فائدة
فائدة
من كتاب لا تحزن
وقعتْ قتنةٌ بين قبيلتينِ في الكوفةِ في المسجدِ الجامعِ ، فسلُّوا سيوفهم، وامتشقوا رماحهم، وهاجتْ الدائرةُ، وكادتِ الجماجمُ تفارقُ الأجسادَ، وانسلَّ أحدُ الناسِ من المسجدِ ليبحث عن المُصْلحِ الكبيرِ والرجلِ الحليمِ، الأحنفِ بنِ قيسٍ، فوجدهُ في بيتِه يِحلبُ غنمه، عليه كساءٌ لا يساوي عشرة دراهم، نحيلُ الجسمِ، نحيفُ البنيةِ، أحنفُ الرجلين، فأخبروه الخبرَ فما اهتزتْ في جسمِهِ شعرةٌ ولا اضطرب ؛ لأنه قدِ اعتاد الكوارث، وعاش الحوادث، وقال لهم: خيراً إنْ شاء اللهُ، ثم قُدِّم له إفطارُه وكأنْ لم يحدثْ شيءٌ، فإذا إفطارهٌ كِسْرةٌ من الخبزِ اليابسِ، وزيتٌ وملحٌ، وكأسٌ من الماءِ، فسمَّى وأكل، ثمَّ حمدَ اللهَ، وقال: بُرٌّ منْ بُرِّ العراق، وزيتٌ من الشامِ، مع ماءِ دجلة، وملح مرو، إنها لنعمٌ جليلةٌ. ثم لبس ثوبَهَ، وأخذ عصاهُ، ثم دلف على الجموعِ، فلمّا رآه الناسُ اشرأبَّتْ إليه أعناقُهم، وطفحتْ عليه عيونُهم، وأنصتوا لما يقولُ، فارتحل كلمة صُلْحٍ، ثمَّ طلب من الناسِ التفرُّق، فذهب كلُّ واحداً منهمْ لا يلوي على شيءٍ، وهدأت الثائرةُ، وماتتِ الفتنةُ.