سورة الأحزاب
آية
﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَٰهِكُمْ ۖ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى ٱلسَّبِيلَ ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٦﴾]
الأدعياء: جمع دعيّ؛ وهو الذي يدعى ولد فلان وليس بولده، وسببها أمر زيد بن حارثة؛ وذلك أنه كان فتى من قبيلة كلب، فسباه بعض العرب وباعه من خديجة، فوهبته للنبي ﷺ فتبناه، فكان يقال له: زيد بن محمد، حتى أنزلت هذه الآية. ابن جزي:2/182.
آية
﴿ وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يَٰٓأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُوا۟ ۚ وَيَسْتَـْٔذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿١٣﴾]
(طائفة منهم) أي: قوم كثير من موتى القلوب ومرضاها يطوف بعضهم ببعض. (يا أهل يثرب) عدلوا عن الاسم الذي وسمها به النبي ﷺ من: المدينة وطيبة -مع حسنه- إلى الاسم الذي كانت تدعى به قديماً -مع احتمال قبحه باشتقاقه من الثرب الذي هو اللوم والتعنيف- إظهاراً للعدول عن الإسلام. البقاعي:15/306.
آية
﴿ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿١٢﴾]
ظاهر العطف أنهم قوم لم يكونوا منافقين، فقيل: هم قوم كان المنافقون يستميلونهم بإدخال الشبهة عليهم، وقيل: قوم كانوا ضعفاء الاعتقاد لقرب عهدهم بالإسلام. الألوسي:11/156.
آية
﴿ إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلْأَبْصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿١٠﴾]
(وتظنون بالله الظنونا) أي: تظنون أن الكفار يغلبونكم، وقد وعدكم الله بالنصر عليهم، فأما المنافقون فظنوا ظن السوء، وصرحوا به، وأما المؤمنون فربما خطرت لبعضهم خطرة مما لا يمكن البشر دفعها، ثم استبصروا، ووثقوا بوعد الله. ابن جزي:2/183.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱذْكُرُوا۟ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٩﴾]
كانت هذه الريح معجزة للنبي ﷺ؛ لأن النبي ﷺ والمسلمين كانوا قريبا منها، لم يكن بينهم وبينها إلا عرض الخندق، وكانوا في عافية منها، ولا خبر عندهم بها. القرطبي:16/90.
آية
﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّۦنَ مِيثَٰقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظًا ﴿٧﴾ لِّيَسْـَٔلَ ٱلصَّٰدِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ ۚ وَأَعَدَّ لِلْكَٰفِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٨﴾]
يخبر تعالى أنه أخذ من النبيين... ميثاقهم الغليظ، وعهدهم الثقيل المؤكد، على القيام بدين الله، والجهاد في سبيله... وسيسأل الله الأنبياء وأتباعهم عن هذا العهد الغليظ: هل وفوا فيه وصدقوا فيثيبهم جنات النعيم؟! أم كفروا فيعذبهم العذاب الأليم؟! السعدي:659.
آية
﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّۦنَ مِيثَٰقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٧﴾]
إنما خص هؤلاء الخمسة -وإن دخلوا في زمرة النبيين- تفضيلا لهم، وقيل: لأنهم أصحاب الشرائع والكتب، وأولو العزم من الرسل وأئمة الأمم. القرطبي:17/68.
آية
﴿ وَلَمَّا رَءَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْأَحْزَابَ قَالُوا۟ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّآ إِيمَٰنًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٢٢﴾]
دليل على زيادة الإيمان وقوته بالنسبة إلى الناس وأحوالهم، كما قال جمهور الأئمة: إنه يزيد وينقص. ابن كثير:3/457.
آية
﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْءَاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٢١﴾]
استدل الأصوليون في هذه الآية على الاحتجاج بأفعال الرسولﷺ، وأن الأصل أن أمته أسوته في الأحكام، إلا ما دل الدليل الشرعي على الاختصاص به. السعدي:661.
آية
﴿ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا۟ ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٢٢﴾]
(أشحة عليكم): بأبدانهم عند القتال، وأموالهم عند النفقة فيه؛ فلا يجاهدون بأموالهم وأنفسهم... (أشحة على الخير): الذي يراد منهم؛ وهذا شر ما في الإنسان: أن يكون شحيحاً بما أُمر به، شحيحاً بماله أن ينفقه في وجهه، شحيحاً في بدنه أن يجاهد أعداء الله أو يدعو إلى سبيل الله، شحيحاً بجاهه، شحيحاً بعلمه ونصيحته ورأيه. السعدي:661.
آية
﴿ ۞ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لِإِخْوَٰنِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿١٨﴾]
أي: الذين يعوِّقون الناس عن الجهاد، ويمنعونهم منه بأقوالهم وأفعالهم، (والقائلين لإخوانهم هلم إلينا): هم المنافقون الذين قعدوا بالمدينة عن الجهاد، وكانوا يقولون لقرابتهم أو للمنافقين مثلهم: هلم إلى الجلوس معنا بالمدينة، وترك القتال. ابن جزي:2/184.
آية
﴿ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿١٦﴾]
والمقصود من الآية: تخليق المسلمين بخُلق استضعاف الحياة الدنيا، وصرف هممهم إلى السعي نحو الكمال؛ الذي به السعادة الأبدية، سيراً وراء تعاليم الدين. ابن عاشور:21/291.
آية
﴿ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلدَّارَ ٱلْءَاخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٢٩﴾]
وفي هذا التخيير فوائد عديدة:... ومنها: إظهار رفعتهن، وعلو درجتهن، وبيان علو همهن؛ أن كان الله ورسوله والدار الآخرة مرادهن ومقصودهن دون الدنيا وحطامها. السعدي:663.
آية
﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَٰرَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَـُٔوهَا ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٢٧﴾]
(وأرضاً لم تطئوها): هذا وعد بفتح أرض لم يكن المسلمون قد وطئوها حينئذ، وهي مكة، واليمن، والشام، والعراق، ومصر، فأورث الله المسلمين جميع ذلك وما وراءها إلى أقصى المشرق والمغرب. ابن جزي:2/186.
آية
﴿ يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ ۚ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٣٢﴾]
فضلهن الله على النساء بشرط التقوى، وقد حصل لهن التقوى فحصل التفضيل على جميع النساء، إلا أنه يخرج من هذا العموم: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون؛ لشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل واحدة منهن بأنها سيدة نساء عالمها. ابن جزي: 2/188.
آية
﴿ ۞ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعْمَلْ صَٰلِحًا نُّؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٣١﴾]
في إضافة الأجر إلى ضميرها إشارة إلى تعظيم ذلك الأجر بأنه يناسب مقامها، وإلى تشريفها بأنها مستحقة ذلك الأجر. ومضاعفة الأجر لهن على الطاعات كرامة لقدرهنّ. ابن عاشور:22/5.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٤١﴾]
أمر الله تعالى عباده بأن يذكروه ويشكروه، ويكثروا من ذلك على ما أنعم به عليهم، وجعل تعالى ذلك دون حد لسهولته على العبد، ولعظم الأجر فيه، قال ابن عباس: لم يعذر أحد في ترك ذكر الله إلا من غلب على عقله. القرطبي:16/167.
آية
﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّۦنَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٤٠﴾]
واستدراك قوله: (ولكن رسول الله) لرفع ما قد يُتوهم مِن نفي أبوته من انفصال صلة التراحم والبّرِ بينه وبين الأمة، فذُكِّروا بأنه رسول الله ﷺ فهو كالأب لجميع أمته في شفقته ورحمته بهم، وفي برّهم وتوقيرهم إياه؛ شأن كل نبي مع أمته. ابن عاشور:22/44.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٤٩﴾]
وأمرهم بتمتيعهن بهذه الحالة بشيء من متاع الدنيا الذي يكون فيه جبر لخواطرهن لأجل فراقهن. السعدي:668.
آية
﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٤٧﴾]
قال ابن عطية: قال لنا أبي: هذه من أرجى آية عندي في كتاب الله تعالى؛ لأن الله عز وجل قد أمر نبيه أن يبشر المؤمنين بأن لهم عنده فضلا كبيرا، وقد بين تعالى الفضل الكبير في قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير) [الشورى: 22]. القرطبي:16/173.
آية
﴿ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٥٣﴾]
قلوب الفريقين طاهرة بالتقوى، وتعظيم حرمات الله وحرمة النبي ﷺ، ولكن لما كانت التقوى لا تصل بهم إلى درجة العصمة أراد الله أن يزيدهم منها بما يكسب المؤمنين مراتب من الحفظ الإِلهي من الخواطر الشيطانية؛ بقطع أضعف أسبابها، وما يقرب أمهات المؤمنين من مرتبة العصمة الثابتة لزوجهن ﷺ؛ فإن الطيبات للطيبين بقطع الخواطر الشيطانية عنهن بقطع دابرها ولو بالفرض. ابن عاشور:22/91.
آية
﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَٰعًا فَسْـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٥٣﴾]
لأنه أبعد عن الريبة، وكلما بعد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى الشر فإنه أسلم له، وأطهر لقلبه، فلهذا من الأمور الشرعية التي بيَّن الله كثيراً من تفاصيلها أن جميع وسائل الشر وأسبابه ومقدماته ممنوعة، وأنه مشروع البعد عنها بكل طريق. السعدي:670
آية
﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَٰعًا فَسْـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٥٣﴾]
(أطهر لقلوبكم وقلوبهن) أي: أكثر تطهيرا من الخواطر الشيطانية التي تخطر للرجال في أمر النساء وللنساء في أمر الرجال؛ فإن الرؤية سبب التعلق والفتنة، وفي بعض الآثار: النظر سهم مسموم من سهام إبليس. الألوسي:11/248.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَدْخُلُوا۟ بُيُوتَ ٱلنَّبِىِّ إِلَّآ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُوا۟ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنتَشِرُوا۟ وَلَا مُسْتَـْٔنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى ٱلنَّبِىَّ فَيَسْتَحْىِۦ مِنكُمْ ۖ ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٥٣﴾]
قال ابن عباس: نزلت في قوم كانوا يتحينون طعام النبي- صلى الله عليه وسلم- فيدخلون عليه قبل الطعام، فيقعدون إلى أن يطبخ، ثم يأكلون ولا يخرجون، فأمروا أن لا يدخلوا حتى يؤذن لهم، وأن ينصرفوا إذا أكلوا (فإذا طعمتم فانتشروا) أي: انصرفوا، قال بعضهم: هذا أدب أدّب الله به الثقلاء. ابن جزي:2/194.
آية
﴿ ۞ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِى ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٦٠﴾]
وهذا فيه دليل لنفي أهل الشر الذين يتضرر بإقامتهم بين أظهر المسلمين؛ فإن ذلك أحسم للشر، وأبعد منه. السعدي:672.
آية
﴿ ۞ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِى ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٦٠﴾]
لم يذكر المعمول الذي ينتهون عنه ليعم ذلك كل ما توحي به أنفسهم إليهم، وتوسوس به وتدعو إليه من الشرّ؛ من التعريض بسب الإسلام وأهله، والإرجاف بالمسلمين، وتوهين قواهم، والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة، وغير ذلك من المعاصي الصادرة من أمثال هؤلاء. السعدي:672.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ۚ ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٥٩﴾]
أمر الله نبيه أن يأمر النساء عموماً، ويبدأ بزوجاته وبناته... لأن الآمر لغيره ينبغي أن يبدأ بأهله قبل غيرهم؛ كما قال تعالى: (ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) [التحريم:6]. السعدي:672.
آية
﴿ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُوا۟ فَقَدِ ٱحْتَمَلُوا۟ بُهْتَٰنًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٥٨﴾]
ألحقت حُرمة المؤمنين بحرمة الرسول ﷺ تنويهاً بشأنهم، وذكروا على حدة للإِشارة إلى نزول رتبتهم عن رتبة الرسول ﷺ. وهذا من الاستطراد معترض بين أحكام حُرمة النبي ﷺ وآداب أزواجه وبناته والمؤمنات. ابن عاشور:22/105.
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٥٧﴾]
ليس معنى إذايته أنه يضره الأذى؛ لأنه تعالى لا يضره شيء ولا ينفعه شيء، وقيل: إنها على حذف مضاف تقديره: يؤذون أولياء الله، والأوّل أرجح؛ لأنه ورد في الحديث يقول الله تعالى: (يشتمني ابن آدم وليس له أن يشتمني، ويكذبني وليس له أن يكذبني؛ أما شتمه إياي فقوله: إن لي صاحبة وولداً، وأما تكذيبه إياي فقوله: لا يعيدني كما بدأني). ابن جزي:2/196.
آية
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ ۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٥٦﴾]
أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى؛ بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه؛ ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين: العلوي والسفلي جميعاً. ابن كثير:3/487.
آية
﴿ لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِىٓ ءَابَآئِهِنَّ وَلَآ أَبْنَآئِهِنَّ وَلَآ إِخْوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبْنَآءِ إِخْوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبْنَآءِ أَخَوَٰتِهِنَّ وَلَا نِسَآئِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُهُنَّ ۗ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٥٥﴾]
خص النساء بالذكر، وعينهن في هذا الأمر؛ لقلة تحفظهن، وكثرة استرسالهن، والله أعلم. القرطبي:18/213.
آية
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴿٧٢﴾ لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًۢا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٧٣﴾]
يعظم تعالى شأن الأمانة التي ائتمن الله عليها المكلفين... فانقسم الناس بحسب قيامهم بها وعدمه إلى ثلاثة أقسام: منافقون أظهروا أنهم قاموا بها ظاهراً لا باطناً، ومشركون تركوها ظاهراً وباطناً، ومؤمنون قائمون بها ظاهراً وباطناً، فذكر الله تعالى أعمال هذه الأقسام الثلاثة، وما لهم من الثواب والعقاب، فقال: (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً). السعدي:674.
آية
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٧٢﴾]
وعطف الجبال على الأرض وهي منها؛ لأن الجبال أعظم الأجزاء المعروفة من ظاهر الأرض، وهي التي تشاهد الأبصارُ عظمتها. ابن عاشور:22/125.
آية
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٧٢﴾]
الأمانة هي التكاليف الشرعية من: التزام الطاعات وترك المعاصي، وقيل: هي الأمانة في الأموال، وقيل: غسل الجنابة، والصحيح العموم في التكاليف. ابن جزي:2/198.
آية
﴿ وَقُولُوا۟ قَوْلًا سَدِيدًا ﴿٧٠﴾ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٧٠﴾]
(وقولوا قولا سديداً): قال ابن عباس: صواباً، وقال قتادة: عدلاً، وقال الحسن: صدقاً... (يصلح لكم أعمالكم): قال ابن عباس: يتقبل حسناتكم، وقال مقاتل: يزك أعمالكم. (ويغفرلكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً): أي: ظفر بالخير كله. البغوي:3/589.
آية
﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يَٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولَا۠ ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٦٦﴾]
وتخصيص الوجوه بالذكر من بين سائر الأعضاء؛ لأن حر النار يؤذي الوجوه أشد مما يؤذي بقية الجلد؛ لأن الوجوه مقرّ الحواس الرقيقة: العيون، والأفواه، والآذان، والمنافس؛ كقوله تعالى: (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة) [الزمر:24]. ابن عاشور:22/116.
آية
﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴿٦٣﴾ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَٰفِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ﴾ [سورة الأحزاب آية:﴿٦٣﴾]
ومجرد مجيء الساعة قرباً وبعداً ليس تحته نتيجة ولا فائدة، وإنما النتيجة والخسار والربح والشقاء والسعادة: هل يستحق العبد العذاب، أو يستحق الثواب؟! فهذه سأخبركم بها، وأصف لكم مستحقها، فوصف مستحق العذاب، ووصف العذاب؛ لأن الوصف المذكور منطبق على هؤلاء المكذبين بالساعة، فقال: (إن الله لعن الكافرين). السعدي:672.