باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
قال الله تعالى: {واخفض جناحك للمؤمنين} [الحجر (88)].
----------------
أي: لين جانبك. وهذا خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - محرضا له على مكارم الأخلاق، ومحاسنها، وهو عام لجميع أمته. قال الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} [الأحزاب (21)].
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} [الكهف (28)].
----------------
أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يحبس نفسه مع الذين يعبدون الله في سائر الأوقات، وأن لا يجاوزهم ناظرا إلى غيرهم من ذوي الهيئات.
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين} [الماعون (1: 3)].
----------------
الاستفهام للتعجب من المكذب بالجزاء والبعث. قوله: {يدع اليتيم}، أي: يدفعه دفعا عنيفا، ولا يحض أهله وغيرهم. على طعام المسكين.
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة نفر، فقال المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، وكنت أنا وابن مسعود. ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه، فأنزل الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}... [الأنعام (52)]. رواه مسلم.
----------------
في بعض كتب التفسير أنهم لما عرضوا ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا له: اجعل لنا يوما ولهم يوما، فهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فأنزل الله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} [الأنعام (52)]، فنهاه عن طردهم ووصفهم أحسن أوصافهم، وأمر بأن يصبر نفسه معهم فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رآهم يقول: «مرحبا بالذين عاتبني الله فيهم». وإذا جالسهم لم يقم عنهم، حتى يكونوا هم الذين يبدأون بالقيام.
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هبيرة عائذ بن عمرو المزني وهو من أهل بيعة الرضوان... - رضي الله عنه - أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر - رضي الله عنه - أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره، فقال: «يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك» فأتاهم فقال: يا إخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي. رواه مسلم.
----------------
قوله: «مأخذها» أي: لم تستوف حقها منه. وقوله: «يا أخي»: روي بفتح الهمزة وكسر الخاء وتخفيف الياء، وروي بضم الهمزة وفتح الخاء وتشديد الياء. كان إتيان أبي سفيان المدينة، وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية، وقول أبي بكر تألفا لأبي سفيان. وفي هذا الحديث: احترام الصالحين واتقاء ما يؤذيهم أو يغضبهم.
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا». وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما. رواه البخاري.
----------------
و «كافل اليتيم»: القائم بأموره. قال ابن بطال: حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به، فيكون رفيق النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة.
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة». وأشار الر اوي وهو مالك بن أنس بالسبابة والوسطى. رواه مسلم.
----------------
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «اليتيم له أو لغيره» معناه: قريبه، أو الأجنبي منه، فالقريب مثل أن تكفله أمه أو جده أو أخوه أو غيرهم من قرابته، والله أعلم. قال النووي: هذه الفضيلة تحصل لمن كفل اليتيم من مال نفسه، أو مال اليتيم، بولاية شرعية.
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف». متفق عليه.
----------------
وفي رواية في الصحيحين: «ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس». أي: ليس المسكين الممدوح من المساكين، الأحق بالصدقة والأحوج بها سوى المتعفف. قال الخطابي: إنما نفى - صلى الله عليه وسلم - المسكنة عن السائل الطواف، لأنه تأتيه الكفاية، وقد تأتيه الزكاة فتزول خصاصته، وإنما تدوم الحاجة فيمن لا يسأل ولا يعطى.
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله» وأحسبه قال: «وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر». متفق عليه. الأرملة: المرأة التي لا وزج لها. والأرامل: المساكين من رجال ونساء، والساعي عليهما، وهو المكتسب لهما بما يمونهما به.
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «شر الطعام طعام الوليمة، يمنعها من يأتيها، ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله». رواه مسلم.
----------------
وفي رواية في الصحيحين، عن أبي هريرة من قوله: «بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء». الوليمة: الطعام المتخذ للعرس، وتقع على كل دعوة تتخذ لسرور حادث، كختان ونحوه. وفي الحديث: مراعاة الفقراء، والتلطف بهم، وإجابة الداعي..
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين» وضم أصابعه. رواه مسلم.
----------------
«جاريتين» أي: بنتين. في هذا الحديث: الثواب العظيم لمن قام على البنات بالمؤونة والتربية حتى يتزوجن.. وكذلك الأخوات.
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخلت علي امرأة ومعها ابنتان لها، تسأل فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا، فأخبرته فقال: «من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن، كن له سترا من النار». متفق عليه.
----------------
قال القرطبي: يفيد هذا الحديث بعمومه أن الستر من النار يحصل بالإحسان إلى واحدة من البنات، فإذا عال زيادة على الواحدة فيحصل له زيادة على الستر السبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الجنة كما في الحديث السابق.
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار». رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: فضل الإثيار على النفس، ورحمة الصغار، ومزيد الإحسان والرفق بالبنات وأن ذلك سبب لدخول الجنة والعتق من النار.
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
عن أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعي - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة». حديث حسن رواه النسائي بإسناد جيد.
----------------
ومعنى «أحرج»: ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيرا بليغا، وأزجر عنه زجرا أكيدا. أنما حرج النبي - صلى الله عليه وسلم - حق اليتيم والمرأة، لأنهما لا قوة لهما ولا ملجأ إلا إلى الله تعالى.
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، قال: رأى سعد أن له فضلا على من دونه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم». رواه البخاري هكذا مرسلا،
----------------
فإن مصعب بن سعد تابعي، ورواه الحافظ أبو بكر البرقاني في صحيحه متصلا عن مصعب عن أبيه - رضي الله عنه -. قال ابن بطال: تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء وأكثر خشوعا في العبادة، لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا.
باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين
تطريز رياض الصالحين
عن أبي الدرداء عويمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «ابغوني الضعفاء، فإنما تنصرون وترزقون، بضعفائكم». رواه أبو داود بإسناد جيد.
----------------
الضعفاء: صعاليك المسلمين، أي ائتوا بهم لأستعين بهم. وفي رواية:: «ابغوني في الضعفاء». وفي أحاديث الباب: الانقطاع إلى الله سبحانه وإعانة الفقراء، وإغاثة المنقطعين وعدم رؤية النفس، والحذر من التعرض لإيذاء أحد من الضعفاء.