سورة السجدة
آية
﴿ ذَٰلِكَ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [سورة السجدة آية:﴿٦﴾]
ومناسبة وصفه تعالى بـ،(العزيز الرحيم) عقب ما تقدم: أنه خلق الخلق بمحض قدرته بدون معين، فالعزة -وهي الاستغناء عن الغير- ظاهرة، وأنه خلقهم على أحوال فيها لطف بهم؛ فهو رحيم بهم فيما خلقهم؛ إذ جعل أمور حياتهم ملائمة لهم، فيها نعيم لهم، وجنبهم الآلام فيها. ابن عاشور:21/215.
آية
﴿ يُدَبِّرُ ٱلْأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُۥٓ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [سورة السجدة آية:﴿٥﴾]
فيه إشارة إلى أن تدبير العباد عند تدبيره عزّ وجلّ لا أثر له، فطوبى لمن رزق الرضا بتدبير الله تعالى واستغنى عن تدبيره. الألوسي: 11/138.
آية
﴿ مَا لَكُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة السجدة آية:﴿٤﴾]
يقول: ما لكم أيها الناس دونه ولي يلي أمركم وينصركم منه إن أراد بكم ضرا، ولا شفيع يشفع لكم عنده إن هو عاقبكم على معصيتكم إياه، يقول: فإياه فاتخذوا وليا، وبه وبطاعته فاستعينوا على أموركم؛ فإنه يمنعكم إذا أراد منعكم ممن أرادكم بسوء، ولا يقدر أحد على دفعه عما أراد بكم هو؛ لأنه لا يقهره قاهر. الطبري:20/166
آية
﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة السجدة آية:﴿٤﴾]
أي: ألا تسمعون هذه المواعظ؛ فلا تتذكرون بها، أو أتسمعونها؛ فلا تتذكرون بها، فالإنكار على الأول متوجه إلى عدم السماع، وعدم التذكر معا، وعلى الثاني إلى عدم التذكر مع تحقق ما يوجبه من السماع. الألوسي:11/118.
آية
﴿ تَنزِيلُ ٱلْكِتَٰبِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة السجدة آية:﴿٢﴾]
افتتحت السورة بالتنويه بشأن القرآن؛ لأنه جامع الهدى الذي تضمنته هذه السورة وغيرها، ولأن جماع ضلال الضالّين هو التكذيب بهذا الكتاب، فالله جعل القرآن هدى للناس، وخصّ العرب أن شَرفهم بجعلهم أولَ من يتلقّى هذا الكتاب. ابن عاشور:21/205.
آية
﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ [سورة السجدة آية:﴿١٧﴾]
أي: فلا يعلم أحدٌ عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد؛ لما أخفوا أعمالهم، كذلك أخفى الله لهم من الثواب، جزاء وفاقاً؛ فإن الجزاء من جنس العمل. قال الحسن البصري: أخفى قوم عملهم فأخفى الله لهم ما لم تر عين، ولم يخطر على قلب بشر. ابن كثير:3/443.
آية
﴿ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [سورة السجدة آية:﴿١٦﴾]
(ومما رزقناهم ينفقون): ولما ذكر إيثارهم التقرب إلى الله على حظوظ لذاتهم الجسدية ذكر معه إيثارهم إياه على ما به نوال لَذات أخرى؛ وهو المال. ابن عاشور:21/229.
آية
﴿ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [سورة السجدة آية:﴿١٦﴾]
(وطمعاً) أي: في رضاه الموجب لثوابه، وعبر به دون الرجاء؛ إشارة إلى أنهم لشدة معرفتهم بنقائصهم لا يعدون أعمالهم شيئاً، بل يطلبون فضله بغير سبب، وإذا كانوا يرجون رحمته بغير سبب فهم مع السبب أرجى؛ فهم لا ييأسون من روحه. البقاعي:15/256.
آية
﴿ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [سورة السجدة آية:﴿١٦﴾]
(تتجافى جنوبهم عن المضاجع) أي: ترتفع، والمعنى: يتركون مضاجعهم بالليل من كثرة صلاتهم النوافل، ومن صلى العشاء والصبح في جماعة فقد أخذ بحظه من هذا. ابن جزي:2/179.
آية
﴿ وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا۟ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ [سورة السجدة آية:﴿١٢﴾]
ولو ترى حال المجرمين في الآخرة؛ لرأيت أمرا مهولاً. (ناكسوا رؤوسهم) عبارة عن الذل، والغم، والندم. (ربنا أبصرنا وسمعنا) تقديره: يقولون: ربنا قد علمنا الحقائق. ابن جزي:2/178.
آية
﴿ قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لَا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِيمَٰنُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ [سورة السجدة آية:﴿٢٩﴾]
ومن زعم أن المراد من هذا الفتح فتح مكة فقد أبعد النجعة، وأخطأ فأفحش؛ فإن يوم الفتح قد قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إسلام الطلقاء، وقد كانوا قريباً من ألفين، ولو كان المراد فتح مكة لما قبل إسلامهم؛ لقوله تعالى: (قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون)، وإنما المراد الفتح الذي هو القضاء والفصل. ابن كثير: 3/447.
آية
﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَٰكِنِهِمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ ۖ أَفَلَا يَسْمَعُونَ ﴾ [سورة السجدة آية:﴿٢٦﴾]
(إن في ذلك) أي: فيما ذكر من إهلاكنا للأمم الخالية العاتية، أو في مساكنهم، (لآيات) عظيمة في أنفسها، كثيرة في عددها، (أفلا يسمعون) هذه الآيات سماع تدبر واتعاظ. الألوسي:11/136.
آية
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا۟ ۖ ﴾ [سورة السجدة آية:﴿٢٤﴾]
سئل سفيان عن قول علي- رضي الله عنه-: «الصبر من الإيمان بمنْزلة الرأس من الجسد» فقال: ألم تسمع قوله: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) قال: «لما أخذوا برأس الأمر صاروا رؤوساً». ابن كثير:3/446.
آية
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا۟ ۖ وَكَانُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [سورة السجدة آية:﴿٢٤﴾]
فيه إشارة إلى ما ينبغي أن يكون المرشد عليه من الأوصاف؛ وهو الصبر على مشاق العبادات، وأنواع البليات، وحبس النفس عن ملاذ الشهوات، والإيقان بالآيات، فمن يدعي الإرشاد وهو غير متصف بما ذكر فهو ضال. الألوسي:11/139.
آية
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ ۚ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴾ [سورة السجدة آية:﴿٢٢﴾]
(ومن أظلم) أي: لا أحد أظلم لنفسه، (ممن ذكر بآيات ربه) أي: بحججه وعلاماته، (ثم أعرض عنها) بترك القبول، (إنا من المجرمين منتقمون) لتكذيبهم وإعراضهم. القرطبي:17/40-41.