بابُ الدُّعَاء بعدَ التشهّدِ الأخير
ذكـــــر
اعلم أنَّ الدعاء بعد التشهّد الأخير مشروعٌ بلا خلاف.
روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه:
أن النبي صلى اللّه عليه وسلم علّمهم التشهّد ثم قال في آخره: " ثُمَّ يُخَيّرُ منَ الدُّعَاءِ " وفي رواية البخاري: " أعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو " وفي روايات لمسلم " ثُمَّ ليَتَخَيَّرْ مِنَ المَسْأَلَةِ ما شاءَ " .
واعلم أن هذا الدعاء مستحبٌّ ليس بواجب، ويستحبُّ تطويلُه، إلا أن يكون إماماً؛ وله أن يدعوَ بما شاء من أمور الآخرة والدنيا، وله أن يدعوَ بالدعوات المأثورة، وله أن يدعو بدعوات يخترعها والمأثورة أفضل. ثم المأثورة منها ما ورد في هذا الموطن، ومنها ما ورد في غيره، وأفضلُها هنا ما ورد هنا.
وثبت في هذا الموضع أدعية كثيرة منها:
ما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إذَا فَرَغَ أحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الأخِيرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَماتِ، وَمِنْ شَرّ المَسِيحِ الدَّجَّالِ " رواه مسلم من طرق كثيرة. وفي رواية منها: " إِذَا تَشَهَّدَ أحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْياوالمَماتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَة المَسِيحِ الدَّجَّالِ " .
وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي اللّه عنها:
أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: " اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسيحِ الدَّجَّال، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ من المأثمِ والمَغْرَمِ " .
وروينا في صحيح مسلم، عن عليّ رضي اللّه عنه قال:
كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكون من آخر ما يقول بين التشهّد والتسليم: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أسْرَفْتُ وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخِّرُ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ " .
وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنهم:
أنه قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: علّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: " قُلِ اللَّهُمَّ إني ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً وَ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحمْنِي إنَّك أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيم " هكذا ضبطناه " ظُلْماً كَثِيراً " بالثاء المثلثة في معظم الروايات، وفي بعض روايات مسلم " كَبِيراً " بالباء الموحدة، وكلاهما حسن، فينبغي أن يُجمع بينهما فيُقال: " ظُلْماً كَثِيراً كَبِيراً " وقد احتجّ البخاري في صحيحه والبيهقيّ وغيرهما من الأئمة بهذا الحديث للدعاء في آخر الصلاة وهو استدلال صحيح، فإن قوله في صلاتي يعمّ جميعها، ومن مظانّ الدعاء فيه
وروينا بإسناد صحيح في سنن أبي داود، عن أبي صالح ذكوان، عن بعض أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال:
قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم لرجل: " كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلاةِ؟ " قال: أتشهَّد وأقول: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الجَنَّةَ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، أما إني لا أحسنُ دَنْدَنَتَكَ وَلا دَنْدَنَةَ معاذ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: " حَوْلَهَا دَنْدِنْ " .
الدندنة: كلام لا يُفهم معناه، ومعنى " حولها دَنْدِنْ " أي حول الجنة والنار، أو حول مسألتهما: إحداهما سؤال طلب، والثانية سؤال استعاذة، واللّه أعلم.
ومما يستحبُّ الدعاء به في كل موطن: اللَّهمّ إني أسألُك العفوَ والعافية، اللَّهمّ إني أسألُك الهدى والتقى والعفافَ والغنى، واللّه أعلم.