باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
قول الله تعالى: ﴿ إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكُ من المشركين ﴾
----------------
﴿ إن إبراهيم كان أمة ﴾ أي قدوة وإماماً ومعلماً للخير، وإماماً يقتدى به، وما كان كذلك إلا لتكميله مقام الصبر واليقين اللذين بهما نال الإمامة في الدين، كما قال تعالى: ﴿ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ﴾. ﴿ قانتاً لله ﴾ أي خاشعاً مطيعاً، دائماً على عبادته وطاعته، كما قال شيخ الإسلام: القنوت في اللغة دوام الطاعة. ﴿ حنيفاً ﴾ الحنف: الميل، أي / مائلاً منحرفاً عن الشرك. قال ابن القيم: الحنيف / المقبل على الله المعرض عما سواه. ﴿ ولم يكُ من المشركين ﴾ أي / موحد خالص من شوائب الشرك مطلقاً، ويوضح هذا قوله تعالى: ﴿ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآءُ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ﴾
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
عن حصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ فقلت: أنا، ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة ولكني لُدغت، قال: فما صنعت؟ قلت: ارتقيت، قال: فما حملك على ذلك؟ قلت: حديث حدثناه الشـعبي، قال: وما حدثكم؟ قلت: حدثنا عن بريدة بن الحصيب أنه قال: لا رقيةٍ إلا من عينٍ أو حُمَةٍ، قال: أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولكن، حدثنا ابن عباس عن النبي أنه قال: " عُرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذ رُفِعَ لي سوادٌ عظيم، فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، فنظـرت فإذا سوادٌ عظيم، فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب " ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئاً، وذكروا أشياء، فخرج إليهم رسول الله فأخبروه، فقال: " هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون " فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: " أنت منهم " ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: " سبقك بها عكاشة "). رواه البخاري ومسلم
----------------
(أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة) (انقض): أي سقط. (البارحة) هي أقرب ليلة مضت. وفيه اهتمام السلف بالآيات الكونية والاعتبار بها. (فقلت أنا) أي حُصَين. (أما إني لم أكن في صلاة) القائل هو حصين، خاف أن يظن الحاضرون أنه ما رأى النجم إلا لأنه يصلي، فأراد أن ينفي عن نفسه إبهام العبادة وأنه يصلي، مع أنه لم يكن فعل ذلك. (صلاة) نكرة، فتعم، فنفى جميع الصلوات، سواءً صلاة الفرض أو صلاة النفل. واقتصر على نفي الصلاة لأنها غالب فعل الناس في الليل. (ولكني لدغت) بضم أوله، أي: لدغته عقرب أو نحوها. (ارتقيت) وفي لفظ لمسلم (استرقيت) أي طلبت من يرقيني قال الشـيخ ابن باز رحمه الله: (وليس المراد من الحديث الحصـر، بل حمله العلماء على الأولوية، أي لا رقية أولى من رقية العين والحُمَة، لأن الأحاديث دلت على جواز الرقي من غير العين والحُمَة،(فقال هم الذين لا يسترقون) أي / لا يطلبون من يرقيهم لقوة اعتمادهم على الله، ولما في ذلك من التعلق بغير الله.(ولا يكتوون) أي / لا يسـألون غيرهم أن يكويهم، فتـركه أفضـل عند عدم الحاجـة لأنه نـوع من التعذيب (ولا يتطيرون) أي / لا يتشاءمون بالطيور ونحوها، وهذا شرك لقوله: (الطيرة شرك). وكانت العرب معروفة بالتطير، فمنهم من يتشاءمون بشهر صفر، ومنهم من يتشاءمون بشهر شوال بالنسبة للنكاح، ومنهم من يتشاءم بصوت. (وعلى ربهم يتوكلون) ذكر الأصل الجامع الذي تفرعت عنه هذه الأفعال، وهو التوكل على الله، وصدق الالتجاء إليه، والاعتماد بالقلب عليه