سورة الزمر
آية
﴿ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلْأَنْعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٦﴾]
وهي التي ذكرها في سورة الأنعام: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين)، (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين) [الأنعام: 143، 144] وخصها بالذكر مع أنه أنزل لمصالح عباده من البهائم غيرها لكثرة نفعها، وعموم مصالحها، ولشرفها، ولاختصاصها بأشياء لا يصلح غيرها؛ كالأضحية، والهدي، والعقيقة، ووجوب الزكاة فيها، واختصاصها بالدية. السعدي:719.
آية
﴿ ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُۥٓ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُ ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمْ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَٰبِ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿١٨﴾]
هذا جنس يشمل كل قول؛ فهم يستمعون جنس القول ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره مما ينبغي اجتنابه، فلهذا من حزمهم وعقلهم أنهم يتبعون أحسنه، وأحسنه على الإطلاق كلام الله وكلام رسوله؛ كما قال في هذه السورة: (اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا)... فإن الذي لا يميز بين الأقوال: حسنها، وقبيحها ليس من أهل العقول الصحيحة، أو الذي يميز لكن غلبت شهوته عقله، فبقي عقله تابعاً لشهوته، فلم يؤثر الأحسن؛ كان ناقص العقل. السعدي:722.
آية
﴿ قُلْ إِنِّىٓ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ ٱلدِّينَ ﴿١١﴾ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿١١﴾]
فإن قيل: كيف عطف (أُمِرت) على (أُمِرت) والمعنى واحد؟ فالجواب أن الأول أمر بالعبادة والإخلاص، والثاني أمر بالسبق إلى الإسلام، فهما معنيان اثنان. ابن جزي:2/266.
آية
﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٢٧﴾]
وخُصّت أمثال القرآن بالذكر من بين مزايا القرآن؛ لأجل لَفت بصائرهم للتدبر في ناحية عظيمة من نواحي إعجازه؛ وهي بلاغة أمثاله؛ فإن بلغاءهم كانوا يتنافسون في جَودة الأمثال. ابن عاشور:23/397.
آية
﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِى بِهِۦ مَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنْ هَادٍ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٢٣﴾]
فإن قيل: لم ذكر الجلود أولاً وحدها، ثم ذكر القلوب بعد ذلك معها؟ فالجواب: أنه لما قال أولاً: (تقشعر) ذكر الجلود وحدها؛ لأن القشعريرة من وصف الجلود لا من وصف غيرها، ولما قال ثانياً: (تلين) ذكر الجلود والقلوب؛ لأن اللين توصف به الجلود والقلوب... فاقشعرت أولاً من الخوف، ثم لانت بالرجاء. ابن جزي:2/268.
آية
﴿ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَٰبًا مُّتَشَٰبِهًا مَّثَانِىَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٢٣﴾]
أي: تثنى فيه القصص والأحكام، والوعد والوعيد، وصفات أهل الخير وصفات أهل الشر، وتثنى فيه أسماء الله وصفاته... وأن تلك المعاني للقلوب بمنْزلة الماء لسقي الأشجار، فكما أن الأشجار كلما بَعُد عهدها بسقي الماء نقصت، بل ربما تلفت، وكلما تكرر سقيها حسنت وأثمرت أنواع الثمار النافعة، فكذلك القلب يحتاج دائماً إلى تكرر معاني كلام الله تعالى عليه... وهكذا ينبغي للقارئ للقرآن المتدبر لمعانيه أن لا يدع التدبر في جميع المواضع منه؛ فإنه يحصل له بسبب ذلك خير كثير ونفع غزير. السعدي:723.
آية
﴿ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٢٣﴾]
ومعنى كون القرآن أحسن الحديث: أنه أفضل الأخبار؛ لأنه اشتمل على أفضل ما تشتمل عليه الأخبار من المعاني النافعة والجامعة لأصول الإِيمان، والتشريع، والاستدلال، والتنبيه على عظم العوالم والكائنات، وعجائب تكوين الإِنسان، والعقل، وبثّ الآداب، واستدعاء العقول للنظر والاستدلال الحق، ومن فصاحة ألفاظه وبلاغة معانيه البالغَيْن حدّ الإعجاز. ابن عاشور:23/385.
آية
﴿ أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُۥ لِلْإِسْلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِۦ ۚ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٢٢﴾]
إيثار كلمة (شرح) للدلالة على قبول الإِسلام؛ لأن تعاليم الإِسلام وأخلاقه وآدابه تكسب المسلم فرحاً بحاله، ومسرة برضى ربه، واستخفافاً للمصائب والكوارث؛ لجزمه بأنه على حق في أمره، وأنه مثاب على ضره، وأنه راج رحمة ربه في الدنيا والآخرة، ولعدم مخالطة الشك والحيرة ضميره. ابن عاشور:23/380.
آية
﴿ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٤٠﴾]
(عذاب يخزيه) أي: يذله، ويكسر أنفه بالقتل والأسر والجوع والقحط، وقد أصاب المشركين هذا في مكة وبدر. وقوله: (ويحل عليه عذاب مقيم) وهو عذاب النار في الآخرة، نعوذ بالله من العذابين: عذاب الخزي في الحياة الدنيا، وعذاب النار في الدار الآخرة. الجزائري:4/490.
آية
﴿ قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُوا۟ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّى عَٰمِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٣٩﴾ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٣٩﴾]
لما أبلغهم الله من الموعظة أقصى مَبلغ، ونصب لهم من الحجج أسطع حجة، وثبَّت رسوله صلى الله عليه وسلم أرسخ تثبيت، لا جرم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يوادعهم موادعة مستقرِب النصر، ويواعدهم ما أُعد لهم من خسر. ابن عاشور:24/19.
آية
﴿ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُۥ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٣٦﴾]
وقوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) تقوية لنفس النبي عليه السلام؛ لأن كفار قريش كانت خوَّفته من الأصنام، وقالوا: يا محمد أنت تسبها ونخاف أن تصيبك بجنون أو علة، فنزلت الآية في ذلك. ابن عطية:4/532.
آية
﴿ ۞ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُۥٓ ۚ أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٣٢﴾]
فإنهم أتوا أصنافاً من الظلم العظيم: ظلم الاعتداء على حرمة الرب بالكذب في صفاته؛ إذ زعموا أن له شركاء في الربوبية، والكذب عليه بادعاء أنه أمرهم بما هم عليه من الباطل، وظُلم الرسول بتكذيبه، وظلم القرآن بنسبته إلى الباطل، وظلم المؤمنين بالأذى، وظلم حقائق العالم بقلبها وإفسادها، وظلم أنفسهم بإقحامها في العذاب الخالد. ابن عاشور:24/ 5.
آية
﴿ وَبَدَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا۟ يَحْتَسِبُونَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٤٧﴾]
عن مجاهد قال: عملوا أعمالا توهموا أنها حسنات، فإذا هي سيئات، ويجوز أن يكونوا توهموا أنه يغفر لهم من غير توبة، (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) من دخول النار، وقال سفيان الثوري في هذه الآية: ويل لأهل الرياء، ويل لأهل الرياء، هذه آيتهم وقصتهم، وقال عكرمة ابن عمار: جزِع محمد بن المنكدر عند موته جزعا شديدا، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: أخاف آية من كتاب الله: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)، فأنا أخشى أن يبدو لي ما لم أكن أحتسب. القرطبي:18/289.
آية
﴿ قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ عَٰلِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِى مَا كَانُوا۟ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٤٥﴾]
ووصف (فاطر السماوات والأرض) مشعر بصفة القدرة، وتقديمُه قبل وصف العِلم لأن شعور الناس بقدرته سابق على شعورهم بعلمه، ولأن القدرة أشدّ مناسبة لطلب الحكم؛ لأن الحكم إلزام وقهر، فهو من آثار القدرة مباشرةً. ابن عاشور:24/31.
آية
﴿ أَمِ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ ۚ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا۟ لَا يَمْلِكُونَ شَيْـًٔا وَلَا يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٤٣﴾]
ولما كانت الشفاعة أمراً معنوياً؛ كان معنى ملكها تحصيل إجابتها، والكلام تهكم؛ إذ كيف يشفع من لا يعقل؟! فإنه لعدم عقله لا يتصور خُطُورُ معنى الشفاعة عنده، فضلاً عن أن تتوجه إرادته إلى الاستشفاع؛ فاتخاذهم شفعاء من الحماقة. ابن عاشور:24/27.
آية
﴿ ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٤٢﴾]
إخباره أنه يتوفى الأنفس وإضافة الفعل إلى نفسه لا ينافـي أنه قد وكّل بذلك ملك الموت وأعوانه... لأنه تعالى يضيف الأشياء إلى نفسه باعتبار أنه الخالق المدبر، ويضيفها إلى أسبابها باعتبار أن من سننه تعالى وحكمته أن جعل لكل أمر من الأمور سبباً. السعدي:725.
آية
﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٥١﴾]
أي: بسط الرزق وقبضه عائد إلى الحكمة والرحمة، وأنه أعلم بحال عبيده؛ فقد يضيق عليهم الرزق لطفاً بهم؛ لأنه لو بسطه لبغوا في الأرض، فيكون تعالى مراعياًً في ذلك صلاح دينهم الذي هو مادة سعادتهم وفلاحهم. السعدي:727.
آية
﴿ ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَٰهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلْمٍۭ ۚ بَلْ هِىَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٤٩﴾]
أي: على علم من الله أني له أهل، وقال مقاتل: على خير علمه الله عندي... (بل هي فتنة) يعني: تلك النعمة فتنة استدراج من الله تعالى وامتحان وبلية. البغوي:4/21.
آية
﴿ فَإِذَا مَسَّ ٱلْإِنسَٰنَ ضُرٌّ دَعَانَا ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٤٩﴾]
في هذه الآية بيان حقيقة، وهي: أن كفار قريش كانوا يؤمنون بالله رباًً، فهم أفضل من كفار البلاشفة الشيوعيين الذين لا يؤمنون بالله تعالى، كما أن كفار قريش أحسن حالا من بعض جهال المسلمين اليوم؛ إذ يخلصون الدعاء لله في الشدة، وجهال المسلمين يشركون في الرخاء والشدة معا؛ وذلك بدعائهم الأولياء والأموات، والاستغاثة بهم في كل حال. الجزائري:4/498.
آية
﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّـَٔاتُ مَا كَسَبُوا۟ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٤٨﴾]
وأوثر فعل (كسبوا) على فعل (عملوا) لِقطع تبرمهم من العذاب بتسجيل أنهم اكتسبوا أسبابه بأنفسهم؛ كما تقدم آنفاً في قوله: (وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون) [الزمر: 24] دون: (تعملون). ابن عاشور:24/34.
آية
﴿ قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُوا۟ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا۟ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٥٣﴾]
أُطنبت آيات الوعيد بأفنانها السابقة إطناباً يبلغ من نفوس سامعيها أيَّ مبلغ من الرعب والخوف، على رغْم تظاهرهم بقلة الاهتمام بها، وقد يبلغ بهم وقعها مبلغَ اليأس من سَعيٍ ينجيهم من وعيدها، فأعقبها الله ببعث الرجاء في نفوسهم؛ للخروج إلى ساحل النجاة إذا أرادوها؛ على عادة هذا الكتاب المجيد من مداواة النفوس بمزيج الترغيب والترهيب. ابن عاشور:24/39.
آية
﴿ بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٦٦﴾]
(وكن من الشاكرين) لله على توفيق الله تعالى؛ فكما أنه تعالى يشكر على النعم الدنيوية؛ كصحة الجسم وعافيته وحصول الرزق وغير ذلك، كذلك يُشكر ويُثنى عليه بالنعم الدينية؛ كالتوفيق للإخلاص، والتقوى، بل نِعَم الدين هي النعم على الحقيقة. السعدي:729.
آية
﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُوٓنِّىٓ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَٰهِلُونَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٦٤﴾]
أي: هذا الأمر صدر من جهلكم، وإلا فلو كان لكم علم بأن الله تعالى الكامل من جميع الوجوه، مسدي جميع النعم، هو المستحق للعبادة، دون من كان ناقصاً من كل وجه، لا ينفع ولا يضر، لم تأمروني بذلك. السعدي:729.
آية
﴿ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَىْءٍ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٦٢﴾]
هذه العبارة وما أشبهها مما هو كثير في القرآن تدل على أن جميع الأشياء غير الله مخلوقة؛ ففيها رد على كل من قال بقدم بعض المخلوقات؛ كالفلاسفة القائلين بقدم الأرض والسماوات، وكالقائلين بقدم الأرواح، ونحو ذلك من أقوال أهل الباطل المتضمنة تعطيل الخالق عن خلقه. السعدي:728.
آية
﴿ وَيُنَجِّى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْا۟ بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوٓءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٦١﴾]
أي: (وينجي الله الذين اتقوا) من جهنم؛ لأنهم ليسوا بمتكبرين، وهذا إيذان بأن التقوى تنافي التكبر؛ لأن التقوى كمال الخُلق الشرعي، وتقتضي اجتناب المنهيات، وامتثال الأمر في الظاهر والباطن، والكبر مرض قلبي باطني. ابن عاشور:24/52.
آية
﴿ وَيَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٦٠﴾]
وفي وصفهم بالمتكبرين إيماء إلى أن عقابهم بتسويد وجوههم كان مناسباً لكبريائهم؛ لأن المتكبر إذا كان سيِّء الوجه انكسرت كبرياؤه؛ لأن الكبرياء تضعف بمقدار شعور صاحبها بمعرفة الناس نقائصه. ابن عاشور:24/51.
آية
﴿ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَىٰنِى لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ ﴿٥٧﴾ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٥٧﴾]
وقد حُكي كلام النفس في ذلك الموقف على ترتيبه الطبيعي في جَوَلانه في الخاطر؛ بالابتداء بالتحسر على ما أوقعت فيه نفسها، ثم بالاعتذار والتنصل؛ طمعاً أن ينجيها ذلك، ثم بتمنيّ أن تعود إلى الدنيا؛ لتعمل الإِحسان؛ كقوله تعالى: (قال رب ارجعون * لعلى أعمل صالحاً فيما تركت) [المؤمنون: 99- 100]، فهذا الترتيب في النظم هو أحكم ترتيب. ابن عاشور:24/47
آية
﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَٰلِدِينَ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٧٣﴾]
لم يذكر الجواب ههنا، وتقديره: (حتى إذا جاءوها)، وكانت هذه الأمور من فتح الأبواب لهم إكراماً وتعظيماً، وتلقتهم الملائكة الخزنة بالبشارة والسلام والثناء، كما تلقى الزبانية الكفرة بالتثريب والتأنيب، فتقديره: إذا كان هذا سعدوا وطابوا وسروا وفرحوا بقدر كل ما يكون لهم فيه نعيم، وإذا حذف الجواب ههنا ذهب الذهن كل مذهب في الرجاء والأمل. ابن كثير:4/68.
آية
﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٧٣﴾]
قال في حق الفريقين: (وسيق)؛ بلفظ واحد؛ فسوق أهل النار: طردهم إليها بالخزي والهوان؛ كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل، وسوق أهل الجنان: سوق مراكبهم إلى دار الكرامة والرضوان؛ لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين؛ كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على بعض الملوك، فشتان ما بين السوقين. القرطبي:4/142.
آية
﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَٰبُهَا ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٧٠﴾]
وإنما جُعلوا زمراً لاختلاف دَرَجات كفرهم؛ فإن كان المراد بالذين كفروا مشركي قريش المقصودين بهذا الوعيد كان اختلافهم على حسب شدة تصلبهم في الكفر وما يخالطه من حَدَب على المسلمين أو فظاظة. ابن عاشور:24/69.
آية
﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَٰبُهَا ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٧٠﴾]
وابتدئ في الخَبر بذكر مستحقي العقاب؛ لأنه الأهم في هذا المقام؛ إذ هو مقام إعادة الموعظة والترهيب للذين لم يتعظوا بما تكرر في القرآن من العظات مثل هذه، فأما أهل الثواب فقد حصل المقصود منهم، فما يذكر عنهم فإنما هو تكريرُ بشارة وثناء. ابن عاشور:24/69.
آية
﴿ وَأَشْرَقَتِ ٱلْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ﴾ [سورة الزمر آية:﴿٦٩﴾]
علم من هذا أن الأنوار الموجودة تذهب يوم القيامة وتضمحل، وهو كذلك؛ فإن الله أخبر أن الشمس تكور، والقمر يُخسف، والنجوم تندثر، ويكون الناس في ظلمة، فتشرق عند ذلك الأرض بنور ربها، عندما يتجلّى وينزل للفصل بينهم. وذلك اليوم يجعل الله للخلق قوة، وينشئهم نشأة يَقْوَوْنَ على أن لا يحرقهم نوره، ويتمكنون أيضا من رؤيته، وإلا فنوره تعالى عظيم؛ لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه. السعدي:730.