فوائد من كتاب المحتضرين 2
كان بالبصرة رجل من العباد يقال له عزوان . فحضرته الوفاة ، فقيل له : ما تشتهي ؟ قال : « عجلة الموت . قيل : فإن كانت العافية ؟ قال : فطول هذا الليل والنهار »
عن محمد بن مطرف قال : « دخلنا على أبي حازم الأعرج لما حضره الموت ، فقلنا : يا أبا حازم كيف تجدك ؟ قال : » أجدني بخير . قال : أجدني راجيا لله ، حسن الظن به . ثم قال : إنه والله ما يستوي من غدا وراح يعمر عقد الآخرة لنفسه فيقدمها أمامه قبل أن ينزل به الموت حتى يقدم عليها فيقوم لها وتقوم له ، ومن غدا وراح في عقد الدنيا يعمرها لغيره ، ويرجع إلى الآخرة لا حظ له فيها ولا نصيب «
قال أبو حازم لما حضره الموت : ما أتينا على شيء من الدنيا إلا على ذكر الله ، وإن كان هذا الليل والنهار لا يأتيان على شيء إلا أخلقاه . وفي الموت راحة للمؤمنين . ثم قرأ : ( وما عند الله خير للأبرار )
عن شهر بن حوشب قال : طعن عبد الرحمن بن معاذ بن جبل ، فدخل عليه أبوه فقال له : كيف تجدك أي بني ؟ قال له : يا أبه ( الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) . فقال له معاذ : ( ستجدني إن شاء الله من الصابرين )
دخل عمر بن عبد العزيز على ابنه في وجعه فقال : « يا بني كيف تجدك ؟ قال : أجدني في الحق قال : يا بني ، لأن تكون في ميزاني أحب إلي من أن أكون في ميزانك . قال ابنه : وأنا يا أبه ، لأن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب »
قال مطرف لما حضره الموت : « اللهم خر لي في الذي قضيته علي من أمر الدنيا والآخرة . قال : وأمرهم بأن يحملوه إلى قبره ، فختم فيه القرآن قبل أن يموت »
لما احتضر العلاء بن زياد العدوي بكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : « كنت والله أحب أن أستقبل الموت بالتوبة . قال : فافعل رحمك الله . قال : فدعا بطهور ، فتطهر ، ثم دعا بثوب له جديد ، فلبسه ، ثم استقبل القبلة ، فأومأ برأسه مرتين أو نحو ذلك ، ثم اضطجع فمات »
عن مضر قال : قلت لضيغم في مرضة مرضها : يا أبا مالك أقامك الله إلى طاعته ، قال : « قل : أو قبضك إلى رحمته . فقلت : أو قبضك إلى رحمته . فقال هو : آمين . فوالله ما قام من مرضته تلك »
عن محمد بن ثابت البناني قال : « ذهبت ألقن أبي عند الموت فقال : يا بني خل عني فإني في وردي السابع . كأنه يقرأ ونفسه تخرج »
عن عبد السلام بن حرب : أن خصيفا قال عند الموت : « ليمر ملك الموت إذا أتانا . اللهم على ما في إنك لتعلم أني أحبك وأحب رسولك »
عن عبد العزيز بن أبي رواد قال : « دخلت على المغيرة بن حكيم في مرضه الذي مات فيه فقلت : أوصني . فقال : اعمل لهذا المضجع »
عن الحسن : أن معاذ بن جبل لما احتضر دخل عليه وهو يبكي ، فقيل : ما يبكيك ، فقد صحبت محمدا صلى الله عليه وسلم ؟ قال : « ما أبكي جزعا من الموت إن حل بي ، ولا على الدنيا أتركها بعدي ، ولكن بكائي أن الله قبض قبضتين ، فجعل واحدة في النار ، وواحدة في الجنة ، فلا أدري في أي القبضتين أكون ؟ »
لما نزل بحذيفة بن اليمان الموت جزع جزعا شديدا ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : « ما أبكي أسفا على الدنيا ، بل الموت أحب إلي ، ولكني لا أدري على ما أقدم ، على الرضا أم على سخط ؟ »
عن أبي مسعود قال : أغمي على حذيفة ، فأفاق في بعض الليل فقال : يا أبا مسعود ، أي الليل هذا ؟ قال : السحر . قال : عائذ بالله من جهنم . مرتين
عن جعفر بن زيد العبدي : أن أبا الدرداء لما نزل به الموت بكى ، فقالت له أم الدرداء : وأنت تبكي يا صاحب رسول الله ؟ قال : « نعم ، وما لي لا أبكي ولا أدري على ما أهجم من ذنوبي ؟ »
لما نزل بأبي الدرداء الموت جزع جزعا شديدا ، فقالت له أم الدرداء : يا أبا الدرداء ، ألم تكن تخبرنا أنك تحب الموت ؟ قال : بلى وعزة ربي ، ولكن نفسي لما استيقنت الموت كرهته . قال : ثم بكى فقال : هذه آخر ساعاتي من الدنيا ، لقنوني لا إله إلا الله . فلم يزل يرددها حتى مات.
عن أبي عمران الجوني : أن أبا الدرداء لما نزل به الموت ، دعا أم الدرداء ، فضمها إليه وبكى وقال : يا أم الدرداء ، قد ترين ما قد نزل من الموت ، أنه والله قد نزل بي أمر لم ينزل بي قط أمر أشد منه ، وإن كان لي عند الله خير فهو أهون ما بعده ، وإن تكن الأخرى فوالله ما هو فيما بعده إلا كحلاب ناقة . قال : ثم بكى ، ثم قال : يا أم الدرداء ، اعملي لمثل مصرعي هذا ، يا أم الدرداء اعملي لمثل ساعتي هذه . ثم دعا ابنه بلالا فقال : ويحك يا بلال اعمل لساعة الموت ، اعمل لمثل مصرع أبيك ، واذكر به صرعتك وساعتك فكأن قد . ثم قبض.
عن معاوية بن قرة : أن أبا الدرداء اشتكى ، فدخل عليه أصحابه فقالوا : ما تشتكي ؟ قال : « أشتكي ذنوبي قالوا : فما تشتهي ؟ قال : أشتهي الجنة . قالوا : أفلا ندعو لك طبيبا ؟ قال : هو أضجعني »
دخل حدير السلمي على أبي الدرداء يعوده ، وعليه جبة من صوف وقد عرق فيها وهو نائم على حصير ، فقال : يا أبا الدرداء ، ما يمنعك أن تلبس من الثياب التي يكسوك معاوية ، وتتخذ فراشا ؟ قال : « إن لنا دارا لها نعمل ، وإليها نظعن ، والمخف فيها خير من المثقل »
عن الحسن قال : لما حضر سلمان بكى ؛ فقالوا : ما يبكيك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ما أبكي أسفا على الدنيا ، ولا رغبة فيها ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدا فتركناه ، قال : « ليكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب » . قال : ما ترك بضعا وعشرين أو بضعا وثلاثين درهما.
عن سلم بن بشير بن جحل : أن أبا هريرة بكى في مرضه فقال : ما يبكيك ؟ فقال : « ما أبكي على دنياكم هذه ، ولكن أبكي علي بعد سفري ، وقلة زادي ، فإني أمسيت في صعود مهبطة على جنة ونار ، ولا أدري أيتهما يؤخذ بي »
لما عامر بن عبد الله احتضر بكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : « هذا الموت غاية الساعين ، وإنا لله وإنا إليه راجعون . والله ما أبكي جزعا من الموت ، ولكن أبكي على حر النهار وبرد الليل . وإني أستعين بالله على مصرعي هذا بين يديه »
بكى عامر بن عبد الله في مرضه الذي مات فيه بكاء شديدا ، فقيل له : ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ قال : أية في كتاب الله : ( إنما يتقبل الله من المتقين )
عن الحسن قال : دخل عامر بن عبد الله على رجل يعوده فرآه كأنه جزع من الموت فقال : « أتجزع من الموت ؟ والله ما الموت فيما بعده إلا كركضة عنز »
قال محمد بن واسع وهو في الموت : « يا إخوتاه تدرون أين يذهب بي ؟ يذهب بي - والله الذي لا إله إلا هو - إلى النار أو يعفو عني »
عن يونس بن عبيد قال : دخلنا على محمد بن واسع نعوده فقال : « وما يغني عني ما يقول الناس إذا أخذ بيدي ورجلي فألقيت في النار ؟ »
قال مالك بن دينار في مرضه وهو من آخر كلام سمعته يتكلم به : « ما أقرب النعيم من البؤس يعقبان ، ويوشكان زوالا »
عن حزم ، عن مالك بن دينار قال : « كنا عنده قبل أن يموت بيومين أو ثلاثة ، قال : أظنه كان به بطن ، فقالوا : نضع له قلية ، فقال : إني لأرجو أن يكون الله يعلم أني لم أكن أريد البقاء في الدنيا لبطني ولا لفرجي .
قال مالك بن دينار عند الموت : لولا أني أخاف أن يكون بدعة لأمرتكم إذا أنا مت فشدت يدي بشريط ، فإذا أنا قدمت على الله فسألني - وهو أعلم - : ما حملك على ما صنعت ؟ قلت : يا رب لم أرض لك نفسي قط .
عن مهدي بن ميمون قال : رأيت حسان بن أبي سنان - أحسبه في مرضه - قيل له : كيف تجدك ؟ قال : « بخير إن نجوت من النار . قيل : فما تشتهي ؟ قال : ليلة بعيدة ما بين الطرفين ، أحيي ما بين طرفيها »
عن حوشب بن عقيل قال : سمعت يزيد الرقاشي يقول لما حضره الموت : ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ) . ألا إن الأعمال محضرة ، والأجور مكملة ، ولكل ساع ما يسعى ، وغاية الدنيا وأهلها إلى الموت . ثم بكى وقال : يا من القبر مسكنه ، وبين يدي الله موقفه ، والنار غدا مورده ، ماذا قدمت لنفسك ؟ ماذا أعددت لمصرعك ؟ ماذا أعددت لوقوفك بين يدي ربك ؟
لما احتضر يزيد الرقاشي بكى ، فقيل له : ما يبكيك رحمك الله ؟ قال : « أبكي والله على ما يفوتني من قيام الليل ، وصيام النهار . ثم بكى وقال : من يصلي لك يا يزيد ؟ ومن يصوم ؟ ومن يتقرب لك إلى الله بالأعمال بعدك ؟ ومن يتوب لك إليه من الذنوب السالفة ؟ ويحكم يا إخوتاه ، لا تغترن بشبابكم ، فكأن قد حل بكم ما حل بي من عظيم الأمر وشدة كرب الموت . النجاء النجاء ، الحذر الحذر يا إخوتاه ، المبادرة رحمكم الله »
لما احتضر عبد الرحمن بن الأسود بكى فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : « أسفا على الصوم والصلاة . قال : ولم يزل يقرأ القرآن حتى مات . قال : فرئي له أنه من أهل الجنة . قال : وكان الحكم يقول : ولا يبعد من ذاك ، لقد كان يعمل نفسه مجتهدا لهذا ، حذرا من مصرعه الذي صار إليه »
عن سعيد قال : دخلت على زبيد اليامي في مرضه الذي مات فيه ، فقلت : شفاك الله . فقال : « أستخير الله »
عن إدريس بن يزيد الأودي قال : دخلنا على عطية وهو يجود بنفسه ، فقلنا : كيف تجدك رحمك الله ؟ فدمعت عيناه وقال : « أجدني والله إلى الآخرة أقرب مني إلى الدنيا ؛ فمن استطاع منكم أن يعمل لمثل هذا الصرعة فليفعل »
لما احتضر عمرو بن قيس الملائي بكى ، فقال له أصحابه : علام تبكي من الدنيا ؟ فوالله لقد كنت منغص العيش أيام حياتك فقال : « والله ما أبكي على الدنيا ، إنما أبكي خوفا أن أحرم خير الآخرة »
كان مفضل بن يونس إذا جاء الليل قال : « ذهب من عمري يوم كامل . فإذا أصبح قال : ذهبت ليلة كاملة من عمري . فلما احتضر بكى وقال : قد كنت أعلم أن لي كركما علي يوما شديدا كربه ، شديدا غصصه شديدا غمه شديدا علزه ، فلا إله إلا الذي قضى الموت على خلقه وميزه عدلا بين عباده . ثم جعل يقرأ : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ) . ثم تنفس ، فخرجت نفسه »
لما حضر أبو عمران الجوني ، جعل يبكي ، فقيل له : ما يبكيك رحمك الله ؟ قال : « ذكرت والله تفريطي فبكيت »
عن فضالة بن دينار قال : حضرت محمد بن واسع وقد سجي للموت ، فجعل يقول : « مرحبا بملائكة ربي ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . قال : وشممت رائحة طيبة لم أشم مثلها . قال : ثم شخص ببصره فمات »
لما حضر أبا عطية الموت جزع منه ، فقيل له : أتجزع من الموت ؟ فقال : « ومالي لا أجزع ، وإنما هي ساعة ثم لا أدري أين يسلك بي ؟ » لما احتضر إبراهيم النخعي بكى ؛ فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : « أنتظر رسل ربي : إما لجنة وإما لنار »
عن عبد الواحد بن زيد قال : دخلنا على عطاء السلمي في مرضة مرضها ، فأغمي عليه فأفاق فرفع أصحابه أيديهم يدعون له ، فنظر إليهم ثم قال : يا أبا عبيدة ، مرهم فليمسكوا عني ، فوالله لوددت أن روحي تردد بين لهاتي وحنجرتي إلى يوم القيامة مخافة أن تخرج إلى النار ، قال : ثم بكى قال عبد الواحد : فأبكاني - والله - فرقا مما يهجم عليه بعد الموت.
قال زياد النميري لما حضرته الوفاة : « لولا ما حضرني من هذا الأمر ما تكلمت بهذا أبدا ؛ والله لقد صدع ذكر الموت قلبي حتى لقد خشيت أن يقتلني ذلك الهم ، فلا تنسني مما كنت في القدوم عليك . قال : ثم شخص ببصره فمات »
قال عبد الأعلى التيمي لجار له وقد حضره الموت : « أكثر من جزعك من الموت ، وأعد لعظيم الأمور حسن الظن بالله »
عن حاتم بن سليمان قال : دخلنا على عبد العزيز بن سليمان وهو يجود بنفسه ، فقلت : كيف تجدك ؟ قال : « أجدني أموت . فقال له بعض إخوانه : على أية حال رحمك الله ؟ فبكى ، ثم قال : ما نعول إلا على حسن الظن بالله . قال : فما خرجنا من عنده حتى مات »
بكى الأعمش عند موته ، فقيل له : يا أبا محمد ، وأنت تبكي عند الموت ؟ قال : « وما يمنعني من البكاء وأنا أعلم بنفسي ؟ »
جمع أبو طوالة عبد الرحمن بن عبد الله بن معمر بن حزم الأنصاري ولده عند موته فقال : « يا بني اتقوا الله ، فإنكم إن اتقيتم الله فأنتم مني على الصدر والنحر ، وإن لم تتقوا لم أبال ما صنع الله بكم »
عن سعيد بن جبير قال : لما حضرت ابن عمر الوفاة قال : « ما آسى على شيء إلا على ظمأ الهواجر ومكابدة الليل ، وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت بنا . يعني الحجاج »
عن عمرو بن مرة قال : « لما حضر رجلا من أصحاب عبد الله الموت فجعل يقول : الموت . فقالوا له : اتق الله ، فقد كنت وكنت فقال : الموت . يا ليت أمي لم تلدني »
عن الشعبي قال : لما شرب عمر اللبن فخرج من طعنته قال : « الله أكبر . وعنده رجال يثنون عليه ، فنظر إليهم فقال : من غررتموه لمغرور ؛ لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها ؛ لو كان لي اليوم ما طلعت عليه الشمس وما غربت لافتديت به من هول المطلع »
عن عمرو بن ميمون قال : لما طعن عمر دخل عليه رجل شاب فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله ، قد كان لك من القدم في الإسلام والصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد علمت ، ثم استخلفت فعدلت ، ثم الشهادة . قال : « يا ابن أخي ، لوددت أني تركت كفافا ، لا لي ولا علي »
عن معتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : « دخلت على صاحب لي يشتكي ، فرأيت من جزعه ووجعه ، فجعلت أقول : إنك كذا ، إنك كذا ، أرغبه . قال : وما لي لا أجزع ؟ ومن أحق بالجزع مني ؟ فوالله لو أتتني المغفرة من الله لمنعني الحياء منه لما أفضيت به إليه »
عن محمد بن قيس : أن رجلا من أهل المدينة نزل به الموت ، فجزع ، فقيل له : أتجزع ؟ فقال : ولم لا أجزع ؟ فوالله إن كان رسول أمير المدينة ليأتيني فأفزع لذلك ، فكيف برسول رب العالمين ؟
عن كثير بن يسار قال : دخلنا على حبيب أبي محمد وهو بالموت فقال : « أريد أن آخذ طريقا لم أسلكه قط ، لا أدري ما يصنع بي ؟ قلت : أبشر يا أبا محمد ، أرجو أن لا يفعل بك إلا خير . قال : ما يدريك ؟ ليت تلك الكسرة - خبز - التي أكلناها لا تكون سما علينا »
عن مالك بن دينار قال : « دخلت على جار لي وهو مريض فقلت : يا فلان ، عاهد الله أن تتوب عسى أن يشفيك . قال : يا أبا يحيى هيهات ، أنا ميت ، ذهبت أعاهد كما كنت أعاهد فسمعت قائلا يقول من ناحية البيت : عاهدناك مرارا فوجدناك كذوبا »
عن مالك بن دينار قال : « كان لي جار شاب يمر بي فيقول : يا أبا يحيى ، والله لندقن الدنيا دقا . فاشتكى ، فدخلت عليه فقال : يا أبا يحيى ، هذا ملك الموت بين يدي وهو يقول : والله لأدقن عظامك دقا »
عن مالك بن دينار قال : « كان لي جار عشار ، فربما مررت عليه فوعظته . فحضره الموت ، فأتيته لأنظر على أي حال هو عند الموت . فلما رآني قال لي بيده : اقعد ؛ ثم قال لي : يا أبا يحيى ، أتاني آت الليلة في المنام فقال : إن راحم المساكين غضبان عليك ، قال : إنك لست مني ولست منك . قال مالك : ففزعت ، وظننت أنه يعنيني فوضع يده على رأسه ، ثم أعاد القول فخرجت من عنده ، فلم أبلغ الباب حتى سمعت الصراخ عليه »
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن رجل من الأنصار قال : « حضرنا مولى لنا عند موته ، فبينا نحن عنده وهو يحشرج ، إذ صاح صيحة ما بقي منا إنسان إلا سقط على الأرض . ثم أفقنا ، فرفعنا رءوسنا ، فإذا هو جالس . فذهبنا ننظر ، فإذا وجهه كأنه كبة طين ، قد التقى جلده ووجهه ورأسه على عينيه ، ثم تمدد ، فمات فسألنا عن أمره ، فإذا هو صاحب باطل »
عن رجل من أهل الشام يقال له البراء قال : « شهدت فتى يموت ، فجعل يظهر بجسده مثل ضرب السياط ، فيتوجع ويقول : دعوني أقل ، هو ذا أقول . ادعوا لي أبي . فإذا دعي أبوه يقول : واسوأتاه . ثم يكف . يمكث هكذا يومين أو يليه . فلما انقضى أجله قال : هو ذا أقول ، ادعوا لي أبي . فلما دعوه قال : يا أبتاه ، اعلم أني كنت أخالفك إلى امرأتك ثم مات »
قال علي بن أبي طالب : دخلت على عمر بن الخطاب حين وجأه أبو لؤلؤة وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ قال : « أبكاني خبر السماء ، أين يذهب بي ، إلى الجنة أو إلى النار ؟ فقلت : أبشر بالجنة ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصيه يقول : » سيدا أهل الجنة أبو بكر وعمر « . فقال : أشاهد أنت يا علي لي بالجنة ؟ قلت : نعم ، وأنت يا حسن فاشهد على أبيك رسول الله أن عمر من أهل الجنة .
عن علقمة قال : واشتكى عبد الله ، فلم أره في وجع كان أرمض منه في ذلك الوجع ، فقلت له في ذلك فقال : « إني خشيت أن أكون لما بي إنه أحرى وأقرب بي من الغفلة »
بكى عبد الله عند الموت ، فقيل له : أتبكي وقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : « وكيف لا أبكي وقد ركبت ما نهاني عنه ، وتركت ما أمرني به ، وذهبت الدنيا لحال بالها ، وبقيت الأعمال قلائد في أعناق بني الرجال ، إن خير فخير ، وإن شر فشر »
لما احتضر صفوان بن سليم حضره إخوانه ، فجعل يتقلب ، فقالوا : كأن لك حاجة . قال : « نعم ، فقالت ابنته : ما له من حاجة . قال : نعم ، إلا أنه يريد أن تقوموا عنه فيقوم فيصلي وما ذاك فيه . فقام القوم عنه ، وقام إلى مسجده ، فصلى ، فوقع ، فصاحت ابنته ، فدخلوا عليه ، فحملوه ، ومات »
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، أنه ذكر عمر وأبا بكر ابني المنكدر قال : « لما حضر أحدهما الموت بكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ إن كنا لنغبطك بهذا اليوم ، قال : أما والله ما أبكي أن أكون ركبت شيئا من معاصي الله اجتراء على الله ، ولكني أخاف أن أكون أتيت شيئا هينا وهو عند الله عظيم . قال : وبكى الآخر عند الموت فقيل له مثل ذلك ، فقال : إني سمعت الله يقول لقوم : ( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) ، فأنا أنتظر ما ترون ، والله ما أدري ما يبدو لي »
أتى صفوان بن سليم محمد بن المنكدر وهو في الموت فقال : « يا أبا عبد الله ، كأني أراك قد شق عليك الموت ؟ فما زال يهون عليه الأمر ، ويتجلى عن محمد ، حتى لكأن وجهه المصابيح . ثم قال له محمد : » لو ترى ما ألاقيه لقرت عينك . ثم قضى «
عن نافع قال : « لما حضرته الوفاة جعل يبكي ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : ذكرت سعدا وضغطة القبر » نظر يونس عند موته إلى قدميه ، فبكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : « ذكرت أنهما لم تغبرا في سبيل الله »
عن أبي إسحاق قال : « قيل لرجل من عبد القيس : أوص ، قال : أنذركم سوف » عن مجاهد قال : « ما من ميت يموت إلا مثل له جلساؤه . قال : فاحتضر رجل ، فقيل له : قل لا إله إلا الله . قال : شاهك »
عن الصلت قال : سمعت عطاء السليمي يقول عند الموت : « اللهم ارحم في الدنيا غربتي ، وارحم عند الموت صرعتي ، وارحم في القبر وحدتي ، وارحم مقامي بين يديك يوم النشور »
لما حضر الحسن بن علي الموت ، بكى بكاء شديدا ، فقال له الحسين : ما يبكيك يا أخي وإنما تقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى علي وفاطمة وخديجة وهم ولدوك ، وقد أجرى الله لك على لسان نبيه أنك « سيد شباب أهل الجنة » ، وقاسمت الله مالك ثلاث مرات ، ومشيت إلى بيت الله على قدميك خمس عشرة مرة حاجا ؟ وإنما أراد أن يطيب نفسه . قال : فوالله ما زاده إلا بكاء وانتحابا ، وقال : « يا أخي ، إني أقدم على أمر عظيم وهول لم أقدم على مثله قط »
عن قيس بن أبي حازم قال : دخلنا على سعد بن مسعود - يعني وهو في الموت - فقال : « ما أدري ما تقولون ؟ غير أنه ليت ما في تابوتي نار فلما مات نظروا فإذا فيه ألف أو ألفان »
عن عبد الجبار قال : « مرض جليس للحسن ، فسأل عنه ، فقيل : مريض ، وقد أحب أن تأتيه . فأتاه ، فدخل عليه ، وإذا الرجل لما به ، فقال : إن أمرا يصير إلى هذا لأهل أن يزهد فيه . ثم قال : إن أمرا أهونه هذا لأهل أن يتقى . فلما جد به قالت ابنته : يا أبتاه ، مثل يومك لم أر ، فقال لها الحسن : كفي . بلى ؛ مثل يومه لم ير »
عن أبي الأسود قال : « حضرت رجلا الوفاة - يقال له هردان - على ماء يقال له الدماوة ، فقيل له : يا أبا هردان ، قل : لا إله إلا الله . فقال : قد كنت أحيانا شديد المعتمد قيل : قل : لا إله إلا الله . قال : قد وردت نفسي وما كادت ترد ، قيل : قل : لا إله إلا الله . قال : قد كنت أحيانا على الخصم الألد . قيل : قل : لا إله إلا الله . قال : فالآن قد لاقيت قرنا لا يرد . قال : ثم خفت . قال : فقلت : والله لا أشهد رجلا لم يلقن لا إله إلا الله . قال : فأتيت في منامي فقيل : اشهد هردانا فإنه من أهل الجنة . قلت : بم ؟ قيل : ببره والدته »
قال أبو إسحاق الفزاري يقول لعبد الله بن المبارك : « يا أبا عبد الرحمن ، كان رجل من أصحابنا جمع من العلم أكثر مما جمعت وجمعت ، فاحتضر ، فشهدته ، فقال له : قل لا إله إلا الله . فيقول : لا أستطيع أن أقولها . ثم تكلم ، فيتكلم . قال ذلك مرتين . فلم يزل على ذلك حتى مات قال : فسألت عنه ، فقيل : كان عاقا بوالديه . فظننت أن الذي حرم كلمة الإخلاص لعقوقه بوالديه »
قال أبو نعيم : دخلت على زفر وهو يجود بنفسه وهو يقول : « لها ثلاثة أرباع الصداق ، لها خمسة أسداس الصداق . وعنده نوح بن دراج يبكي »
عن عبد الله بن سلمة بن معبد الفراء قال : « حضرت رجلا الوفاة في فلاة من الأرض ، وحضره ناس من الأعراب ، فلما أحس بالموت جعل يقول لهم : وجهوني وجهوني . فجعلوا لا يدرون ما يريد . فلما خاف أن يعجله الموت عن التوجيه قال : يا هؤلاء وجهوني . قالوا : إلى أين نوجهك ؟ فبكى ثم قال : إلى البيت الذي من كل فج إليه وجوه أصحاب القبور قال : فبكى - والله - القوم جميعا ، ثم وجهوه إلى القبلة ، فمات »
قال رجل لسلمة الأسواري وهو في الموت : كيف تراك يرحمك الله ؟ فبكى ثم قال : « أراني أصير في القبر وحدي طائر القلب ليس لي من نصير قال : فأبكى - والله - القوم جميعا »
قال رجل من النساك : أن رجلا حضرته الوفاة ، فأدخل يده في أذنه ، فوجد ماء أذنه قد عذب . ويقال إن الميت إذا صار إلى حد الموت عذب ماء أذنه . فلما أصابه عذبا أحس بالموت ، فقال : من كان مسرورا بمصرع هالك فليأت نسوتنا بوجه نهار يجد النساء حواسرا يندبنه قد قمن قبل تبلج الأسحار قد كن يكنن الوجوه تسترا فاليوم حين برزن للنظار قال : فمات - والله - من ليلته.
عن محمد بن الحسين قال : دخلت على العباس بن خزيمة بن عبيد الله في مرضه الذي مات فيه فرأيته قد جزع جزعا شديدا ، قلت له : ما الذي قد أرى بك ؟ فقال : « إن ذكر الموت أبدى جزعي ولمثل الموت أبدي الجذعا فله كأس بنا دائرة مزجت بالصاب منها سلعا كل حي سوف تسقيه وإن مد في الغصة منه جرعا ثم لم يزل يبكي حتى غشي عليه . فخرجت من عنده ، فلما كان من الغد مات . رحمه الله »
لما احتضر الفرزدق قال : أروني من يقوم لكم مقامي إذا ما الأمر جل عن العتاب إلى من تفزعون إذا حثيتم بأيديكم علي من التراب فقال ابنه : إلى الله.
لما قدم هدبة بن الخشرم العذري ليقتل ومعه أبواه يبكيان ، التفت إليهما فقال : أبلياني اليوم صبرا منكما إن حزنا منكما باد لشر لا أرى ذا الموت إلا هينا إن بعد الموت دار المستقر اصبرا اليوم فإني صابر كل حي لفناء وقدر.
قال أبو عبد الرحمن العمري : أن رجلا حضره الموت ، فأخذ أخوه رأسه ، فوضعه في حجره ، فدمعت عينه ، فوقعت قطرة من دمعه على خده ، فرفع طرفه إليه ، فرأى أخاه يبكي ، فقال : أي أخي لا تبك ، واستعد لمثلها . ثم قال : أخيين كنا فرق الدهر بيننا إلى الأمد الأقصى فمن يأمن الدهرا ثم خرجت نفسه فمات
عن ابن شبرمة قال : « مرض رجل من بني يربوع ، فاشتد مرضه قال : وبنتان له عند رأسه ، فنظر إليهما فقال : ألا ليت شعري عن بنتي بعدما يوسد لي في قبلة اللحد مضجع وعن وصل أقوام أتى الموت دونهم أيرعون ذاك الوصل أم تتقطع ؟ وما يحفظ الأموات إلا محافظ من القوم داع للأمانة مقنع فمات ، فوالله ما عاد أحد على ولده بشيء »
عن البراء الغنوي سمع الحسن يقول : دخل على معاوية وهو بالموت ، فبكى ، فقيل : ما يبكيك ؟ قال : « ما أبكي على الموت أن حل بي ، ولا على دنيا أخلفها ، ولكن هما قبضتان : قبضة في الجنة ، وقبضة في النار ، فلا أدري في أي القبضتين أنا ؟ »
دخل حبيب بن مسلمة على أبي الدرداء وهو في الموت ، فقال : ما أراه إلا الفراق ، فجزاك الله من معلم خيرا ، عظني بشيء ينفعني الله به ، قال : « يا حبيب بن مسلمة ، عد نفسك من أصحاب الأجداث ، يا حبيب بن مسلمة اتق دعوة المظلوم »
عن ابن أبي كثير : أن أبا هريرة بكى في مرضه ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : « أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ، ولكن أبكي على بعد سفري ، وقلة زادي ، وأني أمسيت في صعود مهبط ، على جنة أو نار ، ولا أدري إلى أيهما يؤخذ بي »
عن عبد الله بن عمرو : أن أباه قال حيث احتضر : « اللهم أمرتنا بأمور ، ونهيت عن أمور ، تركنا كثيرا مما أمرت ، ووقعنا في كثير مما نهيت ، اللهم لا إله إلا أنت . ثم أخذ بإبهامه ، فلم يزل يهلل حتى فاض »
لما حضر الحسن بن علي قال : « أخرجوا فراشي إلى الصحن حتى أنظر في ملكوت السماوات . فأخرجوا فراشه ، فرفع رأسه ، فنظر فقال : اللهم إني أحتسب نفسي عندك ، فإنها أعز الأنفس علي . قال : فكان مما صنع الله له أن احتسب نفسه عنده »
عن عبد العزيز بن أبي رواد قال : دخلت على المغيرة بن حكيم في مرضه الذي مات فيه ، فقلت : أوصني . قال : « اعمل لمثل هذا المضجع »
عن رجل من بني نهشل قال : دخلوا على أبي بكر النهشلي وهو يجود بنفسه ، ويعقد بيده ، فقال رجل : في هذه الحال ؟ فقال : « إني أبادر طي الصحيفة »
« مر مالك بن دينار على رجل ، فرآه على بعض ما يكره ، فقال : يا هذا اتق الله . قال : يا مالك دعنا ندق العيش دقا . فلما حضرت الرجل الوفاة قيل له : قل لا إله إلا الله . قال : إني أجد على رأسي ملكا يقول : والله لأدقنك دقا »
مرض مالك بن دينار ، فقيل له : لو أمرت بشيء يعقد البطن ؟ فقال : « اللهم إنك تعلم أني لا أريد التنعم في بطني ، ولا فرجي »
لما حضرت مالك بن دينار الوفاة قال : « جهزوني من دار الدنيا إلى دار الآخرة . فمات ، فما وجدوا في بيته شيئا إلا خلق قطيفة ، وسندانة ، ومطهرة ، وقطعة بارية »
عن عبد العزيز بن أبي رواد قال : حضرت رجلا في النزع ، فجعلت أقول له : لا إله إلا الله . فكان يقول . فلما كان في آخر ذلك قلت له : قل لا إله إلا الله . قال : كم تقول ؟ إني كافر بما تقول . وقبض على ذلك فسألت امرأته عن أمره فقالت : كان مدمن خمر فكان عبد العزيز يقول : اتقوا الذنوب ، فإنما هي أوقعته.
عن يحيى بن أبي كثير ، أن أبا سلمة حدثه قال : دخلت على أبي هريرة وهو وجع شديد الوجع ، فاحتضنته فقلت : اللهم اشف أبا هريرة . قال : « اللهم لا ترجعها . قالها مرتين . ثم قال : إن استطعت أن تموت فمت ، فوالذي نفس أبي هريرة بيده ليأتين على الناس زمان يكون الموت أحب إلى أحدهم من الذهبة الحمراء . وليأتين على الناس زمان يمر الرجل على قبر أخيه المسلم فيتمنى أنه صاحبه »
عن ثابت قال : دخلت أنا والحسن على صفوان بن محرز نعوده وهو ثقيل ، فقال : « إنه من كان في مثل حالي ملأت الآخرة قلبه ، وكانت الدنيا أصغر في عينه من الذباب »
عن عطاء بن السائب قال : دخلنا على أبي عبد الرحمن نعوده ، فذهب بعض القوم يرجيه فقال : « أنا لا أرجو ربي وقد صمت له ثمانين رمضان ؟ »
عن الشعبي قال : لما احتضر الوليد بن المغيرة جزع ، فقال له أبو جهل : يا عم ما يجزعك ؟ قال : « والله ما بي جزع من الموت ، ولكني أخاف أن يظهر دين ابن أبي كبشة بمكة ، قال أبو سفيان : يا عم لا تخف ، أنا ضامن ألا يظهر »
حين حضرت الوفاة عمرو بن العاص ذرفت عيناه ، فبكى ، فقال له ابنه عبد الله : بالله ما كنت أخشى أن ينزل بك أمر الله إلا صبرت عليه . فقال : « يا بني ، إنه نزل بأبيك خصال ثلاثة : أما أولاهن : فانقطاع عمله . وأما الثانية : فهول المطلع . وأما الثالثة : ففراق الأحبة ، وهي أيسرهن . ثم قال : اللهم أمرت فتهاونت ، ونهيت فعصيت ، اللهم ومنك العفو والتجاوز »
قال بلال حين حضرته الوفاة : « غدا نلقى الأحبة ، محمدا وحزبه ، قال : تقول امرأته : واويلاه قال : يقول : وافرحاه »
عن حزم قال : دخلنا على مالك بن دينار في مرضه الذي مات فيه وهو يكيد بنفسه ، فرفع رأسه إلى السماء ثم قال : « اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لبطن ولا لفرج »
عن معتمر ، عن أبيه قال : بكى عامر عند الموت ، فقيل : ما يبكيك ؟ قال : « ثلاث : ثنتان أخلفهما ، فواحدة أمامي ، فمفازة تقطع عنق من قطعها بغير زاد »
عن زيد بن أسلم ، عن أبيه : أن عمر حين طعن قال : « لو كان لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من كرب ساعة - يعني بذلك الموت - فكيف بي ولم أرد النار بعد ؟ »
عن جعفر قال : شهدت أبا عمران الجوني وهو في الموت ، قال : فدخل عليه أيوب السختياني فقال لابنه : لقن أباك لا إله إلا الله . فقال أبو عمران لابنه : « ما يقول ؟ » قال : قال لقن أباك . قال أبو عمران : « يا أيوب ، إنها أمامي ، لا أعرف غيرها.
دخل مروان على أبي هريرة في شكواه الذي مات فيه فقال : شفاك الله يا أبا هريرة . فقال أبو هريرة : « اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي . فما بلغ مروان أصحاب القطن حتى مات.
عن ثابت قال : لما كبر معاوية خرجت له قرحة في ظهره ، فكان إذا لبس دثارا ثقيلا - والشام أرض باردة - أثقله ذلك وغمه ؛ فقال : « اصنعوا لي دثارا خفيفا دفيئا من هذه السخال . فصنع له ، فلما ألقي عليه تسار إليه ساعة ، ثم غمه ، فقال : جافوه عني . ثم لبسه . ثم غمه فألقاه ، ففعل ذلك مرارا ثم قال : قبحك الله من دار ، ملكتك أربعين سنة ، عشرين خليفة وعشرين أميرا ، ثم صيرتني إلى ما أرى قبحك الله من دار »
كان عمرو بن العاص على مصر ، فاشتكى وثقل ، فقال لصاحب شرطه : أدخل علي ناسا من وجوه أصحابك آمرهم بأمر . فلما دخلوا عليه ، نظر إليهم ثم قال : « إنها قد بلغت هذه ، اردعوها عني ، قالوا : ومثلك أيها الأمير يقول هذا ؟ هذا أمر الله الذي لا مرد له . قال : إي والله قد عرفت أنه كذا ، ولكني أحببت أن تتعظوا . لا إله إلا الله . فلم يزل يقولها حتى مات »
احتضر رجل من جهينة ، فأتاه جيرانه وإخوانه ، فنظر إليهم حوله ، فاغرورقت عيناه ثم قال : غدا يكثر الباكون منا ومنكم وتزداد داري من دياركم بعدا .
قال الحسين بن عبد الرحمن : أشرف أحمد بن يوسف - وهو بالموت - على بستان له على شاطئ دجلة ، فجعل يتأمله ويتأمل دجلة ، ثم تنفس وقال متمثلا : ما أطيب العيش لولا موت صاحبه ففيه ما شئت من عيب لعائبه قال : فما أنزلناه حتى مات .
عن إسحاق بن السري قال : دخلنا على عبد الله بن يعقوب في اليوم الذي مات فيه ، وعنده متطبب ينعت له دواء ، فقال عبد الله متمثلا : إن عيشا يكون آخره الموت لعيش معجل التنغيص ومات من يومه .
عن يعقوب بن إسحاق قال : أنه حضر رجلا يموت ، فقيل له : قل لا إله إلا الله . فقال : أنا إن مت فالهوى حشو قلبي فبداء الهوى يموت الكرام ثم قال : يا من لا يموت ، ارحم من يموت . ثم لم يلبث أن مات.
قال أبو المنذر إسماعيل بن عمر : دخلنا على ورقاء بن عمر وهو في الموت ، فجعل يهلل ويكبر ويذكر الله ، وجعل الناس يدخلون عليه أرسالا ، يسلمون فيرد عليهم ويخرجون . فلما كثروا عليه أقبل على ابنه فقال : « يا بني اكفني رد السلام على هؤلاء لا يشغلوني عن ربي »
عن سيار بن سلامة قال : دخلت على أبي العالية في مرضه الذي مات فيه ، قال : « إن أحبه إلي أحبه إلى الله »
عن ربعي بن حراش أنه حدثهم : أن أخته وهي امرأة حذيفة قالت : لما كان ليلة توفي حذيفة جعل يسألنا : أي الليل هذا ؟ فنخبره . حتى كان السحر ، قالت : فقال : أجلسوني . فأجلسناه ، قال : وجهوني . فوجهناه ، قال : « اللهم إني أعوذ بك من صباح النار ومن مسائها »
عن جعفر قال : دخلنا على أبي التياح الضبعي نعوده في مرضه الذي مات فيه ، فقال : « والله إن كان لينبغي للرجل المسلم اليوم أن يزيده ما يرى في الناس من التهاون بأمر الله ؛ أن يزيده ذلك لله جدا واجتهادا . ثم بكى »
لما نزل بالعباس بن عبد المطلب الموت قال لابنه : يا عبد الله ، إني والله ما مت موتا ، ولكني فنيت فناء ، وإني موصيك بحب الله وحب طاعته ، وخوف الله وخوف معصيته ، فإنك إذا كنت كذلك لم تكره الموت متى أتاك ، وإني أستودعك الله يا بني . ثم استقبل القبلة فقال : لا إله إلا الله . ثم شخص ببصره فمات .
أمر بشر بن مروان برجل يقتل ، فلما شد بالحبال وقام الذي يقتله بكى ثم تلا هذه الآية : ( يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون ) قال : وضربت عنقه على تلك الحال
عن سفيان قال : « أتي زياد برجل فأمر به ليقتل ، فلما أحس الرجل بالموت قال : ائذنوا لي أتوضأ وأصلي ركعتين فأموت على توبة لعلي أنجو من عذاب الله . قال زياد : ما يقول ؟ قالوا : يقول كذا وكذا . قال : دعوه فليتوضأ وليصل ما بدا له . قال : فتوضأ ، وصلى كأحسن ما يكون . فلما قضى صلاته أتي به ليقتل ، فقال له زياد : هل استقبلت التوبة ؟ قال : إي والذي لا إله غيره . فخلى سبيله »
عن مالك بن أنس قال : كان عمر بن حسين من أهل الفضل ، والفقه ، والمشورة في الأمور ، والعبادة . وكانت القضاة تستشيره . قال مالك : ولقد أخبرني من حضره عند الموت ، فسمعه يقول : « ( لمثل هذا فليعمل العاملون ) ، فقلت لمالك : أتراه قال هذا لشيء عاينه ؟ قال : نعم »
لما احتضر محمد بن سليمان ، كان رأسه في حجر أخيه جعفر بن سليمان . قال جعفر : وا انقطاع ظهراه ، قال محمد : « وا انقطاع ظهر من يلقى الحساب غدا ، والله ليت أمك لم تلدني ، وليتني كنت جمالا وأني لم أكن فيما كنت فيه »
« حضر رجلا من الأنصار الموت ، قال لابنه : يا بني ، إني موصيك بوصية فاحفظها عني ، فإنك خليق ألا تحفظها على غيري : اتق الله . إن استطعت أن يكون اليوم خيرا منك أمس ، وغدا خيرا منك اليوم ؛ فافعل . وإياك والطمع ، فإنه عدو حاضر ، وعليك باليأس ، فإنك لم تيأس من شيء إلا استغنيت عنه . وكل شيء يعتذر منه فإنه لن يعتذر من خير . وإذا عثر عاثر من الناس فاحمد الله أن لا تكونه . وإذا قمت إلى صلاتك فصل صلاة مودع ، وأنت ترى أنك لن تصلي بعدها أبدا »