آفة الكذب 1
قال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (٣٢)} [الزمر: ٣٢].
وقال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧)} [يونس: ١٧].
لا أظلم ولا أشد ظلماً ممن كَذَب على الله، إما بنسبته إلى ما لا يليق بجلاله، أو بادعاء النبوة، أو الإخبار بأن الله قال كذا، أو أخبر بكذا، أو حكم بكذا، وهو كاذب، أو جاءه الحق المؤيد بالبينات فكذبه، ومن كان جامعاً بين الكذب على الله، والتكذيب بالحق كان ظلماً على ظلم.
وليس هناك أظلم ممن كذب على الله، فزعم أن له بناتاً، أو له شركاء، أو قال إنه فقير، أو قال يد الله مغلولة، أو قال إن الله ثالث ثلاثة، أو قال إن الله هو المسيح بن مريم، أو كذب الرسل ونحو ذلك.
والكذب من أعظم آفات النفس، ويوم القيامة تكون وجوه المكذبين مسودة من الخزي، ومن الكمد، ومن لفح النار كما قال سبحانه: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠)} [الزمر: ٦٠].
وليس هناك أعظم ظلماً وعناداً ممن كَذَب على الله أو كذب بآياته التي جاءت بها الرسل، فهذا أظلم الناس، والظالم لا يفلح أبداً كما قال سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١)}... [الأنعام: ٢١].
والكذب من قبائح الذنوب، وفواحش العيوب، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا» متفق عليه (١).
والكلام وسيلة إلى المقاصد:
فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً، فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحاً، وواجب إن كان المقصود واجباً، كما أن عصمة دم المسلم واجبة.
فمهما كان في الصدق سفك دم امرئ مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب، ومهما كان لا يتم مقصود الحرب، أو إصلاح ذات البين إلا بكذب فالكذب مباح، إلا أنه ينبغي أن يحترز منه ما أمكن.
لأنه إذا فَتَح باب الكذب على نفسه فيُخشى أن يَتَداعى إلى ما يُستغنى عنه، وإلى ما لا يقتصر على حد الضرورة، فيكون الكذب حراماً في الأصل إلا لضرورة.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا أوْ يَقُولُ خَيْرًا» متفق عليه (٢).
والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكبائر التي لا يقاومها شيء، ويدخل في هذا فتوى العالم بما لا يتحققه.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» متفق عليه (٣).
والكذب: هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه، وهو من سيء الأخلاق، والكذب من صفات المنافقين كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ، إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» متفق عليه (٤).
مختارات