من كلام الله تعالى؟!
قال الخطابي: ومما يجب أن يراعى في الأدعية الإعراب الذي هو عماد الكلام، وبه يستقيم المعنى، وبعدمه يختل ويفسد.
قال الخطابي رحمه الله: وأول من أنكر ابن عباس فإنه سمع رجلاً يقول عند الكعبة: يا ربَّ القرآن فقال: مَهْ! إن القرآن لا ربَّ له؛ إن كل مربوب مخلوق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة، وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين، ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين _ كان ذلك حسنًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ينبغي للخَلْقِ أن يَدْعُوا بالأدعية المشروعة التي جاء بِهَا الكتاب والسُّنَّة، فإنَّ ذلك لاريب في فضله وحُسْنه، وأنَّه الصراط المستقيم، صراط الذين أنْعَمَ الله عليهم من النَّبِيينَ والصِّدِيِقينَ والشُّهَدَاءِ والصَّالِحِيَن، وحَسُنَ أولئك رفيقا
قال ابن القيم في الفوائد: جُمِعَ في هذا الدُّعَاء بين حقيقة التَّوْحِيدِ، وإظهار الفَقْرِ والفَاقَةِ إلى ربَّهِ، وَوَجُودِ طَعْمُ المَحَبَّةِ في التَّمَلُّقِ لَهُ سُبْحَانَه، والإقْرَارِ لَهُ بِصِفَةِ الرَّحْمَةِ، وأنَّه أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، والتَّوْسُلُ إليه بصفاته سبحانه، وشِدَّةِ حَاجَتِهِ هُوَ وَفَقْرِهِ، وَمَتَى وَجَدَ اَلْمُبْتَلَى هذا كُشِفَتْ بَلْوَاهُ
قال الفَخْرُ الرَّازي: من أراد الدُّعَاءَ فلا بد أن يُقَدِّمَ عليه ذِكْرُ الثَّنَاءِ على الله تعالى، فَهَهُنَا يوسف عليه السلام لما أراد أن يَذْكُرَ الدُّعَاء قَدَّمَ عليه الثَّنَاء وهو قوله {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} ثم ذَكَرَ عَقِبَهُ الدُّعَاء وهو قوله {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَألْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الدُّعَاءُ على جِنْسِ الظَّالِمِينَ الكُفَّار مَشْرُوعٌ مَأمُورٌ بِهِ، وشُرِعَ القُنُوتُ والدُّعَاءُ للمؤمنين، والدُّعَاءُ على الكَافِرِين
قال القرطبي : يُستحب للداعي أن يقول في آخر دعائه كما قال أهل الجنَّة {وآخر دعواهم أن الحمد لله ربِّ العالمين} (يونس/ 10)
عن الشافعي قال: بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد. فالظالم خاسر مغبون؛ لأن الله هو الذي يقتص منه، فمهما أوتي الظالم من قوة وجبروت، فهذا كله لا يمنعه من عقاب الله جل وعلا قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنّ اللّهَ غَافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ إِنّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ) [إبراهيم:42، 43]
قال ابن سعدي: "يخبر تعالى أنه أهلك الأمم الماضية بظلمهم وكفرهم، بعدما جاءتهم البينات على أيدي الرسل تبين الحق فلم ينقادوا لها ولم يؤمنوا، فأحل بهم عقابه الذي لا يرد عن كل مجرم متجرئ على محارم الله، وهذه سننه في جميع الأمم".
قال ميمون بن مهران: إن الرجل يقرأ القرآن وهو يلعن نفسه، قيل له: وكيف يلعن نفسه؟! قال: يقول: {أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} وهو ظالم.
قال القرطبي رحمه الله: "يملي: يطيل في مدّته، ويصحّ بدنه، ويكثر ماله وولده ليكثر ظلمُه، كما قال تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً} [آل عمران:128]، وهذا كما فعل الله بالظلمة من الأمم السالفة والقرون الخالية، حتى إذا عمّ ظلمهم وتكامل جرمهم أخذهم الله أخذة رابية، فلا ترى لهم من باقية، وذلك سنة الله في كلّ جبار عنيد".
قال ابن سعدي: "لما ذكر الله عذاب الظالمين في القيامة أخبر أن لهم عذاباً دون عذاب يوم القيامة، وذلك شامل لعذاب الدنيا بالقتل والسبي والإخراج من الديار، ولعذاب البرزخ والقبر".
قيل لما حبس خالد بن برمك و ولده قال: يا أبتي بعد العز صرنا في القيد و الحبس فقال: يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها و لم يغفل الله عنها و كان يزيد بن حكيم يقول: ما هبت أحدا قط هيبتي رجلا ظلمته و أنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله يقول لي: حسبي الله: الله بيني و بينك.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : من علامات صحة القلب : أن يرتحل عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة، ويحل فيها حتى يبقى كأنه من أهلها وأبنائها، جاء إلى هذه الدار غريبا يأخذ منها حاجته، ويعود إلى وطنه،