باب التسمية عند الأكلِ والشُّربِ
ذكـــــر
روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عمر بن أبي سلمة رضي اللّه عنهما قال:
قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ " .
وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعالى في أوَّلِهِ، فإنْ نَسِيَ أنْ يَذْكُر اسْمَ اللَّهِ تَعالى في أوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: باسم اللَّهِ أوَّلَهُ وآخِرَهُ " قال الترمذي: حديث حسن صحيح
وروينا في صحيح مسلم، عن جابر رضي اللّه عنه قال: سمعتُ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: " إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ تَعالى عنْدَ دُخُولِهِ وَعنْدَ طَعامِهِ، قالَ الشَّيْطانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا عَشاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعالى عنْدَ دُخُولِهِ قالَ الشَّيْطانُ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وَإذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعالى عِنْدَ طَعامِهِ قالَ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالعَشاء " .
وروينا في صحيح مسلم أيضاً، في حديث أنس المشتمل على معجزةٍ ظاهرةٍ من معجزاتِ رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم لمَّا دعاهُ أبو طلحةَ وأُمُّ سُليم للطعام، قال: ثم قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم " ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ " فأذن لهم، فدخلُوا فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: كُلُوا وسَمُّوا اللَّهَ تَعالى " فأكلُوا حتى فعلَ ذلك بثمانين رجلاً.
وروينا في صحيح مسلم أيضاً، عن حذيفة رضي اللّه عنه قال: كنّا إذا حضرْنَا مع رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم طعاماً لم نضعْ أيدينا حتى يبدأ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيضعُ يدَه، وإنّا حضرنا معه مرّة طعاماً فجاءت جارية كأنها تُدفعُ، فذهبتْ لتضعَ يدَها في الطعام فأخذَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيدها، ثم جاءَ أعرابيٌّ كأنما يُدْفَعُ، فأخذَ بيدِه، فقال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إنَّ الشَّيْطانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعامَ أنْ لا يُذْكَرَ اسْمُ اللّه عَلَيْه، وأنَّهُ جاءَ بهَذِهِ الجارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا، فأخَذْتُ بِيَدِها، فَجاءَ بهذا الأعْرابِيّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ، فأخَذْتُ بِيَدِهِ، وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِه إنَّ يَدَهُ في يَدِي مَعَ يَدِهِما " ثم ذكر اسم اللّه تعالى وأكل.
وروينا في سنن أبي داود والنسائي، عن أميّة بن مَخْشِيٍّ الصحابي رضي اللّه عنه قال:
كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالساً ورجلٌ يأكلُ، فلم يُسمّ حتى لم يبقَ من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فِيه قال: باسم اللّه أوّله وآخرُه، فضحكَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ثم قال: " ما زَالَ الشَّيْطانُ يأكُلُ مَعَهُ، فَلَمَّا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ اسْتَقَاءَ ما في بَطْنِهِ "
قلتُ مَخْشِيّ، بفتح الميم وإسكان الخاء وكسر الشين المعجمتين وتشديد الياء؛ وهذا الحديث محمول على أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم لم يعلمْ تركَه التسمية إلا في آخر أمره، إذ لو علم ذلك لم يسكتْ عن أمره بالتسمية.
وروينا في كتاب الترمذي، عن عائشةَ رضي اللّه عنها قالت: كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأكلُ طعاماً في ستة من أصحابه، فجاء أعرابيٌّ فأكلَه بلقمتين، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " أما إنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفاكُمْ " قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا، عن جابر رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: " مَنْ نَسِيَ أنْ يُسَمِّيَ على طَعامِهِ، فَلْيَقْرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ إذَا فَرَغَ " .
قلت: أجمع العلماءُ على استحباب التسمية على الطعام في أوّلِه، فإن تركَ في أوله عامداً أو ناسياً أو مُكرهاً أو عاجزاً لعارض آخر ثم تمكن في أثناء أكلِه، استحبّ أن يسمّي للحديث المتقدم ويقول: باسم اللّه أوله وآخره، كما جاء في الحديث. والتسميةُ في شرب الماء واللبن والعسل والمرق وسائر المشروبات كالتسمية في الطعام في جميع ما ذكرناه. قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: ويُستحبُّ أن يجهرَ بالتسمية ليكونَ فيه تنبيهٌ لغيره على التسمية وليُقتدى به في ذلك، واللّه أعلم.