أنواع الهدايات التي يفتقر لها العبد
فصل
أسرار الصلاة للإمام العلامة ابن قيم الجوزية
• أمور فعلها على غير الهداية علماً و عملاً و إرادة، فهو محتاج إلى التوبة منها و توبته منها هي من الهداية. • و أمور قد هُدي إلى أصلها دون تفصيلها فهو محتاج إلى هداية تفاصيلها. • و أمور قد هُدي إليها من وجهٍ دون وجهٍ، فهو محتاجٌ إلى تمام الهداية في كمالها على الهدى المستقيم، و أن يزداد هدى إلى هداه. • و أمور هو محتاج فيها إلى أن يحصل له من الهداية في مستقبلها مثل ما حصل له في ماضيها. • وأمور هو خال عن اعتقاد فيها فهو محتاج إلى الهداية فيها اعتقاداً صحيحاً. • و أمور يعتقد فيها خلاف ما هي عليه، فهو محتاج إلى هداية تنسخ من قلبه ذلك الاعتقاد الباطل، و تُثبت فيه ضدّه. • و أمور من الهداية: هو قادر عليها، و لكن لم يخلق له إرادة فعلها، فهو محتاج في تمام الهداية إلى خلق إرادة. • و أمور منها: هو غير قادر على فعلها مع كونه مريد لها، فهو محتاج في هدايته إلى إقدار عليها. • و أمور منها: هو غير قادر عليها و لا مريد لها، فهو محتاج إلى خلق القدرة عليها و الإرادة لها لتتم له الهداية. • و أمور: هو قائم بها على وجه الهداية اعتقادا و إرادة، و علما و عملاً، فهو محتاج إلى الثبات عليها و استدامتها، فكانت حاجته إلى سؤال الهداية أعظم الحاجات، و فاقته إليها أشد الفاقات، و لهذا فرض عليه الرب الرحيم هذا السؤال على العبيد كلّ يوم و ليلة في أفضل أحواله، و هي الصلوات الخمسُ، مرات متعددة، لشدَّة ضرورته و فاقته إلى هذا المطلوب. • ثم بيَّن أن سبيل أهل هذه الهداية مغاير لسبيل أهل الغضب و أهل الضلال، و هو اليهود، و النصارى و غيرهم. فانقسم الخلق إذن إلى ثلاثة أقسام بالنسبة إلى هذه الهداية: مُنعم عليه: بحصولها له و استمرارها و حظه من المنعم عليهم، بحسب حظه من تفاصيلها و أقسامها. و ضالٌ: لم يُعطَ هذه الهداية و لم يُوفق لها. و مغضوب عليه: عَرفها و لم يوفق للعمل بموجبها. فالضال: حائد عنها، حائر لا يهتدي إليها سبيلا. و المغضوب عليه: متحيّر منحرف عنها ؛ لانحرافه عن الحق بعد معرفته به مع علمه بها. فالأول المنعم عليه قائم بالهدى، و دين الحق علما و عملاً و اعتقادا و الضال عكسه، منسلخ منه علماً و عملاً. و المغضوب عليه لا يرفع فيها رأسا، عارف به علماً منسلخ عملاً، و الله الموفق للصواب. و لولا أن المقصود التنبيه على المضادة و المنافرة التي بين ذوق الصلاة، و ذوق السماع، لبسطنا هذا الموضوع بسطاً شافيا، و لكن لكلِّ مقام مقال، فلنرجع إلى المقصود.