تدبــــر - المجموعة التاسعة
{أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد : 17] قال ابن عباس : هذا مثل ضربه الله، احتملت القلوب من الوحي على قدر يقينها وشكها، فأما الشك فما ينفع معه العمل، وأما اليقين فينفع الله به أهله. [الدر المنثور]
إذا تأملت قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء : 101] وأضفت له قوله تعالى : {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد : 10] تبين لك أن الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا؛ لأنه وعد أهل الحسنى بالإبعاد عن النار، وأخبر أن الصحابة سواء من أسلم قبل الفتح أو بعده موعود بالحسنى. [ابن حزم]
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف : 28] هل تدبرنا لمن وجه هذا الخطاب؟ وكيف أن الذين طولب بصحبتهم أقل منه منزلة! بل وحذره من تركهم طلبا لزينة الحياة الدنيا! إنه لدرس بليغ في بيان ضرورة مصاحبة الصالحين، والصبر على ذلك، وأن الدعوة إنما تقوم على يد من قويت صلتهم بربهم، ولو كان حظهم من الدنيا قليلا! [د. عمر المقبل]
{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} إذا كانت الإقامة في القبر مجرد زيارة مع أنها قد تمتد آلاف السنين، فبم نصف إقامتنا في الدنيا التي لا تتجاوز عدد سنين؟ تأمل {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ} [المؤمنون : 113] فيا طول حسرة المفرطين
في قوله تعالى : {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك : 2] ابتلانا الله بحسن العمل، لا بالعمل فقط، ألم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه : أي العمل أفضل؟ ففهمهم - رضي الله عنهم - يدل على التنافس في جودة العمل لا مجرد كثرته.
يقول أحد الدعاة : رأيت مغنيا مشهورا طالما فتن الشباب والفتيات، فقررت أن لا أدعه حتى أنصحه، فسلمت عليه، وألهمني الله أن ألقي في أذنه قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} ثم ذهبت، فوالله ما مرت أيام إلا وقرأت خبر توبته في الصحف .. فما أجمل الوعظ بالقرآن إذا صادف انتقاء حسنا، وقلبا واعيا !
ما أحسن وقع القرآن ، وبل نداه على القلوب التي ما تحجرت ، ولا غلب عليها الأشر والبطر، والكفر والنفاق والزندقة والإلحاد! هو والله نهر الحياة المتدفق على قلوب القابلين له ، والمؤمنين به ، يغذيها بالإيمان ، والتقوى لله تعالى ، ويحميها من التعفن والفساد ويحملها على كل خير وفضيلة. (الشيخ صالح البليهي)
إياك – يا أخي –ثم إياك ، أن يزهدك في كتاب الله كثرة الزاهدين فيه، ولا كثرة المحتقرين لمن يعمل به ويدعو إليه ، واعلم أن العاقل ، الكيس ،الحكيم ،لا يكترث بانتقاد المجانين. (الأمين الشنقيطي)
يدل قوله تعالى : (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) آل عمران : 120 على أن الاستثمار الأساسي في مواجهة عدوان الخارج يجب أن يكون بتحصين الداخل من خلال الاستقامة على أمر الله، ومن خلال النجاح في مواكبة معطيات العصر .. [عبدالله المخلف]
أوضاع أهلنا في فلسطين أمر يستوجب منا الفزع لربنا والتضرع إليه أن يفرج كربتهم، وأن ينتقم من عدوهم، فإن عدوهم مهما بلغت قوته فليس بشيء أمام قوة الجبار جل جلاله، ألسنا نقرأ قوله تعالى في سورة البروج: {إن بطش ربك لشديد} إلى قوله: {والله من ورائهم محيط}؟ وإذا لم تسكب هذه الآيات – وأمثالها – القوة في قلوبنا لنترجمها إلى دعاء صادق، فأي شيء إذا؟ ألا فلننطرح بين يدي ربنا، ونستنصر لإخواننا في صلواتنا ودعواتنا.
الصبر زاد لكنه قد ينفد؛ لذا أمرنا أن نستعين بالصلاة الخاشعة ؛ لتمد الصبر وتقويه: {واستعينوا بالصبر والصلاة ، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} (د.محمد الخضيري)
إذا ذكر أهل الكتاب - في القرآن - بصيغة {الذين آتيناهم الكتاب} فهذا لا يذكره الله إلا في معرض المدح، وإذا ذكروا بصيغة {أوتوا نصيبا من الكتاب} فلا تكون إلا في معرض الذم، وإن قيل فيهم {أوتوا الكتاب} فقد يتناول الفريقين؛ لكنه لا يفرد به الممدوحون فقط، وإذا جاءت {أهل الكتاب} عمت الفريقين كليهما [ابن القيم]
قال تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [فاطر : 32] قيل في سبب تقديم الظالم لنفسه على السابق بالخيرات - مع أن السابق أعلى مرتبة منه - لئلا ييأس الظالم من رحمة الله، وأخر السابق لئلا يعجب بعمله .. [القرطبي]
أمل قوله تعالى -لما جيء بعرش بلقيس لسليمان عليه السلام-: {فلما رآه مستقرا عنده} فمع تلك السرعة العظيمة التي حمل بها العرش، إلا أن الله قال: {مستقرا} وكأنه قد أتي به منذ زمن، والمشاهد أن الإنسان إذا أحضر الشيء الكبير بسرعة، فلا بد أن تظهر آثار السرعة عليه وعلى الشيء المحضر، وهذا ما لم يظهر على عرش بلقيس، فتبارك الله القوي العظيم [ابن عثيمين]
ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع، والتدبر، والخضوع، فهذا هو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب، وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم آية واحدة ليلة كاملة أو معظم ليلة يتدبرها عند القراءة [النووي]
قال حازم بن دينار : رأيت رجلا قام يصلي من الليل .. فافتتح سورة الواقعة، فلم يجاوز قوله : (خافضة رافعة) حتى أصبح، فخرج من المسجد، فتبعته فقلت : بأبي أنت وأمي ! ما (خافضة رافعة) أي لماذا استمررت طول الليل ترددها؟ فقال : إن الآخرة خفضت قوما لا يرفعون أبدا .. ورفعت قوما لا ينخفضون أبدا .. فإذا الرجل عمر بن عبد العزيز رحمه الله ..
تأمل وجه إشارة القرآن إلى طلب علو الهمة .. في دعاء عباد الرحمن .. – أواخر سورة الفرقان – (واجعلنا للمتقين إماما) ثم تأمل كيف مدح الناطق بهذا الدعاء ! فكيف بمن بذل الجهد في طلبه؟ ثم إن مدح الداعي بذلك دليل على جواز وقوعه .. جعلنا الله تعالى أئمة للمتقين .. (د.محمد العواجي)
إذا عظم في صدرك تعظيم المتكلم بالقرآن لم يكن عندك شيء أرفع، ولا أشرف ولا أنفع، ولا ألذ ولا أحلى من استماع كلام الله جل وعز، وفهم معاني قوله تعظيما وحبا له وإجلالا، إذ كان تعالى قائله، فحب القول على قدر حب قائله .. (الحارث المحاسبي)
المؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرضه، فكان كالمرآة يرى بها ما حسن من فعله وما قبح، فما خوفه به مولاه من عقابه خافه، وما رغب فيه مولاه رغب فيه ورجاه، فمن كانت هذه صفته - أو ما قاربها - فقد تلاه حق تلاوته، وكان له القرآن شاهدا وشفيعا، وأنيسا وحرزا، ونفع نفسه، وأهله، وعاد على والديه وولده كل خير في الدنيا والآخرة [الإمام الآجري]
ذا حبست عن طاعة .. فكن على وجل من أن تكون ممن خذلهم الله .. وثبطهم عن الطاعة كما ثبط المنافقين عن الخروج للجهاد .. قال تعالى : (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين) (د.مساعد الطيار)
تأمل في سر اختيار القطران دون غيره في قوله تعالى .. (سرابيلهم من قطران) إبراهيم 50 وذلك – والله – أعلم - لأن له أربع خصائص : حار على الجلد .. وسريع الاشتعال في النار .. ومنتن الريح .. وأسود اللون .. تطلى به أجسامهم حتى تكون كالسرابيل ! ثم تذكر – أجارك الله من عذابه – أن التفاوت بين قطران الدنيا وقطران الآخرة ، كالتفاوت بين نار الدنيا ونار الآخرة ! (الزمخشري)
{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } قف عند هذه الآية ولا تعجل، فلو استقر يقينها في قلبك ما جفت شفتاك. [خالد بن معدان]
ما معنى التدبر؟ قال العلامة العثيمين : والتدبر هو التأمل في الألفاظ للوصول إلى معانيها .. فإذا لم يكن ذلك، فاتت الحكمة من إنزال القرآن .. وصار مجرد ألفاظ لا تأثير لها .. ولأنه لا يمكن الاتعاظ بما في القرآن بدون فهم معانيه ..
حقيقة التدبر : إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله .. وما تدبر آياته إلا بإتباعه .. وما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده .. حتى إن أحدهم ليقول : لقد قرأت القرآن فما استطعت منه حرفا وقد - والله - أسقطه كله .. ما يرى القرآن له في خلق ولا عمل .. (الحسن البصري)
التأمل في القرآن هو تحديق ناظر القلب إلى معانيه .. وجمع الفكر على تدبره وتعقّله .. وهو المقصود بإنزاله .. لا مجرد تلاوته بلا فهم، ولا تدبر .. قال تعالى : {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب}
تدبر كتاب الله مفتاح للعلوم والمعارف .. وبه يستنتج كل خير وتستخرج منه جميع العلوم .. وبه يزداد الإيمان في القلب وترسخ شجرته .. (ابن سعدي)
قد علم أنه من قرأ كتابا في الطب أو الحساب أو غيرهما فإنه لابد أن يكون راغبا في فهمه وتصور معانيه .. فكيف بمن يقرأ كتاب الله - تعالى - الذي به هداه وبه يعرف الحق والباطل والخير والشر؟ فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا يحصل معها المقصود إذ اللفظ إنما يراد للمعنى .. (ابن تيمية)
من مفاتيح التدبر التأني في القراءة : روى الترمذي وصححه أن أم سلمه نعتت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هي قراءة مفسرة حرفا حرفا وهذا كقول أنس - كما في البخاري : كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مدا .. وقال ابن أبي مليكة : سافرت مع ابن عباس، فكان يقوم نصف الليل، فيقرأ القرآن حرفا حرفا، ثم يبكي حتى تسمع له نشيجا ..
دعاؤنا لربنا يحتاج منا دعاء آخر أن يتقبله الله .. قال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام بعد أن دعا بعدة أدعية (ربنا وتقبل دعاء)
(يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) النور-35 تأمل وفقك الله كم حرم هذا النور أناس كثيرون هم أذكى منك! و أكثر اطلاعا منك! وأقوى منك! وأغنى منك. فاثبت على هذا النور حتى تأتي -بفضل الله- يوم القيامة مع (النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم و بأيمانهم) التحريم-8
{ قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ }، { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي }، { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } قوة التأثر و الالتزام بما عليه الآباء و الأجداد حقيقة غالبة وأمر لا ينكر، فالهداية تتوارث فطرة، والضلال يورثه التعصب، لذا لابد أن يعي الآباء ذلك، فكيفما تحب أن يكون أبناؤك وأحفادك فكن : { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا }. [أ.د. ناصر العمر]
{ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ } الله أكبر .. كم في هذه الآية من معان سامية؟ كظم للغيظ، وحلم عن الجهال، ورأفة بمن آذوه، والاشتغال عن الشماتة بهم والدعاء عليهم ! ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته، والباغين له الغوائل وهم كفرة عبدة أصنام؟ [ يُنظر : تفسير القرطبي
{ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا } ينبغي لكل مسلم ـ يخاف العرض على ربه ـ أن يتأمل هذه الآية الكريمة، ويُمعن النظر فيها مرارا وتكرارا؛ ليرى لنفسه المخرج من هذه الورطة العظمى، والطامة الكبرى، التي عمّت جُل بلاد المسلمين من هذه المعمورة، وهي هجر القرآن الكريم! [الشنقيطي]
حين يقصر بعض الناس قوله تعالى : { وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ } على معرفة جنس الجنين، أو القدرة على تحديده - بإذن الله - فإن ذلك يحدث لهم إشكالات، بينما هي تشمل: الرزق، والأجل، والسعادة والشقاء، وغير ذلك مما يتصل بحياة الجنين، وحينها تزول تلك الإشكالات التي يثيرها بعضهم بسبب تقدم الطب في علم الأجنة. [أ.د. ناصر العمر]