تمثيل لهذه الأصناف الثلاثة
فصل
أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة
فالرجل الأول، كرجل أُقطع أرضا واسعة، و أعين على عمارتها بآلات الحرث، و البذر و أعطي ما يكفيها لسقيها و حرثها، فحرثها و هيَّأها للزراعة، و بذر فيها من أنواع الغلات، و غرس فيها من أنواع الأشجار و الفواكه المختلفة الألوان ثم أحاطها بحائط، و لم يهملها بل أقام عليها الحرس، و حصنها من الفساد و المفسدين، و جعل يتعاهدها كل يوم فيُصلح ما فسد منه، و يغرس فيها عوض ما يبس، و ينقي دغلها و يقطع شوكها، و يستعين بغلَّتها على عمارتها. و الثـاني: بمنزلة رجل أخذ تلك الأرض، و جعلها مأوى السباع و الهوام، و موضعاً للجيف و الأنتان، و جعلها معقلا يأوي إليه فيها كل مفسد و مؤذٍ و لصٍّ، و أخذ ما أعين به من حرثتها و بذارها و صلاحها، فصرفه و جعله معونة و معيشة لمن فيها، من أهل الشرِّ و الفساد. و الثالث: بمنزلة رجل عطَّلها و أهملها و أرسل الماء ضائعاً في القفار و الصحارى فقعد مذموماً محسوراً. فهذا مثال أهل اليقظة، و أهل الغفلة، و أهل الخيانة.