فَوَائِد من كتاب الغرباء للآجري
حكمــــــة
قال محمد بن الحسين:
"رأيت منذ سنين كثيرة مع عجوز جوربين أبيضين، أخبرتني أن شابا من أهل دمشق محبوس في المطبق مظلوم، وأنه نسج على خصريهما بيتين من الشعر في الغرباء:
عَلَى الْأَوَّلِ:
غَرِيبٌ يُقَاسِي الْهَمَّ فِي أَرْضِ غُرْبَةٍ... فَيَا رَبِّ قَرِّبْ دَارَ كُلِّ غَرِيبٍ.
وَعَلَى الثَّانِي:
وَأَنَا الْغَرِيبُ فَلَا أُلَامُ عَلَى الْبُكَا... إِنَّ الْبُكَا حَسَنٌ بِكُلِّ غَرِيب ".
حكمــــــة
عن نافع بن مالك قال:
دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه المسجد فوجد معاذ بن جبل رحمه الله جالسا إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال له عمر: ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن هلك أخوك - لرجل من أصحابه - هلك قال: لا، ولكن حديثا حدثنيه حبي ﷺ وأنا في هذا المسجد، فقال: ما هو يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أخبرني «أن الله تبارك وتعالى يحب الأخفياء الأتقياء الأبرياء، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل فتنة عمياء مظلمة».
حكمــــــة
حدثني سعيد بن عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون المصري يقول:
" بينا أنا في مسيري إذ لقيتني امرأة من المتعبدات، كأنها والهة فقالت لي: من أين أنت؟ فقلت: أنا رجل غريب، فقالت لي: يا غريب وهل توجد مع الله عز وجل أحزان الغربة وهو مؤنس الغرباء ومعين الضعفاء؟ قال: فبكيت، فقالت: اعلم أن البكاء راحة للقلب وملجأ يلجأ إليه، وما كتم القلب شيئا هو أولى من الشهيق والزفير، قلت: علميني شيئا، فقالت: حب ربك واشتق إليه، فإن له يوما يتجلى فيه لأهل محبته فينيلهم ما أملوا من رؤيته، ثم أخذت في الشهيق والزفير فتركتها على حالها ومضيت ".
حكمــــــة
{مِن أغرب القصص الذي قرأتها #لا_تفوتكم}
عن عبد الله بن الفرج العابد قال: " احتجت إلى صانع يصنع لي شيئا من أمر الروزجاريين فأتيت السوق فجعلت أرمق الصناع، فإذا في أواخرهم شاب مصفر بين يديه زبيل كبير، ومر وعليه جبة صوف ومئزر صوف فقلت له: تعمل؟ قال: نعم، قلت: بكم؟ قال: بدرهم ودانق فقلت له: قم حتى تعمل قال: على شريطة، قلت: ما هي؟ قال: إذا كان وقت الظهر وأذن المؤذن خرجت فتطهرت وصليت في المسجد جماعة ثم رجعت، فإذا كان وقت العصر فكذلك، قلت: نعم، فقام معي فجئنا المنزل فوافقته على ما ينقله من موضع إلى موضع، فشد وسطه وجعل يعمل ولا يكلمني بشيء حتى أذن المؤذن للظهر، فقال: يا عبد الله قد أذن المؤذن، قلت: شأنك، فخرج فصلى فلما رجع عمل أيضا عملا جيدا إلى العصر، فلما أذن المؤذن، قال لي: يا عبد الله، قد أذن المؤذن قلت: شأنك. فخرج فصلى العصر ثم رجع، فلم يزل يعمل إلى آخر النهار فوزنت له أجرته وانصرف، فلما كان بعد أيام احتجنا إلى عمل، فقالت لي زوجتي: اطلب لنا ذلك الصانع الشاب فإنه قد نصحنا في عملنا، فجئت السوق فلم أره فسألت عنه فقالوا: تسأل عن ذاك المصفر المشؤوم الذي لا نراه إلا من سبت إلى سبت، لا يجلس إلا وحده في آخر الناس؟ قال: فانصرفت فلما كان يوم السبت أتيت السوق فصادفته، فقلت له: تعمل؟ قال: قد عرفت الأجرة والشرط؟ قلت: أستخير الله تعالى فقام فعمل على النحو الذي كان عمل، قال فلما وزنت له الأجرة زدته، فأبى أن يأخذ الزيادة، فألححت عليه فضجر وتركني ومضى فغمني ذلك فاتبعته وأدركته وداريته حتى أخذ أجرته فقط، فلما كان بعد مدة احتجنا أيضا إليه فمضيت في يوم السبت فلم أصادفه فسألت عنه، فقيل لي: هو عليل، فقال لي من يخبره أمره: إنما كان يجيء إلى السوق من سبت إلى سبت يعمل بدرهم ودانق ويتقوت كل يوم بدانق، وقد مرض فسألت عن منزله فأتيته وهو في بيت عجوز، فقلت لها: هنا الشاب الروزجاري، فقالت: هو عليل منذ أيام، فدخلت عليه فوجدته لما به، وتحت رأسه لبنة فسلمت عليه وقلت: لك حاجة؟ قال: نعم إن قبلت، قلت: أقبل إن شاء الله تعالى قال: إذا أنا مت فبع هذا المر واغسل جبتي هذه الصوف وهذا المئزر وكفني بهما وافتق جيب الجبة، فإن فيها خاتما فخذه ثم انظر يوم يركب هارون الرشيد الخليفة فقف له في موضع يراك فكلمه وأره الخاتم فإنه سيدعوك، فسلم إليه الخاتم، ولا يكون هذا إلا بعد دفني، قلت: نعم، فلما مات فعلت به ما أمرني ثم نظرت اليوم الذي يركب فيه الرشيد فجلست له على الطريق، فلما مر ناديته يا أمير المؤمنين لك عندي وديعة ولوحت بالخاتم، فأمر بي فأخذت وحملت حتى دخل إلى داره ثم دعاني ونحى جميع من عنده، وقال لي: من أنت؟ فقلت: عبد الله بن الفرج، فقال: هذا الخاتم من أين لك؟ فحدثته قصة الشاب، فجعل يبكي حتى رحمته، فلما أنس إلي قلت: يا أمير المؤمنين، من هو منك؟ قال: ابني، قلت: كيف صار إلى هذه الحال؟ قال: ولد لي قبل أن ابتلى بالخلافة فنشأ نشوءا حسنا وتعلم القرآن والعلم، فلما وليت الخلافة تركني ولم ينل من دنياي شيئا، فدفعت إلى أمه هذا الخاتم وهو ياقوت ويسوي مالا كثيرا، فدفعته إليها وقلت لها: تدفعين هذا إليه وكان بارا بأمه وتسألينه أن يكون معه فلعله أن يحتاج إليه يوما من الأيام فينتفع به، وتوفيت أمه فما عرفت له خبرا إلا ما أخبرتني به أنت، ثم قال لي: إذا كان الليل اخرج معي إلى قبره، فلما كان الليل خرج وحده معي يمشي حتى أتينا قبره فجلس إليه فبكى بكاء شديدا، فلما طلع الفجر قمنا فرجع ثم قال لي: تعاهدني في كل الأيام حتى أزور قبره، فكنت أتعاهده في الأيام فيخرج فيزور قبره ثم يرجع قال عبد الله بن الفرج: ولم أعلم أنه ابن الرشيد حتى أخبرني أنه ابنه أو كما قال ابن أبي الطيب "
حكمــــــة
قال محمد بن الحسين الآجري:
" فإن قال قائل: افرق لنا بين المداراة والمداهنة، قيل له:
المداراة: التي يثاب عليها العاقل، ويكون محمودا بها عند الله عز وجل، وعند من عقل عن الله تعالى هو الذي يداري جميع الناس الذين لا بد له منهم، ومن معاشرتهم لا يبالي ما نقص من دنياه، وما انتهك به من عرضه بعد أن سلم له دينه، فهذا رجل كريم غريب في زمانه.
والمداهنة: فهو الذي لا يبالي ما نقص من دينه إذا سلمت له دنياه، قد هان عليه ذهاب دينه وانتهاك عرضه، بعد أن تسلم له دنياه ".
حكمــــــة
قال محمد بن الحسين:
" أغرب الغرباء في وقتنا هذا من أخذ بالسنن وصبر عليها، وحذر البدع وصبر عنها، واتبع آثار من سلف من أئمة المسلمين، وعرف زمانه وشدة فساده وفساد أهله، فاشتغل بإصلاح شأن نفسه من حفظ جوارحه، وترك الخوض فيما لا يعنيه وعمل في إصلاح كسرته، وكان طلبه من الدنيا ما فيه كفايته وترك الفضل الذي يطغيه، ودارى أهل زمانه ولم يداهنهم، وصبر على ذلك، فهذا غريب وقل من يأنس إليه من العشيرة والإخوان، ولا يضره ذلك ".
حكمــــــة
قال يحيى بن معاذ الرازي:
«يا ابن آدم طلبت الدنيا طلب من لا بد له منها، وطلبت الآخرة طلب من لا حاجة له إليها، والدنيا قد كفيتها وإن لم تطلبها، والآخرة بالطلب منك تنالها فاعقل شأنك».
وقال يحيى: " ابن آدم: حفت الجنة بالمكاره،
وأنت تكرهها، وحفت النار بالشهوات وأنت تطلبها، فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء إن صبرت على نفسك على مضض الدواء اكتسبت بالصبر عاقبة الشفاء، وإن جزعت نفسك على ما تلقى من ألم الدواء طالت".