سورة سبإ
آية
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٧﴾]
فإن قلت: كان رسول الله ﷺ مشهوراً علماً في قريش، وكان إنباؤه بالبعث شائعاً عندهم، فما معنى قولهم: (هل ندلكم على رجل) فنكروه لهم، وعرضوا عليهم الدلالة عليه كما يدل على مجهول في أمر مجهول؟ قلت: كانوا يقصدون بذلك... الهزء والسخرية... للضحك والتلهي متجاهلين به وبأمره. القرطبي:17/257.
آية
﴿ وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ وَيَهْدِىٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٥﴾]
وإيثار وصفي (العزيز الحميد) هنا دون بقية الأسماء الحسنى إيماء إلى أن المؤمنين حين يؤمنون بأن القرآن هو الحق والهداية استشعروا من الإِيمان أنه صراط يبلغ به إلى العزة؛ قال تعالى: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) [المنافقون:8]. ابن عاشور:22/146.
آية
﴿ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِى ٱلْأَرْضِ وَلَآ أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْبَرُ إِلَّا فِى كِتَٰبٍ مُّبِينٍ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٣﴾]
(لا يعزب عنه): لا يغيب عنه؛ أي: الجميع مندرج تحت علمه، فلا يخفى عليه شيء؛ فالعظام وإن تلاشت وتفرقت وتمزقت فهو عالم أين ذهبت وأين تفرقت، ثم يعيدها كما بدأها أول مرة؛ فإنه بكل شيء عليم. ابن كثير:3/504.
آية
﴿ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِى ٱلْءَاخِرَةِ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿١﴾]
لأن في الآخرة يظهر من حمده والثناء عليه ما لا يكون في الدنيا، فإذا قضى الله تعالى بين الخلائق كلهم، ورأى الناس والخلق كلهم ما حكم به، وكمال عدله وقسطه وحكمته فيه، حمدوه كلهم على ذلك، حتى أهل العقاب ما دخلوا النار إلا وقلوبهم ممتلئة من حمده، وأن هذا من جراء أعمالهم، وأنه عادل في حكمه بعقابهم. السعدي:674.
آية
﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِۦٓ إِلَّا دَآبَّةُ ٱلْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُۥ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا۟ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُوا۟ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿١٤﴾]
والمعنى: ظهر للناس أن الجن لا يعلمون الغيب، وقيل: تبينت بمعنى علمت. ابن جزي:2/203.
آية
﴿ ٱعْمَلُوٓا۟ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿١٣﴾]
روي أن داود- عليه السلام- قال: يارب، كيف أطيق شكرك على نعمك، وإلهامي وقدرتي على شكرك نعمة لك؟ فقال: ياداود الآن عرفتني... والشكر حقيقته: الاعتراف بالنعمة للمنعم، واستعمالها في طاعته -والكفران: استعمالها في المعصية- وقليل من يفعل ذلك. القرطبي:17/278.
آية
﴿ أَنِ ٱعْمَلْ سَٰبِغَٰتٍ وَقَدِّرْ فِى ٱلسَّرْدِ ۖ وَٱعْمَلُوا۟ صَٰلِحًا ۖ إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿١١﴾]
في هذه الآية دليل على تعلم أهل الفضل الصنائع، وأن التحرف بها لا ينقص من مناصبهم، بل ذلك زيادة في فضلهم وفضائلهم؛ إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم، والاستغناء عن غيرهم، وكسب الحلال الخلي عن الامتنان. القرطبي:17/263.
آية
﴿ ۞ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَٰجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُۥ وَٱلطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿١٠﴾]
وتنكير (فضلاً) لتعظيمه؛ وهو فضل النبوءة، وفضل المُلك، وفضل العناية بإصلاح الأمة، وفضل القضاء بالعدل، وفضل الشجاعة في الحرب، وفضل سَعَة النعمة عليه، وفضل إغنائه عن الناس بما ألهمه من صنع دروع الحديد، وفضل إيتائه الزبور، وإيتائه حسن الصوت، وطولَ العمر في الصلاح، وغير ذلك. ابن عاشور:22/155.
آية
﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٩﴾]
فكلما كان العبد أعظم إنابة إلى الله كان انتفاعه بالآيات أعظم؛ لأن المنيب مقبل إلى ربه، قد توجهت إراداته وهماته لربه، ورجع إليه في كل أمر من أموره، فصار قريباً من ربه، ليس له هم إلا الاشتغال بمرضاته، فيكون نظره للمخلوقات نظر فكرة وعبرة، لا نظر غفلة غير نافعة. السعدي:676.
آية
﴿ أَفَلَمْ يَرَوْا۟ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ ۚ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٩﴾]
أعلم الله تعالى أن الذي قدر على خلق السماوات والأرض وما فيهن؛ قادر على البعث، وعلى تعجيل العقوبة لهم، فاستدل بقدرته عليهم، وأن السماوات والأرض ملكه، وأنهما محيطتان بهم من كل جانب، فكيف يأمنون الخسف والكسف، كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة. القرطبي:17/259.
آية
﴿ وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلْءَاخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكٍّ ۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٢١﴾]
لم يقهرهم إبليس على الكفر، وإنما كان منه الدعاء والتزيين... لم تكن له حجة يتتبعهم بها، وإنما اتبعوه بشهوة وتقليد وهوى نفس لا عن حجة ودليل. البغوي:3/604.
آية
﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٢٠﴾]
قال ابن قتيبة: إن إبليس لما سأل النظرة فأنظره الله، قال: لأغوينهم ولأضلنهم، لم يكن مستيقناً وقت هذه المقالة أن ما قاله فيهم يتم، وإنما قاله ظنا، فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه فيهم. قال الحسن: لم يسل عليهم سيفاً ولا ضربهم بسوط، وإنما وعدهم ومناهم فاغتروا. البغوي:3/604.
آية
﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿١٩﴾]
وجُمع (الآيات) لأن في تلك القصة عدة آيات وعِبَر؛ فحالةُ مساكنهم آية على قدرة الله ورحمته وإنعامه... وفي إرسال سيل العرم عَليهم آية على انفراده تعالى بالتصرف، وعلى أنه المنتقم... وفي انعكاس حالهم من الرفاهة إلى الشظف آية على تقلب الأحوال وتغير العالم... وفي ذلك آية مِن عدم الاطمئنان لدوام حال في الخير والشر. وفيما كان من عمران إقليمهم واتساع قراهم إلى بلاد الشام آية على مبلغ العمران وعظم السلطان من آيات التصرفات، وآية على أن الأمن أساس العمران. وفي تمنيهم زوال ذلك آية على ما قد تبلغه العقول من الانحطاط المفضي إلى اختلال أمور الأمة وذهاب عظمتها، وفيما صاروا إليه من النزوحِ عن الأوطان والتشتت في الأرض آية على ما يُلجىء الاضطرارُ إليه الناس من ارتكاب الأخطار والمكاره... والجمع بين (صبار) و(شكور) في الوصف لإِفادة أن واجب المؤمن التخلق بالخُلقين وهما: الصبر على المكاره، والشكر على النعم، وهؤلاء المتحدث عنهم لم يشكروا النعمة فبطروها، ولم يصبروا على ما أصابهم من زوالها. ابن عاشور:22/180.
آية
﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِى بَٰرَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَٰهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ ۖ سِيرُوا۟ فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿١٨﴾]
وقوله تعالى: (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) هو ما ذكرناه من أن المسافر فيها كان يبيت في قرية ويقيل في أخرى على أي طريق سلك؛ لا يعوزه ذلك. وقوله تعالى: (سِيرُوا) معناه: قلنا لهم. و(آمِنِينَ) معناه: من الخوف من الناس المفسدين، وآمِنِينَ من الجوع والعطش وآفات المسافر. ابن عطية:4/416.
آية
﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِى مَسْكَنِهِمْ ءَايَةٌ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿١٥﴾]
جرَّ خبرُ سليمان عليه السلام إلى ذكر سبأ لما بين مُلك سليمان وبين مملكة سبأ من الاتصال بسبب قصة (بلقيس). ولأن في حال أهل سبأ مضادة لأحوال داود وسليمان؛ إذ كان هذان مثلاً في إسباغ النعمة على الشاكرين، وكان أولئك مثلاً لسلب النعمة عن الكافرين. ابن عاشور:22/165.
آية
﴿ وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّٰلِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوا۟ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوا۟ لَوْلَآ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٣١﴾]
(ولو ترى) يا محمد (إذ الظالمون موقوفون عند ربهم) أي: محبوسون في موقف الحساب، يتراجعون الكلام فيما بينهم باللوم والعتاب بعد أن كانوا في الدنيا أخلاء متناصرين. وجواب (لو) محذوف؛ أي: لرأيت أمراً هائلاً فظيعاً. القرطبي:17/316
آية
﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٢٦﴾]
وإنما أتبع (الفتاح) بـــ(العليم) للدلالة على أن حكمه عدْلُ مَحض؛ لأنه عليم لا تحفّ بحكمه أسباب الخطأ والجور الناشئة عن الجهل والعجز واتباع الضعف النفساني الناشيء عن الجهل بالأحوال والعواقب. ابن عاشور:22/195.
آية
﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا۟ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا۟ ٱلْحَقَّ ۖ وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْكَبِيرُ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٢٣﴾]
وتخصيص هاتين الصفتين لمناسبة مقام الجواب، أي: قد قضى بالحق لكل أحد بما يستحقه؛ فإنه لا يخفى عليه حال أحد، ولا يعوقه عن إيصاله إلى حقه عائق. ابن عاشور:22/190- 191.
آية
﴿ ۚ حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا۟ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا۟ ٱلْحَقَّ ۖ وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْكَبِيرُ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٢٣﴾]
تظاهرت الأحاديث عن رسول الله أن هذه الآية في الملائكة- عليهم السلام- فإنهم إذا سمعوا الوحي إلى جبريل يفزعون لذلك فزعاً عظيماً، فإذا زال الفزع عن قلوبهم قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم؟ فيقولون: قال الحق. ابن جزي:2/205.
آية
﴿ وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٢٣﴾]
وهذا تنبيه من الله تعالى وإخبار أن الملائكة مع اصطفائهم ورفعتهم لا يمكنهم أن يشفعوا لأحد حتى يؤذن لهم، فإذا أذن لهم وسمعوا صعقوا، وكانت هذه حالهم؛ فكيف تشفع الأصنام؟! أو كيف تؤملون أنتم الشفاعة ولا تعترفون بالقيامة؟! القرطبي:17/311.
آية
﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٣٦﴾]
إخبار يتضمن الردّ عليهم بأن بسط الرزق وقبضه في الدنيا معلق بمشيئة الله؛ فقد يوسع الله على الكافر وعلى العاصي، ويضيق على المؤمن والمطيع، وبالعكس، فليس في ذلك دليل على أمر الآخرة. ابن جزي:2/ 208.
آية
﴿ وَأَسَرُّوا۟ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا۟ ٱلْعَذَابَ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٣٣﴾]
أي: زال عنهم ذلك الاحتجاج الذي احتج به بعضهم على بعض لينجو من العذاب، وعلم أنه ظالم مستحق له، فندم كل منهم غاية الندم، وتمنى أن لو كان على الحق، وأنه ترك الباطل الذي أوصله إلى هذا العذاب سراً في أنفسهم؛ لخوفهم من الفضيحة في إقرارهم على أنفسهم. السعدي:681.
آية
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوا۟ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوا۟ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُۥٓ أَندَادًا ۚ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٣٣﴾]
هذه مراجعة من الأتباع للرؤساء حين قالوا لهم: إنما كفرتم ببصائر أنفسكم، قال المستضعفون: بل كفرنا بمكركم بنا بالليل والنهار، وأضاف المكر إلى الليل والنهار...لتدل هذه الإضافة على الدُّؤوب والدوام. ابن عطية:4/421.
آية
﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوا۟ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوٓا۟ أَنَحْنُ صَدَدْنَٰكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُم ۖ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٣٢﴾]
أي: نحن ما فعلنا بكم أكثر من أنَّا دعوناكم فاتبعتمونا من غير دليل ولا برهان، وخالفتم الأدلة والبراهين والحجج التي جاءت بها الرسل لشهوتكم واختياركم؛ ولهذا قالوا: (بل كنتم مجرمين). ابن كثير:3/518.
آية
﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ۖ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٤٧﴾]
وثَمَّ مانع للنفوس آخر من اتباع الداعي إلى الحق، وهو: أنه يأخذ أموال من يستجيب له، ويأخذ أجرة على دعوته، فبيَّن الله تعالى نزاهة رسوله صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر، فقال: (قل ما سألتكم من أجر) أي: على اتباعكم للحق. السعدي:683.
آية
﴿ ۞ قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا۟ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا۟ ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٤٦﴾]
(ثم تتفكروا) هل جربتم على صاحبكم كذباً، أو رأيتم فيه جِنة، أو في أحواله مِن فساد، أو اختلف إلى أحد ممن يدَّعي العلم بالسحر، أو تعلم الأقاصيص وقرأ الكتب، أو عرفتموه بالطمع في أموالكم، أو تقدرون على معارضته في سورة واحدة؟! فإذا عرفتم بهذا الفكر صدقه، فما بال هذه المعاندة؟! القرطبي:17/330.
آية
﴿ ۞ قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا۟ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا۟ ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٤٦﴾]
ومعناه: أن تقوموا للنظر في أمر محمد ﷺ قياماً خالصاً لله تعالى، ليس فيه اتباع هوى ولا ميل. وليس المراد بالقيام هنا القيام على الرجلين، وإنما المراد القيام بالأمر والجدّ فيه. ابن جزي:2/209.
آية
﴿ وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا۟ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَٰهُمْ فَكَذَّبُوا۟ رُسُلِى ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٤٥﴾]
أي: أعطينا الأمم الخالية من القوة والنعمة وطول العمر (فكذبوا رسلي فكيف كان نكير) أي: إنكاري وتغييري عليهم؛ يحذر كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية. البغوي:3/611.
آية
﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَٰٓئِكَةِ أَهَٰٓؤُلَآءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا۟ يَعْبُدُونَ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٤٠﴾]
والاقتصار على تقرير الملائكة واستشهادهم على المشركين لأن إبطال إلاهية الملائكة يفيد إبطال إلاهية ما هو دونها ممن عبد من دون الله بدلالة الفحوى، أي بطريق الأولى، فإن ذلك التقرير من أهم ما جعل الحشر لأجله. ابن عاشور:22/222.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَٰلِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ ۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ﴾ [سورة فاطر آية:﴿٣﴾]
ينبه تعالى عباده ويرشدهم إلى الاستدلال على توحيده في إفراد العبادة له، كما أنه المستقل بالخلق والرزق، فكذلك فليفرد بالعبادة ولا يُشرَك به غيره من الأصنام والأنداد والأوثان. ابن كثير:3/525.
آية
﴿ مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦ ﴾ [سورة فاطر آية:﴿٢﴾]
(ما يفتح الله للناس من رحمة): قيل: من مطر ورزق. (فلا ممسك لها): لا يستطيع أحد على حبسها. (وما يمسك فلا مرسل له من بعده): وهو (العزيز) فيما أمسك، (الحكيم) فيما أرسل. البغوي 3/616.
آية
﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُو۟لِىٓ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ ۚ يَزِيدُ فِى ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة فاطر آية:﴿١﴾]
افتتاحها بـ(الحمد لله) مؤذن بأن صفات من عظمة الله ستذكر فيها، وإجراء صفات الأفعال على اسم الجلالة مِن خلقِهِ السماوات والأرض، وأفضلِ ما فيها من الملائكة والمرسلين مؤذن بأن السورة جاءت لإِثبات التوحيد وتصديق الرسولﷺ. ابن عاشور:22/248.
آية
﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ فِى شَكٍّ مُّرِيبٍۭ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٥٤﴾]
وفائدة هذا التشبيه: تذكير الأحياء منهم -وهم مشركو أهل مكة- بما حل بالأمم من قبلهم؛ ليُوقنوا أن سنة الله واحدة، وأنهم لا تنفعهم أصنامهم التي زعموها شفعاء عند الله. ابن عاشور:22/245.
آية
﴿ وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍۭ بَعِيدٍ ﴾ [سورة سبأ آية:﴿٥٣﴾]
بقذفهم الباطل؛ ليدحضوا به الحق، ولكن لا سبيل إلى ذلك؛ كما لا سبيل للرامي من مكان بعيد إلى إصابة الغرض، فكذلك الباطل من المحال أن يغلب الحق أو يدفعه، وإنما يكون له صولة وقت غفلة الحق عنه، فإذا برز الحق وقاوم الباطل قمعه. السعدي:684.