القلب ييبس إذا خلا من توحيد الله
فصل
أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة
فكذلك القلب، إنما يَيبس إذا خلا من توحيد الله و حبه و معرفته و ذكره و دعائه، فتصيبه حرارة النفس، و نار الشهوات، فتمتنع أغصان الجوارح من الامتداد إذا مددتها، و الانقياد إذا قُدتها، فلا تصلح بعدُ هي و الشجرة إلا للنَّار { فويلٌ للقاسية قُلوبهم مِّن ذكر الله أولئك في ضلال مُّبين} [الزمر:22]، فإذا كان القلب ممطورا بمطر الرحمة، كانت الأغصان ليِّنة مُنقادة رطبة، فإذا مددتها إلى أمر الله انقادت معك، و أقبلت سريعة لينة وادعة، فجنيت منها من ثمار العبودية ما يحمله كل غصن من تلك الأغصان و مادتها من رطوبة القلب و ريِّه، فالمادة تعمل عملها في القلب و الجوارح، و إذا يبس القلب تعطلت الأغصان من أعمال البِّر ؛ لأن مادة القلب و حياته قد انقطعت منه فلم تنتشر في الجوارح، فتحمل كل جارحة ثمرها من العبودية، و لله في كل جارحة من جوارح العبد عبودية تخُصُّه، و طاعة مطلوبة منها، خلقت لأجلها و هيئت لها.