حال العبد في القراءة و الاستعاذة
فصل
أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة
فإذا شرع في القراءة قدَّم أمامها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فإنه أحرص ما يكون على خُذلان العبد في مثل هذا المقام الذي هو أشرف مقامات العبد و أنفعها له في دنياه و آخرته، فهو أحرص شيء على صرفه عنه، و انتفاعه دونه بالبدن و القلب، فإن عجز عن اقتطاعه و تعطيله عنه بالبدن اقتطع قلبه و عطَّله، و ألقى فيه الوساوس ليشغله بذلك عن القيام بحق العبودية بين يدي الرب تبارك و تعالى، فأمر العبد بالاستعاذة بالله منه ليسلم له مقامه بين يدي ربه و ليحي قلبه، و يستنير بما يتدبره و يتفهمه من كلام الله سيِّده الذي هو سبب حياة قلبه، و نعيمه و فلاحه، فالشيطان أحرص شيء على اقتطاع قلبه عن مقصود التلاوة. و لما علم الله سبحانه و تعالى حَسَد العدو للعبد، و تفرّغه له، و علم عجز العبد عنه، أمره بأن يستعيذ به سبحانه، و يلتجئ إليه في صرفه عنه، فيكتفي بالاستعاذة من مؤونة محاربته و مقاومته، و كأنه قيل له: لا طاقة لك بهذا العدو، فاستعذ بي أعيذك منه، و استجر بي أجيرك منه، و أكفيكه و أمنعك منه.