فوائد من سير السلف الجزء الاول
حكمــــــة
قال علقمة بن مرثد: كان الأسود يجتهد في العبادة، يصوم حتى يصفر جسده ويخضر، فكان علقمة بن قيس يقول له: لم تعذب هذا الجسد هذا العذاب؟ فيقول: إن الأمر جد، وكرامة هذا الجسد أريد، فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ فقال: ومالي لا أجزع، ومن أحق بذلك مني؟ والله لو أتيت بالمغفرة من الله لهمني الحياء منه مما صنعت، إن الرجل يكون بينه وبين الرجل الذنب العظيم، فيعفو، فلا يزال مستحييا منه حتى يموت.
حكمــــــة
قال حميد بن هلال: كان منا رجل يقال له: الأسود بن كلثوم، وكان إذا مشى لا يجاوز بصره قدميه، فكان يمر بالنسوة، ولعل إحداهن أن تكون واضعة ثوبها أو خمارها، فإذا رأينه راعهن ثم يقلن: كلا إنه الأسود بن كلثوم. فخرج يوما غازيا في خيل، فدخلوا حائطا فبدد بهم العدو، فجاءوا، فأخذوا بثلمة الحائط، فنزل عن فرسه، فضربها حتى عارت، وأتى الماء، فتوضأ، ثم صلى وتقدم، فقال: اللهم إن نفسي هذه تزعم في الرخاء أنها تحب لقاءك، فإن كانت صادقة فارزقها ذلك، وإن كانت كارهة فاحملها عليه، وأطعم لحمي سباعا وطيرا، ثم قاتل حتى قتل، ثم مر أعظم جيش المسلمين بعد ذلك بذلك الحائط، فقيل لأخي الأسود لو دخلت فنظرت ما بقي من عظام أخيك ولحمه، قال: لا، دعا أخي بدعاء فاستجيب له، فلست أعرض من ذلك في شيء.
حكمــــــة
قال إبراهيم إذا رأيت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى، فاغسل يدك منه. وقال ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار، لأن أهل الجنة، قالوا: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} [فاطر: 34]. وينبغي لمن لا يشفق أن لا يكون من أهل الجنة لأنهم قالوا: {إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين} [الطور: 26]. وقال: أعظم الذنب عند الله أن يحدث العبد بما يستره الله عليه.
حكمــــــة
قال عبد الواحد بن يزيد: كنت مع أيوب السختياني على حراء، فعطشت عطشا شديدا حتى رأى ذلك في وجهي، فقال: ما الذي أرى بك؟ قلت: العطش قد خفت على نفسي. قال: تستر علي؟ قلت: نعم. فاستحلفني، فحلفت له أن لا أخبر عنه مادام حيا، فغمز برجله على حراء فنبع الماء فشربت، حتى رويت وحملت معي من الماء، فما حدثت به حتى مات.
حكمــــــة
من كلام أيوب، قال: لا يسود العبد حتى تكون فيه خصلتان: اليأس مما في أيدي الناس، والتغافل عما يكون منهم. وقال رجل من أهل الأهواء لأيوب: أكلمك بكلمة؟ قال: ولا نصف كلمة. وقال: ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله بعدا. وقال: يبلغني موت الرجل من أهل السنة فكأنما يسقط عضو من أعضائي. وقال: وددت أني أفلت من الحديث كفافا.
حكمــــــة
عن بلال بن سعد، كان يقول: " عباد الرحمن، أربع خصال جاريات عليكم من الرحمن عز وجل مع ظلمكم أنفسكم وخطاياكم: أما رزقه فدار عليكم، وأما رحمته فغير محجوبة عنكم، وأما ستره فسابغ عليكم، وأما عقابكم فلم يعجل لكم، ثم أنتم على ذلك تجترئون على إلاهكم، أنتم اليوم تكلمون والله ساكت، ويوشك الله أن يتكلم وتسكتون، ثم يثور من أعمالكم دخان تسود منه الوجوه: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} [البقرة: 281]
حكمــــــة
قال ثابت: اللهم إن أذنت لأحد أن يصلي في قبره فأذن لثابت أن يصلي في قبره. قال جسر أنا والله الذي لا إله إلا هو أدخلت ثابتا البناني لحده ومعي حميد الطويل، فلما سوينا عليه اللبن سقطت لبنة، فإذا أنا به يصلي في قبره، فقلت لحميد: ألا ترى؟ قال: اسكت، فلما فرغنا أتينا ابنته، فقلنا: ما كان عمل ثابت؟ قالت: وما رأيتم؟ فأخبرناها، فقالت: كان يقوم الليل خمسين سنة، فإذا كان السحر قال في دعائه: اللهم إن كنت أعطيت أحدا من خلقك الصلاة في قبره فأعطنيها، فما كان الله ليرد ذلك الدعاء.
حكمــــــة
من وصايا جعفر لابنه موسى: يا بني من قنع بما قسم له استغنى، ومن مد عينه إلى ما في يد غيره مات فقيرا، ومن لم يرض بما قسم له اتهم الله في قضائه، ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه. يا بني: من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن احتفر لأخيه بئرا سقط فيها، ومن داخل السفهاء حقر، ومن خالط العلماء وقر، ومن دخل مداخل السوء اتهم. يا بني: إياك أن تزري بالرجال فيزرى بك، وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل. يا بني: قل الحق لك وعليك. يا بني: كن بالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا، ولمن قطعك واصلا، ولمن سكت عنك مبتدءا، ولمن سألك معطيا، وإياك والنميمة، فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال، وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة المتعرض لعيوب الناس كمنزلة الهدف. يا بني: إذا زرت فزر الأخيار، ولا تزر الفجار، فإنهم صخرة لا ينفجر ماؤها، وشجرة لا يخضر ورقها، وأرض لا يظهر عشبها.
حكمــــــة
قال أبو مرحوم العطار: دخلنا مع الحسن على مريض نعوده فلما جلس عنده قال: كيف تجدك؟ قال: أجدني أشتهي الطعام فلا أقدر أن أسيغه، وأشتهي الشراب فلا أقدر أن أتجرعه، قال: فبكى الحسن، وقال: على الأسقام والأمراض أسست هذه الدنيا، فهبك تصح من الأسقام وتبرأ من الأمراض، هل تقدر على أن تنجو من الموت؟ قال: فارتج البيت من البكاء.
حكمــــــة
قال الحسن: قال رجل: لأعبدن الله عبادة أذكر بها، فكان لا يرى في حين صلاة إلا قائما يصلي، فكان أول داخل المسجد، وآخر خارج، وكان لا يفطر فمكث بذلك سبعة أشهر، فكان لا يمر بقوم إلا قالوا: انظروا إلى هذا المرائي، فأقبل على نفسه فقال: ألا أراني إلا أذكر بالشر، لأجعلن عملي كله لله عز وجل، قال: فلم يزد على أن قلب نيته، ولم يزد على العمل الذي كان يعمل، قال: فكان إذا مر بقوم يقولون: رحم الله فلانا الآن، قال: وتلا الحسن هذه الآية: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} [مريم: 96]. وقال الحسن: بئس الرفيقان: الدينار، والدرهم، لا ينفعانك حتى يرافقانك.
حكمــــــة
عن الحسن، قال: خرج عيسى عليه السلام يستسقي فبرز بهم وقال: جوزوا ولا يجوز عاص، فرجع ناس من الناس، ثم قالها الثانية فرجع ناس من الناس، حتى لم يبق في الجبال إلا رجل واحد أعور، فقال له عيسى بن مريم: مالك ما أصبت ذنبا؟ فقال: أما ذنب أعلمه فلا، إلا أني نظرت إلى امرأة بعيني هذه فلما ولت أتبعتها إياها فبكى عيسى عليه السلام، وقال: أنت صاحبي فدعا عيسى وأمن الرجل فسقوا.
حكمــــــة
روي عن خالد بن صفوان، قال: لقيت مسلمة بن عبد الملك بالحيرة بعد هلاك ابن المهلب، فقال: يا خالد أخبرني عن حسن أهل البصرة، قال: قلت: أنا جاره إلى جنبه وجليسه في حلقته، كان أشبه الناس سريرة بعلانية وأشبه قولا بفعل إن قعد على أمر قام به، وإن قام بأمر قعد عليه، وإن أمر بأمر كان أعمل الناس به، وإن نهى عن شيء كان أترك الناس له، ووجدته مستغنيا عن الناس، ووجدت الناس محتاجين إليه قال: حسبك حسبك، كيف ضل قوم كان هذا فيهم، يعني اتباعهم ابن المهلب.
حكمــــــة
عن عبد الصمد بن سليمان، قال: دخلنا على الحسن وهو في مسجد الحي في يوم شديد الحر، لو طرحت بضعة لاشتوت، وقد ابتل قميصه من العرق حتى لو شئت أن أعصره لانعصر، فقلنا له: يا أبا سعيد لو تحولت إلى الظل. قال: وإني لفي الشمس؟ ما علمت أني فيها، إني ذكرت ذنبا من ذنوبي منذ أربعين سنة فذهبت بي الفكرة ما علمت أفي الظل أنا أم في الشمس.
حكمــــــة
عن عصام بن يزيد، قال: كان رجل من الخوارج يغشى مجلس الحسن فيؤذيهم، فقيل للحسن: يا أبا سعيد ألا تكلم الأمير حتى يصرفه عنا، فسكت عنهم، فأقبل ذات يوم والحسن جالس مع أصحابه، فلما رآه الحسن، قال: اللهم قد علمت أذاه لنا فاكفناه بما شئت، قال: فخر والله الرجل من قامته فما حمل إلى أهله إلا ميتا، فكان الحسن إذا ذكره بكى وقال: البائس ما كان أغره بالله.
حكمــــــة
قال الحسن: إن الناسك إذا تنسك لم يعرف ذلك من قبل منطقه ولكن لم يعرف ذلك إلا في عمله، وذلك العلم النافع. وقال الحسن: يقول الله عز وجل: " ثلاثة مننت بها عليك: بخلت بمالك أيام حياتك حتى إذا خنقتك بالموت جعلت لك من مالك نصيبا يعني الثلث، وأمرت عبادي فصلوا عليك، وسترت عليك ما لم يعلموا، ولو علموا منك ما أعلم لنبذوك وما دفنوك.
حكمــــــة
قال خيثمة تقول الملائكة: يا رب عبدك المؤمن تزوي عنه الدنيا وتعرضه للبلاء فيقول الله تعالى للملائكة: «اكشفوا له عن ثوابه» فإذا رأوا ثوابه قالوا: لا يا رب لا يضره ما أصابه في الدنيا. ويقولون: عبدك الكافر تزوي عنه البلاء وتبسط له الدنيا، فيقول للملائكة: «اكشفوا عن عقابه» فإذا رأوه قالوا: لا ينفعه ما أصابه من الدنيا. قال خيثمة: شيء هو أحلى من العسل ولا ينقطع: الألفة، جعلها الله بين المؤمنين.
حكمــــــة
قال بكر بن ماعز: خرجنا مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ومعنا الربيع فمررنا على حداد، فقام عبد الله فنظر إلى حديدة في النار، فنظر الربيع إليها فتمايل ليسقط، فمضى عبد الله حتى أتينا على أتون بعض الحدادين على شاطئ الفرات، فلما رآه عبد الله تلهب النار في وجهه قرأ هذه الآية: {إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا} [الفرقان: 12]. فصعق الربيع وخر مغشيا عليه، فحمله ابن مسعود إلى داره ورابطه إلى وقت الظهر فلم يفق، ثم صلى بالناس الظهر فرجع إليهم وقال: يا ربيع، يا ربيع، فلم يجب، ورابطه إلى العصر فلم يفق، ثم انطلق وصلى بالناس العصر، فرجع وقال: يا ربيع يا ربيع فلم يفق فرابطه إلى المغرب، ثم صلى بالناس المغرب ورجع إليه فلم يفق، ثم صلى بالناس العشاء الآخرة ورجع إليه، فقال: يا ربيع يا ربيع فلم يجبه ولم يفق حتى ضربه برد السحر.