عبودية { رب العالمين }
فصل
أسرار الصلاة للإمام العلامة ابن قيم الجوزية
ثم لقول العبد:: { ربِّ العالمين} من العبودية شهود تفرّده سبحانه بالربوبية وحده، و أنَّه كما أنه رب العالمين، و خالقهم، و رازقهم، و مدبِّر أمورهم، و موجدهم، و مغنيهم، فهو أيضا وحده إلههم، و معبودهم،و ملجأهم و مفزعهم عند النوائب، فلا ربَّ غيره، و لا إله سواه. عنوان: عبودية { الرَّحمَن الرَّحيم} و لقوله: { الرَّحمن الرَّحيم } عبودية تخصه سبحانه، و هي شهود العبد عموم رحمته. و شمولها لكلّ شيء، و سعتها لكلِّ مخلوق و أخذ كلّ موجود بنصيبه منها، و لاسيما الرحمة الخاصَّة بالعبد و هي التي أقامته بين يدي ربه: أقم قلاناً ـ ففق بعض الآثار أن جبرائيل يقول كل ليلة أقم فلانًا، و أنم فلانا فبرحمته للعبد أقامه في خدمته يناجيه بكلامه، و يتملقه و يسترحمه و يدعوه و يستعطفه و يسأله هدايته و رحمته، و تمام نعمته عليه دنياه و أخراه فهذا من رحمته بعبده، فرحمته وسعت كل شيء، كما أن حمده وسع كل شيء، و علمه وسع كل شيء، { ربَّنا وسعتَ كُلَّ شيء رَّحمة و علما} [غافر:7]، و غيره مطرود محروم قد فاتته هذه الرحمة الخاصَّة فهو منفي عنها. عنوان عبودية { مالكِ يومِ الدِّينِ} و يعطى قوله { مالك يوم الدِّين } عبوديته من الذلِّ و الانقياد، و قصد العدل و القيام بالقسط، و كفَّ العبد نفسه عن الظلم و المعاصي، و ليتأمل ما تضمنته من إثبات المعاد و تفرَّد الربِّ في ذلك بالحكم بين خلقه، و أنه يومٌ يدين الله فيه الخلق بأعمالهم من الخير و الشر، و ذلك من تفاصيل حمده، و موجبه كما قال تعالى: { و قُضيَ بينَهم بالحقِّ و قيل الحمدُ لله ربِّ العالمين}[الزمر:75]. و يروى أن جميع الخلائق يحمدونه يومئذ أهل الجنة و أهل النار، عدلا و فضلا، و لما كان قوله {الحمد لله رب العالمين}. إخبارا عن حمد عبده له قال: حمدني عبدي.