باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين}... [المائدة (54)].
----------------
وقد ارتد قبائل من العرب في عهده - صلى الله عليه وسلم - وفي خلافة أبي بكر فقاتلهم أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم. ولما نزلت: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [المائدة (54)]، أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي موسى الأشعري وقال: «هم هذا وقومه». يعني أهل اليمن.
باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات... (13)].
----------------
الشعب: رأس القبائل، كمضر، والقبيلة: كتميم، أي: جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا لا لتفاخروا. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم منسأة في الأجل».
باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}... [الأعراف (48، 49)].
----------------
الأعراف: السور المضروب بين الجنة والنار، وأصحابه رجال تساوت حسناتهم وسيآتهم يقولون لأهل النار: ما أغنى عنكم مالكم ولا تكبركم، ولا منعكم ذلك عن دخول النار، وهؤلاء الضعفاء الذين كنتم تسخرون منهم وتحقرونهم في الدنيا وأقسمتم أن الله لا يدخلهم الجنة، أدخلهم الله إياها برحمته.
باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
تطريز رياض الصالحين
عن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد». رواه مسلم.
----------------
التواضع: الانكسار والتذلل، وضده: التكبر والرفع، ومن تواضع لله رفع الله قدره، وطيب ذكره، ورفع درجته في الآخرة.
باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
تطريز رياض الصالحين
عن الأسود بن يزيد، قال: سألت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله - يعني: خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة. رواه البخاري.
----------------
جاء ذلك مفسرا في بعض الروايات: كان في بيته في مهنة أهله يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويعلف ناضحه، ويعقل البعير، ويأكل مع الخادم ويحمل بضاعته إلى السوق. ففي ذلك مزيد فضله، وكمال تواضعه - صلى الله عليه وسلم -.
باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
تطريز رياض الصالحين
عن أبي رفاعة تميم بن أسيد - رضي الله عنه - قال: انتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب، فقلت: يا رسول الله، رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه؟ فأقبل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وترك خطبته حتى انتهى إلي، فأتي بكرسي، فقعد عليه، وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته فأتم آخرها. رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: استحباب تلطف السائل. وفيه: كمال تواضعه - صلى الله عليه وسلم - ورفقه بالمسلمين وشفقته عليهم.
باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
تطريز رياض الصالحين
عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أكل طعاما، لعق أصابعه الثلاث. قال: وقال: «إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى، وليأكلها ولا يدعها للشيطان» وأمرنا أن نسلت القصعة، قال: «فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة». رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: رد على من كره لعق الأصابع استقذارا. قال الخطابي: عاف قوم - أفسد قلوبهم - الرفه لعقها، وزعموا أنه مستقبح، كأنهم لم يعلموا أن الطعام الذي علق بالأصابع جزء ما أكلوه وليس فيه أكثر من مصها بباطن الشفة. انتهى. قلت: إنما يستقذر اللعق أثناء الأكل. وفيه: استحباب أكل لقمته الساقطة كسرا لنفسه، وتواضعا لربه، والتماسا للبركة.
باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم» قال أصحابه: وأنت؟ فقال: «نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة». رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: تنبيه على التواضع. وأن تعاطي الكامل ما فيه كسر النفس لا يخل بمروءته.
باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو دعيت إلى كراع أو ذراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت». رواه البخاري.
----------------
قال الحافظ: خص الذراع والكراع بالذكر ليجمع بين الخطير والحقير، لأن الذراع كانت أحب إليه من غيرها، والكراع لا قيمة له. وقال ابن بطال: أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الحض على قبول الهدية وإن قلت، لئلا يمتنع الباعث من الهدية لاحتقار الشيء، فحض على ذلك لما فيه من التآلف. وفي الحديث: إجابة الداعي، وإن قل المدعو إليه، وفي ذلك كله تحريض على التواضع، وحث على تعاطي ما يبعث على التآلف ويغرس الوداد.
باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
تطريز رياض الصالحين
عن أنس - رضي الله عنه - قال: كانت ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العضباء لا تسبق، أو لا تكاد تسبق، فجاء أعرابي على قعود له، فسبقها، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه، فقال: «حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه». رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: التزهيد في الدنيا، وإغماض الطرف عن زهرتها. قال ابن بطال: فيه هوان الدنيا على الله، والتنبيه على ترك المباهاة والمفاخرة. وفيه: الحث على التواضع، وطرح رداء الكبر، والإعلام بأن أمور الدنيا ناقصة غير كاملة. وفيه: ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - لحسن خلقه من إذهاب ما يشق على أصحابه.