لليل سهام هي مسك الختام
(الدعاء)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين...
مهما بلغنا من القوة وجوانب الكمال...إلا أنه يبقى العجز والضعف ملازم لبني البشر..قال تعالى{ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً} النساء
ولما كانت هذه صفتنا وجبلتنا…احتجنا لركن شديد نأوي إليه، وقوي عزيز نفزع إليه…
نلوذ بحماه، ونعتصم به، وننطرح على أعتابه، ونجأر إليه، ونتوكل عليه…
إنه ربنا تبارك وتعالى وهو حسبنا ونعم الوكيل..
لا غنى لنا عن ربنا بتاتاً…بالله عليكم كيف بنا إذا أعرض الكريم عنا؟؟ وأوصدت الأبواب دوننا؟؟؟ ووكلنا إلى أنفسنا الضعيفة؟؟؟
إي وربي إنها لأعظم الخسران…
لذا كان الدعاء هو سلاح المؤمن،عدته وعتاده... وفيه يجد لذته وأنسه...وبه يقوي صلته بربه..
يرفع شكواه، ويناجي مولاه، رباه...رباه...فيبوح الفؤاد بأسراره..وتطلب النفس حاجاتها...بلا حُجّاب ولا وسطاء ولا مزيد عناء...
فمن منا لا يحتاج إلى الدعاء؟؟
أتهزأ بالدعاء وتزدريـــــه *** وما تدري بما صنع الدعاءُ
سهام الليل لا تخطي ولكن *** لها أمدٌ وللأمد انقضـــــــاء
الدعاء عند حافظة الوحيين:
يحثها إليه أمر تحفظه من باريها جل في علاه إذ قال{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } غافر
وهي كذلك تعمر قلبها بحديث نبيها عليه الصلاة والسلام إذ قال مبيناً أهمية الدعاء(إن الدعاء هو العبادة) صحيح ابن ماجه
فهيا أيتها الفاضلة...لننهل من هذين النبعين الصافيين، ونقف بعض الوقفات مع هذه العبادة الجليلة..
مــاذا نعني بالدعـــــــــــــاء؟
كلمة الدعاء في الأصل مصدر من قولك: دعوتُ الشيء أدعوه دعاءً، وهو أن تُميل الشيءَ إليك بصوت وكلام يكون منك.
وفي الاصطلاح يقول الخطابي هو: " إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرُّؤ من الحول والقوّة، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه " أ.هـ
أهميـة الدعـــاء وثمراتـــه:
1- الدعاء من الأعمال التي يحبها الله عز وجل فعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: " سلوا الله من فضله؛ فإن الله يحب أن يُسأل "
2- الدعاء من صفات عباد الله المتقين، قال عز وجل عن أنبيائه عليهم السلام {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين} الأنبياء
3- من أفضل الأعمال عند الله عز وجل فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء) سنن الترمذي
4- من الأسباب المهمة التي تدفع غضب الله عز وجل،قال صلى الله عليه وسلم(من لم يسأل الله يغضبْ عليه) صحيح الترمذي
5- الدعاء سلامة من العجز قال صلى الله عليه وسلم(أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام) صحيح الجامع
6-الدعاء سبب لرفع البلاء، قال صلى الله عليه وسلم(من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله شيئًا يعطى أحبَّ إليه من أن يسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل؛ فعليكم عباد الله بالدعاء) حديث حسن
7- هو سلاح المؤمن وسبب نصرته على أعدائه قال صلى الله عليه وسلم(اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي و جلالي لأنصرنك ولو بعد حين) صحيح الجامع
وما إلى ذلك من ثمرات عظيمة لا يتسع المقام لذكرها...
كيف يكون دعائي مستجاب؟
هناك شروطاً للدعاء...كلما حرصنا على تحقيقها كانت الإجابة أحرى بإذن الله فقد قال عمر الفاروق رضي الله عنه: " أنا لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء "
1- فمن أهم شروط وآداب الدعاء وأسباب الإجابة، الإخلاص لله تعالى لقوله: {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الأعراف.
2- ألا تدعو بإثم أو قطيعة رحم،فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل " قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء) مسلم
3- أن تدعو بقلب حاضر، موقن بالإجابة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه) صحيح الترمذي
4- الحرص على المطعم والمشرب الحلال فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(..ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك) مسلم
5- الحرص على آداب الدعاء.
ما هي آداب الدعـــاء؟
إن للدعاء جملة من الآداب ينبغي الحرص على تطبيقها، تأدباً مع الله عز وجل أولاً...ولتجني ثمار هذه العبادة العظيمة ثانياً..
ومن جملة هذه الآداب:
1- الوضوء،حتى تقبلي على الله تعالى طاهرة متهيئة لمناجاته ودعائه، فلما استغفر النبي صلى الله عليه وسلم لعبيد أبي عامر،دعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال(اللهم أغفر لعبيد أبي عامر..) رواه البخاري ومسلم. والحديث طويل.
2- استقبال القبلة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال(استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة فدعا على نفر من قريش فأشهد بالله، لقد رأيتهم صرعى...) البخاري
3- رفع اليدين وبسط الكفَّين، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(إن الله حي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين) أبو داود
ورفع اليدين إنما يكون في الدعاء العام، وما ورد الدليل على مشروعية رفع اليدين فيه، لأن هناك أدعية لا ترفع فيها الأيدي مثل دعاء دخول المنزل، والخروج منه، ودخول الخلاء، والخروج منه.
4- استفتاح الدعاء بحمد الله والثناء عليه، ثم بعدها بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم..
ثم ابدأ بعد ذلك في دعائك ومسألتك، فعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلى..فقال: " اللهم أغفر لي وارحمني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:عجلت أيها المصلي إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله، وصل علي ثم ادعه) الترمذي.
5- اختيار الاسم الذي يليق بجلاله سبحانه وتعالى،فتدعوه بما جاء في القرآن والسنة من أسمائه الحسنى تبارك وتعالى قال تعالى{ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } الأعراف
6- خفض الصوت عند الدعاء بين المخافتة والجهر قال تعالى:{ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} الأعراف
7- اختيار الألفاظ الحسنة في الدعاء والبعد عن تكلف السجع والحذر من التعدي،ولا أحسن مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة، فإن الأدعية القرآنية والأدعية النبوية أولى ما يدعى به لأنها أكثر بركة، ولأنها جامعة للخير كله.
8- الإلحاح عليه سبحانه وهو أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء، فإن الإلحاح يدل على صدق الرغبة، والله تعالى يحب الملحين في الدعاء، ومن ذلك تكرير الدعاء، فعن ابن مسعود يصف دعاء النبي صلى الله عليه وسلم(وكان إذا دَعا دعا ثلاثاً) مسلم.
9- الجزم في الدعاء والعزم في المسألة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه) البخاري
10- التضرع والخشوع، والرغبة والرهبة: قال تعالى عن أنبيائه عليهم السلام{إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين}الأنبياء
11- التوسل إلى الله بأعمالك الصالحة التي وفقك الله إليها..كما صح ذلك في حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار.
12- أن يبدأ الداعي بنفسه، ثم يدعو لإخوانه المسلمين فعن أبي بن كعب رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه)رواه الترمذي.
13- تجنب الدعاء على الأهل، والمال، والنفس، قال صلى الله عليه وسلم(لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم) مسلم
14- سؤال الله ودعائه في جميع أحوالك..في سرائك وضرائك،فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكُرب فليكثر من الدعاء في الرخاء) أخرجه الترمذي
ختاماً...
لنحرص جميعاً على هذه العبادة الجليلة...لنقوي صلتنا بخالقنا ولننطرح على أعتابه...
لنبرأ من حولنا وقواتنا ونلتجئ لحول بارينا وقوته عز وجل فمن اعتمد على غيره فقد خسر خسراناً مبيناً...
وبسهام الليل نكون اختتمنا إضاءات توجهنا بها لصفوة الفتيات..الحافظات للوحيين الشريفين..انتقينا فيها مواضيع تهم الجميع ولكنها لحافظة الوحيين أهم...لأنها مكانتها أسمى من غيرها...
وكم وددنا أن المواضيع تستمر ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق...ولعل أن يكون ذلك بمواضيع وسلاسل أخرى ندونها في هذا الصرح الدعوي الشامخ...
سائلين المولى عز وجل أن ينفعنا جميعاً بما نقول ونسمع، ويرزقنا الإخلاص قولاً وعملاً، ويرزقنا علماً نافعاً مقروناً بعمل صالح..
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد
مختارات