فوائد من كتاب الرقائق الجزء الخامس
حكمــــــة
قال ابن رَجَبٍ: اعلم أن سُؤالَ الله عَزَّ وجَلَّ دُونَ خَلْقِهِ هو اِلْمُتَعَيِنُ، لأن السؤال فيه إظهار الذُلِّ من السائل والمَسْكَنَةِ والحَاجَةِ والافْتِقَارِ، وفيه الاعتراف بِقُدْرَةِ المَسْؤولِ على رَفْعِ هذا الضُّرِّ ونَيْلِ المطلوب، وجَلْبِ المَنَافِعِ ودَرْءِ المَضَارِ، ولا يَصْلُحُ الذُلُّ والافْتِقَارُ إلا لله وحده لأنه حقيقة العبادة
حكمــــــة
قال ابن رجب رحمه الله يقول: إن المؤمن إذا استبطأ الفرج ويئس منه ولا سيما بعد كثرة الدعاء وتضرعه ولم يظهر له أثر الإجابة، رجع إلى نفسه باللائمة يقول لها إنما أتيت من قبلك، ولو كان فيك خيرا لأُجبت، وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات، فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه، واعترافه له بأنه ليس بأهل لإجابة دعائه، فلذلك يسرع إليه حين إذ إجابة الدعاء، وتفريج الكرب، فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله، وعلى قدر الكسر يكون الجبر.
حكمــــــة
قال ابن القيم - رحمه الله -: التوحيد مَفْزَعُ أعدائه وأوليائه؛ فأما أعداؤه فينجيهم من كُرب الدنيا وشدائدها: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت / 65]، وأما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها
حكمــــــة
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: إذا جمع الداعي مع الدعاء حضور القلب وصادف وقتاً من أوقات الإجابة الستة وهي:-الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبة، وعند صعود الإمام المنبر يوم الجمعة حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد عصر يوم الجمعة أيضاً) وصادف خشوعاً في القلب وانكساراً بين يدي الرب وذلاً وتضرعاً ورِِقة واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله وبدأ بحمد الله والثناء عليه وثنى بالصلاة على عبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ثم دخل على الله وألحّ عليه في المسألة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده وقدم بين يدي دعائه صدقة؛ فإن هذا الدعاء لا يكاد يُرد أبداً..
حكمــــــة
قال بعض العلماء: كان بين الدعاء والإجابة أربعون سنة. (فعلى المؤمن أن يدعو الله، وأن يلح على الله في الدعاء، ولا يعجل في الإجابة، وينتظر الفرج من الله، واللائق بالعبد أن يلازم الدعاء ويستمر فيه، ولا ييأس ولا يستعجل، لأنه لا يدري أين المصلحة، فقد تكون المصلحة في تأخير إجابة الدعاء، وقد تكون المصلحة في ادخار الأجر له في الآخرة، وقد تكون المصلحة في دفع بلاءٍ عنه بقدر دعائه، فعلى العبد أن لا يسأم من الدعاء، ولا يكل من ذلك، وأيضاً يجب عليه ألا يتعجل بل يكل الأمر لله تعالى فهو أرحم بالعبد من نفسه، فيترك الأمر لله عز وجل العالم بخفايا الأمور، العالم بحقائقها سبحانه، فهو عالم الغيب والشهادة،
حكمــــــة
سُئِلَ إبراهيم بن أدهم -رحمه الله-: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ فقال: لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء: عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول ولم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن ولم تعملوا به، وأكلتم نِعَم الله ولم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار ولم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان ولم تحاربوه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات ولم تعتبروا بها، وانتبهتم من نومكم فاشتغلتم بعيوب الناس وتركتم عيوبكم.
حكمــــــة
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فقضاؤه لعبده المؤمن عطاء وإن كان في صورة المنع، ونعمة وإن كان في صورة محنة، وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية. ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل، وكان ملائمًا لطبعه. ولو رزق من المعرفة حَظًّا وافرًا لعدَّ المنع نعمة، والبلاء رحمة، وتلذذ بالبلاء أكثر من لذته بالعافية، وتلذذ بالفقر أكثر من لذته بالغنى، وكان في حال القلة أعظم شكرًا من حال الكثرة.
حكمــــــة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والعبد هو فقير دائمًا إلى الله من كل وجه؛ من جهة أنه معبوده، وأنه مستعانه، فلا يأتي بالنعم إلا هو، ولا يَصْلُح حال العبد إلا بعبادته. وهو مذنب _ أيضًا _ لا بد له من الذنوب فهو دائمًا فقير مذنب؛ فيحتاج دائمًا إلى الغفور الرحيم؛ الغفور الذي يغفر ذنوبه، والرحيم الذي يرحمه فينعم عليه، ويحسن إليه؛ فهو دائمًا بين إنعام ربه وذنوب نفسه.
حكمــــــة
قال الفَخْرُ الرَّازِي في تفسيره على الآية الكريمة: بَيَّنَ الله تعالى أن الذين يَدْعُونَ الله فريقان، أحدهما: يكون دُعَاؤهُمُ مَقْصُوراً على طَلَبِ الدُّنْيَا، والثاني: الذين يَجْمَعُونَ في الدُّعَاءِ بين طَلَبِ الدُّنْيَا وطَلَبِ الآخِرَةِ، وقد كان في التَّقْسِيمِ قِسْمٌ ثالث، وهو من يكون دُعَاؤهُ مَقْصُوراً على طَلَبِ الآخِرَةِ، واختلفوا في هذا القسم هل مَشْرُوعٌ أمْ لاَ؟ والأكثرون على أنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ 0
حكمــــــة
من وصايا الشيخ عبد العزيز بن باز قال: الأفضل للإمام في دُعَاءِ القُنُوتِ تحري الكلمات الجامعة وعدم التَّطْوِيلِ على النَّاس، ويقرأ: اللهم اهدنا فيمن هديت الذي ورد في حديث الحسن في القنوت ويزيد معه ما يتيسر من الدَّعَوَاتِ الطَّيِبَةِ كما زاد عُمر، ولا يَتَكَلَّفُ ولا يُطَوِّلُ عَلَى النَّاسِ ولا يَشُقَ عليهم
حكمــــــة
عن الحسن قال: لقد كان المسلمون يَجْتَهِدُونَ في الدُّعَاءِ وما يُسْمَعُ لهم صَوْتٌ، إنْ كان إلا هَمْسًا بينهم وبين ربِّهِمُ، وذلك أن الله تعالى يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وذلك أن الله تعالى ذَكَرَ عَبْداً صَالِحاً فَرَضِيَّ له قَوْلُهُ، فقال: {إذْ نَادَىَ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًا} مريم
حكمــــــة
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يقول تعالى: لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل حملته إياه تصدع وخشع من ثقله ومن خشية الله، فأمر الله عز وجل الناس إذا أنزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع فالعَجَبُ كل العَجَبِ من مُصَلٍّ عظمة غفلته أثناء قراءة الإمام للقرآن الكريم، ومن فَلْتَتِهِ ويَقَظَتِهِ عندما يشرع الإمام في الدُّعَاء، فهل كلام البشر أشَّدُ أثراَ في نفسه من كلام الله تعالى؟!
حكمــــــة
قال ابن القيم في الفوائد: جُمِعَ في هذا الدُّعَاء بين حقيقة التَّوْحِيدِ، وإظهار الفَقْرِ والفَاقَةِ إلى ربَّهِ، وَوَجُودِ طَعْمُ المَحَبَّةِ في التَّمَلُّقِ لَهُ سُبْحَانَه، والإقْرَارِ لَهُ بِصِفَةِ الرَّحْمَةِ، وأنَّه أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، والتَّوْسُلُ إليه بصفاته سبحانه، وشِدَّةِ حَاجَتِهِ هُوَ وَفَقْرِهِ، وَمَتَى وَجَدَ اَلْمُبْتَلَى هذا كُشِفَتْ بَلْوَاهُ
حكمــــــة
قال الفَخْرُ الرَّازي: من أراد الدُّعَاءَ فلا بد أن يُقَدِّمَ عليه ذِكْرُ الثَّنَاءِ على الله تعالى، فَهَهُنَا يوسف عليه السلام لما أراد أن يَذْكُرَ الدُّعَاء قَدَّمَ عليه الثَّنَاء وهو قوله {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} ثم ذَكَرَ عَقِبَهُ الدُّعَاء وهو قوله {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَألْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} 0
حكمــــــة
عن الشافعي قال: بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد. فالظالم خاسر مغبون؛ لأن الله هو الذي يقتص منه، فمهما أوتي الظالم من قوة وجبروت، فهذا كله لا يمنعه من عقاب الله جل وعلا قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنّ اللّهَ غَافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ إِنّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ) [إبراهيم:42، 43]
حكمــــــة
قال القرطبي رحمه الله: " يملي: يطيل في مدّته، ويصحّ بدنه، ويكثر ماله وولده ليكثر ظلمُه، كما قال تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً} [آل عمران:128]، وهذا كما فعل الله بالظلمة من الأمم السالفة والقرون الخالية، حتى إذا عمّ ظلمهم وتكامل جرمهم أخذهم الله أخذة رابية، فلا ترى لهم من باقية، وذلك سنة الله في كلّ جبار عنيد ".