ابن الجوزي
فوائد من صيد الخاطر 2
إخواني: اسمعوا نصيحة من قد جرب وخبر. إنه بقدر إجلالكم لله عز وجل يجلكم، وبمقدار تعظيم قدره واحترامه يعظم أقداركم وحرمتكم. ولقد رأيت والله من أنفق عمره في العلم إلى أن كبرت سنه، ثم تعدى الحدود فهان عند الخلق. وكانوا لا يلتفتون إليه مع غزارة علمه وقوة مجاهدته. ولقد رأيت من كان يراقب الله عز وجل في صبوته - مع قصوره بالإضافة إلى ذلك العالم - فعظم الله قدره في القلوب حتى علقته النفوس، ووصفته بما يزيد على ما فيه من الخير
فوائد من صيد الخاطر 2
أيها المذنب: إذا أحسست نفحات الجزاء فلا تكثرن الضجيج، ولا تقولن قد تبت وندمت، فهلا زال عني من الجزاء ما أكره ! فلعل توبتك ما تحققت. وإن للمجازاة زماناً يمتد امتداد المرض الطويل. فلا تنجع فيه الحيل حتى ينقضي أوانه. وإن بين زمان: وعصى إلى إبان: فتلقى مدة مديدة. فاصبر أيها الخاطيء حتى يتخلل ماء عينيك خلال ثوب القلب المتنجس. فإذا عصرته كف الأسى، ثم تكررت دفع الغسلات حكم بالطهارة.
فوائد من كتاب تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر
قال ابن الجوزى: وليعلم البالغ أنه من يوم بلوغه وجب عليه معرفة الله تعالى بالدليل لا بالتقليد، ويكفيه من الدليل رؤية نفسه وترتيب أعضائه، فيعلم أنه لا بد لهذا الترتيب من مرتب، كما أنه لا بد للبناء من بان. ويعلم أنه نزل إليه ملكان يصبحانه طول دهره، ويكتبان عمله، ويعرضانه على الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (وَإِن عَلَيكُم لَحافِظين كِراماً كاتِبين يَعلَمونَ ما تَفعَلون). قال (محمد بن الفضل): منذ أربعين سنة ما أمليت على كاتبي سيئة، ولو فعلت لاتسحيت منهما. فلينظر العبد فيما يرتفع من عمله، فإن زل فليرفع الزلل بتوبة واستدراك. وليغض طرفه؛ فقد قال الله عز وجل: (قُل لِلمُؤمِنينَ يَغضوا مِن أَبصارَهُم). ويقول الله عز وجل: (النظر إلى المرأة سهم مسموم من سهام الشيطان، من تركه ابتغاء مرضاة الله آتيته إيماناً يجد حلاوته في قلبه). ومن استعمل الغض سلم. وليكتف بالمرأة الواحدة، ولا يترخص في كثرة الاستمتاع بالنساء؛ فإنه يشتت القلب، ويضعف القوى، وليس لذلك منتهى. كان بعض السلف يقول لنفسه: ما ههنا إلا هذه الكسرة وهذه المرأة، فإن شئت فاصبري، أو فموتي. وكان خلق كثير يتأسفون في حال الكبر على تضييع موسم الشباب، ويبكون على التفريط فيه. فليطل القيام من سيقعد، وليكثر الصيام من سيعجز. والناس ثلاثة: من ابتكر عمره بالخير ودام عليه فذلك من الفائزين، ومن خلط وقصر فذلك من الخاسرين، ومن صاحب التفريط والمعاصي فذلك من الهالكين.