تدبــــر - المجموعة السادسة
من تأمل قوله تعالى - في خطاب لوط لقومه - : { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ }؟ [هود:78] أدرك أن إدمان الفواحش - كما أنه يضعف الدين - فهو - في أحيان كثيرة - يذهب مروءة الإنسان، ويقضي على ما بقي فيه من أخلاق ورشد. [د.عمر المقبل]
{ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ } النساء:78] هكذا قال المنافقون عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يتناول كل من جعل طاعة الرسول، وفعل ما بعث به مسببا لشر أصابه، إما من السماء وإما من آدمي، وهؤلاء كثيرون. [ابن تيمية]
{ اقْرَأْ } [العلق:1] أول كلمة نزلت، تأمل في دلالتها، وحروفها : قراءة، ورقي، ورقية، فالقراءة: بوابة العلم. وهو رقي ورفعة : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة:11] ويوم القيامة يقال: "اقرأ وارق". وهو أيضا: رقية وشفاء. فما أعجب هذا القرآن! أربعة أحرف حوت سعادة الدارين. [أ.د. ناصر العمر]
[مراجعة الاهتمامات] يقول ابن تيمية : " من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن، ومن أدمن أخذ الحكمة والآداب من كلام فارس والروم لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام، ونظير هذا كثير ".
في قوله تعالى عن المنافقين : { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ }[المنافقون:4] شبهوا بالخشب لذهاب عقولهم، وفراغ قلوبهم من الإيمان، ولم يكتف بجعلها خشبا، حتى جعلها مسندة إلى الحائط، لأن الخشب لا ينتفع بها إلا إذا كانت في سقف أو مكان ينتفع بها، وأما إذا كانت مهملة فإنها مسندة إلى الحيطان أو ملقاة على الأرض. [أبو حيان]
{ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [البقرة:216] في هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد، فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب، والمحبوب قد يأتي بالمكروه لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة؛ لعدم علمه بالعواقب فإن الله يعلم منها ما لا يعلمه العبد. [ابن القيم]
كثيرا ما تختم الآيات بقوله : { إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } وفي ذلك دعوة للعلم الذي يبعث على العمل، وهذا يبين أهمية العلم بفضائل الأعمال، وأنه أعظم دافع للعمل والامتثال، وهو منهج قرآني عظيم. [د. محمد الربيعة]
{ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى } [طه:117] تأمل كيف جمع بينهما في الخروج من الجنة، وخص الذكر بالشقاء فقال: (تشقى) ولم يقل تشقيان؛ لأن الأصل أن الذكر هو الذي يشتغل بالكسب والمعاش، وأما المرأة فهي في خدرها. [ابن القيم] وفي هذه لفتة لمن يدعو إلى خروج المرأة من منزلها إلى ميادين العمل بإطلاق، وكأن ذلك هو الأصل!
في قوله تعالى : { رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ } [الأنبياء:112] المراد منه : كن أنت - أيها القائل - على الحق؛ ليمكنك أن تقول : احكم بالحق، لأن المبطل لا يمكنه أن يقول : احكم بالحق ! [ابن هبيرة]
" من نظر في آيات القرآن الكريم وجد أن البيوت مضافة إلى النساء في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى، مع أن البيوت للأزواج أو لأوليائهن؛ وإنما حصلت هذه الإضافة - والله أعلم - مراعاة لاستمرار لزوم النساء للبيوت، فهي إضافة إسكان ولزوم للمسكن والتصاق به، لا إضافة تمليك ". [بكر أبو زيد]
"لكل أخت تشكو كثرة المغريات حولها، أو تعاني من ضعف الناصر على الحق، اعتبري بحال امرأة جعلها الله مثلا لكل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة، إنها امرأة فرعون، التي لم يمنعها طغيان زوجها، ولا المغريات حولها، أن تعلق قلبها بربها، فأثمر ذلك : الثبات، ثم الجنة، بل وصارت قدوة لنساء العالمين ". [د. عمر المقبل]
" أمر الله تعالى في كتابه بالصبر الجميل، والصفح الجميل، والهجر الجميل، فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه ولا معه، والصفح الجميل هو الذي لا عتاب معه، والهجر الجميل هو الذي لا أذى معه ". [ابن القيم]
"ذكر ابن أم مكتوم في قصته في سورة عبس بوصفه {الْأَعْمَى} [عبس:2] ولم يذكر باسمه؛ ترقيقا لقلب النبي عليه؛ ولبيان عذره عندما قطع على النبي حديثه مع صناديد مكة؛ وتأصيلا لرحمة المعاقين، أو ما اصطلح عليه في عصرنا بذوي الاحتياجات الخاصة". [د. محمد الخضيري]
{ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } [الهمزة:8] أي : مغلقة الأبواب لا يُرجى لهم فرج - عياذا بالله - ! تأمل لو أن إنسانًا كان في حجرة أو في سيارة، ثم اتقدت النيران فيها، وليس له مهرب ولا مخرج، ما حاله؟ حسرة عظيمة لا يمكن أن يماثلها حسرة ! والله تعالى أخبرنا بهذا لا لمجرد تلاوته، بل لنحذر من هذه الأوصاف الذميمة الواردة في هذه السورة (سورة الهمزة). [ابن عثيمين]
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } [الفلق:5] العائن حاسد خاص، وهو أضر من الحاسد؛ ولهذا جاء في السورة ذكر الحاسد دون العائن؛ لأنه أعم، فكل عائن حاسد ولابد، وليس كل حاسد عائنا، فإذا استعاذ العبد من شر الحسد دخل فيه العين، وهذا من شمول القرآن الكريم وإعجازه وبلاغته. [ابن القيم]
" سورة الكافرون فيها توحيد العبادة، وسورة الصمد فيها توحيد الربوبية والأسماء والصفات، وتسميان سورتي الإخلاص، ولذا تشرع قراءتهما في أول يوم في سنة الفجر وفي ركعتي الطواف، وفي آخر الوتر، تحقيقا للتوحيد وتجديدا له " [د. محمد الخضيري]
{ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } [العلق:14] آية تهز الوجدان، وتفعل في النفس ما لا تفعله سلطات الدنيا كلها، إنها تضبط النوازع، وتكبح الجماح، وتدعو إلى إحسان العمل، وكمال المراقبة، فما أجمل أن يستحضر كل أحد هذه الآية إذا امتدت عينه إلى خيانة، أو يده إلى حرام، أو سارت قدمه إلى سوء، وما أروع أن تكون هذه الآية نصب أعيننا إذا أردنا القيام بما أنيط بنا من عمل. [د. محمد الحمد]
{ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ } [إبراهيم:42] هذا إذا مصيرهم، وبئس المصير، هذه عدالة الله العظيم، فلتهدأ النفوس، ولتسكن القلوب، ولتتجاوز ضيق اللحظة الحاضرة إلى أفق المستقبل الفسيح. [د. سلمان العودة]
{ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ } [آل عمران:139] الأعلون فيما تدافعون عنه، فإنكم على الحق، وهم على الباطل. الأعلون لمن تدفعون عنه، فقتالكم لله، وقتالهم للشيطان. الأعلون فيما لكم، فقتلاكم في الجنة، وقتلاهم في النار! [ابن عجيبة الفاسي]
تأمل هذه الآية : { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ } [فاطر :11 ] قف قليلا، وتفكر! كم في هذه اللحظة من أنثى آدمية وغير آدمية؟ وكم من أنثى تزحف، وأخرى تمشي، وثالثة تطير، ورابعة تسبح! هي في هذه اللحظة تحمل أو تضع حملها؟ إنها بالمليارات! وكل ذلك لا يخفى على الله تعالى! فما أعظمه من درس في تربية القلب بهذه الصفة العظيمة : صفة العلم. [د.عمر المقبل]
قدم العبادة على الاستعانة في قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة :5 ] لأن العبادة قسم الرب وحقه، والاستعانة مراد العبد، ومن الطبيعي أن يقدم العبد ما يستوجب رضا الرب ويستدعي إجابته قبل أن يطلب منه شيئا، وهو هنا التذلل لله والخضوع بين يديه بالعبادة، فكان القيام بالعبادة مظنة استجابة طلب الاستعانة. [ابن القيم]
تدبر كم في القرآن من ذكر لجرائم اليهود : في حق الله : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ } وملائكته : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ } وكتبه : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } ورسله : { فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } والمؤمنين : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ } البلاد والعباد : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا }. أليسوا هم بذلك رؤوس الإرهاب بلا ارتياب؟
{ وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا * وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} [النساء:72، 73] فهولاء المبطئون لم يحبوا لإخوانهم المؤمنين ما يحبون لأنفسهم، بل إن أصابتهم مصيبة فرحوا باختصاصهم، وإن أصابتهم نعمة لم يفرحوا لهم بها، فهم لا يفرحون إلا بدنيا تحصل لهم، أو شر دنيوي ينصرف عنهم، ومن لم يسره ما يسر المؤمنين ويسوءه ما يسوء المؤمنين فليس منهم. [ابن تيمية]
{ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } [الأنفال:65] لم أشعر بحقيقة معنى هذه الآية كما شعرت بها وأنا في خندقي، أنتظر بشغف ملاقاة وحدات العدو، وإني أقسم بالذي رفع السماء بلا عمد، لو علموا كيف تحلق أرواحنا لقتالهم؛ لغاصت أقدامهم ارتعادا وخوفا من بأسنا. [أحد المدافعين عن غزة]
في مثل يوم العظيم - عاشوراء - قال موسى عليه السلام : { كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ }[الشعراء:62] فما أحوجنا إلى مثل هذا الإيمان الراسخ الذي ينبئ عن ثقة بالله وتفاؤل بالمستقبل، وإن هذه الآية لقوة ردع وزجر لمن يجعل ثقته بالأحوال المحيطة، والأسباب الظاهرة أقوى من حسن ظنه بالله، فهل يدرك ذلك ضعاف الإيمان؟ والمنهزمون الذين تزلزل إيمانهم أمام استكبار وطغيان القوى الظالمة؟ إن رب موسى وصحبه، هو ربنا لو كانوا يعقلون. [أ.د. ناصر العمر]
{ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:4] ما أعظم ما تسكبه هذه الآية في قلب المتدبر لها من طمأنينة، ويقين بحكمة الله وعلمه، وأنه سبحانه لا يعجل لعجلة عباده، وأن من وراء ما يحصل حكما بالغة، تتقاصر دونها عقول البشر وأفهامهم. [د. عمر المقبل]
{ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ } [التوبة:111] " العاقل لا يرى لنفسه ثمنا دون الجنة ". [ابن حزم] والأرض المقدسة أولى ما أنفق فيها مؤمن
ذم الله قوما تسخطوا القدر، واعترضوا على قضاء الله في حق المجاهدين، وخذلوا بكلامهم فقالوا : { لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } [آل عمران:156] وها نحن نسمع من يقول مثل هذا القول في حق إخوتنا في غزة!!
ما نراه في غزة أمر يجسد كل صور الألم الجسدي والنفسي؛ لكن عزاؤنا أن ربنا أخبرنا أن الألم متبادل : { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ } [النساء:104] فعلى المؤمنين أن يقووا رجاءهم بربهم، فهو ما يميزهم عن غيرهم. [د. عويض العطوي]
قوله تعالى : { وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا } [الفرقان:55] هذا من ألطف خطاب القرآن وأشرف معانيه، فالمؤمن دائما مع الله على نفسه وهواه وشيطانه وعدو ربه، وهذا معنى كونه من حزب الله وجنده وأوليائه، والكافر مع شيطانه ونفسه وهواه على ربه، وعبارات السلف على هذا تدور. [ابن القيم]
قد يتعجب بعضهم ويتساءل: لماذا لا ينتقم الله لأوليائه الذين يعذبون ويقتلون بأيدي أعدائه في هذه الدنيا؟ والجواب: أن الله تعالى لم يجعل الدنيا دار جزاء لأوليائه، فقد يدركون انتقام الله لهم، وقد لا يدركه إلا من يأتي بعدهم، والنصر الحقيقي هو انتصار المبادئ، ولو فنيت الأبدان، ومن تدبر قصة تحريق أصحاب الأخدود - الموحدين - تبين له الجواب جليا.
لماذا توصف المؤمنات المحصنات بـ { الْغَافِلَات }؟ [النور:23] إنه وصف عظيم لطيف محمود يُجَسّد المجتمع البريء والبيت الطاهر الذي تشب فتياته زهرات ناصعات لا يعرفن الإثم، إنهن غافلات عن ملوثات الطباع السافلة. وإذا كان الأمر كذلك فتأملوا كيف تتعاون الأقلام الساقطة، والأفلام الهابطة لتمزق حجاب الغفلة هذا، ثم تتسابق وتتنافس في شرح المعاصي، وفضح الأسرار وهتك الأستار، وفتح عيون الصغار قبل الكبار؟!ألا ساء ما يزرون!! [د. صالح ابن حميد]
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:9] ما أحرانا أن نتحلى بهذه الحال ونحن ندعو لإخواننا في غزة؛ فإننا إن حققنا {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} فإننا لنرجو أن يقال لنا : {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} فأين الأنفس المنكسرة، والقلوب المستغيثة، والدعوات الصاعدة فإن كرب إخواننا شديد؟!
من عمق علم السلف بكتاب الله، تنصيصهم على أن حضور أعياد الكفار من جملة الزور الذي مدح الله عباد الرحمن بعدم شهوده، كما قال تعالى: { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } [الفرقان:72] لأن الزور هو كل باطل من قول أو فعل. فهل يدرك الذين يشهدون أعياد الكفار - من أبناء المسلمين - أن ذلك إثم ونقص في عبوديتهم؟
قال تعالى : { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا } [الإنسان:19] تأمل .. هذا وصف الخدم، فما ظنك بالمخدومين؟! لاشك أن حالهم ونعيمهم أعظم وأعلى! جعلنا الله وإياك من أهل ذلك النعيم. [د. عمر المقبل]
"هل قوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن:16] تخفيف أم تكليف؟ يحتمل الأمرين، فإن قلنا المعنى : لا تقصروا عما تستطيعون، فهذا تكليف، وإن قلنا المعنى: لا يلزمكم فوق ما تستطيعون، فهو تخفيف، وأكثر الناس يستدلون بهذه الآية في التخفيف دون التكليف" [ابن عثيمين]
استعمل لفظ "الأمَّة" في القرآن أربعة استعمالات: [1] الجماعة من الناس، وهو الاستعمال الغالب، كقوله: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ } [2] في البرهة من الزمن، كقوله: { وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } [3] في الرجل المقتدى به، كقوله: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } [4] في الشريعة والطريقة، كقوله: { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ } [الشنقيطي]
كان الحسن البصري يعظ فيقول: المبادرة، المبادرة! فإنما هي الأنفاس، لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله تعالى! رحم الله امرأ نظر إلى نفسه، وبكى على عدد ذنوبه، ثم قرأ هذه الآية: { إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا } [مريم:84] يعني الأنفاس، آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخولك في قبرك".
كثير من الناس لا يفهم من الرزق - في قوله تعالى : {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] - إلا الرزق المالي ونحوه من المحسوسات، ولكن تأمل ماذا يقول ابن الجوزي: "ورزق الله يكون بتيسير الصبر على البلاء". [صيد الخاطر]
قال تعالى - في قصة موسى مع السحرة - : { إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى } [طه:65] والحكمة في هذا - والله أعلم - ليرى الناس صنيعهم ويتأملوه، فإذا فرغوا من بهرجهم، جاءهم الحق الواضح الجلي بعد تطلب له، وانتظار منهم لمجيئه، فيكون أوقع في النفوس، وكذا كان". [ابن كثير]
وكل شيء في القرآن تظن فيه التناقض - فيما يبدو لك - فتدبره حتى يتبين لك؛ لقوله تعالى : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا } [النساء:82] فإن لم يتبين لك فعليك بطريق الراسخين في العلم الذين يقولون : { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } [آل عمران:7] واعلم أن القصور في علمك، أو في فهمك. [ابن عثيمين]
كثير من الناس حينما يستعيذ بالله من الشيطان، يستعيذ وفي نفسه نوع رهبة من الشيطان، وهذه الحال لا تليق أبدا بصاحب القرآن، الذي يستشعر أنه يستعيذ - أي يلوذ ويعتصم ويلتجئ - برب العالمين، وأن هذا الشيطان في قبضة الله، كيف لا وهو يقرأ قول ربه { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } [النساء:76] [د. عمر المقبل]