تدبــــر - المجموعة الرابعة عشر
أن ملكا أراد من أهل مملكته شيئا فماذا عساه أن يفعل أو لو أن رئيسا أراد أن يأمر أهل جمهوريته بأمر فماذا عساه أن يفعل؟سيرسل إليهم رسالة فيها أمره ونهيه فيها قوانينه وأحكامه هذا عندنا نحن البشر وقد عاملنا الله بما نعرف فأرسل إلينا رسالة فيها أمره ونهيه وفيها أحكامه ومطالبه ألا وهي القرآن فالقرآن هو رسالة من الله إلى الناس أرسلها الله ليبين للناس مايريده منهم {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل : 44]ويعلم الناس ما يحبه ومالا يحبه ويظهر للناس شيئا من حكمته ويكشف لهم عن بعض أسرار مملكته وجزائه وعقابه .فهذا هو القرآن!
القرءان حقيقة لا تحتاج إلى تحقيق فهي أعظم الحقائق وهو آية لا تحتاج إلى آية ولا برهان إذ هو أعظم آية وقد طلب الكفار آية على صدق ما جاء به النبي-صلى الله عليه وسلم-فقالوا:{لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ}[العنكبوت : 50]فأجابهم الله سبحانه بقوله:{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[العنكبوت: 51] سبحان الله هم طلبوا آية على صدق النبي وعلى صدق ما جاء به النبي, وما الذي جاء به النبي؟ جاء النبي بالقرآن فهم طلبوا إذن آية على القرآن فأجابهم الله بقوله{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}فالقرآن آية نفسه لا يحتاج لآية تثبته وفي الأسلوب استفهام استنكاري تعجبي فكأنه يقول: كيف يطلبون آية والقرآن أعظم آية يتلى عليهم فأي آية بعد القرآن يطلبون؟! إن القرآن هو الكفاية وهو طريق الهداية لمن أرادها وسبيل الرشاد لمن ابتغاه هو الدليل لمن فقد الدليل وهو السبيل لمن فقد السبيل أو إن شئنا نقول هو الدليل على السبيل به يرجى الوصول إلى منزل السلامة:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}[الإسراء: 9] فمن أراد الهداية والكفاية فعليه بالقرآن.
{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51]. فإنكاره جل وعلا عليهم عدم الاكتفاء بهذا الكتاب عن الآيات المقترحة يدل على أنه أعظم وأفخم من كل آية، وهو كذلك ألا ترى أنه آية واضحة، ومعجزة باهرة، أعجزت جميع أهل الأرض، وهي باقية تتردد في آذان الخلق غضة طرية حتى يأتي أمر الله. بخلاف غيره من معجزات الرسل صلوات الله عليهم وسلامه فإنها كلها مضت وانقضت. أولم يكف هؤلاء المشركين في علمهم بصدقك -أيها الرسول- أنَّا أنزلنا عليك القرآن يتلى عليهم؟ إن في هذا القرآن لَرحمة للمؤمنين في الدنيا والآخرة، وذكرى يتذكرون بما فيه من عبرة وعظة. إنهم يطلبون المعجزات الحسية ، أما كفاهم دليلاً على صدقك هذا القرآنُ الذي أنزلناه عليك يُقرأ عليهم ، وهو الآيةُ الخالدة على الزمن! . ان في إنزال هذا الكتاب عليك لرحمةً من الله بهم وبالناس اجمعين ، وتذكرةً دائمة نافعة لمن يؤمن به .
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}[العنكبوت:51]أحيانا حقا ننسى أننا نمتلك أعظم وثيقة على ظهر الأرض..إنها القرآن..كلام الله..إن الإنسان ليعجب من إعراض الأمة عن هذا الكتاب فالواحد منا يحتفي بكتاب عالم ما ويهتم بقراءته ةيوصي الناس بتصفحه لأنه قد يكون غزير الفائدة فكيف إذا بكلام رب الكون؟! أما آن الأوان لأن نضع حدا لهذا الجحود؟!
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }[العنكبوت:51]الذين يؤمنون هم الذين يتذكرون فضل الله وعظيم منته على البشرية بهذا التنزيل؛ وهم الذين ينفعهم هذا القرآن، لأنه يحيا في قلوبهم، ويفتح لهم عن كنوزه ويمنحهم ذخائره، ويشرق في أرواحهم بالمعرفة والنور.الظلال
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }[سبأ:6] هذا الكتاب هو الدليل إلى هذا الصراط. الدليل الذي وضعه خالق الإنسان وخالق الصراط، العارف بطبيعة هذا وذاك. وإنك لتكون حَسن الطالع وأنت تقوم برحلة في طريق لو حصلت على دليل من وضع المهندس الذي أنشأ هذا الطريق . فكيف بمنشئ الطريق ومنشئ السالك في الطريق؟!.الظلال
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة : 262] عطف الله في هذه الآية بثم وكان الظاهر أن يعطف بالواو إذ المقصود النهي عن اتباع الإنفاق بالمن والأذى لكن وجدنا أن الله عطف بثم هاهنا وهذا لمعنى عظيم وهو -والله أعلم-:كأن بالله يريد إظهار التفاوت والفرق بين الإنفاق عموما وبين الإنفاق الغير متبوع بمن وأذى إذ الإنفاق عموما قد تحمل عليه محامل كثيرة كأن يكون الإنسان نفسه كريما محبا للكرم محبا للثناء والمدح والمحمدة ففي هذا وجه لحظ النفس وأما ترك المن والأذى فلا وجه لحظ النفس فيه مطلقا يقول الزمخشري: ” لإظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى، وإن تركهما خير من نفس رتبة الصدقة، لأن العطاء قد يصدر عن كرم النفس وحب المحمدة فاللنفوس حظ فيه مع حظ المعطى، بخلاف ترك المن والأذى فلا حظ فيه لنفس المعطي، فإن الأكثر يميلون إلى التبجح والتطاول على المعطى…” فتقييد الإنفاق بعدم المن والأذى هو قمة تجريد القصد وتحقيق العبودية وتجريد النفس من كل حظوظها.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }[التغابن: 14 ، 15] تنبيه المؤمنين أن أموالهم و أولادهم هي بوجه عام امتحان لهم بين واجبهم نحو الله وبين أموالهم وأولادهم، فكثير من الأزواج والأولاد يحولون بينهم وبين الطاعات التي تقرب إلى الله، وربما حملوهم على اكتساب الحرام، واقتناء الملاهي والمنكرات، وهذا واقع بكثرة. فلنكن على حذر
كل بلاء نزل فبذنب وكل مؤاخذة فبمعصية وما هلك من هلك ولا عذب من عذب ولا شقي من شقي إلا بذنب. ذَكرَ اللهُ الأمم الهالكة قارون وفرعون وهامان وغيرهم ثم قال بعد ذلك مبينا سبب هلاكهم :{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت : 40] فالبذنوب هلكوا وما ظلمهم الله ولكن ظلموا أنفسهم.
فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:100] فأمر أُولي الألباب، أي: أهل العقول الوافية، والآراء الكاملة، فإن الله تعالى يوجه إليهم الخطاب. وهم الذين يؤبه لهم، ويرجى أن يكون فيهم خير. ثم أخبر أن الفلاح متوقف على التقوى التي هي موافقة الله في أمره ونهيه، فمن اتقاه أفلح كل الفلاح، ومن ترك تقواه حصل له الخسران وفاتته الأرباح. تفسير السعدي – (1 / 245)
النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُفاضل بين أصحابه بالقرآن، وكذلك في قيادة الجيش، وفي إمامة الصلاة، يتفاضلون بالقرآن لأنهم عاشوا في مجتمع أو جاهلية جهلاء، وعرفوا نكدها وشقاءها، ووثنيتها وشركها، ولما جاءهم فضل القرآن أحسوا بقدر النعمة، وعرفوا قيمته, وتمسكوا به، فكان ربيعاً لقلوبهم، وجلاءً لأحزانهم، وذهاباً لغمومهم. فكانوا يلجئون ويهرعون إلى القرآن والصلاة، وإلى قراءته في الصلاة، أو في غيرها؛ إذا حزبهم أمر من الأمور، كما ثبت ذلك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكما كان أصحابه من بعده، كانوا يستعينون بقراءته، فتذهب همومهم وأحزانهم، والتي هي هموم في سبيل الله عز وجل، وفي الدعوة إليه، فما بالكم بقلوبٍ همومها في الدنيا، وأحزانها للدنيا؟! فهي أحوج إلى أن تذهبها, وأن تجلي من صدئها بكتاب الله عز وجل.
لو أردت أن يفتح قلبك للقرآن فتفهمه وتتأثر به فهذا بابك..كن محسنا في حق نفسك وحق ربك وحق من حولك فقد قال سبحانه:{تلك آيات الكتاب الحكيم * هدى ورحمة للمحسنين}[لقمان:2،3]؛لأن القرآن إحسان من الله لخلقه فهم بما في قلوبهم من إحسان يحسون بالتوافق والتناسق ووحدة الاتجاه ووضوح الطريق مع مصدر الإحسان وهو القرآن.
آفة الكثيرين من الناس أنهم يحسبون الغنى دليل الرضوان الأعلى, وأن المال إذا قل عند آخرين فلأنهم ليسوا موضع القبول! ونسوا أن الله يختبر بالعطاء كما يختبر بالحرمان فقد قال سبحانه:{ونبلوكم بالشر والخير فتنة}[الأنبياء:35]..والنجاح في هذا الاختبار يجئ من موقفك إزاء ما يأتيك من أقدار الله.[التفسير الموضوعي للغزالي].
هدد فرعون العصبة المؤمنة فقال:{فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل}[طه:71]مع أنه كان يكفيه أن يقتل السحرة!!ولكن الطاغوت يعذب ويقتل؛ ليستأصل الإيمان باستئصال أهله ولينتزع بذرة الإيمان من قلوب من خطر له في قلبه وليخوف الباقين من الثورة والتمرد عليه.فهذه سمة الطواغيت في كل عصر.
الغرور بالمال شيطان،والغرور بالعلم شيطان،والغرور بالعمر شيطان،والغرور بالقوة شيطان،والغرور بالسلطان شيطان،ودفعة الهوى شيطان،ونزوة الشهوة شيطان،وتقوى الله وتصور الآخرة هما العاصم من كل غرور{يا أيها الناس اتقوا ربكم…إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور}[لقمان:33].مستفاد من تفسير الظلال
من تأمل المخلوقات وجد أكثرها فصائل يجمعها قانون واحد في الشكل والمطعم وطبيعة الحياة وغيرها ولكن لربما رأيت منها عجائب خرجتْ عن قانون فصيلتها فتجد إنسانا أو حيوانا أو نباتا يختلف في المطعم أو الشكل..عن المألوف في قانون أمثاله فجعل الله هذه الأشياء دلالة على أنه قادر على أن يفعلها لتعلم{أن الله على كل شيء قدير}[البقرة:106]
مجنون ليلى قتله حُب امرأة,وقارون قتله حب مال.وفرعون حب منصب,وقتل حمزة وجعفر..حبا لله ورسوله,فالكل أحب وتحمل في سبيل حبه ولكن شتان بين العواقب {فريق في الجنة وفريق في السعير}[الشورى:7]..فانظر حقيقة محبوبك.
وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون}[الأعراف:168]كثيرة هي الرسائل الإلهية التي تأتينا ولا نحسن الاستفادة منها..إن إعادة النظر في الحوادث التي تقع لنا واستنباط العبر منها من الأهمية بمكان ومن أسرار بوار المنافقين أنهم{يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون}{التوبة:126]..فليتنا حقا نتعظ بعبر الأحداث والخطوب وكل ما يجري علينا من أقدار.
سرقت دنانير لرجل صالح فجعل يبكي فسُئل عن سر بكائه فقال:ذكرت أن الله سوف يجمعني بهذا السارق يوم القيامة فبكيت رحمة له…فليتنا نملك هذه الرحمة للعصاة وتأمل قول مؤمن آل فرعون:{ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد*يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم}[غافر:32,33].
قال الله تعالى:{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}[الشعراء:61]. مدركون من فرعون وقومه لأن أمامهم البحر وليس عندهم وسيلة لركوب البحر. لكن موسى المرسل من الله علم أن الله لن يخذله؛ لأنه يريد أن يتم نعمة الهداية على يديه، كان موسى -عليه السلام- ممتلئاً باليقين والثقة لذلك قال بملء فيه: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء:62]. هو يقول: {كَلاَّ} أي لن يدركوكم لا بأسبابه، بل أسباب من أرسله بدليل أنه جاء بحيثيتها معها وقال: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}. لقد تكلم بمنطق المؤمن الذي أوى إلى ركن شديد، وأن المسائل لا يمكن أن تنتهي عند هذا الوضع؛ لأنه لم يؤد المهمة بكاملها، لذلك قال: {كَلاَّ} يملء فيه، مع أن الأسباب مقطوع بها. فالبحر أمامهم والعدو من خلفهم، وأتبع ذلك بقوله: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} بالحفظ والنصرة. أي: أن الأسباب التي سبق أن أرسلها معي الله فوق نطاق أسباب البشر، فالعصا سبق أن نصره الله بها على السحرة، وهي العصا نفسها التي أوحى له سبحانه باستعمالها في هذه الحالة العصيبة قائلاً له: {اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ}[الشعراء:63].
قرأت أن(جولدا مائير)اليهودية كانت تعمل 16ساعة يومية من أجل خدمة مبادئها فقلت سبحان الله هذه يهودية تفعل هذا وهناك مسلمون لا يقدمون لدينهم شيئا مع أن الله ذكر أن تعصب المؤمنين للحق أشد من تعصب أهل الباطل لباطلهم{والذين آمنوا أشد حبا لله}[البقرة:165]فمتى تذكر أن خدمة دينك شارة إيمانك{إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون}[الحجرات:15].
الاستعاذة ليست مجرد كلمة يلوكها اللسان ولكنها شعور وإحساس..وتأمل قول الله تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأعراف:199,200]إن الآية تتحدث عن حال الداعي إلى الله وترشده إلى الاستعاذة بالله واللجوء إليه وهو يواجه الأذى ويتعرض لجهل الجاهلين..أن الداعية يتعبه هذا الجهل الذي يواجهه فتعتمل في نفسه أمورا ويحتاج لمن يسمعه ويواسيه ولكنه قد لا يستطيع أن يبوح بما في نفسه لكل أحد وبقاء هذه المشاعر في نفسه بدون تفريغ يزيده تعبا وعناء فهنا الآية تصف الدواء ..إنه الاستعاذة فهي بحق عملية تفريغ آمنة جدا لما يعتمل في النفس ..فالله يسمعك ولن يفضحك أو يشهر بك وهو عليم بحالك ويعرف بحق صعوبة ما تعانيه من ألالام ويعلم كيفية إخراجك مما أنت فيه..فالاستعاذة إذاً ليست مجرد كلمة ولكنها حالة نفسية من اللجوء إلى الله تترجم عنها هذه العبارة.. وهذا التفريغ له مردود طيب على النفس ولذا ينصح خبراء النفس به. فما أحوجنا إلى الانطراح بين يدي الله وتفريغ ما في نفوسنا {والله سميع عليم}.
قال تعالى:{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ *قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ }[الشعراء : 46 - 48]؛ “ذلك لأنّهم أعلم النّاس بصنعة السحر،فأيقنوا أنّ ما جاء به موسى هو الحق ممّا جعلهم ملقين على وجوههم تنبيهاً على أنَّ الحق بهرهم واضطرهم إلى السجود بحيث لم يبق لهم تمالك، فكأنّهم أُخذوا فطرحوا على وجوههم، وكأنّ مُلقيا ألقاهم لعلمهم بأنّ مثل ذلك خارج عن حدود السحر، وأنّه أمر إلهي قد ظهر على يده-عليه-الصلاة والسلام- لتصديقه، وذلك حتى ينكسر فرعون بالذين أراد بهم كسر موسى وينقلب الأمر عليه”[تفسير أبي السعود].
علمني القرآن أن الكرامة والمكانة لا تنال بقوة ولا بضعف ولا بغنى ولا بفقر ولا بصحة ولا بمرض ولا بكثرة أموال ولا أولاد إنما تنال بالتقوى:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم}[الحجرات : 13]فمن أراد الكرامة فليتقي الله.
كم من صاحب فقدتَ وفاضل ذممتَ ونارَ خصومة أججتَ بشائعة واهية وكلمة باطلة فهلا تبينت قبل والله يقول لك:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات:6].
وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون*ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون}[الروم:33,34]إن الإنسان ليخاف من تهديد حاكم أو رئيس فكيف وهذا التهديد من فاطر هذا الكون الهائل، الذي أنشأه كله!.الظلال
التوسل إلى الله بالضعف والعجز من أحب الوسائل إلى الله وأقربها إلى الإجابة لأنه يدل على التبري من الحول والقوة، وتعلق القلب بحول الله وقوته وتأمل دعاء زكريا:{ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} لأن الشيب دليل الضعف، ورسول الموت, فتوسل إلى الله تعالى بضعفه وعجزه فكانت الإجابة” [تفسير السعدي -بتصرف يسير].
المسلم دائماً ساعٍ في إصلاح جار في قطع الشقاق بين المؤمنين يسعى في حقن دماءهم وفي لم شعثهم:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}[الحجرات : 9]إنه يقتلع الشر ويبذر بذر الحب والود بين إخوانه.
وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد}؟!!أليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد عن كل داعية مصلح؟ أليست هي بعينها كلمة الباطل الكالح في وجه الحق الجميل؟ أليست هي بعينها كلمة الخداع الخبيث لإثارة الخواطر في وجه الإيمان؟إنه منطق واحد. يتكرر كلما التقى الحق والباطل. والقصة قديمة مكررة تعرض بين الحين والحين.الظلال بتصرف
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ}[الأعراف:157]هذه الآية تدل على أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر بالمعروف الذي تعرفه العقول وتُقر بِحُسْنه الفِطَر، بحيث إذا عُرض أمره ونهيه على العقل السليم قَبِله أعظم قبول، وشَهِد بِحُسْنه،كما قال بعض الأعراب وقد سُئِل: بِمَ عرفت أن محمدا رسول الله؟! فقال:ما أمر بشيء فقال العقل:ليته ينهى عنه،ولا نهى عن شيء فقال:ليته أمر به!مستفاد من مفتاح دار السعادة
الاخلاص هو شرط العبادة التي لا تتم إلا به مع الاتباع لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقد أمرنا الله تعالى بإخلاص النية له وإخلاص العمل حيث قال:{وَمَا أُمِروا إلاَّ لِيَعْبُدُوْا الله مُخْلِصِينَ لَه الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيْمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة}[البينة:5] وقال تعالى{ألا لله الدين الخالص} وقال النبي صلى الله عليه وسلم(إنما الأعمال بالنيات)وقال أيضا(إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) وعليه فلا يقبل الله تعالى من عبد صرفا ولا عدلا إلا إذا كان خالصا لوجه الله تعالى. ففي الحديث القدسي قال تعالى:(أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)
شبكية العين مؤلفة من10طبقات:الأخيرة فيها130مليون مخروط وعُصيّة، هذه المخاريط والعصيّات تنتهي إلى العصب البصري الذي هو 900 ألف عصب ينتقل إلى الدماغ كي تُقْرأ الصورة{وجعل لكم السمع والأبصار..قليلا ما تشكرون}[السجدة:9].. {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ:13] أغمض عينيك قليلا..وتخيل أنك ستحيا هكذا لحظتها ستعرف عِظم هذه النعمة التي تميز بين درجتين من 800 ألف درجة للون الواحد.
هل نظرت يوما إلى السماء وتذكرت أنك تحيا على كوكب معلّق في الهواء يدور حول نفسه بسرعة 1600ك م في الثانية ويدور حول الشمس بسرعة 30ك م في الثانية.. أي قوة تحمله وتحكمه {أمن جعل الأرض قرارا.. أإله مع الله}[النمل:61]إنها قوة الله يا صاح..فكيف لا يمتلئ قلبك تعظيما وخوفا وإجلالا لمن هذه قوته؟!
ان الزمن قد يأتي بعون للسائرين في طريق الحق أما أن يهب العاجز قدرة على الخطو أو الركض فلا…{والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}[محمد:17]فاستعن بالله وابدأ ولا تعلق بناء حياتك على أمنية يلدها الغيب وكل تأخير يعني زيادة الكآبة و بقاءك مهزوما أمام نوازع الهوى والضعف…وتلك فائدة عظيمة فتدبر
ان سعة رحمة الله وعفوه ليس معناه أن نتواكل عليها وندع العمل ولا يعني حسن ظننا بربنا أن نجلس ونخلد إلى الراحة ونترك العمل.لا,بل إن الرحمة ما كتبها الله إلا للعاملين الطائعين وهذا قوله تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}[الأعراف : 156]. فحسن الظن إن لم يتبعه العمل صار أماني وصار غرورا والله تعالى يبين هذا في كتابه:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}[النساء : 123].فالمقياس هو العمل والبذل وطلب رضا الله مع حسن الظن بالله وحسن الرجاء.
جاء القرآن استقر منهج الحق واتضح. ولم يعد الباطل إلا مماحكة ومماحلة أمام الحق الواضح الحاسم. ومهما يقع من غلبة مادية للباطل في بعض الأحوال والظروف، إلا أنها ليست غلبة على الحق، إنما هي غلبة على المنتمين إلى الحق، غلبة الناس لا المبادئ. وهي غلبة موقوتة ثم تزول أما الحق الواضح البين الصريح {قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد}[سبأ:49
فى الحياة مواقف وابتلاءات لا يقوى الإنسان على مواجهتها إلا وفي نفسه إيمان بالآخرة، وما فيها من ثواب المحسن وعقاب المسيء، ولذلك الذي يعيش بلا إيمان بالآخرة يعيش في عذاب نفسي، فلا أمل له ولا رجاء في نصره ولا جزاء لسعيه ولا عِوض عما يلقاه من متاعب ومشاق في هذه الحياة {بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد}[سبأ:8]. مستفاد من تفسير الظلال