فوائد من سير السلف الجزء الرابع
حكمــــــة
قال محمد بن حرب المكي: قدم علينا أبو عبد الرحمن العمري الزاهد، فاجتمعنا إليه، وأتاه وجوه أهل مكة فرفع رأسه فلما نظر إلى القصور المحدقة بالكعبة نادى بأعلى صوته: يا أصحاب القصور المشيدة، اذكروا ظلمة القبور الموحشة، يا أهل التنعم والتلذذ اذكروا الدود وبلاء الأجساد في التراب فغلبته عيناه فقام.
حكمــــــة
قال يوسف بن أسباط: عجبت كيف تنام عين مع المخافة، أو يغفل قلب مع اليقين بالمحاسبة، من عرف وجرب حق الله على عباده لم تستحل عيناه أحدا إلا بإعطاء المجهود من نفسه، خلق الله القلوب مساكن للذكر فصارت مساكن للشهوات، الشهوات مفسدة للقلوب، وتلف للأموال، إخلاق الوجوه، لا يمحو الشهوات من القلوب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق.
حكمــــــة
قال سلمة بن شبيب: كنا عند أحمد بن حنبل إذ جاءه شيخ معه عكازه فسلم وجلس، فقال: من منكم أحمد؟ فقال أحمد: أنا، ما حاجتك؟ قال: ضربت إليك من أربع مائة فرسخ، أريت الخضر في المنام فقال لي: قم فصل إلى أحمد بن حنبل فأقرئه السلام، وقل له: ساكن السماء والملائكة الذين في السماء راضون عنك بما صبرت نفسك لله، قلت: لا أعرفه، قال: تأتي بغداد فتسأل عنه، قال أحمد: ما شاء الله، ثم قام وخرجنا من المسجد، فقلنا للرجل: ألك حاجة؟ قال: لا، كانت أمانة فأديتها.
حكمــــــة
قال إدريس الحداد: لما كان المحنة وصرف أحمد إلى بيته حمل إليه مال جليل وهو محتاج إلى رغيف يأكله، فرد جميع ذلك ولم يقبل منه قليلا ولا كثيرا، قال: فجعل عمه إسحاق يحسب ما رد فإذا هو خمس مائة ألف، فقال له: يا عم أراك مشغولا بحساب، فقال: قد رددت اليوم كذا وكذا، وأنت محتاج إلى حبة، فقال: يا عم لو طلبنا لم يأتنا وإنما أتانا لما تركنا
حكمــــــة
روي عن شقيق البلخي، قال: دخل الفساد في الخلق من ستة أشياء: أوله: ضعف النية في عمل الآخرة، والثاني: صارت أبدانهم رهينة بشهواتهم، والثالث: غلب طول الأمل على قرب أجلهم، والرابع: اتبعوا أهواءهم ونبذوا سنة رسولهم صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، والخامس: آثروا رضا المخلوقين فيما يشتهون على رضا خالقهم فيما يكرهون، والسادس: جعلوا زلات السلف دينا ومناقبا لأنفسهم.
حكمــــــة
قال أبو منصور معمر: بلغني أنه كان يختلف كل ليلة إلى الجبل بعد فراغه من العمل، وكان بناء يكسب في كل يوم ثلاثة دراهم وثلثا، فيأخذ من ذلك لنفقته دانقا ويتصدق بالباقي، ويختم مع العمل كل يوم ختمة، فإذا صلى العتمة في مسجده خرج إلى الجبل إلى قريب الصبح ثم يرجع إلى العمل، وكان يقول في الجبل: يارب إما أن تهب لي معرفتك أو تأمر الجبل أن ينطبق علي فإني لا أريد الحياة بلا معرفتك.