الوصية السابعة: في التوبة النصوح وقضاء الدين
الوصية السابعة: في التوبة النصوح وقضاء الدين
يتكرر في كلام أهل العلم - رحمهم الله - وصية مَن أراد الحج بالتوبة من جميع المعاصي، والخروج من مظالم العباد، وقضاء ما أمكنه من الديون؛ وذلك لأنه لا يدري ما يعرض له في سفره.
وهذا أمر ليس له اعتبار عند كثير من الناس، فترى الواحد منهم يذهب إلى الحج ويرجع وهو متلبس بذنوبه، متدنس بخطاياه، وقد يستمر في ارتكاب ذلك حتى في الأزمنة الفاضلة، والأماكن المقدسة، لا يحدِّث نفسَه بتوبة، ولا يَجري على باله إقلاع وندم، وهذا أمر ينبغي التفطن له، وعليك يا أخي أن تتأمل قوله – تعالى -: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197].
إن التوبة في الأزمنة الفاضلة لها شأن عظيم؛ لأن الغالب إقبال النفوس على الطاعات، ورغبتها في الخير، فيحصل الاعتراف بالذنب، والندم على ما مضى، وإلا فالتوبة واجبة على الفور في جميع الأزمان؛ لأن الإنسان لا يدري في أيِّ لحظة يموت، ولا سيما مَن يتعرض للأسفار والأخطار، ولأن السيئات تجرُّ أخواتها، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " (34/ 180) أن المعاصي في الأيام المفضلة، والأماكن المفضلة تُغلَّظ، وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان.
أما بالنسبة للدَّيْن؛ فكلام أهل العلم على أنه مانع من الاستطاعة المشروطة في وجوب الحج، سواء كان الدين لله - تعالى - كالنذور والكفارات، أو لآدمي؛ كقرضٍ، وأجرة، وثمن مباع، ونحو ذلك، فإن كان عند المدين مال يكفي للحج وقضاء الدين، فلا بأس أن يحج، لكن عليه أن يبادر بقضاء دينه إن كان حالاًّ، مسارعةً لإبراء ذمته؛ لأنه لا يدري ما يعرض له، فإن كان مؤجلاً أبقى من ماله ما يكفيه لقضاء دينه، وأوصى بذلك، ومثل ذلك مَن كان بينه وبين الناس معاملاتٌ، له حقوق وعليه حقوق، فهذا له أن يحج، لكن عليه أن يبين ما له وما عليه.
أما إذا كان المال قليلاً، لا يكفي لحجه ولقضاء دينه، فقضاء الدين مقدَّم، فيكون غير مستطيع، فلا يدخل في عموم قوله – تعالى -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97]، ولا يكفي في ذلك استئذان صاحب الدَّين؛ لأن المقصود براءة الذمة، لا استئذان صاحب الحق، فإنه لو أذِن لم تبرأ ذمته بهذا الإذن، ما لم يبرئه منه.