فصل:
فصل:
في المصافحة: اعلم أنها سنّة مجمعٌ عليها عند التلاقي.
روينا في صحيح البخاري، عن قتادة قال: قلتُ لأنس رضي اللّه عنه أكانتِ المصافحةُ في أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: نعم.
وروينا في صحيح البخاري ومسلم في حديث كعب بن مالك رضي اللّه عنه في قصة توبته قال: فقام إليّ طلحة بن عبيد اللّه رضي اللّه عنه يُهرول، حتى صافحني وهنّأني.
وروينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود، عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيانِ فَيتَصافَحانِ إِلاَّ غُفرَ لَهُما قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا " (16)
وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، عن البراء رضي اللّه عنه قال: قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم " ما مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيانِ إلاَّ غُفرَ لَهُما قَبْلَ أنْ يَتَفَرَّقا " .
وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رجلٌ: يا رسولَ اللّه! الرجلُ منّا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟، قال: " لا " قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: " لا " قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: " نَعَمْ " قال الترمذي: حديث حسن. وفي الباب أحاديث كثيرة.
وروينا في موطأ الإِمام مالك رحمه اللّه، عن عطاء بن عبد اللّه الخراسانيّ قال: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الغِلُّ، وَتَهَادَوْا تَحابُّوا وَتَذْهَبِ الشَّحْناءُ " قلت: هذا حديث مرسل.
واعلم أن هذه المصافحة مستحبّة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناسُ من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر، فلا أصلَ له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به، فإن أصل المصافحة سنّة، وكونهم حافَظوا عليها في بعض الأحوال، وفرّطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها، لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها.
وقد ذكر الشيخ الإِمام أبو محمد عبد السلام رحمه اللّه في كتابه " القواعد " أن البدع على خمسة أقسام: واجبة، ومحرّمة، ومكروهة، ومستحبّة، ومباحة. قال: ومن أمثلة البدع المباحة المصافحة عقب الصبح والعصر، واللّه أعلم.
قلت: وينبغي أن يحترز من مصافحة الأمرد الحسن الوجه، فإن النظرَ إليه حرام كما قدَّمنا في الفصل الذي قبل هذا، وقد قال أصحابنا: كلّ مَن حَرُمَ النظرُ إليه حَرُمَ مسُّه، بل المسّ أشدّ، فإنه يحلّ النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوّجها، وفي حال البيع والشراء والأخذ والعطاء ونحو ذلك، ولا يجوز مسُّها في شيء من ذلك، واللّه أعلم.
فصل: ويُستحبّ مع المصافحة، البشاشة بالوجه، والدعاء بالمغفرة وغيرها.
18/668 روينا في صحيح مسلم، عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه قال: قال لي رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئاً، وَلَوْ أنْ تَلْقَى أخاكَ بِوَجْهِ طَلِيقٍ " .
وروينا في كتاب ابن السني، عن البراء بن عازب رضي اللّه عنهما قال: قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إنَّ المُسْلِمَيْنِ إذَا الْتَقَيا فَتَصَافَحَا وَتَكَاشَرَا بِوُدٍّ وَنَصِيحَةٍ تَنَاثَرَتْ خَطاياهُما بَينَهُما " وفي رواية " إذَا الْتَقَى المُسْلِمانِ فَتَصَافَحَا وَحَمِدَا اللَّهَ تَعالى وَاسْتَغْفَرَا، غَفَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا " .
20/670 وروينا فيه، عن أنس رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: " مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحابَّيْنِ في اللَّهِ يَسْتَقْبِلُ أحَدُهُما صَاحِبَهُ فَيُصَافِحَهُ فَيُصَلِّيانِ على النَّبِيّ صلى اللّه عليه وسلم إِلاَّ لَمْ يَتَفَرَّقَا حتَّى تُغْفَرَ ذُنُوبهُمَا ما تَقَدَّمَ منْها وَما تَأخَّرَ " .
وروينا فيه، عن أنس أيضاً، قال: ما أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيدِ رجلٍ ففارقه حتى قال: " اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النَّارِ " .