فوائد من سير السلف الجزء الرابع
قال محمد بن حرب المكي: قدم علينا أبو عبد الرحمن العمري الزاهد، فاجتمعنا إليه، وأتاه وجوه أهل مكة فرفع رأسه فلما نظر إلى القصور المحدقة بالكعبة نادى بأعلى صوته: يا أصحاب القصور المشيدة، اذكروا ظلمة القبور الموحشة، يا أهل التنعم والتلذذ اذكروا الدود وبلاء الأجساد في التراب فغلبته عيناه فقام.
قال ذو النون المصري: تسمعوا ليلا على أبي موسى الداراني فسمعوه يقول: يارب إن طالبتني بسريرتي طالبتك بتوحيدك، وإن طالبتني بذنوبي طالبتك بكرمك، وإن جعلتني من أهل النار أخبرت أهل النار بحبي إياك.
قال أبو سليمان: من أحسن في نهاره كفي في ليله، ومن أحسن في ليله كفي في نهاره، ومن صدق في ترك شهوة كفي مؤنتها، وكان الله أكرم من أن يعذب قلبا بشهوة تركت له.
قال أبو سليمان لو توكلنا على الله ما بنينا الحائط، ولا جعلنا لباب الدار غلقا مخافة اللصوص.
سأل رجل أبا سليمان عن أقرب ما يتقرب به العبد إلى الله , فبكى وقال: مثلك يسأل عن هذا! أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى، أن يطلع على قلبك، وأنت لا تريد من الدنيا والآخرة غيره.
قال ابن أبي قلت لأبي سليمان: لم أوتر البارحة ولم أصلي ركعتي الفجر، ولم أصل الصبح في جماعة، قال: بما كسبت يداك: وما الله بظلام للعبيد. شهوة أصبتها.
قال أبو سليمان: الدنيا تطلب الهارب منها، وتهرب من الطالب لها، فإن أدركت الهارب منها جرحته، وإن أدركها الطالب لها قتلته.
قال أبو سليمان: مفتاح الآخرة الجوع، ومفتاح الدنيا الشبع، وأصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله.
قال أبو سليمان: كنت ليلة باردة في المحراب فأقلقني البرد فخبأت إحدى يدي من البرد، وبقيت الأخرى ممدودة فغلبتني عيني فهتف بي هاتف: يا أبا سليمان قد وضعنا في هذه ما أصابها ولو كانت الأخرى لوضعنا فيها، فآليت على نفسي أن لا أدعوا إلا ويداي خارجتان حرا كان أو بردا.
قال أبو سليمان: العيال يضعفن يقين الرجل، لأنه إذا كان وحده فجاع فرح، وإذا كان له عيال طلب لهم، وإذا جاع الطالب فقد ضعف اليقين.
قال ابن أبي الحواري قال لي سليمان: يا أحمد إني أحدثك بحديث، فلا تحدث به حتى أموت: نمت ذات ليلة عن وردي فإذا بحوراء تنبهني وتقول: يا أبا سليمان تنام وأنا أربى لك في الخدور منذ خمس مائة عام.
قال أبو سليمان: إذا جاءت الدنيا إلى القلب ترحلت الآخرة، وإذا كانت الدنيا في القلب لم تجئ الآخرة تزحمها، وإذا كانت الآخرة في القلب جاءت الدنيا تزحمها، لأن الدنيا لئيمة والآخرة عزيزة.
قال أبو سليمان: إذا لم يبق في قلبه من الشهوات شيء جاز له أن يتدرع عباءة ويلزم الطريق، لأن العباءة علم من أعلام الزهد، ولو أنه ستر زهده بثوبين أبيضين يخلطه بالناس كان أسلم له.
قال أبو سليمان: كيف يترك الدنيا من تأمرونه بترك الدنيا والدرهم، وهم إذا ألقوها أخذتموها أنتم.
قال أبو سليمان: لا غنى كغنى النفس، ولا نعمة كالعافية من الذنوب، ولا عافية كمساعدة التوفيق.
محمد بن جعفر , قال " سئل الفضيل بن عياض عن التواضع فقال: تخضع للحق وتنقاد له، وتقبل الحق بكل من تسمعه منه ".
قال الفضيل: أصل الزهد الرضا عن الله عز وجل وقال: إني لا أعتقد أخا الرجل في الرضا، ولكن أعتقد أخاه في الغضب إذا أغضبته.
قال عبد الله بن محمد الكرماني: دخلت على محمد بن النضر الحارثي , فقلت له: كأنك تكره مجالسة الناس، قال: أجل، قلت: أما تستوحش، قال: كيف أستوحش وهو يقول: «أنا جليس من ذكرني» ! .
قال أبو زبيد: اختفى عندي محمد بن النضر من يعقوب بن داود في هذه العلية أربعين ليلة فما رأيته نائما ليلا ولا نهارا.
قال محمد بن النضر: ما من عامل يعمل لله في الدنيا إلا وله من يعمل في الدرجات، فإذا أمسك أمسكوا، فيقال: ما لكم قصرتم فيقولون: صاحبنا لاه.
قال يوسف بن أسباط: عجبت كيف تنام عين مع المخافة، أو يغفل قلب مع اليقين بالمحاسبة، من عرف وجرب حق الله على عباده لم تستحل عيناه أحدا إلا بإعطاء المجهود من نفسه، خلق الله القلوب مساكن للذكر فصارت مساكن للشهوات، الشهوات مفسدة للقلوب، وتلف للأموال , إخلاق الوجوه، لا يمحو الشهوات من القلوب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق.
قال يوسف: الزهد في الرياسة أشد من الزهد في الدنيا. وقال: يرزق الصادق ثلاث خصال: الحلاوة , والملاحة , والمهابة.
قال محمد بن فضيل البلخي: كنت أتناول أحمد بن حنبل فوجدت في لساني ألما فاغتممت، ثم وضعت رأسي فنمت، فأتاني آت فقال: هذا الذي وجدت في لسانك بتناولك الرجل الصالح، قال: فانتهيت فجعلت أستغفر الله وأتوب إليه، ولا أعود إلى شيء منه، قال: فذهب ذلك الألم.
سئل بشر بن الحارث , عن أحمد بن حنبل , بعد المحنة فقال: ابن حنبل أدخل الكير فخرج ذهبا أحمر.
قال سلمة بن شبيب: كنا عند أحمد بن حنبل إذ جاءه شيخ معه عكازه فسلم وجلس، فقال: من منكم أحمد؟ فقال أحمد: أنا، ما حاجتك؟ قال: ضربت إليك من أربع مائة فرسخ، أريت الخضر في المنام فقال لي: قم فصل إلى أحمد بن حنبل فأقرئه السلام، وقل له: ساكن السماء والملائكة الذين في السماء راضون عنك بما صبرت نفسك لله، قلت: لا أعرفه، قال: تأتي بغداد فتسأل عنه، قال أحمد: ما شاء الله، ثم قام وخرجنا من المسجد، فقلنا للرجل: ألك حاجة؟ قال: لا، كانت أمانة فأديتها.
قال أبو داود السجستاني: كانت مجالسة أحمد بن حنبل مجالسة الآخرة، لا يذكر فيها من أمر الدنيا، ما رأيت أحمد بن حنبل ذكر الدنيا قط.
قال أبو بكر المروذي: لما حبسوا أحمد بن حنبل في السجن جاءه السجان , فقال: يا أبا عبد الله الحديث الذي روي في الظلمة وأعوانهم صحيح؟ قال: نعم، قال السجان: فأنا من أعوان الظلمة؟ قال له: أعوان الظلمة من يأخذ شعرك ويغسل ثوبك ويصلح طعامك ويبيع ويشتري منك، فأما أنت فمن أنفسهم.
قال إدريس الحداد: لما كان المحنة وصرف أحمد إلى بيته حمل إليه مال جليل وهو محتاج إلى رغيف يأكله، فرد جميع ذلك ولم يقبل منه قليلا ولا كثيرا، قال: فجعل عمه إسحاق يحسب ما رد فإذا هو خمس مائة ألف، فقال له: يا عم أراك مشغولا بحساب، فقال: قد رددت اليوم كذا وكذا، وأنت محتاج إلى حبة، فقال: يا عم لو طلبنا لم يأتنا وإنما أتانا لما تركنا
قال هلال بن العلاء: أربعة لهم منة على الإسلام: أحمد بن حنبل أبو عبد الله حيث ثبت في المحنة، فلم يقل بخلق القرآن، وأبو عبد الله الشافعي , حيث بنى الفقه على الكتاب والسنة، وأبو القاسم ابن سلام , حيث فسر غرائب حديث النبي صلى الله عليه وسلم وأبو زكريا يحيى بن معين , حيث بين الصحيح من السقيم.
قال محمد بن موسى: حمل إلى الحسن بن عبد العزيز ميراثه من مصر فحمل إلى أحمد بن حنبل ثلاثة أكياس في كل كيس ألف دينار فقال: يا أبا عبد الله هذه من ميراث حلال فخذها فاستعن بها على عيلتك، قال: لا حاجة لي بها. أنا في كفاية فردها ولم يقبل منها شيئا.
قال الأنماطي: كنا في مجلس فيه يحيى بن معين , وأبو خيثمة , وجماعة من كبار العلماء فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل ويذكرون فضائله، فقال رجل: لا تكثروا، فقال يحيى بن معين: وكثرة الثناء على أحمد تستنكر! لو جلسنا مجالسنا بالثناء عليه ما ذكرنا فضائله بكمالها.
قال ابن أبي الحواري: شكوت إلى أبي سليمان قساوة قلبي وإني قد نمت عن جزئي، فقال: بما كسبت يداك، وما الله بظلام للعبيد شهوة أصبتها.
قال ابن أبي الحواري حدثنا أبو الموفق الأردني , قال: قال الله عز وجل " لو أن ابن آدم لم يرج غيري ما وكلته إلى غيري، ولو أن ابن آدم لم يخف غيري ما أخفته من غيري.
سئل أحمد بن عاصم عن الإخلاص , قال: إذا عملت عملا صالحا فلم تحب أن تذكر به وتعظم من أجل عملك، ولا تطلب ثواب عملك من أحد سواه، فذلك إخلاص عملك ".
قال أحمد بن عاصم: اليقين نور، يجعله الله في قلب العبد حتى يشاهد به أمور آخرته، ويخرق بقوته كل حجاب بينه وبين ما في الآخرة، حتى يطالع أمور الآخرة كالمشاهد لها.
قال الجنيد: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه.
قال الجنيد: قد مشى رجال باليقين على الماء، ومات على العطش أفضل منهم يقينا وقال: من عرف الله لا يسر إلا به.
قال حاتم: أربعة يندمون على أربع: المقصر إذا فاته العمل، والمنقطع عن أصدقائه إذا نابته نائبة، والممكن منه عدوه بسوء رأيه، والجريء على الذنوب.
قال حاتم: تعهد نفسك في ثلاثة مواضع: إذا عملت فاذكر نظر الله إليك، وإذا تكلمت فاذكر سمع الله إليك، وإذا سكت فاذكر علم الله فيك.
قال حاتم: من ادعى ثلاثا بغير ثلاث فهو كذاب: من ادعى حب الله من غير ورع عن محارمه فهو كذاب، ومن ادعى حب الجنة من غير إنفاق ماله فهو كذاب، ومن ادعى حب النبي صلى الله عليه وسلم من غير محبة الفقراء فهو كذاب.
قال حاتم: الجهاد ثلاثة: جهاد في سرك مع الشيطان حتى تكسره، وجهاد في العلانية في أداء الفرائض حتى تؤديها كما أمره الله عز وجل، وجهاد مع أعداء الله في عز الإسلام.
قال حاتم: النصيحة للخلق إذا رأيت إنسانا في الحسنة أن تخشى عليه، وإذا رأيته في معصية أن ترحمه.
قال حاتم: المنافق ما أخذ من الدنيا يأخذ بحرص، ويمنع بالشك، وينفق بالرياء، والمؤمن يأخذ بالخوف، ويمسك بالشدة، وينفق خالصا في الطاعة.
قال حاتم: يقال: العجلة من الشيطان، إلا في خمس: إطعام الطعام إذا حضر ضيف، وتجهيز الميت إذا مات، وتزويج البكر إذا أدركت، وقضاء الدين إذا وجب، والتوبة من الذنب إذا أذنب.
سئل ذو النون عن المحبة , فقال أن تحب ما أحب الله وتبغض ما أبغض الله، وتفعل الخير، وترفض كل ما يشغل عن الله، وأن لا تخاف في الله لومة لائم، مع العطف للمؤمنين والغلظة للكافرين واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين.
قال ذو النون: قال الله تعالى «من كان لي مطيعا كنت له وليا، فليثق بي وليحكم علي، فوعزتي لو سألني زوال الدنيا لأزلتها عنه»
قال ذو النون: الأنس بالله من صفاء القلب مع الله، وقال: لم أر شيئا أبعث لطلب الإخلاص من الوحدة، لأنه إذا خلا لم ير غير الله سبحانه، فإذا لم ير غير الله سبحانه لم يحركه إلا حكم الله، ومن أحب الخلوة فقد تعلق بعمود الإخلاص، واستمسك بركن كبير من أبواب الصدق.
قال ذو النون: لم أر أجهل من طبيب يداوي سكرانا في وقت سكره، يعني يترك حتى يفيق، فيداوى بالتوبة وفي رواية: لا يكون لسكره دواء حتى يفيق.
قال ذو النون: الصدق سيف الله في أرضه، وما وضع على شيء إلا قطعه. ومن تزين بعمله كانت حسناته سيئات.
قال ذو النون: الأنس بالله نور ساطع، والأنس بالخلق غم واقع. وقال: مفتاح العبادة الفكر، وعلامة الهوى متابعة الشهوات، وعلامة التوكل انقطاع المطامع.
قال ذو النون: كان الرجل من أهل العلم يزداد بعلمه بغضا للدنيا وتركا لها، فاليوم يزداد الرجل بعلمه للدنيا حبا ولها طلبا، كان الرجل ينفق ماله على علمه، فيكسب اليوم الرجل بعلمه مالا، وكان يرى على طالب العلم زيادة في باطنه وظاهره، فاليوم يرى على كثير من أهل العلم فساد الباطن والظاهر.
قيل لرويم: هل ينفع الولد صلاح الوالدين؟ فقال: من لم يكن بنفسه لا يكون بغيره، بل من لم يكن بربه لا يكون بنفسه.
قال أبو عثمان لا يكمل الرجل حتى يستوي قلبه في أربعة أشياء: في المنع والعطاء، والعز والذل. وقال أبو عثمان: تعززوا بعز الله كي لا تزلوا.
قال أبو عثمان: صلاح القلب في أربعة خصال: في التواضع لله , والفقر إلى الله , والخوف من الله , والرجاء في الله. وقال: أصل العداوة من ثلاثة أشياء: من الطمع في المال، والطمع في إكرام الناس، والطمع في قبول الناس.
قال أبو عثمان: العجب يتولد من رؤية النفس، وقال: الخوف من الله يوصلك إلى الله، والعجب في نفسك يقطعك عن الله، واحتقار الناس في نفسك مرض عظيم لا يداوى.
قال أبو عثمان: الزهد في الحرام فريضة، وفي المباح فضيلة، وقال أنت في سجن ما تبعت مرادك وشهواتك، فإذا فوضت وسلمت استرحت.
قال السري: من أراد أن يسلم دينه، ويستريح قلبه، ويقل غمه، فليعتزل الناس، لأن هذا زمان عزلة، ووحدة.
قال السري: من لم يعرف قدر النعم سلبها من حيث لا يعلم، وقال: قليل في سنة خير من كثير في بدعة، فكيف يقل عمل مع تقوى؟
قال السري: الأدب ترجمان العقل، وقال: من أطاع من فوقه أطاعه من دونه. وقال: لسانك ترجمان قلبك، ووجهك مرآة قلبك، يتبين على الوجه ما تضمر القلوب.
روي عن شقيق البلخي , قال: دخل الفساد في الخلق من ستة أشياء: أوله: ضعف النية في عمل الآخرة، والثاني: صارت أبدانهم رهينة بشهواتهم، والثالث: غلب طول الأمل على قرب أجلهم، والرابع: اتبعوا أهواءهم ونبذوا سنة رسولهم صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، والخامس: آثروا رضا المخلوقين فيما يشتهون على رضا خالقهم فيما يكرهون، والسادس: جعلوا زلات السلف دينا ومناقبا لأنفسهم.
قال شقيق البلخي : من أراد أن يعرف معرفته بالله فلينظر إلى ما وعده الله، ووعده الناس بأيهما قلبه أوثق. وقال: ميز بين ما تعطي وتعطى، إن كان من يعطيك أحب إليك فإنك محب للدنيا، وإن كان من تعطيه أحب إليك فأنت محب للآخرة.
قال شقيق البلخي : اتق الأغنياء، فإنك متى عقدت قلبك معهم وطمعت فيهم فقد اتخذتهم ربا من دون الله. وقال: ليس شيء أحب إلي من الضيف لأن رزقه ومؤنته على الله، وأجره لي.
قال شقيق البلخي : إذا أردت أن تكون في راحة فكل ما أصبت، والبس ما وجدت، وارض بما قضى الله عليك، وقال: من دار حول العلو فإنما يدور حول النار، وقال: من دار حول الشهوات فإنه يدور بدرجاته في الجنة ليأكلها في الدنيا.
قال أبو سفيان: إذا رأيت العالم لا يتورع في علمه فليس لك أن تأخذ عنه، وكان يقول: وضعوا مفاتيح الدنيا على الدنيا فلم تنفتح، فوضعوا عليها مفاتيح الآخرة فانفتقت، وقال: ليستيقن الناس أنهم لا يرون في الإسلام فرحا.
قال ابن وهب: جعلت على أن أصوم يوما إن اغتبت أحدا , فهان علي الصوم، فجعلت على نفسي درهم صدقة فأمسكت.
قال عبد الله: من أراد أن يعرف متابعته للحق فلينظر إلى من يخالفه، في مراد له، كيف يجد نفسه عند ذلك، فإن لم يتغير فليعلم أن نفسه متابع للحق.
قال أبو الحسن البوسنجي: الناس على ثلاثة منازل: الأولياء: وهم الذين باطنهم أفضل من ظاهرهم، والعلماء: وهم الذين سرهم وعلانيتهم سواء، والجهال: وهم الذين علانيتهم بخلاف أسرارهم، لا ينصفون من أنفسهم ويطلبون الإنصاف من غيرهم.
قال أبو منصور معمر: بلغني أنه كان يختلف كل ليلة إلى الجبل بعد فراغه من العمل، وكان بناء يكسب في كل يوم ثلاثة دراهم وثلثا، فيأخذ من ذلك لنفقته دانقا ويتصدق بالباقي، ويختم مع العمل كل يوم ختمة، فإذا صلى العتمة في مسجده خرج إلى الجبل إلى قريب الصبح ثم يرجع إلى العمل، وكان يقول في الجبل: يارب إما أن تهب لي معرفتك أو تأمر الجبل أن ينطبق علي فإني لا أريد الحياة بلا معرفتك.
كان ابن معاذ , يقول: " جميع الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة، فكيف يغم عمرك فيها مع قليل نصيبك منها؟
قال يحيى بن معاذ الرازي: خرج الزاهدون من الدنيا بداء لا يشفيهم إلا دخول الجنة، وخرج العارفون من الدنيا بداء لا يشفيهم إلا رؤيته.