فوائد من كتاب المحتضرين 2
حكمــــــة
عن محمد بن مطرف قال: « دخلنا على أبي حازم الأعرج لما حضره الموت، فقلنا: يا أبا حازم كيف تجدك؟ قال: » أجدني بخير. قال: أجدني راجيا لله، حسن الظن به. ثم قال: إنه والله ما يستوي من غدا وراح يعمر عقد الآخرة لنفسه فيقدمها أمامه قبل أن ينزل به الموت حتى يقدم عليها فيقوم لها وتقوم له، ومن غدا وراح في عقد الدنيا يعمرها لغيره، ويرجع إلى الآخرة لا حظ له فيها ولا نصيب «
حكمــــــة
عن أبي عمران الجوني: أن أبا الدرداء لما نزل به الموت، دعا أم الدرداء، فضمها إليه وبكى وقال: يا أم الدرداء، قد ترين ما قد نزل من الموت، أنه والله قد نزل بي أمر لم ينزل بي قط أمر أشد منه، وإن كان لي عند الله خير فهو أهون ما بعده، وإن تكن الأخرى فوالله ما هو فيما بعده إلا كحلاب ناقة. قال: ثم بكى، ثم قال: يا أم الدرداء، اعملي لمثل مصرعي هذا، يا أم الدرداء اعملي لمثل ساعتي هذه. ثم دعا ابنه بلالا فقال: ويحك يا بلال اعمل لساعة الموت، اعمل لمثل مصرع أبيك، واذكر به صرعتك وساعتك فكأن قد. ثم قبض.
حكمــــــة
عن حوشب بن عقيل قال: سمعت يزيد الرقاشي يقول لما حضره الموت: (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة). ألا إن الأعمال محضرة، والأجور مكملة، ولكل ساع ما يسعى، وغاية الدنيا وأهلها إلى الموت. ثم بكى وقال: يا من القبر مسكنه، وبين يدي الله موقفه، والنار غدا مورده، ماذا قدمت لنفسك؟ ماذا أعددت لمصرعك؟ ماذا أعددت لوقوفك بين يدي ربك؟
حكمــــــة
لما احتضر يزيد الرقاشي بكى، فقيل له: ما يبكيك رحمك الله؟ قال: « أبكي والله على ما يفوتني من قيام الليل، وصيام النهار. ثم بكى وقال: من يصلي لك يا يزيد؟ ومن يصوم؟ ومن يتقرب لك إلى الله بالأعمال بعدك؟ ومن يتوب لك إليه من الذنوب السالفة؟ ويحكم يا إخوتاه، لا تغترن بشبابكم، فكأن قد حل بكم ما حل بي من عظيم الأمر وشدة كرب الموت. النجاء النجاء، الحذر الحذر يا إخوتاه، المبادرة رحمكم الله »
حكمــــــة
كان مفضل بن يونس إذا جاء الليل قال: « ذهب من عمري يوم كامل. فإذا أصبح قال: ذهبت ليلة كاملة من عمري. فلما احتضر بكى وقال: قد كنت أعلم أن لي كركما علي يوما شديدا كربه، شديدا غصصه شديدا غمه شديدا علزه، فلا إله إلا الذي قضى الموت على خلقه وميزه عدلا بين عباده. ثم جعل يقرأ: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور). ثم تنفس، فخرجت نفسه »
حكمــــــة
عن عبد الواحد بن زيد قال: دخلنا على عطاء السلمي في مرضة مرضها، فأغمي عليه فأفاق فرفع أصحابه أيديهم يدعون له، فنظر إليهم ثم قال: يا أبا عبيدة، مرهم فليمسكوا عني، فوالله لوددت أن روحي تردد بين لهاتي وحنجرتي إلى يوم القيامة مخافة أن تخرج إلى النار، قال: ثم بكى قال عبد الواحد: فأبكاني - والله - فرقا مما يهجم عليه بعد الموت.
حكمــــــة
عن مالك بن دينار قال: « كان لي جار عشار، فربما مررت عليه فوعظته. فحضره الموت، فأتيته لأنظر على أي حال هو عند الموت. فلما رآني قال لي بيده: اقعد ؛ ثم قال لي: يا أبا يحيى، أتاني آت الليلة في المنام فقال: إن راحم المساكين غضبان عليك، قال: إنك لست مني ولست منك. قال مالك: ففزعت، وظننت أنه يعنيني فوضع يده على رأسه، ثم أعاد القول فخرجت من عنده، فلم أبلغ الباب حتى سمعت الصراخ عليه »
حكمــــــة
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن رجل من الأنصار قال: « حضرنا مولى لنا عند موته، فبينا نحن عنده وهو يحشرج، إذ صاح صيحة ما بقي منا إنسان إلا سقط على الأرض. ثم أفقنا، فرفعنا رءوسنا، فإذا هو جالس. فذهبنا ننظر، فإذا وجهه كأنه كبة طين، قد التقى جلده ووجهه ورأسه على عينيه، ثم تمدد، فمات فسألنا عن أمره، فإذا هو صاحب باطل »
حكمــــــة
عن رجل من أهل الشام يقال له البراء قال: « شهدت فتى يموت، فجعل يظهر بجسده مثل ضرب السياط، فيتوجع ويقول: دعوني أقل، هو ذا أقول. ادعوا لي أبي. فإذا دعي أبوه يقول: واسوأتاه. ثم يكف. يمكث هكذا يومين أو يليه. فلما انقضى أجله قال: هو ذا أقول، ادعوا لي أبي. فلما دعوه قال: يا أبتاه، اعلم أني كنت أخالفك إلى امرأتك ثم مات »
حكمــــــة
قال علي بن أبي طالب: دخلت على عمر بن الخطاب حين وجأه أبو لؤلؤة وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال: « أبكاني خبر السماء، أين يذهب بي، إلى الجنة أو إلى النار؟ فقلت: أبشر بالجنة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصيه يقول: » سيدا أهل الجنة أبو بكر وعمر «. فقال: أشاهد أنت يا علي لي بالجنة؟ قلت: نعم، وأنت يا حسن فاشهد على أبيك رسول الله أن عمر من أهل الجنة.
حكمــــــة
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، أنه ذكر عمر وأبا بكر ابني المنكدر قال: « لما حضر أحدهما الموت بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ إن كنا لنغبطك بهذا اليوم، قال: أما والله ما أبكي أن أكون ركبت شيئا من معاصي الله اجتراء على الله، ولكني أخاف أن أكون أتيت شيئا هينا وهو عند الله عظيم. قال: وبكى الآخر عند الموت فقيل له مثل ذلك، فقال: إني سمعت الله يقول لقوم: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)، فأنا أنتظر ما ترون، والله ما أدري ما يبدو لي »
حكمــــــة
لما حضر الحسن بن علي الموت، بكى بكاء شديدا، فقال له الحسين: ما يبكيك يا أخي وإنما تقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى علي وفاطمة وخديجة وهم ولدوك، وقد أجرى الله لك على لسان نبيه أنك « سيد شباب أهل الجنة »، وقاسمت الله مالك ثلاث مرات، ومشيت إلى بيت الله على قدميك خمس عشرة مرة حاجا؟ وإنما أراد أن يطيب نفسه. قال: فوالله ما زاده إلا بكاء وانتحابا، وقال: « يا أخي، إني أقدم على أمر عظيم وهول لم أقدم على مثله قط »
حكمــــــة
عن عبد الجبار قال: « مرض جليس للحسن، فسأل عنه، فقيل: مريض، وقد أحب أن تأتيه. فأتاه، فدخل عليه، وإذا الرجل لما به، فقال: إن أمرا يصير إلى هذا لأهل أن يزهد فيه. ثم قال: إن أمرا أهونه هذا لأهل أن يتقى. فلما جد به قالت ابنته: يا أبتاه، مثل يومك لم أر، فقال لها الحسن: كفي. بلى ؛ مثل يومه لم ير »
حكمــــــة
عن أبي الأسود قال: « حضرت رجلا الوفاة - يقال له هردان - على ماء يقال له الدماوة، فقيل له: يا أبا هردان، قل: لا إله إلا الله. فقال: قد كنت أحيانا شديد المعتمد قيل: قل: لا إله إلا الله. قال: قد وردت نفسي وما كادت ترد، قيل: قل: لا إله إلا الله. قال: قد كنت أحيانا على الخصم الألد. قيل: قل: لا إله إلا الله. قال: فالآن قد لاقيت قرنا لا يرد. قال: ثم خفت. قال: فقلت: والله لا أشهد رجلا لم يلقن لا إله إلا الله. قال: فأتيت في منامي فقيل: اشهد هردانا فإنه من أهل الجنة. قلت: بم؟ قيل: ببره والدته »
حكمــــــة
قال أبو إسحاق الفزاري يقول لعبد الله بن المبارك: « يا أبا عبد الرحمن، كان رجل من أصحابنا جمع من العلم أكثر مما جمعت وجمعت، فاحتضر، فشهدته، فقال له: قل لا إله إلا الله. فيقول: لا أستطيع أن أقولها. ثم تكلم، فيتكلم. قال ذلك مرتين. فلم يزل على ذلك حتى مات قال: فسألت عنه، فقيل: كان عاقا بوالديه. فظننت أن الذي حرم كلمة الإخلاص لعقوقه بوالديه »
حكمــــــة
عن عبد الله بن سلمة بن معبد الفراء قال: « حضرت رجلا الوفاة في فلاة من الأرض، وحضره ناس من الأعراب، فلما أحس بالموت جعل يقول لهم: وجهوني وجهوني. فجعلوا لا يدرون ما يريد. فلما خاف أن يعجله الموت عن التوجيه قال: يا هؤلاء وجهوني. قالوا: إلى أين نوجهك؟ فبكى ثم قال: إلى البيت الذي من كل فج إليه وجوه أصحاب القبور قال: فبكى - والله - القوم جميعا، ثم وجهوه إلى القبلة، فمات »
حكمــــــة
قال رجل من النساك: أن رجلا حضرته الوفاة، فأدخل يده في أذنه، فوجد ماء أذنه قد عذب. ويقال إن الميت إذا صار إلى حد الموت عذب ماء أذنه. فلما أصابه عذبا أحس بالموت، فقال: من كان مسرورا بمصرع هالك فليأت نسوتنا بوجه نهار يجد النساء حواسرا يندبنه قد قمن قبل تبلج الأسحار قد كن يكنن الوجوه تسترا فاليوم حين برزن للنظار قال: فمات - والله - من ليلته.
حكمــــــة
عن محمد بن الحسين قال: دخلت على العباس بن خزيمة بن عبيد الله في مرضه الذي مات فيه فرأيته قد جزع جزعا شديدا، قلت له: ما الذي قد أرى بك؟ فقال: « إن ذكر الموت أبدى جزعي ولمثل الموت أبدي الجذعا فله كأس بنا دائرة مزجت بالصاب منها سلعا كل حي سوف تسقيه وإن مد في الغصة منه جرعا ثم لم يزل يبكي حتى غشي عليه. فخرجت من عنده، فلما كان من الغد مات. رحمه الله »
حكمــــــة
عن ابن شبرمة قال: « مرض رجل من بني يربوع، فاشتد مرضه قال: وبنتان له عند رأسه، فنظر إليهما فقال: ألا ليت شعري عن بنتي بعدما يوسد لي في قبلة اللحد مضجع وعن وصل أقوام أتى الموت دونهم أيرعون ذاك الوصل أم تتقطع؟ وما يحفظ الأموات إلا محافظ من القوم داع للأمانة مقنع فمات، فوالله ما عاد أحد على ولده بشيء »
حكمــــــة
عن يحيى بن أبي كثير، أن أبا سلمة حدثه قال: دخلت على أبي هريرة وهو وجع شديد الوجع، فاحتضنته فقلت: اللهم اشف أبا هريرة. قال: « اللهم لا ترجعها. قالها مرتين. ثم قال: إن استطعت أن تموت فمت، فوالذي نفس أبي هريرة بيده ليأتين على الناس زمان يكون الموت أحب إلى أحدهم من الذهبة الحمراء. وليأتين على الناس زمان يمر الرجل على قبر أخيه المسلم فيتمنى أنه صاحبه »
حكمــــــة
حين حضرت الوفاة عمرو بن العاص ذرفت عيناه، فبكى، فقال له ابنه عبد الله: بالله ما كنت أخشى أن ينزل بك أمر الله إلا صبرت عليه. فقال: « يا بني، إنه نزل بأبيك خصال ثلاثة: أما أولاهن: فانقطاع عمله. وأما الثانية: فهول المطلع. وأما الثالثة: ففراق الأحبة، وهي أيسرهن. ثم قال: اللهم أمرت فتهاونت، ونهيت فعصيت، اللهم ومنك العفو والتجاوز »
حكمــــــة
عن ثابت قال: لما كبر معاوية خرجت له قرحة في ظهره، فكان إذا لبس دثارا ثقيلا - والشام أرض باردة - أثقله ذلك وغمه ؛ فقال: « اصنعوا لي دثارا خفيفا دفيئا من هذه السخال. فصنع له، فلما ألقي عليه تسار إليه ساعة، ثم غمه، فقال: جافوه عني. ثم لبسه. ثم غمه فألقاه، ففعل ذلك مرارا ثم قال: قبحك الله من دار، ملكتك أربعين سنة، عشرين خليفة وعشرين أميرا، ثم صيرتني إلى ما أرى قبحك الله من دار »
حكمــــــة
كان عمرو بن العاص على مصر، فاشتكى وثقل، فقال لصاحب شرطه: أدخل علي ناسا من وجوه أصحابك آمرهم بأمر. فلما دخلوا عليه، نظر إليهم ثم قال: « إنها قد بلغت هذه، اردعوها عني، قالوا: ومثلك أيها الأمير يقول هذا؟ هذا أمر الله الذي لا مرد له. قال: إي والله قد عرفت أنه كذا، ولكني أحببت أن تتعظوا. لا إله إلا الله. فلم يزل يقولها حتى مات »
حكمــــــة
عن سفيان قال: « أتي زياد برجل فأمر به ليقتل، فلما أحس الرجل بالموت قال: ائذنوا لي أتوضأ وأصلي ركعتين فأموت على توبة لعلي أنجو من عذاب الله. قال زياد: ما يقول؟ قالوا: يقول كذا وكذا. قال: دعوه فليتوضأ وليصل ما بدا له. قال: فتوضأ، وصلى كأحسن ما يكون. فلما قضى صلاته أتي به ليقتل، فقال له زياد: هل استقبلت التوبة؟ قال: إي والذي لا إله غيره. فخلى سبيله »
حكمــــــة
« حضر رجلا من الأنصار الموت، قال لابنه: يا بني، إني موصيك بوصية فاحفظها عني، فإنك خليق ألا تحفظها على غيري: اتق الله. إن استطعت أن يكون اليوم خيرا منك أمس، وغدا خيرا منك اليوم ؛ فافعل. وإياك والطمع، فإنه عدو حاضر، وعليك باليأس، فإنك لم تيأس من شيء إلا استغنيت عنه. وكل شيء يعتذر منه فإنه لن يعتذر من خير. وإذا عثر عاثر من الناس فاحمد الله أن لا تكونه. وإذا قمت إلى صلاتك فصل صلاة مودع، وأنت ترى أنك لن تصلي بعدها أبدا »