الجزء الثاني المجموعة الرابعة
A
الجزء الثاني المجموعة الرابعة
حديث 755. عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر رضي الله عنه فعزله، واستعمل عليهم عماراً فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي، قال أبو إسحاق: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرم عنها أصلي صلاة العشاء، فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين، قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، فأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة ولم يدع مسجداً إلا سأل عنه، ويثنون معروفاً، حتى دخل مسجداً لبني عبس فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة قال: أما إذ نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياءً وسمعة فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن، وكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن.
في رواية " فقال سعد أتعلمني الأعراب الصلاة " أخرجه مسلم.
وفيه دلالة على أن الذين شكوه لم يكونوا من أهل العلم وكأنهم ظنوا مشروعية التسوية بين الركعات فأنكروا على سعد التفرقة فيستفاد منه ذم القول بالرأي الذي لا يستند إلى أصل، وفيه أن القياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار.
قوله " لأدعون بثلاث " والحكمة في ذلك أنه نفى عنه الفضائل الثلاث وهي الشجاعة حيث قال لا ينفر، والعفة حيث قال لا يقسم، والحكمة حيث قال لا يعدل، فهذه الثلاثة تتعلق بالنفس والمال والدين فقابلها بمثلها فطول العمر يتعلق بالنفس وطول الفقر يتعلق بالمال والوقوع في الفتن يتعلق بالدين.
ومن أعجب العجب أن سعداً مع كون هذا الرجل واجهه بهذا وأغضبه حتى دعا عليه في حال غضبه راعى العدل والإنصاف في الدعاء عليه إذ علقه بشرط أن يكون كاذباً وأن يكون الحامل له على ذلك الغرض الدنيوي.
وكان سعد معروفاً بإجابة الدعوة، روى الطبراني من طريق الشعبي قال قيل لسعد متى أصبت الدعوة قال يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم استجب لسعد. وروى الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق قيس بن أبي حازم عن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم استجب لسعد إذا دعاك.
وفي هذا الحديث من الفوائد سوى ما تقدم:
1- جواز عزل الإمام بعض عماله إذا شكي إليه وإن لم يثبت عليه شيء إذا اقتضت ذلك المصلحة، قال مالك قد عزل عمر سعداً وهو أعدل من يأتي بعده إلى يوم القيامة، والذي يظهر أن عمر عزله حسماً لمادة الفتنة، ففي رواية سيف قال عمر: لولا الاحتياط وأن لا يتقى من أمير مثل سعد لما عزلته، وقيل عزله إيثاراً لقربه منه لكونه من أهل الشورى، وقيل لأن مذهب عمر أنه لا يستمر بالعامل أكثر من أربع سنين.
2- قال المازري: اختلفوا هل يعزل القاضي بشكوى الواحد أو الاثنين أو لا يعزل حتى يجتمع الأكثر على الشكوى منه.
3- فيه استفسار العامل عما قيل فيه.
4- السؤال عمن شكي في موضع عمله والاقتصار في المسألة على من يظن به الفضل.
5- أن السؤال عن عدالة الشاهد ونحوه يكون ممن يجاوره.
6- أن تعريض العدل للكشف عن حاله لا ينافي قبول شهادته في الحال.
7- فيه خطاب الرجل الجليل بكنيته.
8- الاعتذار لمن سمع في حقه كلام يسوؤه.
9- الفرق بين الافتراء الذي يقصد به السب والافتراء الذي يقصد به دفع الضرر فيعزر قائل الأول دون الثاني، ويحتمل أن يكون سعد لم يطلب حقه منهم أو عفا عنهم واكتفى بالدعاء على الذي كشف قناعه في الافتراء عليه دون غيره فإنه صار كالمنفرد بأذيته وقد جاء في الخبر " من دعا على ظالمه فقد انتصر " فلعله أراد الشفقة عليه بأن عجل له العقوبة في الدنيا فانتصر لنفسه وراعى حال من ظلمه لما كان فيه من وفور الديانة، ويقال إنه إنما دعا عليه لكونه انتهك حرمة من صحب صاحب الشريعة وكأنه قد انتصر لصاحب الشريعة.
10- فيه جواز الدعاء على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه وليس هو من طلب وقوع المعصية ولكن من حيث إنه يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته، ومن هذا القبيل مشروعية طلب الشهادة وإن كانت تستلزم ظهور الكافر على المسلم ومن الأول قول موسى عليه السلام " ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم " الآية.
11- فيه سلوك الورع في الدعاء.
في رواية " فقال سعد أتعلمني الأعراب الصلاة " أخرجه مسلم.
وفيه دلالة على أن الذين شكوه لم يكونوا من أهل العلم وكأنهم ظنوا مشروعية التسوية بين الركعات فأنكروا على سعد التفرقة فيستفاد منه ذم القول بالرأي الذي لا يستند إلى أصل، وفيه أن القياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار.
قوله " لأدعون بثلاث " والحكمة في ذلك أنه نفى عنه الفضائل الثلاث وهي الشجاعة حيث قال لا ينفر، والعفة حيث قال لا يقسم، والحكمة حيث قال لا يعدل، فهذه الثلاثة تتعلق بالنفس والمال والدين فقابلها بمثلها فطول العمر يتعلق بالنفس وطول الفقر يتعلق بالمال والوقوع في الفتن يتعلق بالدين.
ومن أعجب العجب أن سعداً مع كون هذا الرجل واجهه بهذا وأغضبه حتى دعا عليه في حال غضبه راعى العدل والإنصاف في الدعاء عليه إذ علقه بشرط أن يكون كاذباً وأن يكون الحامل له على ذلك الغرض الدنيوي.
وكان سعد معروفاً بإجابة الدعوة، روى الطبراني من طريق الشعبي قال قيل لسعد متى أصبت الدعوة قال يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم استجب لسعد. وروى الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق قيس بن أبي حازم عن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم استجب لسعد إذا دعاك.
وفي هذا الحديث من الفوائد سوى ما تقدم:
1- جواز عزل الإمام بعض عماله إذا شكي إليه وإن لم يثبت عليه شيء إذا اقتضت ذلك المصلحة، قال مالك قد عزل عمر سعداً وهو أعدل من يأتي بعده إلى يوم القيامة، والذي يظهر أن عمر عزله حسماً لمادة الفتنة، ففي رواية سيف قال عمر: لولا الاحتياط وأن لا يتقى من أمير مثل سعد لما عزلته، وقيل عزله إيثاراً لقربه منه لكونه من أهل الشورى، وقيل لأن مذهب عمر أنه لا يستمر بالعامل أكثر من أربع سنين.
2- قال المازري: اختلفوا هل يعزل القاضي بشكوى الواحد أو الاثنين أو لا يعزل حتى يجتمع الأكثر على الشكوى منه.
3- فيه استفسار العامل عما قيل فيه.
4- السؤال عمن شكي في موضع عمله والاقتصار في المسألة على من يظن به الفضل.
5- أن السؤال عن عدالة الشاهد ونحوه يكون ممن يجاوره.
6- أن تعريض العدل للكشف عن حاله لا ينافي قبول شهادته في الحال.
7- فيه خطاب الرجل الجليل بكنيته.
8- الاعتذار لمن سمع في حقه كلام يسوؤه.
9- الفرق بين الافتراء الذي يقصد به السب والافتراء الذي يقصد به دفع الضرر فيعزر قائل الأول دون الثاني، ويحتمل أن يكون سعد لم يطلب حقه منهم أو عفا عنهم واكتفى بالدعاء على الذي كشف قناعه في الافتراء عليه دون غيره فإنه صار كالمنفرد بأذيته وقد جاء في الخبر " من دعا على ظالمه فقد انتصر " فلعله أراد الشفقة عليه بأن عجل له العقوبة في الدنيا فانتصر لنفسه وراعى حال من ظلمه لما كان فيه من وفور الديانة، ويقال إنه إنما دعا عليه لكونه انتهك حرمة من صحب صاحب الشريعة وكأنه قد انتصر لصاحب الشريعة.
10- فيه جواز الدعاء على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه وليس هو من طلب وقوع المعصية ولكن من حيث إنه يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته، ومن هذا القبيل مشروعية طلب الشهادة وإن كانت تستلزم ظهور الكافر على المسلم ومن الأول قول موسى عليه السلام " ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم " الآية.
11- فيه سلوك الورع في الدعاء.

