المملكة العربية السعودية
{ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وفي إخفاء الدعاء فوائد ، منها : 1/ أنه أعظم إيمانا؛ لأن صاحبه يعلم أن الله تعالى يسمع دعاءه الخفي. 2/ أنه أعظم في الأدب، ولهذا لا تسأل الملوك برفع الأصوات، ومن فعل ذلك مقتوه - ولله المثل الأعلى -. 3/ أنه أبلغ في التضرع والخشوع، فإن الخاشع الذليل إنما يسأل مسألة مسكين ذليل، قد انكسر قلبه، وذلت جوارحه، وخشع صوته، حتى إنه ليكاد تبلغ به ذلته ومسكنته إلى أن ينكسر لسانه فلا يطاوعه بالنطق. 4/ أنه أبلغ في الإخلاص، وفي جمع القلب على الله، فإن رفع الصوت يفرقه ويشتته. 5/ أنه دال على قرب صاحبه من الله، يسأله مسألة مناجاة للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد؛ ولهذا أثنى سبحانه على عبده زكريا بقوله : {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا} فلما استحضر قرب ربه، وأنه أقرب إليه من كل قريب، أخفى دعاءه ما أمكنه. [ابن تيمية]
" من نظر في آيات القرآن الكريم وجد أن البيوت مضافة إلى النساء في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى، مع أن البيوت للأزواج أو لأوليائهن؛ وإنما حصلت هذه الإضافة - والله أعلم - مراعاة لاستمرار لزوم النساء للبيوت، فهي إضافة إسكان ولزوم للمسكن والتصاق به، لا إضافة تمليك ". [بكر أبو زيد]
{ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } [العلق:14] آية تهز الوجدان، وتفعل في النفس ما لا تفعله سلطات الدنيا كلها، إنها تضبط النوازع، وتكبح الجماح، وتدعو إلى إحسان العمل، وكمال المراقبة، فما أجمل أن يستحضر كل أحد هذه الآية إذا امتدت عينه إلى خيانة، أو يده إلى حرام، أو سارت قدمه إلى سوء، وما أروع أن تكون هذه الآية نصب أعيننا إذا أردنا القيام بما أنيط بنا من عمل. [د. محمد الحمد]
في قوله تعالى : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [الإنسان:3] جمع بين الشاكر والكفور، ولم يقل : إما شكورا وإما كفورا، مع اجتماعهما في صيغة المبالغة، فنفى المبالغة في الشكر، وأثبتها في الكفر؛ لأن شكر الله تعالى لا يؤدى مهما كثر، فانتفت عنه المبالغة، ولم تنتف عن الكفر المبالغة، فإن أقل الكفر مع كثرة النعم على العبد يكون جحودا عظيما لتلك النعم. [القرطبي]
قال بعضهم : ما افتقر تقي قط، قالوا : لم؟ قال : لأن الله يقول : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [الطلاق:2] والآية اقتضت أن المتقي يرزق من حيث لا يحتسب، ولم تدل على أن غير المتقي لا يرزق، فالكفار قد يرزقون بأسباب محرمة، وقد لا يرزقون إلا بتكلف، وأهل التقوى يرزقهم الله من حيث لا يحتسبون، ولا يكون رزقهم بأسباب محرمة، والتقي لا يحرم ما يحتاج إليه من الرزق، وإنما يحمى من فضول الدنيا، رحمة به. [ابن تيمية]
القلب السليم هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر ، وحب الدنيا والرياسة ، فسلم من كل آفة تبعده عن الله ، وسلم من كل شبهة تعارض خبر الله ، ومن كل شهوة تعارض أمر ربه . وقد أثنى الله على خليله بسلامة القلب فقال : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ . إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) وقال تعالى حاكياً عنه أنه قال : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) .
قال الحسن البصري رحمه الله : فساد القلوب متولد من ستة أشياء، أولها: يذنبون برجاء التوبة، ويتعلمون العلم ولا يعملون به، وإذا عملوا لا يخلصون، ويأكلون رزق الله ولا يشكرون، ولا يرضون بقسمة الله، ويدفنون موتاهم ولا يعتبرون.
قال ابن الجوزى: وأدِّ إلى كل ذي حق حقه، من زوجة أو ولد أو قرابة، وانظر كل ساعة من ساعاتك بماذا تذهب، فلا تُودِعْها إلا أشرفَ ما يمكن، ولا تهمل نفسك وعوِّدها أشرفَ ما يكون من العمل وأحسنه، وابعث إلى صندوق القبر ما يسرك يوم الوصول إليه، كما قيل: يا من بدنياه اشتغل ... وغرّه طول الأمل. الموت يأتي بغتةً ... والقبر صندوق العمل وراعِ عواقبَ الأمور يهُنْ عليك الصبرُ عن كل ما تشتهي وما تكره، وإن وجدتَ من نفسك غفلة فاحملها إلى المقابر وذكِّرها قربَ الرحيل، ودبِّر أمرك ـ واللهُ المدبرُ ـ في إنفاقك من غير تبذير، لئلا تحتاج إلى الناس، فإن حِفظَ المال من الدين، ولئن تُخَلِّفَ لورثتك خير من أن تحتاج إلى الناس.
اعلم أن السرف والتبذير قد يفترق معناهما. فالسرف: هو الجهل بمقادير الحقوق، والتبذير: هو الجهل بمواقع الحقوق. وكلاهما مذموم، وذم التبذير أعظم؛ لأن المسرف يخطئ في الزيادة، والمبذر يخطئ في الجهل. ومن جهل مواقع الحقوق ومقاديرها بماله وأخطأها، فهو كمن جهلها بفعاله فتعداها وكما أنه بتبذيره قد يضع الشيء في غير موضعه، فهكذا قد يعدل به عن موضعه؛ لأن المال أقل من أن يوضع في كل موضع من حق وغير حق.
لكي يسلم المتحدث من الزلل في حديثه والنقص في مقاله فإن عليه أن يراعي شروطا أربعة : الشرط الأول: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه، إما في اجتلاب نفع، أو دفع ضرر. الشرط الثاني: أن يأتي به في موضعه، ويتوخى به إصابة فرصته. الشرط الثالث: أن يقتصر منه على قدر حاجته. الشرط الرابع: أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به (أدب الدنيا والدين) .
عن أبي إسحاق الفَزَاري قال : كان إبراهيمُ يُطِيل السكوتَ، فإذا تكلمِ انبسط فقلت له ذاتَ يوم: لو تكلمتَ! فقال: الكلام على أربعة وُجُوه، فمنه كلام ترجو منفعته وتَخْشم عاقبَتُه، فالفضلُ منه السلامةُ؛ ومنه كلام لا ترجو منفعتَه ولا تخشى عاقبتَه، فأقلُّ ما لَكَ في تركه خِفة المَؤُونة على بَدَنك ولسانك؛ ومنه كلامٌ لا ترجو منفعتَه وتخشى عاقبته، وهذا هو الدَّاء العُضال؛ ومن الكلام كلام ترجو منفعته وتَأمَنُ عاقبته، فهذا الذي يجب عليك نَشْره. قال: فإن هو قد أسقط ثلاثَةَ أرباع الكلام .
ينبغي لكل مكلف: أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام: إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه، لإنه قد ينجز الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء (رياض الصالحين) .
قال ابن هبيرة: ما من شيء إلاّ وهو محتاجٌ إلى فضوله يوماً، إلاّ فضول الكلام. قال الحسن: رحم الله عبداً أوجز في كلامه، واقتصر على فصاحته، فإن الله يكره كثرة الكلام.
حكمة
روائع الحكمة لابن حزم
قال رحمه الله : لذة العاقل بتمييزه ، ولذة العالم بعلمه ، ولذة الحكيم بحكمته ، ولذة المجتهد لله عز وجل باجتهاده = أعظم من لذة الآكل بأكله ، والشارب بشربه ، والواطيء بوطئه ، والكاسب بكسبه ، واللاعب بلعبه ، والآمر بأمره ، وبرهان ذلك أن الحكيم العاقل والعالم والعامل واجدون لسائر اللذات التي سمينا ، كما يجدها المنهمك فيها ، ويحسونها كما يحسها المقبل عليها، وقد تركوها وأعرضوا عنها، وآثروا طلب الفضائل عليها، وإنما يحكم في الشيئين من عرفهما لا من عرف أحدهما ولم يعرف الآخر
قال سفيان الثورى - رحمه الله - : إذا استوت السريرة والعلانية فذلك العدل وإذا كانت العلانية أفضل من السريرة فذلك الجور وإذا كانت السريرة أفضل من العلانية فذلك الفضل.
الذكر أفضل من الدعاء ، لأن الذكر ثناء على الله بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه ، والدعاء سؤال العبد حاجته فأين هذا من هذا والدعاء الذي يتقدمـه الذكر والثناء ، أفضل وأقرب إلى الإجابـة من الدعاء المجرد ، فإن إنضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه كان أبلغ في الإجابة وأفضل .
قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه: الدنيا دار صدقٍ لمن صدقها، ودار نجاةٍ لمن فهم عنها، ودار غنىً لمن تزود منها، مهبط وحي الله، ومصلى ملائكته، ومساجد أنبيائه، ومتاجر أوليائه، ربحوا فيها الرحمة، واكتسبوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها، وقد أذنت ببينها، ونادت بفراقها، فيا أيها الذام لها، بم خدعتك الدنيا ؟ أم بماذا استذمت إليك ؟ أبمصارع أمهاتك في الثرى ؟ أم بمضاجع آبائك للبلى، لقد تطلب علينا الشفاء، واستوصف الأطباء حين لا يغني عنه دواؤه، ولا ينفعه بكاؤه.
مجالسة العارف تدعوك من ست إلى ست : من الشك إلى اليقين ، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن الغفلة إلى الذكر ، ومن الرغبة في الدنيا إلى الرغبة إلى الآخرة في الآخرة ، ومن الكبر إلى التواضع ، ومن سوء الطوية إلى النصيحة
قيل تفكر ساعة خير من عبادة سنة فالفكر هو الذي ينقل من موت الفطنة الى حياة اليقظة ومن المكاره الى المحاب ومن الرغبة والحرص الى الزهد والقناعة ومن سجن الدنيا الى فضاء الاخرة ومن ضيق الجهل الى سعة العلم ورحبه ومن مرض الشهوة والاخلاد الى هذه الدار الى شفاء الانابة الى الله والتجافي عن دار الغرور ومن مصيبة العمى والصمم والبكم الى نعمة البصر والسمع والفهم عن الله والعقل عنه ومن امراض الشبهات الى برد اليقين وثلج الصدور .
أربعة تحتاج إلى أربعة: الحسب إلى الأدب، والسرور إلى الأمن، والقرابة إلى المودة، والعقل إلى التجربة. أربعة لا بقاء لها: مودة الأشرار، والبيت الذي ليس فيه تقدير، والمال الحرام، والكسب الذي ليس معه تقدير.
مواعظ وخطب : قال بلال بن سعد رحمه الله: يا أهلَ التُّقى! إنَّكم لَمْ تُخلقوا للفناء، وإنما تُنقلُونَ مِن دارٍ إلى دار، كما نُقِلتُم من الأصلاب إلى الأرحام، ومن الأرحام إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى القبور، ومِن القبور إلى الموقف، ومن الموقف إلى الخُلُود في جنة أو نار. [السير (تهذيبه) 2/584].
قيل من علامات التوفيق دخول أعمال البر عليك من غير قصد لها، وصرف المعاصي عنك مع السعي إليها، وفتح باب اللجاء والافتقار إلى الله تعالى في كل الأحوال، واتباع السيئة الحسنة، وعظم الذنب في قلبك وإن كان من صغائر الذنوب والإكثار من ذكر الله وشكره وحمده والاستغفار. ومن علامات الخذلان تعسر الطاعات عليك مع السعي فيها، ودخول المعاصي عليك مع هربك منها، وغلق باب الالتجاء إلى الله وترك التضرع له وترك الدعاء، وإتباع الحسنة بالسيئات، واحتقارك لذنوبك وعدم الاهتمام بها وإهمال التوبة منها والاستغفار ونسيانك لربك.
خيرُ ما تُحسن به إلى نفسك: أن تُحسن إذا أخطأت؛ فإنك بذلك تستديم رحمة الله عليك!
طوبى للقائمين من نيران ذنوبهم إلى أنوار العرش، لا يملون، ولا يبلى عطشهم إلى الريِّ من كوثر التوبة!
واعلموا عباد الله أن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبده خيرا أبعد عنه شيطانه وأعانه عليه ونشطه للطاعة وأزال عن بدنه الكسل فأقبل العبد عند ذلك على مولاه وأعرض عمن سواه وآثر رضاء سيده على هواه فعند ذلك يجعل الله الجنة العالية مأواه وإذا أراد بعبده شرا مكن منه شيطانه وسلطه عليه فأبعده عن طاعة الجبار وكسله عن عمل الأبرار وحبب إليه أعمال أهل النار وبغض إليه أعمال أهل دار القرار
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: ابن آدم إياك والتسويف فإنك بيومك ولست بغد فإن يكن غد لك فكن في غد كما كنت في اليوم وإلا يكن لك لم تندم على ما فرطت في اليوم