باب فضل العلم
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
قال الله تعالى: {وقل رب زدني علما} [طه (114)].
----------------
هذا من أعظم أدلة شرف العلم، وعظمه، إذ لم يؤمر - صلى الله عليه وسلم - أن يسأل ربه الزيادة إلا منه. وروى الترمذي وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وارزقني علما ينفعني، وزدني علما، الحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار».
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر (28)].
----------------
وقال ابن عباس: يريد إنما يخافني من خلقي، من علم جبروتي، وعزتي، وسلطاني. وقال ابن مسعود: ليس العلم عن كثرة الحديث، ولكن العلم عن كثرة الخشية. وقال الحسن البصري: العالم من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه. ثم تلا: {إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور} [فاطر (28)].
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
عن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين». متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس، ولفضل التفقه في الدين على سائر العلم. قال الحافظ: ومفهوم الحديث: أن من لم يتفقه في الدين، أي: يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع، فقد حرم الخير.
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها». متفق عليه.
----------------
والمراد بالحسد: الغبطة، وهو أن يتمنى مثله. قال البخاري: باب الاغتباط في العلم والحكمة. وقال عمر: «تفقهوا قبل أن تسودوا». وذكر الحديث. والحسد المذكور في الحديث: هو الغبطة، وليس من الحسد المذموم الذي هو تمني زوال النعمة عن المنعم عليه، والمراد بالحكمة هنا: القرآن. وقيل: كل ما منع من الجهل، وزجر عن القبيح.
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا؛ فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ، والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان؛ لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به». متفق عليه.
----------------
قال البخاري: باب فضل من علم وعلم. وذكر الحديث. قوله: «أجادب»، هي الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء وجمع - صلى الله عليه وسلم - في المثل بين الطائفتين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي - رضي الله عنه -: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم». متفق عليه.
----------------
فيه: فضل نشر العلم والدعوة إلى الإسلام. قال الله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} [يوسف (108)].
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: الحض على تعليم القرآن. قال الله تعالى: {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}... [الأنعام (19)]، وتحريم الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والوعيد على ذلك بالنار، وهو من الكبائر. قوله: «وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج». قال الحافظ: أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم؛ لأنه كان تقدم منه - صلى الله عليه وسلم - الزجر عن الأخذ عنهم، والنظر في كتبهم، ثم حصل التوسع في ذلك، وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية، والقواعد الدينية، خشية الفتنة. ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك؛ لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار.
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا». رواه مسلم.
----------------
فيه: فضل الدعوة إلى الهدى، ولو بإبانته وإظهاره، قليلا كان أو كثيرا، وأن الداعي له مثل أجر العامل، وذلك من عظيم فضل الله وكمال كرمه.
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». رواه مسلم.
----------------
الحديث: دليل على أنه ينقطع أجر كل عمل بعد الموت، إلا هذه الثلاث فإنه يجري ثوابها بعد الموت لدوام نفعها. الأولى: الصدقة الجارية، كالوقف ونحوه. الثانية: علم ينتفع به كالتعليم والتصنيف. الثالثة: دعاء الولد الصالح.
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله تعالى، وما والاه، وعالما، أو متعلما». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).
----------------
قوله: «وما والاه»: أي طاعة الله. الملعون من الدنيا، ما ألهى عن طاعة الله. قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} [المنافقون (9)].
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من خرج في طلب العلم كان في سبيل الله حتى يرجع». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).
----------------
وجه مشابهة طلب العلم بالجهاد في سبيل الله، أنه إحياء للدين، وإذلال للشيطان وإتعاب للنفس، وكسر للهوى واللذة. قال البخاري: باب الخروج في طلب العلم، ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد. وذكر حديث ابن عباس في سفر موسى عليه السلام إلى الخضر. وفيه: ما كان عليه الصحابة من الحرص على تحصيل السنن النبوية. قيل لأحمد: رجل يطلب العلم، يلزم رجلا عنده علم كثير، أو يرحل؟ قال: يرحل يكتب عن علماء الأمصار، فيشام الناس ويتعلم منهم.
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين/ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لن يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة». رواه الترمذي وقال:... (حديث حسن).ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين
----------------
قوله: «لن يشبع المؤمن من خير»، أي: من كل مقرب إلى الله تعالى، وأشرفها العلم الديني. وفي بعض الآثار: «اثنان لا يشبعان ولا يستويان: طالب علم، وطالب دنيا»
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
عن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم». ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).
----------------
فيه: عظم شرف العلماء الذين تعلموا العلم، وقاموا بحقه من عمل، أو نفع، أو هداية، أو غير ذلك من حقوق العلم النافع، وأنهم بمنزلة الأنبياء.
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر». رواه أبو داود والترمذي.
----------------
قوله: «وإن العلماء ورثة الأنبياء»، أي: في العلم، والعمل، والكمال، ولا يتم ذلك إلا لمن صفى علمه، وعمله، فسلم من الإخلاد إلى الشهوات الخافضة. قال الحسن: من طلب العلم يريد ما عند الله، كان خيرا له مما طلعت عليه الشمس. وقال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «نضر الله امرأ سمع منا شيئا، فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح).
----------------
قوله: «نضر الله امرءا»، أي: نعمه. والنضارة في الأصل: حسن الوجه والبريق. وإنما أراد حسن خلقه وقدره. قاله في النهاية. قال بعضهم: إني لأرى في وجوه أهل الحديث نضرة. أشار به إلى إجابة الدعوة لهم. وفيه: فضيلة للضابط الحافظ ألفاظ السنة. وروى الشافعي وغيره: (نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار». رواه أبو داود والترمذي، وقال: (حديث حسن).
----------------
فيه: عظم وعيد من كتم العلم الشرعي لغرض دنيوي. قال الله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} [البقرة (174)].
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله - عز وجل - لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة». يعني: ريحها. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
----------------
فيه: وعيد شديد لمن تعلم علوم الدين، ولا يقصد بذلك إلا الدنيا. قال الله تعالى: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} [هود (15، 16)].
باب فضل العلم
تطريز رياض الصالحين
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا». متفق عليه.
----------------
قال البخاري: باب كيف يقبض العلم. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتبه، فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا. وذكر الحديث. قال الحافظ: وفيه: الحث على حفظ العلم، والتحذير من ترئيس الجهلة. وفيه: أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية، وذم من يقدم عليها بغير علم، وقال البخاري أيضا: باب رفع العلم وظهور الجهل. وقال ربيعة: لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه، وذكر حديث أنس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا». قال الحافظ: ومراد ربيعة: أن من كان فيه فهم وقابلية للعلم، لا ينبغي له أن يهمل نفسه فيترك الاشتغال به، لئلا يؤدي ذلك إلى رفع العلم. أو مراده: الحث على نشر العلم في أهله، لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدي إلى رفع العلم. أو مراده: أن يشهر العالم نفسه، ويتصدى للأخذ عنه لئلا يضيع علمه. وقيل: مراده تعظيم العلم وتوقيره، فلا يهين نفسه بأن يجعله عرضا للدنيا. وهذا معنى حسن، لكن اللائق بتبويب المصنف، ما تقدم، انتهى. والله أعلم.