بابُ فضلِ السَّلامِ والأمرِ بإفشائه
ذكـــــر
روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما؛
أنَّ رجلاً سأل رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أيُّ الإِسلام خَيْرٌ؟ قال: " تُطْعِمُ الطَّعامَ، وَتَقْرأُ السَّلام على مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ " .
وروينا في صحيحيهما، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: " خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ على صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً، فَلَمَّا خَلَقَهُ قال: اذْهَبْ فَسَلِّمْ على أُولَئِكَ: نَفَرٍ مِنَ المَلائِكَةِ جُلُوسٍ فاسْتَمِعْ ما يُحَيُّونَكَ فإنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرّيَّتِكَ، فقال: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهُ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ " .
وروينا في صحيحيهما، عن البراء بن عازب رضي اللّه عنهما قال: أمرنا رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسبع: بعيادةِ المريض، واتِّباعِ الجنائز، وتشميتِ العاطسِ، ونصرِ الضعيفِ، وعوْنِ المظلومِ، وإفشاءِ السَّلامِ، وإبرارِ القَسَم. هذا لفظ إحدى روايات البخاري.
وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حتَّى تحابُّوا، أوْلا أدُلُّكُمْ على شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ " .
وروينا في مسند الدارمي وكتابي الترمذي وابن ماجه، وغيرها بالأسانيد الجيدة، عن عبد اللّه بن سلام رضي اللّه عنه قال: سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: " يا أيُّهَا النَّاسُ أفْشُوا السَّلامَ، وأطْعِمُوا الطَّعامَ، وَصِلُوا الأرْحامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيامٌ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ " قال الترمذي: حديث صحيح.
وروينا في كتابي ابن ماجه وابن السني، عن أبي أُمامةَ رضي اللّه عنه قال: أمَرَنَا نبيُّنا صلى اللّه عليه وسلم أن نُفشيَ السَّلامَ.
وروينا في موطأ الإِمام مالك رضي اللّه عنه، عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة،
أن الطُّفيلَ بن أُبيّ بن كعب أخبرَه أنه كان يأتي عبدَ اللّه بن عمر فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذَا غدوْنا إلى السوق لم يمرّ بنا عبدُ اللّه على سَقَّاطٍ ولا صاحبِ بَيْعَةٍ ولا مِسكين ولا أحدٍ إلاَّ سلَّم عليه؛ قال الطُّفيلُ: فجئتُ عبدَ اللّه بن عمر يوماً، فاستتبعني إلى السوق، فقلتُ له: ما تصنعُ بالسوق وأنتَ لا تقفُ على البيْعِ ولا تسألُ عن السِّلعِ ولا تسومُ ولا تجلسُ في مجالس السوق؟ قال: وأقولُ اجلسْ بنا هاهنا نتحدّثْ، فقال لي ابن عمر: يا أبا بطن ـ وكان الطفيلُ ذا بطن ـ إنما نغدو من أجل السلام نُسَلِّم على مَن لقيناه.
وروينا في صحيح البخاري عنه، قال: وقال عمّار رضي اللّه عنه: ثلاثٌ من جَمعهنّ فقد جمعَ الإِيمانَ؛ الإِنصافُ من نفسك، وبذلُ السَّلام للعالم، والإِنفاقُ من الإِقتار.
وروينا هذا في غير البخاري مرفوعاً إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
قلت: قد جمعَ في هذه الكلمات الثلاث خيراتِ الآخرة والدنيا، فإنَّ الإِنصافَ يقتضي أن يؤدّي إلى اللّه تعالى جميع حقوقه وما أمره به، ويجتنب جميع ما نهاه عنه، وأن يؤدّي إلى الناس حقوقهم، ولا يطلب ما ليس له، وأن ينصف أيضاً نفسه فلا يوقعها في قبيح أصلاً. وأما بذلُ السلام للعالم فمعناه لجميع الناس، فيتضمن أن لا يتكبر على أحد، وأن لا يكون بينه وبين أحد جفاء يمتنع من السلام عليه بسببه. وأما الإِنفاق من الإقتار فيقتضي كمال الوثوق باللّه تعالى والتوكل عليه والشفقة على المسلمين إلى غير ذلك، نسأل اللّه تعالى الكريم التوفيق لجميعه.