فضل اليقين والتوكل
فــــــرصة
قال تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم} [آل عمران (173: 174)] يمدح تعالى المؤمنين الذين استجابوا لله والرسول بأن تخويف الناس لهم زادهم تصديقا ويقينا وقوة، وقالوا: {حسبنا الله}، أي: كافينا الله. {ونعم الوكيل} أي: الموكول إليه الأمور.
فــــــرصة
قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال (2)] أي: يفوضون أمورهم إليه. وهذه الآية صفة المؤمنين حقا. قال عمير بن حبيب: إن للإيمان زيادة ونقصانا. قيل: فما زيادته؟ قال: إذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه فذلك زيادته. وإذا سهونا وغفلنا فذلك نقصانه.
فــــــرصة
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب»، ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا - وذكروا أشياء - فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «ما الذي تخوضون فيه؟» فأخبروه فقال: «هم الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون؛ وعلى ربهم يتوكلون» فقام عكاشة بن محصن، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: «أنت منهم». ثم قام رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: «سبقك بها عكاشة» متفق عليه.
فــــــرصة
عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهم إني أعوذ بعزتك؛ لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون». متفق عليه، وهذا لفظ مسلم واختصره البخاري. قوله: «اللهم لك أسلمت»، أي: استسلمت لحكمك وأمرك، وسلمت: رضيت وآمنت وصدقت وأيقنت. وفي الحديث: الالتجاء إلى الله والاعتصام به، فمن اعتز بغير الله ذل، ومن اهتدى بغير هدايته ضل، ومن اعتصم بالله تعالى وتوكل عليه عظم وجل.
فــــــرصة
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حين ألقي في النار، وقالها محمد - صلى الله عليه وسلم - حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. رواه البخاري. وفي رواية له عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان آخر قول إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل. قوله: {حسبنا الله}، أي: هو كافينا. {ونعم الوكيل}، أي: الموكول إليه الأمور. وروي أن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لما أرادوا إلقاءه في النار، رفع رأسه إلى السماء فقال: «اللهم أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض، ليس أحد يعبدك غيري، حسبي الله ونعم الوكيل». فقال الله عز وجل: {يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم}.
فــــــرصة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير» رواه مسلم. قيل: معناه متوكلون، وقيل: قلوبهم رقيقة. هذا الحديث أصل عظيم في التوكل. وحقيقته: هو الاعتماد على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار. قال سعيد بن جبير: التوكل جماع الإيمان. واعلم أن التوكل لا ينافي السعي في الأسباب، فإن الطير تغدو في طلب رزقها. وقد قال الله تعالى: {وما من دآبة في الأرض إلا على الله... رزقها} [هود (6)]. قال يوسف بن أسباط: كان يقال: اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل لا يصيبه إلا ما كتب له. وفي حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم».
فــــــرصة
عن جابر - رضي الله عنه -: أنه غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل نجد، فلما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قفل معهم، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفرق الناس يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت سمرة فعلق بها سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعونا وإذا عنده أعرابي، فقال: «إن هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا، قال: من يمنعك مني؟ قلت: الله - ثلاثا-» ولم يعاقبه وجلس. متفق عليه. وفي رواية قال جابر: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معلق بالشجرة فاخترطه، فقال: تخافني؟ قال: «لا». فقال: فمن يمنعك مني؟ قال: «الله». وفي رواية أبي بكر الإسماعيلي في " صحيحه "، قال: من يمنعك مني؟ قال: «الله». قال: فسقط السيف من يده، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السيف، فقال: «من يمنعك مني؟». فقال: كن خير آخذ. فقال: «تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟» قال: لا، ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فأتى أصحابه، فقال: جئتكم من عند خير الناس. قوله: «قفل» أي رجع، و «العضاه» الشجر الذي له شوك، و «السمرة» بفتح السين وضم الميم: الشجرة من الطلح، وهي العظام من شجر العضاه، و «اخترط السيف» أي سله وهو في يده. «صلتا» أي مسلولا، وهو بفتح الصاد وضمها. في هذا الحديث: قوة يقينه - صلى الله عليه وسلم -، وتوكله على الله عز وجل، وعفوه، وحلمه، ومقابلة السيئة بالحسنة، ومحاسن أخلاقه، وكمال كرمه، وقد قال الله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم (4)].
فــــــرصة
عن عمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) معناه: تذهب أول النهار خماصا: أي ضامرة البطون من الجوع، وترجع آخر النهار بطانا. أي ممتلئة البطون. أي: لو توكلتم على الله في ذهابكم ومجيئكم وتصرفكم لسهل لكم رزقكم.
فــــــرصة
عن أبي عمارة البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا فلان، إذا أويت إلى فراشك، فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت؛ ونبيك الذي أرسلت. فإن مت من ليلتك مت على الفطرة، وإن أصبحت أصبت خيرا». متفق عليه. وفي رواية في الصحيحين، عن البراء، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، وقل... وذكر نحوه ثم قال: واجعلهن آخر ما تقول» في هذا الحديث: فضل الاستسلام، والتفويض، والالتجاء إلى الله عز وجل.
فــــــرصة
عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان أخوان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان أحدهما يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر يحترف، فشكا المحترف أخاه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «لعلك ترزق به». رواه الترمذي بإسناد صحيح على شرط مسلم. «يحترف»: يكتسب ويتسبب. في الحديث: تنبيه على أن من انقطع إلى الله كفاه مهماته. وأن العبد يرزق بغيره، كما في الحديث الآخر: «وهل ترزقون - أو قال: تنصرون - إلا بضعفائكم».