جماع تفسير النصيحة
جماع تفسير النصيحة
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
قالوا: والإيمان في اللغة هو التصديق، والإسلام في اللغة هو الخضوع، فأصل الإيمان هو التصديق بالله، وما جاء من عنده وإياه أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «الإيمان أن تؤمن بالله» وعنه يكون الخضوع لله لأنه إذا صدق بالله خضع له، وإذا خضع أطاع فالخضوع عن التصديق، وهو أصل الإسلام ومعنى التصديق هو المعرفة بالله، والاعتراف له بالربوبية بوعده ووعيده، وواجب حقه، وتحقيق ما صدق به من القول والعمل، والتحقيق في اللغة تصديق الأصل فمن التصديق بالله يكون الخضوع لله وعن الخضوع تكون الطاعات، فأول ما يكون عن خضوع القلب لله الذي أوجبه التصديق من عمل الجوارح الإقرار باللسان لأنه لما صدق بأن الله ربه خضع لذلك العبودية مخلصا، ثم ابتدأ الخضوع باللسان، فأقر بالعبودية مخلصا كما قال الله عز وجل لإبراهيم: {أسلم قال أسلمت} [البقرة: 131] أي أخلصت بالخضوع لك. قالوا: والدليل على ذلك ما وصف الله عن إبليس بقوله: {خلقتني من نار} [الأعراف: 12]، وقوله {فبعزتك لأغوينهم أجمعين} [ص: 82] فأخبر أنه قد عرف أن الله قد خلقه، ولم يخضع لأمره فيسجد لآدم كما أمره فلم ينفعه معرفته إذ زايله الخضوع، ولم تكن معرفته إيمانا إذ لم يكن معها خضوع بالطاعة فسلبه الله اسم الإيمان والإسلام إذ لم يخضع له فيطيعه بالسجود فأبى وعاند، ولو عرف الله بالمعرفة التي هي إيمان لخضع لجلاله، وانقاد لطاعته، ولم يرد عليه أمره، والدليل على ذلك أيضا شهادة الله على قلوب بعض اليهود أنهم يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل إليهم كما يعرفون أبناءهم فلا أحد أصدق شهادة على ما في قلوبهم من الله إذ يقول لنبيه: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} [البقرة: 89] وقال: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} [البقرة: 146] وقال: {ليكتمون الحق وهم يعلمون} [البقرة: 146] فشهد على قلوبهم بأنها عارفة عالمة بالنبي صلى الله عليه وسلم قال: وما أنزل إليه أنه الحق من عند الله ثم أكفرهم مع ذلك، ولم يوجب لهم اسم الإيمان بمعرفتهم، وعلمهم بالحق إذ لم يقارن معرفتهم التصديق، والخضوع لله ولرسوله بالتصديق له والطاعة لأن من صدق خضع قلبه ومن خضع قلبه أقر وصدق بلسانه وأطاع بجوارحه.