سورة الأحزاب
﴿ وَأَزْوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمْ ۗ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٦﴾ ]
شرف الله تعالى أزواج نبيه ﷺ بأن جعلهن أمهات المؤمنين؛ أي: في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال، وحرمة النكاح على الرجال. القرطبي:17/62.
﴿ ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٦﴾ ]
(من أنفسهم): فضلاً عن آبائهم في نفوذ حكمه فيهم، ووجوب طاعته عليهم؛ لأنه لا يدعوهم إلا إلى العقل والحكمة، ولا يأمرهم إلا بما ينجيهم، وأنفسهم إنما تدعوهم إلى الهوى والفتنة؛ فتأمرهم بما يرديهم. البقاعي:15/290.
﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَٰهِكُمْ ۖ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى ٱلسَّبِيلَ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٦﴾ ]
الأدعياء: جمع دعيّ؛ وهو الذي يدعى ولد فلان وليس بولده، وسببها أمر زيد بن حارثة؛ وذلك أنه كان فتى من قبيلة كلب، فسباه بعض العرب وباعه من خديجة، فوهبته للنبي ﷺ فتبناه، فكان يقال له: زيد بن محمد، حتى أنزلت هذه الآية. ابن جزي:2/182.
﴿ وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۚ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٢﴾ ]
يعني: القرآن، وفيه زجر عن اتباع مراسم الجاهلية، وأمر بجهادهم ومنابذتهم، وفيه دليل على ترك اتباع الآراء مع وجود النص. والخطاب له ولأمته. القرطبي:17/51
﴿ وَلَا تُطِعِ ٱلْكَٰفِرِينَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿١﴾ ]
فهؤلاء هم الأعداء على الحقيقة؛ فلا تطعهم في بعض الأمور التي تنقض التقوى وتناقضها. السعدي:657.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلْكَٰفِرِينَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ ۗ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿١﴾ ]
هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى؛ فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا؛ فلأن يأتمر مَن دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى. ابن كثير:3/448.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلْكَٰفِرِينَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿١﴾ ]
(يا أيها النبي): نداء فيه تكريم له؛ لأنه ناداه بالنبوّة، ونادى سائر الأنبياء بأسمائهم. ابن جزي:2/181.
﴿ وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يَٰٓأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُوا۟ ۚ وَيَسْتَـْٔذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿١٣﴾ ]
(طائفة منهم) أي: قوم كثير من موتى القلوب ومرضاها يطوف بعضهم ببعض. (يا أهل يثرب) عدلوا عن الاسم الذي وسمها به النبي ﷺ من: المدينة وطيبة -مع حسنه- إلى الاسم الذي كانت تدعى به قديماً -مع احتمال قبحه باشتقاقه من الثرب الذي هو اللوم والتعنيف- إظهاراً للعدول عن الإسلام. البقاعي:15/306.
﴿ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿١٢﴾ ]
ظاهر العطف أنهم قوم لم يكونوا منافقين، فقيل: هم قوم كان المنافقون يستميلونهم بإدخال الشبهة عليهم، وقيل: قوم كانوا ضعفاء الاعتقاد لقرب عهدهم بالإسلام. الألوسي:11/156.
﴿ إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلْأَبْصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿١٠﴾ ]
(وتظنون بالله الظنونا) أي: تظنون أن الكفار يغلبونكم، وقد وعدكم الله بالنصر عليهم، فأما المنافقون فظنوا ظن السوء، وصرحوا به، وأما المؤمنون فربما خطرت لبعضهم خطرة مما لا يمكن البشر دفعها، ثم استبصروا، ووثقوا بوعد الله. ابن جزي:2/183.
﴿ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلْأَبْصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿١٠﴾ ]
(وإذ زاغت الأبصار): مالت وشخصت من الرعب، وقيل: مالت عن كل شيء؛ فلم تنظر إلا إلى عدوها، (وبلغت القلوب الحناجر): فزالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق من الفزع. البغوي:3/544.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱذْكُرُوا۟ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٩﴾ ]
كانت هذه الريح معجزة للنبي ﷺ؛ لأن النبي ﷺ والمسلمين كانوا قريبا منها، لم يكن بينهم وبينها إلا عرض الخندق، وكانوا في عافية منها، ولا خبر عندهم بها. القرطبي:16/90.
﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّۦنَ مِيثَٰقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظًا ﴿٧﴾ لِّيَسْـَٔلَ ٱلصَّٰدِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ ۚ وَأَعَدَّ لِلْكَٰفِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٨﴾ ]
يخبر تعالى أنه أخذ من النبيين ... ميثاقهم الغليظ، وعهدهم الثقيل المؤكد، على القيام بدين الله، والجهاد في سبيله ... وسيسأل الله الأنبياء وأتباعهم عن هذا العهد الغليظ: هل وفوا فيه وصدقوا فيثيبهم جنات النعيم؟! أم كفروا فيعذبهم العذاب الأليم؟! السعدي:659.
﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّۦنَ مِيثَٰقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٧﴾ ]
إنما خص هؤلاء الخمسة -وإن دخلوا في زمرة النبيين- تفضيلا لهم، وقيل: لأنهم أصحاب الشرائع والكتب، وأولو العزم من الرسل وأئمة الأمم. القرطبي:17/68.
﴿ وَلَمَّا رَءَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْأَحْزَابَ قَالُوا۟ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّآ إِيمَٰنًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٢٢﴾ ]
دليل على زيادة الإيمان وقوته بالنسبة إلى الناس وأحوالهم، كما قال جمهور الأئمة: إنه يزيد وينقص. ابن كثير:3/457.
﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْءَاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٢١﴾ ]
استدل الأصوليون في هذه الآية على الاحتجاج بأفعال الرسولﷺ، وأن الأصل أن أمته أسوته في الأحكام، إلا ما دل الدليل الشرعي على الاختصاص به. السعدي:661.
﴿ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِى يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿١٩﴾ ]
لتصوير هيئة نظرهم نظر الخائف المذعور؛ الذي يحدّق بعينيه إلى جهات يحذر أن تأتيه المصائب من إحداها. ابن عاشور:21/297.
﴿ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا۟ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٢٢﴾ ]
(أشحة عليكم): بأبدانهم عند القتال، وأموالهم عند النفقة فيه؛ فلا يجاهدون بأموالهم وأنفسهم ... (أشحة على الخير): الذي يراد منهم؛ وهذا شر ما في الإنسان: أن يكون شحيحاً بما أُمر به، شحيحاً بماله أن ينفقه في وجهه، شحيحاً في بدنه أن يجاهد أعداء الله أو يدعو إلى سبيل الله، شحيحاً بجاهه، شحيحاً بعلمه ونصيحته ورأيه. السعدي:661.
﴿ ۞ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لِإِخْوَٰنِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿١٨﴾ ]
أي: الذين يعوِّقون الناس عن الجهاد، ويمنعونهم منه بأقوالهم وأفعالهم، (والقائلين لإخوانهم هلم إلينا): هم المنافقون الذين قعدوا بالمدينة عن الجهاد، وكانوا يقولون لقرابتهم أو للمنافقين مثلهم: هلم إلى الجلوس معنا بالمدينة، وترك القتال. ابن جزي:2/184.
﴿ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿١٦﴾ ]
والمقصود من الآية: تخليق المسلمين بخُلق استضعاف الحياة الدنيا، وصرف هممهم إلى السعي نحو الكمال؛ الذي به السعادة الأبدية، سيراً وراء تعاليم الدين. ابن عاشور:21/291.
﴿ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿١٦﴾ ]
والأسباب تنفع إذا لم يعارضها القضاء والقدر، فإذا جاء القضاء والقدر تلاشى كل سبب، وبطلت كل وسيلة ظنها الإنسان تنجيه. السعدي:660.
﴿ يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَٰعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٣٠﴾ ]
كلما تضاعفت الحرمات فهتكت تضاعفت العقوبات؛ ولذلك ضوعف حد الحر على العبد، والثيب على البكر . القرطبي:16/133.
﴿ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلدَّارَ ٱلْءَاخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٢٩﴾ ]
وفي هذا التخيير فوائد عديدة: ... ومنها: إظهار رفعتهن، وعلو درجتهن، وبيان علو همهن؛ أن كان الله ورسوله والدار الآخرة مرادهن ومقصودهن دون الدنيا وحطامها. السعدي:663.
﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَٰرَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَـُٔوهَا ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٢٧﴾ ]
(وأرضاً لم تطئوها): هذا وعد بفتح أرض لم يكن المسلمون قد وطئوها حينئذ، وهي مكة، واليمن، والشام، والعراق، ومصر، فأورث الله المسلمين جميع ذلك وما وراءها إلى أقصى المشرق والمغرب. ابن جزي:2/186.
﴿ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٢٥﴾ ]
(وكفى الله المؤمنين القتال): بأن أرسل عليهم ريحاً وجنوداً حتى رجعوا، ورجعت بنو قريظة إلى صياصيهم، فكفى أمر قريظة بالرعب. القرطبي:16/115.
﴿ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٢٤﴾ ]
(أو يتوب عليهم): بأن يوفقهم للتوبة والإنابة. وهذا هو الغالب على كرم الكريم؛ ولهذا ختم الآية باسمين دالين على المغفرة، والفضل، والإحسان. السعدي:662.
﴿ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٢٤﴾ ]
وتعليق التعذيب على المشيئة تنبيه لهم بسَعَة رحمة الله، وأنه لا يقطع رجاءهم في السعي إلى مغفرة ما أتوه بأن يتُوبوا فيتوب الله عليهم. ابن عاشور:21/309.
﴿ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا۟ مَا عَٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبْدِيلًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٢٣﴾ ]
فهؤلاء الرجال على الحقيقة، ومن عداهم فصورهم صور رجال، وأما الصفات فقد قصرت عن صفات الرجال. السعدي:661.
﴿ وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ وَٱلْحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَٰفِظَٰتِ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٣٥﴾ ]
لما كان الصوم من أكبر العون على كسر الشهوة ... ناسب أن يذكر بعده (والحافظين فروجهم والحافظات). ابن كثير:3/469.
﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٣٣﴾ ]
وهذا نص في دخول أزواج النبي ﷺ في أهل البيت هاهنا؛ لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولاً واحداً. ابن كثير:3/465.
﴿ وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٣٣﴾ ]
قيل لسودة رضي الله عنها: لم لا تخرجين؟ فقالت: أمرنا الله بأن نقرّ في بيوتنا، وكانت عائشة إذا قرأت هذه الآية تبكي على خروجها أيام الجمل. ابن جزي: 2/188
﴿ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٣٢﴾ ]
لما نهاهن عن الخضوع في القول فربما تُوهِّم أنهن مأمورات بإغلاظ القول، دفع هذا بقوله: (وقلن قولاً معروفاً) أي: غير غليظ ولا جاف، كما أنه ليس بليِّن خاضع. السعدي:664.
﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِۦ مَرَضٌ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٣٢﴾ ]
مريض القلب، الذي لا يتحمل ما يتحمل الصحيح، ولا يصبر على ما يصبر عليه؛ فأدنى سبب يوجد يدعوه إلى الحرام يجيب دعوته ولا يتعاصى عليه. السعدي:664.
﴿ يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ ۚ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٣٢﴾ ]
فضلهن الله على النساء بشرط التقوى، وقد حصل لهن التقوى فحصل التفضيل على جميع النساء، إلا أنه يخرج من هذا العموم: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون؛ لشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل واحدة منهن بأنها سيدة نساء عالمها. ابن جزي: 2/188.
﴿ ۞ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعْمَلْ صَٰلِحًا نُّؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٣١﴾ ]
في إضافة الأجر إلى ضميرها إشارة إلى تعظيم ذلك الأجر بأنه يناسب مقامها، وإلى تشريفها بأنها مستحقة ذلك الأجر. ومضاعفة الأجر لهن على الطاعات كرامة لقدرهنّ. ابن عاشور:22/5.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٤١﴾ ]
أمر الله تعالى عباده بأن يذكروه ويشكروه، ويكثروا من ذلك على ما أنعم به عليهم، وجعل تعالى ذلك دون حد لسهولته على العبد، ولعظم الأجر فيه، قال ابن عباس: لم يعذر أحد في ترك ذكر الله إلا من غلب على عقله. القرطبي:16/167.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٤١﴾ ]
اشترط الله الكثرة في الذكر حيثما أمر به بخلاف سائر الأعمال. والذكر يكون بالقلب وباللسان، وهو على أنواع كثيرة من: التهليل، والتسبيح، والحمد، والتكبير، وذكر أسماء الله تعالى. ابن جزي:2/191.
﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّۦنَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٤٠﴾ ]
واستدراك قوله: (ولكن رسول الله) لرفع ما قد يُتوهم مِن نفي أبوته من انفصال صلة التراحم والبّرِ بينه وبين الأمة، فذُكِّروا بأنه رسول الله ﷺ فهو كالأب لجميع أمته في شفقته ورحمته بهم، وفي برّهم وتوقيرهم إياه؛ شأن كل نبي مع أمته. ابن عاشور:22/44.
﴿ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَٰكَهَا لِكَىْ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِىٓ أَزْوَٰجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْا۟ مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٣٧﴾ ]
التعليم الفعلي أبلغ من القولي، خصوصاً إذا اقترن بالقول؛ فإن ذلك نور على نور. السعدي:666.
﴿ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَىٰهُ ۖ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٣٧﴾ ]
الرسول ﷺ قد بلغ البلاغ المبين، فلم يدع شيئاً مما أوحي إليه إلا وبلغه؛ حتى هذا الأمر الذي فيه عتابه. السعدي:666.
﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِىٓ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٣٧﴾ ]
من الرأي الحسن لمن استشار في فراق زوجته: أن يؤمر بإمساكها مهما أمكن صلاح الحال، فهو أحسن من الفُرقة. السعدي:666.
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٣٦﴾ ]
معناها: أنه ليس لمؤمن ولا مؤمنة اختيار مع الله ورسوله، بل يجب عليهم التسليم والانقياد لأمر الله ورسوله. ابن جزي:2/189.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٤٩﴾ ]
وأمرهم بتمتيعهن بهذه الحالة بشيء من متاع الدنيا الذي يكون فيه جبر لخواطرهن لأجل فراقهن. السعدي:668.
﴿ وَلَا تُطِعِ ٱلْكَٰفِرِينَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ وَدَعْ أَذَىٰهُمْ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٤٨﴾ ]
أي: لا تطعهم فيما يشيرون عليك من المداهنة في الدين ولا تمالئهم. القرطبي:16/173.
﴿ وَلَا تُطِعِ ٱلْكَٰفِرِينَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ وَدَعْ أَذَىٰهُمْ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٤٨﴾ ]
فإن ذلك جالب لهم، وداعٍ إلى قبول الإسلام، وإلى كفِّ كثير من أذيتهم له ولأهله. السعدي:668.
﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٤٧﴾ ]
قال ابن عطية : قال لنا أبي: هذه من أرجى آية عندي في كتاب الله تعالى؛ لأن الله عز وجل قد أمر نبيه أن يبشر المؤمنين بأن لهم عنده فضلا كبيرا، وقد بين تعالى الفضل الكبير في قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير) [الشورى: 22]. القرطبي:16/173.
﴿ وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٤٦﴾ ]
إخلاص الدعوة إلى الله، لا إلى نفسه وتعظيمها، كما قد يعرض ذلك لكثير من النفوس في هذا المقام. السعدي:668.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٤٥﴾ ]
وقدمت البِشارة على النِذارة لأن النبي ﷺ غلب عليه التبشير؛ لأنه رحمة للعالمين، ولكثرة عدد المؤمنين في أمته. ابن عاشور:22/53.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴿٤٥﴾ وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِۦ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٤٥﴾ ]
هذه الأشياء التي وصف الله بها رسوله محمداً ﷺ هي المقصود من رسالته، وزبدتها، وأصولها التي اختص بها. السعدي:667.
﴿ لَّا يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِنۢ بَعْدُ وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَٰجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٥٢﴾ ]
هذا شكر من الله -الذي لم يزل شكوراً- لزوجات رسوله رضي الله عنهن؛ حيث اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، أن رحمهن وقصر رسوله عليهن. السعدي:670.
﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٥١﴾ ]
مناسبة صفة العلم لقوله: (والله يعلم ما في قلوبكم) ظاهرة، ومناسبة صفة الحليم باعتبار أن المقصود ترغيب الرسول ﷺ في أليق الأحوال بصفة الحليم. ابن عاشور:22/77.
﴿ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٥٣﴾ ]
قلوب الفريقين طاهرة بالتقوى، وتعظيم حرمات الله وحرمة النبي ﷺ، ولكن لما كانت التقوى لا تصل بهم إلى درجة العصمة أراد الله أن يزيدهم منها بما يكسب المؤمنين مراتب من الحفظ الإِلهي من الخواطر الشيطانية؛ بقطع أضعف أسبابها، وما يقرب أمهات المؤمنين من مرتبة العصمة الثابتة لزوجهن ﷺ؛ فإن الطيبات للطيبين بقطع الخواطر الشيطانية عنهن بقطع دابرها ولو بالفرض. ابن عاشور:22/91.
﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَٰعًا فَسْـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٥٣﴾ ]
لأنه أبعد عن الريبة، وكلما بعد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى الشر فإنه أسلم له، وأطهر لقلبه، فلهذا من الأمور الشرعية التي بيَّن الله كثيراً من تفاصيلها أن جميع وسائل الشر وأسبابه ومقدماته ممنوعة، وأنه مشروع البعد عنها بكل طريق. السعدي:670
﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَٰعًا فَسْـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٥٣﴾ ]
(أطهر لقلوبكم وقلوبهن) أي: أكثر تطهيرا من الخواطر الشيطانية التي تخطر للرجال في أمر النساء وللنساء في أمر الرجال؛ فإن الرؤية سبب التعلق والفتنة، وفي بعض الآثار: النظر سهم مسموم من سهام إبليس. الألوسي:11/248.
﴿ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى ٱلنَّبِىَّ فَيَسْتَحْىِۦ مِنكُمْ ۖ وَٱللَّهُ لَا يَسْتَحْىِۦ مِنَ ٱلْحَقِّ ۚ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٥٣﴾ ]
فالأمر الشرعي ولو كان يتوهم أن في تركه أدباً وحياءً، فإن الحزم كل الحزم اتباع الأمر الشرعي، وأن يجزم أن ما خالفه ليس من الأدب في شيء. السعدي:670.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَدْخُلُوا۟ بُيُوتَ ٱلنَّبِىِّ إِلَّآ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُوا۟ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنتَشِرُوا۟ وَلَا مُسْتَـْٔنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى ٱلنَّبِىَّ فَيَسْتَحْىِۦ مِنكُمْ ۖ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٥٣﴾ ]
قال ابن عباس: نزلت في قوم كانوا يتحينون طعام النبي- صلى الله عليه وسلم- فيدخلون عليه قبل الطعام، فيقعدون إلى أن يطبخ، ثم يأكلون ولا يخرجون، فأمروا أن لا يدخلوا حتى يؤذن لهم، وأن ينصرفوا إذا أكلوا (فإذا طعمتم فانتشروا) أي: انصرفوا، قال بعضهم: هذا أدب أدّب الله به الثقلاء. ابن جزي:2/194.
﴿ ۞ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِى ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٦٠﴾ ]
وهذا فيه دليل لنفي أهل الشر الذين يتضرر بإقامتهم بين أظهر المسلمين؛ فإن ذلك أحسم للشر، وأبعد منه. السعدي:672.
﴿ ۞ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِى ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٦٠﴾ ]
لم يذكر المعمول الذي ينتهون عنه ليعم ذلك كل ما توحي به أنفسهم إليهم، وتوسوس به وتدعو إليه من الشرّ؛ من التعريض بسب الإسلام وأهله، والإرجاف بالمسلمين، وتوهين قواهم، والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة، وغير ذلك من المعاصي الصادرة من أمثال هؤلاء. السعدي:672.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ۚ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٥٩﴾ ]
أمر الله نبيه أن يأمر النساء عموماً، ويبدأ بزوجاته وبناته ... لأن الآمر لغيره ينبغي أن يبدأ بأهله قبل غيرهم؛ كما قال تعالى: (ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) [التحريم:6]. السعدي:672.
﴿ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُوا۟ فَقَدِ ٱحْتَمَلُوا۟ بُهْتَٰنًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٥٨﴾ ]
ألحقت حُرمة المؤمنين بحرمة الرسول ﷺ تنويهاً بشأنهم، وذكروا على حدة للإِشارة إلى نزول رتبتهم عن رتبة الرسول ﷺ. وهذا من الاستطراد معترض بين أحكام حُرمة النبي ﷺ وآداب أزواجه وبناته والمؤمنات. ابن عاشور:22/105.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٥٧﴾ ]
ليس معنى إذايته أنه يضره الأذى؛ لأنه تعالى لا يضره شيء ولا ينفعه شيء، وقيل: إنها على حذف مضاف تقديره: يؤذون أولياء الله، والأوّل أرجح؛ لأنه ورد في الحديث يقول الله تعالى: (يشتمني ابن آدم وليس له أن يشتمني، ويكذبني وليس له أن يكذبني؛ أما شتمه إياي فقوله: إن لي صاحبة وولداً، وأما تكذيبه إياي فقوله: لا يعيدني كما بدأني). ابن جزي:2/196.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ ۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٥٦﴾ ]
أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى؛ بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه؛ ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين: العلوي والسفلي جميعاً. ابن كثير:3/487.
﴿ لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِىٓ ءَابَآئِهِنَّ وَلَآ أَبْنَآئِهِنَّ وَلَآ إِخْوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبْنَآءِ إِخْوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبْنَآءِ أَخَوَٰتِهِنَّ وَلَا نِسَآئِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُهُنَّ ۗ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٥٥﴾ ]
خص النساء بالذكر، وعينهن في هذا الأمر؛ لقلة تحفظهن، وكثرة استرسالهن، والله أعلم. القرطبي:18/213.
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴿٧٢﴾ لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًۢا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٧٣﴾ ]
يعظم تعالى شأن الأمانة التي ائتمن الله عليها المكلفين ... فانقسم الناس بحسب قيامهم بها وعدمه إلى ثلاثة أقسام: منافقون أظهروا أنهم قاموا بها ظاهراً لا باطناً، ومشركون تركوها ظاهراً وباطناً، ومؤمنون قائمون بها ظاهراً وباطناً، فذكر الله تعالى أعمال هذه الأقسام الثلاثة، وما لهم من الثواب والعقاب، فقال: (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً). السعدي:674.
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٧٢﴾ ]
وعطف الجبال على الأرض وهي منها؛ لأن الجبال أعظم الأجزاء المعروفة من ظاهر الأرض، وهي التي تشاهد الأبصارُ عظمتها. ابن عاشور:22/125.
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٧٢﴾ ]
الأمانة هي التكاليف الشرعية من: التزام الطاعات وترك المعاصي، وقيل: هي الأمانة في الأموال، وقيل: غسل الجنابة، والصحيح العموم في التكاليف. ابن جزي:2/198.
﴿ وَقُولُوا۟ قَوْلًا سَدِيدًا ﴿٧٠﴾ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٧٠﴾ ]
(وقولوا قولا سديداً): قال ابن عباس: صواباً، وقال قتادة: عدلاً، وقال الحسن: صدقاً ... (يصلح لكم أعمالكم): قال ابن عباس: يتقبل حسناتكم، وقال مقاتل : يزك أعمالكم. (ويغفرلكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً): أي: ظفر بالخير كله. البغوي:3/589.
﴿ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُوا۟ ۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٦٩﴾ ]
قال ابن عباس: «كان حظياً عند الله لا يسأل شيئاً إلا أعطاه»، وقال الحسن: «كان مستجاب الدعوة»، وقيل: كان محبباً مقبولاً. البغوي:3/588.
﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يَٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولَا۠ ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٦٦﴾ ]
وتخصيص الوجوه بالذكر من بين سائر الأعضاء؛ لأن حر النار يؤذي الوجوه أشد مما يؤذي بقية الجلد؛ لأن الوجوه مقرّ الحواس الرقيقة: العيون، والأفواه، والآذان، والمنافس؛ كقوله تعالى: (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة) [الزمر:24]. ابن عاشور:22/116.
﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴿٦٣﴾ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَٰفِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ﴾ [ سورة الأحزاب آية:﴿٦٣﴾ ]
ومجرد مجيء الساعة قرباً وبعداً ليس تحته نتيجة ولا فائدة، وإنما النتيجة والخسار والربح والشقاء والسعادة: هل يستحق العبد العذاب، أو يستحق الثواب؟! فهذه سأخبركم بها، وأصف لكم مستحقها، فوصف مستحق العذاب، ووصف العذاب؛ لأن الوصف المذكور منطبق على هؤلاء المكذبين بالساعة، فقال: (إن الله لعن الكافرين). السعدي:672.