فوائد من سير السلف الجزء الاول
قال إبراهيم النخعي: كان الأسود يقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلتين، ويختمه في سوى رمضان في ست، وكان علقمة يختمه في خمس.
قال علقمة بن مرثد: كان الأسود يجتهد في العبادة، يصوم حتى يصفر جسده ويخضر، فكان علقمة بن قيس يقول له: لم تعذب هذا الجسد هذا العذاب؟ فيقول: إن الأمر جد، وكرامة هذا الجسد أريد، فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ فقال: ومالي لا أجزع، ومن أحق بذلك مني؟ والله لو أتيت بالمغفرة من الله لهمني الحياء منه مما صنعت، إن الرجل يكون بينه وبين الرجل الذنب العظيم، فيعفو، فلا يزال مستحييا منه حتى يموت.
قال ابن شوذب: يروى أن لله في كل رأس مائة سنة رجلا تام العقل، فكانوا يرون إياس بن معاوية منهم.
قال حميد بن هلال: كان منا رجل يقال له: الأسود بن كلثوم، وكان إذا مشى لا يجاوز بصره قدميه، فكان يمر بالنسوة، ولعل إحداهن أن تكون واضعة ثوبها أو خمارها، فإذا رأينه راعهن ثم يقلن: كلا إنه الأسود بن كلثوم. فخرج يوما غازيا في خيل، فدخلوا حائطا فبدد بهم العدو، فجاءوا، فأخذوا بثلمة الحائط، فنزل عن فرسه، فضربها حتى عارت، وأتى الماء، فتوضأ، ثم صلى وتقدم، فقال: اللهم إن نفسي هذه تزعم في الرخاء أنها تحب لقاءك، فإن كانت صادقة فارزقها ذلك، وإن كانت كارهة فاحملها عليه , وأطعم لحمي سباعا وطيرا، ثم قاتل حتى قتل , ثم مر أعظم جيش المسلمين بعد ذلك بذلك الحائط، فقيل لأخي الأسود لو دخلت فنظرت ما بقي من عظام أخيك ولحمه، قال: لا، دعا أخي بدعاء فاستجيب له، فلست أعرض من ذلك في شيء.
قال إبراهيم إذا رأيت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى، فاغسل يدك منه. وقال ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار، لأن أهل الجنة، قالوا: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} [فاطر: 34] . وينبغي لمن لا يشفق أن لا يكون من أهل الجنة لأنهم قالوا: {إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين} [الطور: 26] . وقال: أعظم الذنب عند الله أن يحدث العبد بما يستره الله عليه.
قال أبو حمزة: لما ظهرت المقالات بالكوفة أتيت إبراهيم، فذكرت له ذلك، فقال: أوه رققوا قولا واخترعوا دينا من قبل أنفسهم، ليس من كتاب الله، ولا من سنة رسوله، لقد تركوا دين محمد، فإياك وإياهم.
قال عبد الواحد بن يزيد: كنت مع أيوب السختياني على حراء، فعطشت عطشا شديدا حتى رأى ذلك في وجهي، فقال: ما الذي أرى بك؟ قلت: العطش قد خفت على نفسي. قال: تستر علي؟ قلت: نعم. فاستحلفني، فحلفت له أن لا أخبر عنه مادام حيا، فغمز برجله على حراء فنبع الماء فشربت، حتى رويت وحملت معي من الماء، فما حدثت به حتى مات.
من كلام أيوب , قال: لا يسود العبد حتى تكون فيه خصلتان: اليأس مما في أيدي الناس، والتغافل عما يكون منهم. وقال رجل من أهل الأهواء لأيوب: أكلمك بكلمة؟ قال: ولا نصف كلمة. وقال: ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله بعدا. وقال: يبلغني موت الرجل من أهل السنة فكأنما يسقط عضو من أعضائي. وقال: وددت أني أفلت من الحديث كفافا.
قيل للأحنف: مالك لا تمس الحصا؟ قال: ما في مسه أجر , ولا في تركه وزر. وقال: إن في لخلتين لا أغتاب جليسا إذا قام من عندي، ولا أدخل في أمر قوم لم يدخلوني معهم فيه.
روي عن سلمة بن منصور , قال: كان عامة صلاة الأحنف بالليل , وكان يضع السراج قريبا منه، فربما وضع إصبعه عليه، ويقول: حس يا أحنف , ما حملك يوم كذا على أن فعلت كذا.
قال مغيرة: اشتكى ابن أخي الأحنف إليه وجع ضرسه، فقال له: لقد ذهبت عيني منذ عشرين سنة ما ذكرتها لأحد.
قال ابن المبارك: لم تر الخيل البلق بعد وقعة الأحنف بخراسان مع الهياطلة من الترك، وهو يرتجز: إن على كل رئيس حقا أن يخضب الصعدة أو تندقا واستعمل على الميمنة رجلا يقرأ: البقرة. وعلى الميسرة رجلا يقرأ: آل عمران. وهو في أربعة آلاف، وهم في ثلاث مائة ألف، فنصره الله عليهم.
قال ابن المبارك: شتم رجل الأحنف، فلما فرغ، قال الأحنف: ستر الله الأكثر. وقيل للأحنف: لئن قلت واحدة لتسمعن عشرا، قال الأحنف: لكنك لو قلت عشرا لا تسمع واحدة..
قال بكر: إنكم تكثرون من الذنوب فاستكثروا من الاستغفار، فإن الرجل إذا وجد في صحيفته بين سطرين استغفارا سره مكان ذلك.
قال بديل: الصيام معقل العابدين. وقال: من أراد بعلمه وجه الله أقبل الله عليه بوجهه وأقبل بقلوب العباد عليه، ومن عمل لغير الله صرف الله عنه وجهه وصرف بقلوب العباد عنه.
قال أبو الصديق الناجي: خرج سليمان بن داود عليه السلام يستسقي فمر بنملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء , وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن سقياك ورزقك، فإما أن تسقينا وترزقنا، وإما أن تهلكنا، فقال سليمان: ارجعوا، فقد سقيتم بدعوة غيركم.
قال الأوزاعي: كان بلال بن سعد من العبادة على شيء لم يسمع بأحد قوي عليه، كان له في كل يوم وليلة اغتسال وقال: ما أتى عليه زوال قط إلا وهو فيه قائم يصلي.
عن عثمان بن مسلم، أنه سمع بلال بن سعد يقول: " رب مسرور مغبون، ورب مغبون لا يشعر، فالويل لمن له الويل ولا يشعر، يأكل، ويشرب، ويضحك وقد حق عليه في قضاء الله أنه من أهل النار، فيا ويل لك روحا، ويا ويل لك جسدا، فلتبك ولتبك عليك البواكي طول الأبد
عن الضحاك بن عبد الرحمن , سمعت بلال بن سعد , يقول: " عباد الرحمن اعلموا أنكم تعملون في أيام قصار لأيام طوال وفي دار زوال لدار إقامة، وفي دار تعب وحزن لدار نعيم وخلد ومن لم يعمل على اليقين فلا يتعن
عن بلال بن سعد , كان يقول: " عباد الرحمن يقال لأحدنا: تحب تموت؟ فيقول: لا، فيقال له: لم؟ فيقول: حتى أعمل، فيقال له: اعمل، فيقول: سوف، فلا يحب أن يموت ولا يحب أن يعمل، وأحب شيء إليه أن يؤخر عمل الله، ولا يحب أن يؤخر عنه حرص دنياه
عن بلال بن سعد ,كان يقول: " عباد الرحمن أما ما وكلكم الله به فتضيعون، وأما ما تكفل الله لكم به فتطلبون، ما هكذا نعت الله عباده المؤمنين ذوي عقول في طلب الدنيا، وبله عما خلقتم له، فكما ترجون رحمة الله بما تؤدون من طاعته، فكذلك أشفقوا من عقاب الله بما تنتهكون من معاصيه
عن بلال بن سعد , كان يقول: " عباد الرحمن، أربع خصال جاريات عليكم من الرحمن عز وجل مع ظلمكم أنفسكم وخطاياكم: أما رزقه فدار عليكم، وأما رحمته فغير محجوبة عنكم، وأما ستره فسابغ عليكم، وأما عقابكم فلم يعجل لكم، ثم أنتم على ذلك تجترئون على إلاهكم، أنتم اليوم تكلمون والله ساكت، ويوشك الله أن يتكلم وتسكتون، ثم يثور من أعمالكم دخان تسود منه الوجوه: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} [البقرة: 281]
قال جعفر بن سليمان سمعت ثابتا: ما تركت في مسجد الجامع سارية إلا وقد ختمت القرآن عندها، وبكيت عندها.
قال ثابت: الصلاة خدمة الله في الأرض، لو علم الله شيئا أفضل من الصلاة ما قال: {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب} [آل عمران: 39] . وقال: كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعمت بها عشرين سنة، وقال أنس، رضي الله عنه: إن للخير مفاتيح، وإن ثابتا مفتاح من مفاتيح الخير.
قال ثابت: اللهم إن أذنت لأحد أن يصلي في قبره فأذن لثابت أن يصلي في قبره. قال جسر أنا والله الذي لا إله إلا هو أدخلت ثابتا البناني لحده ومعي حميد الطويل، فلما سوينا عليه اللبن سقطت لبنة، فإذا أنا به يصلي في قبره، فقلت لحميد: ألا ترى؟ قال: اسكت، فلما فرغنا أتينا ابنته، فقلنا: ما كان عمل ثابت؟ قالت: وما رأيتم؟ فأخبرناها، فقالت: كان يقوم الليل خمسين سنة، فإذا كان السحر قال في دعائه: اللهم إن كنت أعطيت أحدا من خلقك الصلاة في قبره فأعطنيها، فما كان الله ليرد ذلك الدعاء.
من كلام ثابت، رضي الله عنه، قال: لا يسمى عابد عابدا وإن كان فيه كل خصلة خيرة حتى تكون فيه هاتان الخصلتان: الصوم , والصلاة، لأنهما من لحمه ودمه.
قال حرمي: استعان رجل بثابت البناني على القاضي في حاجة فجعل لا يمر بمسجد إلا نزل فصلى حتى انتهى إلى القاضي، فكلمه في حاجة الرجل، فقضاها، فأقبل ثابت على الرجل، فقال: لعله شق عليك ما رأيت؟ قال: نعم، قال: ما صليت صلاة إلا طلبت إلى الله تعالى في حاجتك.
قال محمد بن ثابت البناني: ذهبت ألقن أبي وهو في الموت لا إله إلا الله، فقال: يا بني دعني فإني في وردي السادس أو قال السابع.
قال جعفر بن سليمان: اشتكى ثابت عينه من كثرة بكائه حتى كادت تذهب فجاءوا بالطبيب يعالجها , فقال: اضمن لي خصلة تبرأ عينك، قال: وما هي؟ قال: لا تبك، قال: وما خير في عين لا تبكي، وأبى أن يعالج.
عن ثابت، عن رجل من العباد أنه , قال: " إني لأعلم حين يذكرني ربي، قال إخوانه: ومتى ذاك؟ قال: إذا ذكرته ذكرني، قال: وأعلم متى يستجيب لي، قالوا: كيف تعلم؟ قال: إذا وجع قلبي واقشعر جلدي وفاضت عيني وفتح لي في الدعاء ".
قال ثابت: ان داود عليه السلام إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله لا يشدها إلا الأنس فإذا ذكر رحمة الله تراجعت.
قال عمرو بن أبي المقدام: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين. وقال جعفر بن محمد: الفقهاء أمناء الرسل، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا إلى السلاطين فاتهموهم. وقال جعفر بن محمد: إياكم والخصومة في الدين، فإنها تشغل القلب وتورث النفاق.
قال أحمد بن عمرو بن المقدام الرازي: وقع الذباب على المنصور فذبه عنه فعاد فذبه عنه حتى أضجره، فدخل جعفر بن محمد، فقال له المنصور: يا أبا عبد الله: لم خلق الله الذباب؟ قال: ليذل به الجبابرة.
من وصايا جعفر لابنه موسى: يا بني من قنع بما قسم له استغنى، ومن مد عينه إلى ما في يد غيره مات فقيرا، ومن لم يرض بما قسم له اتهم الله في قضائه، ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه. يا بني: من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن احتفر لأخيه بئرا سقط فيها، ومن داخل السفهاء حقر، ومن خالط العلماء وقر، ومن دخل مداخل السوء اتهم. يا بني: إياك أن تزري بالرجال فيزرى بك، وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل. يا بني: قل الحق لك وعليك. يا بني: كن بالمعروف آمرا , وعن المنكر ناهيا، ولمن قطعك واصلا، ولمن سكت عنك مبتدءا، ولمن سألك معطيا، وإياك والنميمة، فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال، وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة المتعرض لعيوب الناس كمنزلة الهدف. يا بني: إذا زرت فزر الأخيار، ولا تزر الفجار، فإنهم صخرة لا ينفجر ماؤها، وشجرة لا يخضر ورقها، وأرض لا يظهر عشبها.
قال جعفر بن محمد: لا زاد أفضل من التقوى، ولا شيء أحسن من الصمت، ولا عدو أضر من الجهل، ولا داء أدوى من الكذب.
قال مالك بن دينار: جاءني جابر بن زيد , فحضرت الصلاة فأبى أن يؤمني، وقال: ثلاث ربهن أحق بهن: رب البيت أحق بالإمامة في بيته، ورب الفراش أحق بصدر فراشه، ورب الدابة أحق بصدر دابته.
قال الضحاك الضبي: لقي ابن عمر , جابر بن زيد في الطواف فقال: يا جابر إنك من فقهاء أهل البصرة، وإنك ستستفتى، فلا تفت إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية، فإنك إن فعلت غير ذلك فقد هلكت وأهلكت.
قال يونس بن عبيد: ما رأيت رجلا قط أطول حزنا من الحسن. وكان يقول: لا تضحك فإنك لا تدري لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا فقال: لا أقبل منكم شيئا.
قال الحسن: لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا إلا بحسرات ثلاث: أنه لم يشبع مما جمع، ولم يدرك ما أمل، ولم يحسن الزاد لما قدم عليه.
قال أبو مرحوم العطار: دخلنا مع الحسن على مريض نعوده فلما جلس عنده قال: كيف تجدك؟ قال: أجدني أشتهي الطعام فلا أقدر أن أسيغه، وأشتهي الشراب فلا أقدر أن أتجرعه، قال: فبكى الحسن , وقال: على الأسقام والأمراض أسست هذه الدنيا، فهبك تصح من الأسقام وتبرأ من الأمراض، هل تقدر على أن تنجو من الموت؟ قال: فارتج البيت من البكاء.
قال الحسن: مسكين ابن آدم، رضي بدار حلالها حساب، وحرامها عذاب، إن أخذها من حل حوسب بنعيمه، وإن أخذها من حرام عذب به. ابن آدم يستقل ماله ولا يستقل عمله، يفرح بمصيبته في دينه، ويجزع بمصيبته في دنياه. وقال: طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل قبرك، إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك.
قال الحسن: قال رجل: لأعبدن الله عبادة أذكر بها، فكان لا يرى في حين صلاة إلا قائما يصلي، فكان أول داخل المسجد، وآخر خارج، وكان لا يفطر فمكث بذلك سبعة أشهر، فكان لا يمر بقوم إلا قالوا: انظروا إلى هذا المرائي، فأقبل على نفسه فقال: ألا أراني إلا أذكر بالشر، لأجعلن عملي كله لله عز وجل , قال: فلم يزد على أن قلب نيته، ولم يزد على العمل الذي كان يعمل، قال: فكان إذا مر بقوم يقولون: رحم الله فلانا الآن، قال: وتلا الحسن هذه الآية: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} [مريم: 96] . وقال الحسن: بئس الرفيقان: الدينار , والدرهم، لا ينفعانك حتى يرافقانك.
قال الحسن: إن المؤمن لا يصبح إلا خائفا، وإن كان محسنا، ولا يمسي إلا خائفا وإن كان محسنا , ولا يصلحه إلا ذلك لأنه ما بين مخافتين، بين ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع الله فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما يصيب فيه من الهلكات.
عن الحسن , قال: خرج عيسى عليه السلام يستسقي فبرز بهم وقال: جوزوا ولا يجوز عاص، فرجع ناس من الناس، ثم قالها الثانية فرجع ناس من الناس، حتى لم يبق في الجبال إلا رجل واحد أعور، فقال له عيسى بن مريم: مالك ما أصبت ذنبا؟ فقال: أما ذنب أعلمه فلا، إلا أني نظرت إلى امرأة بعيني هذه فلما ولت أتبعتها إياها فبكى عيسى عليه السلام , وقال: أنت صاحبي فدعا عيسى وأمن الرجل فسقوا.
قال الحسن: يا عجبا لقوم أمروا بالزاد ونودوا بالرحيل وحبس أولهم على آخرهم وهم قعود يلعبون.
قال الحسن: فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي لب فيها فرحا. وقال: رحم الله رجلا لبس خلقا، وأكل كسرة، ولزق بالأرض، وبكى على الخطيئة، ودأب في العبادة.
قال الحسن: لا تزال كريما على إخوانك ما لم تحتج إلى ما في أيديهم، فإذا احتجت إلى ما في أيديهم ثقل عليهم حديثك وهنت عليهم.
روي عن خالد بن صفوان، قال: لقيت مسلمة بن عبد الملك بالحيرة بعد هلاك ابن المهلب، فقال: يا خالد أخبرني عن حسن أهل البصرة، قال: قلت: أنا جاره إلى جنبه وجليسه في حلقته، كان أشبه الناس سريرة بعلانية وأشبه قولا بفعل إن قعد على أمر قام به، وإن قام بأمر قعد عليه، وإن أمر بأمر كان أعمل الناس به، وإن نهى عن شيء كان أترك الناس له، ووجدته مستغنيا عن الناس، ووجدت الناس محتاجين إليه قال: حسبك حسبك، كيف ضل قوم كان هذا فيهم، يعني اتباعهم ابن المهلب.
عن مبارك بن فضالة , قال: قال رجل للحسن: حضرت رجلا فرحمتك من كثرة ما ذكرك، قال الحسن: فرأيتني ذكرته؟ قال: لا. قال: فإياه ارحم.
قال الحسن: أوحى الله إلى عيسى عليه السلام: أن قل لبني إسرائيل يحفظوا عني حرفين: «أن يرضوا بدني الدنيا لسلامة دينهم، كما أن أهل الدنيا راضون بدني الدين لسلامة دنياهم» .
ال الحسن: العامل على غير علم كالسائر على غير طريق، والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح.
قال الحسن: كل نفقة ينفقها ابن آدم يحاسب عليها يوم القيامة , إلا نفقة الرجل على إخوانه فإن الله عز وجل يستحي أن يسأله عنها.
قال الحسن: كنا نسمع أن إحدى موجبات الجنة إطعام المسلم السغبان , وكنا نسمع أن من وافق من أخيه المسلم شهوة غفر له.
قيل لمالك بن دينار: صف لنا الحسن، فقال: كان إذا أقبل كأنما أقبل من دفن أمه، وإذا تكلم فكأنما النار فوق رأسه، وإذا قعد فكأنما هو أسير قرب لضرب عنقه.
عن عطاء الأزرق , قال: قال رجل للحسن: يا أبا سعيد كيف أنت؟ كيف حالك؟ قال: بأشد حال، وما حال من أصبح وأمسى ينتظر الموت لا يدري ما الله صانع به.
عن عبد الصمد بن سليمان , قال: دخلنا على الحسن وهو في مسجد الحي في يوم شديد الحر، لو طرحت بضعة لاشتوت، وقد ابتل قميصه من العرق حتى لو شئت أن أعصره لانعصر، فقلنا له: يا أبا سعيد لو تحولت إلى الظل. قال: وإني لفي الشمس؟ ما علمت أني فيها، إني ذكرت ذنبا من ذنوبي منذ أربعين سنة فذهبت بي الفكرة ما علمت أفي الظل أنا أم في الشمس.
قال الحسن: أصول الشر ثلاثة، وفروعه ستة، فالأصول: الحسد , والحرص , وحب الدنيا، وفروعه: حب الرياسة، وحب الفخر، وحب الثناء، وحب الشبع , وحب النوم , وحب الراحة.
روي عن الحسن , قال: إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة، وإن المنافق جمع إساءة وأمنا، وتلا هذه الآية: {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون} [المؤمنون: 57] . وقال المنافق: {أوتيته على علم عندي} [القصص: 78] .
عن عصام بن يزيد , قال: كان رجل من الخوارج يغشى مجلس الحسن فيؤذيهم , فقيل للحسن: يا أبا سعيد ألا تكلم الأمير حتى يصرفه عنا، فسكت عنهم , فأقبل ذات يوم والحسن جالس مع أصحابه، فلما رآه الحسن , قال: اللهم قد علمت أذاه لنا فاكفناه بما شئت، قال: فخر والله الرجل من قامته فما حمل إلى أهله إلا ميتا، فكان الحسن إذا ذكره بكى وقال: البائس ما كان أغره بالله.
روي عن الحسن , أنه كان يقول: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم وأينما كنتم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة.
قال الحسن: إن الناسك إذا تنسك لم يعرف ذلك من قبل منطقه ولكن لم يعرف ذلك إلا في عمله، وذلك العلم النافع. وقال الحسن: يقول الله عز وجل: " ثلاثة مننت بها عليك: بخلت بمالك أيام حياتك حتى إذا خنقتك بالموت جعلت لك من مالك نصيبا يعني الثلث، وأمرت عبادي فصلوا عليك , وسترت عليك ما لم يعلموا، ولو علموا منك ما أعلم لنبذوك وما دفنوك.
قال مالك بن دينار: كنا مع الحسن في جنازة فسمع رجلا يقول لآخر: من هذا الميت؟ فقال الحسن: هذا أنا وأنت رحمك الله، إنهم محبوسون على آخرنا حتى يلحق آخرنا بأولهم.
قال الحسن: المسلم لا يأكل في كل بطنه، ولا تزال وصيته تحت جنبه. وقال: اللهم عافيت فيما مضى فعاف فيما بقي، اللهم أحسنت فيما مضى وأنت لما بقي.
قال الحسن: يقول الله عز وجل: " إذا علمت أن الغالب على عبدي التمسك بطاعتي مننت عليه بالاشتغال بي والانقطاع إلي
قال المغيرة بن مخادش: يا أبا سعيد إنا نجالس أقواما يحدثونا أحاديث تكاد تطير عقولنا منها، فقال الحسن: أيها الرجل إنك إن تجالس أقواما يخوفونك حتى تلقى الله خير من أن تجالس أقواما يؤمنونك حتى تلقى الله خائفا.
قال الحسن: إن الرجل ليعمل بالحسنة فتكون نورا في قلبه وقوة في بدنه، وإن الرجل ليعمل بالسيئة فتكون ظلمة في قلبه ووهنا في بدنه.
قال الحسن: لو علم العابدون في الدنيا أنهم لا يرون ربهم عز وجل في الآخرة لذابت أنفسهم في الدنيا.
قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: بت عند الحجاج بن فرافصة أحدا وعشرين يوما فما أكل ولا شرب ولا نام، ثم قال: من عرف ربه أحبه، ومن أحبه ترك الدنيا وزهد فيها، المؤمن لا يلهو حتى يغفل , وإن تفكر حزن.
قيل لخيثمة: أي شيء يسمن في الجدب والخصب , وأي شيء يهزل في الجدب والخصب، قال: أما الذي يسمن في الجدب والخصب فهو المؤمن، إن أعطي شكر , وإن ابتلي صبر، وأما الذي يهزل في الجدب والخضب فهو الكافر إن أعطي لم يشكر , وإن ابتلي لم يصبر.
قال خيثمة تقول الملائكة: يا رب عبدك المؤمن تزوي عنه الدنيا وتعرضه للبلاء فيقول الله تعالى للملائكة: «اكشفوا له عن ثوابه» فإذا رأوا ثوابه قالوا: لا يا رب لا يضره ما أصابه في الدنيا. ويقولون: عبدك الكافر تزوي عنه البلاء وتبسط له الدنيا، فيقول للملائكة: «اكشفوا عن عقابه» فإذا رأوه قالوا: لا ينفعه ما أصابه من الدنيا. قال خيثمة: شيء هو أحلى من العسل ولا ينقطع: الألفة، جعلها الله بين المؤمنين.
قال قتادة: جاء خليد العصري يوم الجمعة فأخذ بعضادتي باب المسجد الجامع فقال: يا إخوتاه ألا إن كل حبيب يحب أن يلقى حبيبه، ألا فأحبوا ربكم وسيروا سيرا جميلا.
قال ثابت البناني: كان خليد يأمر ببيته فيقام، ثم يأمر بوسادتين ثم يغلق بابه ثم يقعد على فراشه، ثم يقول: مرحبا بملائكة ربي , أما والله لأشهدنكم اليوم خيرا، خذوا باسم الله، سبحان الله والحمد لله عامة يومه، ولا يزال كذلك حتى تغلبه عيناه أو يخرج إلى الصلاة.
قال خليد: تلقى المؤمن عفيفا سئولا عزيزا ذليلا غنيا فقيرا، عفيفا عن الناس، سئولا لربه، عزيزا في نفسه، ذليلا لربه، غنيا عن الناس، فقيرا إلى ربه، أحسن الناس معونة وأهونهم مؤنة. وقال: لكل شيء زينة , وإن زينة المساجد المتعاونون على ذكر الله عز وجل.
قال سفيان الثوري سمعت داود بن أبي هند وكان عاقلا , يقول: إنك إذا أخذت بالذي اجتمعوا عليه لم يضرك الذي اختلفوا فيه، وإن الذي اختلفوا فيه هو الذي نهوا عنه.
قال حماد بن زيد قلت لداود بن أبي هند: ما تقول في القدر؟ قال داود: لم نوكل إلى القدر وإليه نصير.
قال الربيع: كل ما لا يبتغى به وجه الله يضمحل، وكان يجهر بالقراءة فإذا سمع وقفا خافت، وإن كان الرجل ليجيء وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه.
قال الربيع: أقلوا الكلام إلا بتسع: تسبيح , وتكبير , وتهليل , وتمجيد , وسؤالك الخير، وتعوذك الشر، وأمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر، وقراءة القرآن.
قال بكر بن ماعز: خرجنا مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ومعنا الربيع فمررنا على حداد، فقام عبد الله فنظر إلى حديدة في النار، فنظر الربيع إليها فتمايل ليسقط، فمضى عبد الله حتى أتينا على أتون بعض الحدادين على شاطئ الفرات، فلما رآه عبد الله تلهب النار في وجهه قرأ هذه الآية: {إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا} [الفرقان: 12] . فصعق الربيع وخر مغشيا عليه، فحمله ابن مسعود إلى داره ورابطه إلى وقت الظهر فلم يفق، ثم صلى بالناس الظهر فرجع إليهم وقال: يا ربيع، يا ربيع، فلم يجب، ورابطه إلى العصر فلم يفق، ثم انطلق وصلى بالناس العصر، فرجع وقال: يا ربيع يا ربيع فلم يفق فرابطه إلى المغرب، ثم صلى بالناس المغرب ورجع إليه فلم يفق، ثم صلى بالناس العشاء الآخرة ورجع إليه، فقال: يا ربيع يا ربيع فلم يجبه ولم يفق حتى ضربه برد السحر.
ال الربيع: أكثروا ذكر الموت، فإن الغائب إذا طالت غيبته رجيت جيئته، وانتظره أهله وأوشك أن يقدم عليهم.
عن عاصم , قال: قيل للربيع: ألا تتمثل ببيت من الشعر فقد كان أصحابك يتمثلون؟ قال: ما من شيء تكلم به إلا كتب، وأنا أكره أن أقرأ في كتابي بيت شعر يوم القيامة.
قال الشعبي: ما جلس الربيع في مجلس قومه منذ تأزر، وقال: أخاف أن يظلم رجل فلا أنصره، أو يفتري رجل على رجل فأكلف عليه الشهادة، أو لا أغض البصر، أو يقع عن الحامل فلا أحمل عليه.
حكي عن الربيع بن خثيم: أنه مر على صبيان في المكتب يبكون فقال: ما بالكم يا معشر الصبيان؟ قالوا: إن هذا يوم الخميس يوم عرض الكتاب على المعلم فنخشى أن يضربنا، فبكى الربيع , وقال: يا نفس كيف بيوم عرض الكتاب على الجبار.
قال سعيد: ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله، ولا أهانت العباد أنفسها بمثل معصية الله، وكفى بالمؤمن نصرة من الله أن يرى عدوه يعمل بمعصية الله.