بابُ التعوّذ بعد دعاء الاستفتاح
فصل: واعلم أن التعوّذ مستحبّ في الركعة الأولى بالاتفاق
واعلم أن التعوّذ مستحبّ في الركعة الأولى بالاتفاق، فإن لم يتعوّذ في الأولى أتى به في الثانية، فإن لم يفعل ففيما بعدها، فلو تعوّذ في الأولى هل يستحبّ في الثانية؟ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما أنه يستحبّ لكنه في الأولى آكد. وإذا تعوّذ في الصلاة التي يُسِرُّ فيها بالقراءة أسرّ بالتعوّذ، فإن تعوّذ في التي يُجْهَر فيها بالقراءة فهل يجهر؟ فيه خلاف؛ من أصحابنا من قال: يُسرّ، وقال الجمهور: للشافعي في المسألة قولان: أحدهما يستوي الجهر والإِسرار، وهو نصُّه في الأم. والثاني يُسنّ الجهر وهو نصُّه في الإِملاء. ومنهم من قال فيه قولان: أحدهما: يجهر؛ صححه الشيخ أبو حامد الإِسفرايني إمام أصحابنا العراقيين وصاحبه المحاملي وغيرهما، وهو الذي كان يفعله أبو هريرة رضي اللّه عنه، وكان ابن عمر رضي اللّه عنهما يُسِرّ، وهو الأصحّ عند جمهور أصحابنا، وهو المختار، واللّه أعلم.
ذكـــــر
اعلم أن التعوّذ بعد دعاء الاستفتاح سنّة بالاتفاق، وهو مقدمة للقراءة، قال اللّه تعالى: {فإذا قَرأت القرآنَ فَاسْتَعِذْ باللّه من الشَّيْطانِ الرَّجِيم} النحل:98 معناه عند جماهير العلماء : إذا أردت القراءة فاستعذ باللّه. واعلم أن اللفظ المختار في التعوّذ: أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، وجاء: أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، ولا بأس به، ولكن المشهور المختار هو الأوّل.
وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرها:
أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال قبل القراءة في الصلاة: " أعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ مِنْ نَفْخِهِ وَنَفْثِهِ وهَمْزِهِ " وفي رواية: " أعُوذُ باللّه السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطانِ الرََّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ " وجاء في تفسيره في الحديث، أن همزه: المؤْتةُ، وهي الجنون، ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعرُ، واللّه أعلم.