فوائد من كتاب الرقة والبكاء 3
حكمــــــة
عن مطر الوراق قال : بات هرم بن حيان عند حممة ، فبات حممة باكيا حتى أصبح فلما أصبح قال له هرم : يا أخي ما أبكاك الليلة ؟ قال : « ذكرت ليلة صبيحتها تناثر الكواكب قال : وبات حممة عند هرم ليلة أخرى ، فبات هرم بن حيان باكيا حتى أصبح فلما أصبح قال له حممة : يا أخي ما أبكاك الليلة ؟ قال : يا أخي ذكرت ليلة صبيحتها تبعثر القبور للمحشر إلى الله وكانا إذا أصبحا غدوا فمرا بأكورة الحدادين كيف ينفخ عليها ، فيقعدان ، ويبكيان ، ويستجيران الله من النار . ثم يأتيان أصحاب الرياحين ، فيقفان ، فيسألان الله الجنة . ثم يدعوان بدعوات ، ويفترقان »
حكمــــــة
عن عاصم الرقاشي قال : انطلق عزوان وحممة إلى عامر بن عبد الله فوجداه مغلقا عليه بابه فسمعاه يبكي . فجلسا ببابه يبكيان لبكائه . ثم أذن لهما فرأى أثر البكاء على وجوههما فقال : ما أبكاكما ؟ قالا : سمعناك تبكي فبكينا لبكائك . قال : أخبركما ما أبكاني . « إني ذكرت الليلة التي صبيحتها يوم القيامة ، قلت : إنها لتمخض بأمر عظيم ».
حكمــــــة
عن مالك بن مغول قال : مر رجل بعامر بن عبد قيس وهو جالس في طريق وهو يبكي ، فقال : يا عامر ما يبكيك ؟ قال : « شيء ما أبكاني ، عجبت من ليلة تمخض صبيحتها يوم القيامة » . وكان إذا أصبح خرج إلى طريق من الطرق ، فإذا رأى الناس قد خرجوا إلى حوائجهم ، والناس يذهبون يمينا وشمالا ، فيقول : « يا رب غدا الغادون في حوائجهم ، وغدوت أسألك المغفرة ».
حكمــــــة
عن جنيد قال : بينما الحسن في يوم من رجب في المسجد وفي يده بلبلة وهو يمص ماءها ، ثم يمجه في الحصى ، ثم تنفس تنفسا شديدا ، ثم بكى حتى رعدت منكباه ثم قال : « لو أن بالقلوب حياة ، لو أن بالقلوب صلاحا ، لأبكيتكم من ليلة صبيحتها يوم القيامة . إن ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة ، ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر فيه عورة بادية ولا عين باكية من يوم القيامة ».
حكمــــــة
عن مجاهد « أن آدم ، لما أكل من الشجرة تساقط عنه جميع زينة الجنة ، فلم يبق عليه شيء من زينتها إلا التاج والإكليل وجعل لا يستتر بشيء من ورق الجنة إلا سقط عنه فالتفت إلى حواء باكيا وقال : استعدي للخروج من جوار الله ، هذا أول شؤم المعصية . قالت : يا آدم ما ظننت أحدا يحلف بالله كاذبا ، وذلك أن إبليس لما قاسمهما على الشجرة ، وانطلق آدم في الجنة هاربا استحياء من رب العالمين ، فتعلقت به شجرة ببعض أغصانها ، ظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة ، فنكس رأسه يقول : العفو العفو . فقال الله : يا آدم فرارا مني ؟ قال : بل حياء منك سيدي . فأوحى الله إلى الملكين : أخرجا آدم وحواء من جواري ، فإنهما قد عصياني . فنزع جبريل التاج عن رأسه ، وحل ميكائيل الإكليل عن جبينه . قال مجاهد فلما أهبط من ملكوت القدس إلى دار الجوع والمسغبة ، بكى على خطيئته مائة سنة . قد رمى برأسه على ركبتيه حتى نبتت الأرض عشبا وأشجارا من دموعه ، حتى يقع الدمع في نقر الجلاهم وأقعيتها . فمر به نسر عظيم قد أجهده العطش فشرب من دموع آدم وأنطق الله النسر فقال : يا آدم إني في هذه الأرض قبلك بألفي عام ، وقد بلغت شرق هذه الأرض وغربها ، وشربت من بطون أوديتها ، وغدران جبالها ، وسيف بحارها ، ما شربت ماء أعذب ولا أطيب رائحة من هذا الماء . قال آدم ويحك يا نسر أتعقل ما تقول ؟ من أين تجد عذوبة دمع من عصى ربه ، وجرى على خدين عاصيين ؟ وأي دمع أمر من دمع عاص ؟ ولكن أظن بك أيها النسر أنك تعيرني لأني عصيت ربي ، فأزعجت من دار النعمة إلى دار البؤس والمسكنة . فقال النسر : يا آدم أما ما ذكرت من التعيير ، فما أعيرك ، ولكن هكذا وجدت طعم دموعك . وأي دمع أعذب من دمع عبد عصى ربه ، وذكر ذنبه ، فوجل قلبه ، وخشع جسمه ، وبكى على خطيئته خوفا من ربه ».
حكمــــــة
عن يزيد الرقاشي قال : « إنما سمي نوحا صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان نواحا ». عن مجاهد قال : « سأل داود ربه أن يجعل خطيئته في كفه . فكان لا يتناول طعاما ولا شرابا ، ولا يمد يده إلى شيء إلا أبصر خطيئته فأبكاه قال : فكان ربما أتي بالقدح ثلثاه ماء فيهريقه يتناوله فينظر إلى خطيئته ، ولا يضعه على شفته حتى يفيض من دموعه ».
حكمــــــة
عن سفيان قال : « كان داود يصلي في المحراب وحوله ثلاثون ألفا يحرسونه فتسور عليه رجلان المحراب ، ففزع منهما ، فقالا : ( لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحقإلى قوله : ( وخر راكعا وأناب ) فسجد أربعين ليلة يبكي حتى نبت حوله من العشب ما غطى رأسه . فقال : يا رب قرح جبيني ، ولا أرى خطيئتي تذكر . قال : يا داود ، أجائع فتطعم ، أم عطشان فتسقى ، أم عار فتكسى ؟ قال : فنحب نحبة هاج ما حوله . أي : يبس ».
حكمــــــة
عن ابن سابط ، قال : « لو عدل بكاء داود ببكاء أهل الأرض بعد آدم ، لعدل بكاء داود صلى الله عليه وسلم ببكاء أهل الأرض ». عن وهب بن منبه قال : « كتب داود في كفه : داود الخطاء ». عن حماد بن يحيى الأبح قال : سمعت محمد بن واسع ، ورأى رجلا يبكي ، فقال : « بلغنا أن الباكي مرحوم ، فمن استطاع أن يبكي فليبك ، فلمثل ما يقدم عليه فليبك له »
حكمــــــة
عن وهب بن منبه قال : « كان لداود حشية محشوة بالرماد يصلي عليها ، فكان يسجد ، فيبكي حتى يبتل موضع سجوده . ثم تغلبه الدموع ، فتجري حتى تبتل الحشية من تحته وكان ينادي في سجوده : قرح الجبين ، وجفت الدمعة ، وخطيئتي لم تغفر فقيل له : يا داود أظمآن فتسقى ؟ أجائع فتطعم ؟ أعار فتكسى ؟ قال : فازداد بكاء على بكائه ، وأخذ في الأنين عند منقطع النحيب قال : فعند ذلك رحم ، فغفر له ».
حكمــــــة
عن عمر بن ذر عن أبيه قال : « لما تاب الله على داود ، جعل يوما لقضائه ، ويوما لنسائه ، ويوما لبكائه . وأمر بفرش مسوح فقطعت وحشيت له بالرماد ، وكتب خطيئته في كفه لئلا ينساها . فكان إذا استسقى فأخذ . . فنظر إلى خطيئته بكى حتى يملأ إناءه . وخلط طعامه بالرماد ، فكان يجلس يوم بكائه على فرشه ، وينزل إليه أربعة آلاف عابد يبكون معه ، فكان يبكي حتى يبل فراشه ، وتصل دموعه إلى الأرض تحت فرشه ».
حكمــــــة
عن مالك بن دينار : في قوله تعالى: ( وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ) قال : « إذا كان يوم القيامة أمر بمنبر رفيع ، فوضع في الجنة ، ثم نودي : يا داود مجدني بذاك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في الدنيا قال : فيستفرغ صوت داود جميع نعيم الجنان . فذلك قوله : ( وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ) ».
حكمــــــة
« شبع يحيى بن زكريا ليلة شبعة من خبز شعير ، فنام عن جزئه حتى أصبح . فأوحى الله إليه : يا يحيى وجدت دارا خيرا لك من داري ؟ وجوارا خيرا لك من جواري ؟ وعزتي يا يحيى لو اطلعت إلى الفردوس اطلاعة لذاب جسمك وزهقت نفسك اشتياقا ولو اطلعت إلى جهنم اطلاعة ، لبكيت الصديد بعد الدموع ، وللبست الحديد بعد المسوح».
حكمــــــة
ظهر إبليس ليحيى بن زكريا نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له يحيى : يا إبليس ما هذه المعاليق التي أرى عليك ؟ قال : هذه الشهوات التي أصيب كل يوم . قال : فهل لي فيها شيء ؟ قال : ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة ، وعن الذكر . قال : لله علي أن لا أملأ بطني من طعام أبدا . قال : إبليس : ولله علي أن لا أنصح مسلما أبدا ».
حكمــــــة
عن يزيد الرقاشي قال : « إن لله ملائكة حول العرش أعينهم مثل الأنهار إلى يوم القيامة ، يميدون كأنما تنفضهم الريح من خشية الله ، فيقول لهم الرب : يا ملائكتي ما الذي يخيفكم وأنتم عندي ؟ فيقولون : يا رب لو أن أهل الأرض اطلعوا وعزتك وعظمتك على ما اطلعنا عليه ، ما أساغوا طعاما ، ولا شرابا ، ولا أنسوا في فرشهم ، ولخرجوا في الصحاري يخورون كما تخور البقر ».
حكمــــــة
قال ابن عباس : طلبني عمر ، فأتيته ، فإذا بين يديه نطع عليه الذهب منقور ، فقال : « اذهب فاقسم هذا بين قومك ؛ والله أعلم حين حبس هذا عن نبيه ، وعن أبي بكر ، ألخير أعطاني أم لشر قال : ثم سمعت البكاء فإذا صوت عمر يبكي ويقول في بكائه : كلا والذي نفسي بيده ، ما حبس الله هذا عن نبيه وعن أبي بكر لشر لهما ، وأعطاه عمر إرادة الخير به ».
حكمــــــة
عن زياد ، مولى ابن عياش قال : لو رأيتني ودخلت على عمر بن عبد العزيز في ليلة شاتية ، وفي بيته كانون وعمر على كتابه ، فجلست أصطلي على الكانون ، فلما فرغ من كتابه ، مشى إلي عمر حتى جلس معي على الكانون ، وهو خليفة ، فقال : « زياد بن أبي زياد ؟ » قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، قال : « قص علي » قلت : ما أنا بقاص قال : « فتكلم » . قال : قلت : زياد ؟ وما له ؟ لا ينفعه من دخل الجنة إذا دخل النار ، ولا يضره غدا من دخل النار إذا دخل الجنة قال : « صدقت والله ، ما ينفعك من دخل الجنة إذا دخلت النار ، ولا يضرك من دخل النار إذا دخلت الجنة » قال : فلقد رأيت عمر يبكي حتى أطفأ الجمر الذي في الكانون.